1
1. زراعة البطاطس
“الآنسة بريسا، يؤسفني أن أنقل إليكِ هذا الخبر.”
كان ذلك في اليوم السابق مباشرةً لحفل تخرّجي من أكاديمية العاصمة.
“لقد توفّي المركيز سيرس في حادث عربة. نتقدّم بتعازينا.”
كنتُ أقرأ كتابًا في المكتبة حين سمعتُ خبر وفاة والدي.
“كما تمّ العثور على الابن الأكبر للمركيز سيرس، الذي كان يُعتقد أنه في عداد المفقودين.”
وفي اللحظة نفسها، وصلني أيضًا خبر عودة أخي غير الشقيق.
“ولذلك، فإن لقب مركيز سيرس……”
توقّف المعلّم المسؤول عن إيصال الخبر، ثم ضمّ كتفيّ المتجمّدتين بحذر.
“وبموجب الوصيّة، تقرّر أن يرث اللقب ذلك الابن الأكبر.”
لم يكن لوفاة والدي وقعٌ كبير عليّ. فمنذ البداية، لم تكن بيننا أيّ عاطفة أبوية تُذكر.
إلى درجة أنّني، خلال العامين اللذين قضيتهما في أكاديمية العاصمة، لم أنزل إلى إقطاعية المركيز ولو مرّة واحدة.
لكن أن يصبح أخٌ غير شقيق، لم أره في حياتي قط، مركيز سيرس… كان ذلك صادمًا بحق.
منذ طفولتي المبكرة، تلقيتُ تعليمي بوصفـي الوريثة الرسمية لبيت المركيز.
ومع ذلك، يُقال الآن إنني لن أرث اللقب…….
لو كانت أمّي، التي توفّيت قبل عامين، تسمع هذا الخبر في العالم الآخر، لكانت ركَلَت التابوت وخرجت فورًا لتقلب قصر المركيز رأسًا على عقب.
“هل يُعقل أن يعود ذلك الابن الأكبر المولود من خادمة؟ إن لم يتمكّنوا من العثور عليه حتى الآن، فهذا يعني أنهم لن يعثروا عليه أبدًا.”
كان والدي، مركيز سيرس، قد تزوّج مرّتين.
كان زواجه الأوّل من خادمة في القصر.
هرب معها سرًّا، وتزوّجها في معبدٍ ريفي بعيد.
لكن لم تمضِ سوى أيّام قليلة حتى انكشف الأمر للعائلة، ففُرض عليه الطلاق.
أما الخادمة، التي كانت حاملًا بابن، فقد اختفت دون أيّ أثر.
وبعد مرور عشر سنوات، تزوّج والدي من أمّي للمرة الثانية.
في الحقيقة، ومنذ لحظة الطلاق، لم يتوقّف والدي يومًا عن البحث عن ابنه الأكبر.
مع أنّ كل ما كان يعرفه عن الجنين هو جنسه فقط، كما أخبره الطبيب عند تأكيد الحمل.
وكان مصمّمًا على أن يورّثه لقب المركيز مهما كان الثمن.
ولهذا السبب، كانت أمّي تهمس كل يوم بقلق:
“لن يظهر ذلك الوضيع فجأةً، أليس كذلك؟ حتى لو كان دمه مختلطًا بدم العامّة، فلا يمكن أن يصبح مركيز سيرس حقيقيًا.”
كانت أمّي آخر أميرة في مملكة ليينتي.
ورغم أنّ المملكة سقطت بعد الهزيمة، فإن ليينتي كانت دولةً ذات تاريخ طويل.
ولهذا، كانت تؤكّد دائمًا أن نسبي أرقى بكثير من نسب ذلك الابن الأكبر.
“لا بدّ أنه كان يزرع الشمام بين العامّة. كيف يمكن لمخلوقٍ مثله أن يعيش كمن يليق بلقب مركيز سيرس العريق؟”
لكن كل تلك التوقّعات كانت خاطئة.
أخي غير الشقيق، ألفيِرس سيرس، لم يكن شخصًا عاديًا.
نشأ ألفيرس بين العامّة كمرتزق، لكن كفاءته كانت لافتة إلى درجة أنه لفت انتباه الأمير الثاني حين أُرسل لقمع الحرب الأهلية في الشمال.
في الشمال، لُقّب ببطل الحرب، حتى إن الأمير الثاني وعده بمنحه لقبًا نبيلًا.
وبعد أن أنهى الحرب الأهلية الشمالية، وأثناء عودته إلى العاصمة، علم أخيرًا بهوية والده الحقيقي.
لكن للأسف، كان والدي قد لقي مصرعه فورًا في حادث العربة، قبل أن تصله الأخبار.
وبعد أن سمعتُ كل هذه الملابسات، لم يكن أمامي سوى التوجّه إلى إقطاعية المركيز.
كان عليّ، على الأقل، حضور جنازة والدي.
—
التقيتُ ألفيرس للمرة الأولى في جنازة إقطاعية المركيز.
وجهٌ وسيم على نحوٍ لافت، وجسد متين.
شَعرٌ بلاتينيّ أشقر، وعينان بلون السماء، تمامًا مثلي.
اقترب الشاب، وهو يرتدي ثياب الحداد، بخطواتٍ طويلة متردّدة، ثم حيّاني بحذر.
“بريسا؟ أنتِ بريسا، صحيح؟”
في تلك اللحظة، شعرتُ وكأن رأسي قد فرغ تمامًا.
“أنا… همم، اسمي ألفيرس…… قيل لي إن بيننا فرق عشر سنوات. هذا يعني أنكِ في الثانية عشرة الآن، أليس كذلك؟ لا أعلم إن كنتِ سمعتِ، لكن… أنا أخوكِ…….”
بعد ذلك.
لا أذكر كيف انتهت الجنازة، ولا كيف دخلتُ غرفتي.
انقطعت ذاكرتي فجأة.
والسبب هو……
‘هل جننتُ؟’
في اللحظة التي نظرتُ فيها إلى وجه ألفيرس، تدفّقت إلى رأسي ذكريات غريبة.
هذا العالم الذي أعيش فيه… هو عالم رواية كنتُ أقرؤها في حياتي السابقة.
‘بطل الرواية هو ألفيرس. الآن يبدو شابًا طيبًا وبسيطًا، لكنه سيسقط قريبًا في الظلام.’
ولم يكن ذلك أسوأ ما في الأمر.
فالمستقبل الذي ينتظرني كان يائسًا تمامًا.
بعد انتهاء الجنازة، حبستُ نفسي في الغرفة وحدي.
“آنسة! آنسة!”
الخادمات المخلصات في قصر المركيز كنّ في حيرةٍ من أمرهن، لكنني لم أملك ذهنيًا القدرة على الرد.
وفاة أبٍ لم أره سوى مرات معدودة، وظهور أخٍ غير شقيق كانت أمّي تحذّرني منه طوال حياتها، لم يكونا أهمّ ما يقلقني الآن.
ما كان يخيفني أكثر من أيّ شيء… هو احتمال أن أكون قد فقدتُ صوابي.
كيف يمكن أن يكون هذا العالم رواية؟
‘لقد أصبحتُ يتيمة، وظهر أخٌ غير شقيق لم أكن أعلم بوجوده، وانتُزع مني لقب المركيز دفعةً واحدة… لا بدّ أن الصدمة هي السبب.’
أمسكتُ كتابًا سميكًا كعادتي، وأنا ألهث.
‘يجب ألّا يعلم أحد بأنني فقدتُ عقلي.’
لم يكن بإمكاني أن أتفوّه بكلام عن حياة سابقة أو مستقبلٍ أعرفه.
“هل تعلمين؟ آخر أميرة في ليينتي… قيل إنها كانت تعاني من الجنون.”
“حقًا؟ إذًا ماذا عن ابنتها؟ بريسا سيرس أيضًا، أليست غير طبيعية؟”
“هذا محتمل. لماذا تعتقدين أن المركيز سيرس ظلّ يبحث عن ابنه من الخادمة طوال الوقت؟”
استحضرتُ تلك الهمسات التي سمعتها خلف ظهري في الماضي، وأغمضتُ عينيّ بقوّة.
لو قلتُ إنني أتذكّر حياة سابقة، سيقول الجميع إنني ورثتُ جنون أمّي أخيرًا.
‘ربما يتحسّن الأمر مع الوقت؟ لا أرى هلوسات، ولا أسمع أصواتًا…….’
في تلك اللحظة—
“أمم… بريسا. أنا، همم، ألفيرس.”
ترافق صوت طرق خفيف مع صوتٍ رجولي منخفض.
كان ألفيرس، الذي التقيتُه في الجنازة، يطرق باب غرفتي.
“أنا… ذلك الشخص الذي أصبح من اليوم فردًا من عائلتك. يعني… حتى لو رحل والدك، فأنتِ لستِ وحدك…….”
في نبرة بطل الحرب، كان هناك صدق ساذج يكاد يكون مؤلمًا.
“أمم… هل يمكنني الدخول الآن؟”
أجبتُ فورًا:
“لا.”
“أمم… هل نتحادث قليلًا؟”
“لا.”
“إذًا، هل يمكنني أن أراكِ للحظة فقط……؟”
“لا يمكن.”
أنا بدأتُ أرى أوهامًا لمجرّد النظر إلى وجهه……
‘ماذا لو ساءت حالتي أكثر إن رأيته مجددًا؟’
لم يكن طرده صعبًا. فأنا لم أكن يومًا لطيفة أو ودودة بطبيعتي.
“آه…… هل أنتِ مشغولة الآن؟”
“مشغولة جدًا.”
“هل أستطيع مساعدتكِ بشيء؟”
“أنا أقرأ، وسيكون من المفيد جدًا إن غادرتَ الآن.”
“أيّ كتاب؟ أنا أحب الأدب كثيرًا! إن كان كتابًا قرأته، يمكننا حتى مناقشته……”
“<فهم الماشية، المجلد السابع عشر – التزاوج والتكاثر>.”
“……”
ساد صمتٌ تام خلف الباب.
ظننتُ أنه غادر، لكن صوتًا متردّدًا عاد يُسمَع.
“سأغادر الآن إلى العاصمة. القصر الإمبراطوري… همم، عليّ أن أستلم تعويضات الحرب في أسرع وقت.”
“……”
“يبدو أن الوضع المالي لإقطاعية المركيز ليس جيّدًا جدًا. طبعًا! هذا ليس أمرًا عليكِ القلق بشأنه إطلاقًا، أبدًا، ولا بنسبةٍ ضئيلة.”
فهمتُ فورًا.
‘هذا يعني أن الأمر مقلق… وبشدة.’
كنتُ قد عدتُ إلى قصر المركيز اليوم فقط بعد غياب عامين، ولم أكن أعرف تفاصيل وضع الإقطاعية.
لكنني كنتُ أعلم أن أحوالها لم تكن جيّدة يومًا.
“سأعود خلال عشرة أيام على الأكثر. حينها، آمل أن أراكِ…… وقد استعدتِ هدوءكِ.”
كنتُ أتنفّس بقلق.
الآن، كان ألفيرس يتحدّث تمامًا كما في ‘المستقبل’ الذي أعرفه.
‘لا تقل لي إن الخادم الأكبر انكشف أمر اختلاسه وطُرد؟’
وقبل أن يكتمل هذا الشكّ، أضاف ألفيرس:
“آه، وبالمناسبة…… لقد صرفتُ الخادم الأكبر. فقط… همم، لأسبابٍ تخصّ الكبار. بدلًا عنه، سأترك نائبي هنا، فإن احتجتِ إلى أيّ مساعدة، يمكنكِ اللجوء إليه.”
شعرتُ باليأس.
‘هل يُعقل أنني لستُ مجنونة؟ هل هذا فعلًا مستقبل حقيقي قادم؟’
لكن لا يوجد شخص مجنون يعتقد أنه مجنون.
حتى أمّي، إلى آخر يومٍ في حياتها، لم تعترف بمرضها.
‘لكن… إن كان ما أراه وهمًا هو في الحقيقة مستقبلٌ مؤكّد…….’
ففي هذه الحالة، لن يعود ألفيرس بعد عشرة أيام.
سيعود بعد ثلاثة أشهر، مثخنًا بالجراح.
وعندما يعود، لن يكون هناك أحد في الإقطاعية.
الجميع سيموت.
‘وإن نطقتُ بهذا الكلام، سأكون فعلًا مجنونة…… أو ربما أنا مجنونة أصلًا…….’
وبينما كنتُ غارقةً في هذه الأفكار، بدأت خطوات ألفيرس تبتعد.
كنتُ متأكدة أنني فقدتُ عقلي، ومع ذلك، كان كل شيء يسير تمامًا كما في أوهامي.
إن استمرّ الأمر هكذا…… إن تركتُ ألفيرس يرحل كما في القصة الأصلية…….
‘آاااااه!’
في النهاية، نبشتُ حقيبتي، أخرجتُ شيئًا ما، وصرختُ نحو الباب:
“انتظر لحظة!”
التعليقات لهذا الفصل " 1"