قصّته لم تكن تختلف كثيرًا عمّا توقّعته.
بعد أن غادرت ليليث وزينون القاعة، قيل إنّ قاعة الاحتفال أصبحت مليئة بالحديث عنهما.
كان الناس يتكهّنون بعلاقتهما على طريقتهم الخاصّة.
قال البعض إنّهما كانا عاشقين منذ زمن، بينما ادّعى آخرون أنّ زينون ينوي الانتقام من ليليث.
تسلّطت كلّ الأنظار على روزالين التي بقيت في مكانها، لكنّها لم تعطِ إجابة واكتفت بابتسامة خفيفة.
كارل نفسه تفاجأ تمامًا بهذا التطوّر غير المتوقّع.
حاول استرجاع ذكرياته الباهتة من الماضي، لكنّه لم يستطع معرفة شيء عن علاقة ليليث وزينون.
وهكذا، غرق الحضور في الحيرة.
لم تُحلّ تلك الفوضى إلّا بعد عودة زينون.
عاد زينون إلى قاعة الاحتفال وحيدًا بعد أن تلقّى صفعة من ليليث.
عند ظهوره مجدّدًا، تبادل الناس النظرات بحذر، حتّى تجرّأ أحدهم وفتح المجال، ثمّ هجموا على زينون بضجيج.
تعامل زينون معهم بصمت مناسب وإجابات متقطّعة.
بسبب موقفه المتحفّظ، لم يحصل الناس على الكثير من المعلومات، لكنّهم أدركوا شيئًا واحدًا بوضوح.
وهو أنّ زينون كان جادًا.
“سأتزوّج ليليث بلين.”
كان هذا ردّه الوحيد المتكرّر على كلّ الأسئلة التي انهالت عليه.
وبفضل ذلك، أدرك الناس بسرعة.
مهما كانت نواياه الحقيقيّة، كان زينون مصمّمًا على الزواج من ليليث.
“من حسن حظّكِ أنّكِ غادرتِ مبكرًا أمس.
لو لم تفعلي، لكان الأمر قد تحوّل إلى فوضى عارمة.”
مزح كارل بطريقته. لكن ليليث، التي لم تكن في مزاج للمزاح، وجّهت إليه نظرة باردة.
“وماذا بعد؟”
“وماذا بعد ماذا…”
واصل كارل كلامه وهو يخدش رأسه.
على أيّ حال، بعد أن تأكّد الناس من جديّة زينون، بدأوا يثرثرون بما لديهم. وسط كلّ تلك التكهّنات، ظلّ زينون صامتًا بثقل.
لكن قبل أن يغادر قاعة الاحتفال، قال زينون:
“ستوافق. حتمًا.”
“ها.”
بعد أن سمعت قصّة كارل كاملة، أطلقت ليليث ضحكة ساخرة من الدهشة.
أنا أوافق؟ كلام لا يُعقل.
غضبت ليليث من ثقة زينون الزائدة.
كانت قد أوضحت بالفعل أنّها لا تنوي الزواج، ولم تكن شخصًا يسهل التلاعب به كما يريد زينون.
كان يجب أن يعرف ذلك، ومع ذلك تجرّأ على قول هذا.
شعرت ليليث بالغضب الذي حاولت تهدئته بشاي الزهور يعود ليتصاعد من داخلها.
دون أن يدرك مشاعرها، أطلق كارل ضحكة خفيفة وتحدّث.
“بالمناسبة، ليليث. هل ستتزوّجين ذلك الرجل حقًا؟”
“ماذا تظن أنّني سأفعل؟”
“من المستحيل أن تقبلي به أبدًا. بالطبع.”
كان كارل، الذي يعرف ليليث منذ زمن، يعلم الإجابة الصحيحة بطبيعة الحال.
لم تجب ليليث، ورفعت فنجان الشاي إلى فمها بأناقة مرّة أخرى.
لكن على عكس مظهرها الهادئ، كان داخلها مضطربًا.
لنرتب الأمور. من أين بدأ هذا التشابك؟
فكّرت ليليث بغضب أنّها تودّ خدش وجه زينون الوقح بأظافرها، وعبست.
لم تعد تشعر برائحة الشاي المهدئة الآن.
بينما كان يراقبها بهدوء، فتح كارل فمه.
“هل رفضكِ…”
رفعت ليليث عينيها فقط لتنظر إليه.
كان في نظرتها الهادئة قوّة ما.
شعر كارل بالضغط من عينيها، فتوقّف عن الكلام للحظة، لكنّه استعاد رباطة جأشه وتابع.
“هل رفضكِ للزواج من السير زينون بسبب كاليكس؟”
عند سماع ذلك، وضعت ليليث فنجان الشاي.
-طق
كان الصوت العالي يكشف بوضوح عن انزعاجها.
كانت ليليث، التي تلقّت تدريبًا كوريثة، بارعة في إخفاء مشاعرها.
أن تُظهر انزعاجها علنًا هكذا يعني إمّا أنّها اهتزّت لدرجة لا تستطيع معها كتم مشاعرها، أو أنّها تعمّدت ذلك لتوضّح أنّها منزعجة.
في هذه الحالة، كان الخيار الثاني هو الصحيح.
“لا تتجاوز حدودك، كارل.”
“ليليث.”
“لا تذكر ذلك الاسم أمامي بتهوّر.” قالت بنبرة منزعجة.
“أن أتحمّل وقاحتك الآن هو من أجل صداقتنا. لكن إذا ذكرت كاليكس مرّة أخرى في هذا الموضوع، سأطردك فورًا.”
حاول كارل الاحتجاج، لكنّه اكتفى برفع كتفيه. أدرك أنّ الكلام لن ينفع.
منذ اختفاء كاليكس، أصبحت ليليث حسّاسة جدًا تجاهه.
حتّى مجرّد ذكر اسمه أمامها كما الآن كان يكفي لاستفزازها.
ربّما لأنّها لم تقبل هذا الواقع بعد. هكذا خمّن كارل بجرأة.
“هوه…”
وضعت ليليث يدها على جبهتها وعبست.
شعرت بصداع واضطراب في معدتها مجدّدًا.
أغلقت عينيها وضغطت على صدغيها بإبهامها، ثمّ فتحت فمها.
“…كلّ هذا بسبب زينون، ذلك الرجل.”
كان في همستها غضب عميق. أغلقت ليليث فمها بقوّة للحظة، كأنّها غارقة في أفكارها.
عمّ الصمت بينهما.
نظر كارل بتعبير مريح وطلب من الخادمة كوب شاي آخر، ثمّ انتظر ليليث بهدوء.
وبعد قليل، رفعت رأسها أخيرًا.
“إذا كنتَ جئتَ لتخبرني بما حدث أمس، فقد انتهى أمرك الآن، أليس كذلك؟”
“ماذا؟”
تفاجأ كارل بردّها المفاجئ وسأل ببلاهة.
نظرت إليه ليليث كأنّها تستصغره، ثمّ أمرت بطرده.
“آسفة، لكن ليس لديّ وقت للتعامل معك اليوم. إذا انتهيتَ مما تريد قوله، ارجع الآن.”
“ليليث!”
ناداها كارل، لكنّها لم تلتفت ونهضت من مكانها.
أصبح تعبير كارل يائسًا لرؤيتها هكذا. لكنّه أدرك أنّه مهما حاول، لن يستطيع تغيير رأيها، فتنهّد وتبعها خارج غرفة الاستقبال.
* * *
بعد أن أرسلت كارل بعيدًا، جلست ليليث وحيدة في مكتبها غارقة في التفكير.
“ستوافق. حتمًا.”
كلمات زينون التي نقلها كارل ظلّت تتردّد في ذهنها.
ما خطته بالضبط؟
كان زينون يتصرّف بعناد الآن، لكنّ ليليث تعلم أنّه ليس أحمقًا بلا بصيرة.
بل كان ذكيًا وحسابيًا أكثر من ذلك. لذا، يجب أن يعرف جيّدًا أنّها لا تنوي الزواج منه…
تذكّرت ليليث وجه زينون دون قصد وضيّقت حاجبيها. لم تستطع تخمين ما يخفيه في داخله.
في تلك اللحظة، سمعت طرقًا على الباب،
مما أخرج ليليث من أفكارها.
“ادخل.”
بصوتها، فُتح الباب بحذر مع صرير خفيف.
دخل الخادم ذو الشعر الأبيض إلى المكتب، وانحنى بأدب لتحيّة ليليث.
“ما الأمر؟”
فتح الخادم فمه بتعبير محرج.
“لديكِ زائر.”
“زائر؟”
عبست ليليث قليلاً.
لماذا كثر الزوّار غير المرغوب فيهم اليوم؟
لم يكن كارل، فقد طردته للتوّ. من إذًا يمكن أن يكون وقحًا هكذا غيره؟
“أنا مشغولة اليوم، أعده. قل له أن يحدّد موعدًا مسبقًا في المرّة القادمة.”
قالت ليليث ببرود. لم تكن تريد تحمّل وقاحة الآخرين مرّتين في يوم واحد، خاصّة وهي متوترة هكذا.
لكن رغم أمر الطرد الواضح، تردّد الخادم ولم يخرج.
من تصرّفه غير المعتاد، شعرت ليليث أنّ شيئًا ما خطأ.
تغيّرت نظرتها في لحظة وسألته.
“هل هناك خطبٌ ما؟”
“حسنًا…”
تردّد الخادم ولم يتحدّث بسهولة. مع تصرّفه غير المألوف، أصبح وجه ليليث أكثر جديّة.
ثمّ أخفض الخادم رأسه بتعبير معتذر.
“السير زينون هنا. ومعه وثيقة خطبة.”
شعرت ليليث أنّ خيط صبرها انقطع أخيرًا.
التعليقات لهذا الفصل " 10"