كان صوت أنجيليكا ممتلئًا بالحذر، خاليًا تمامًا من أي فضول. لكن ربما لأنها لم تكن ترى تعابير وجهها، ارتسم الشكّ على ملامح هيوغو.
فجأة—
اندفع نحو المعبد، مخالفًا وصيّتها تمامًا.
وفي أثناء ذلك، استمرّ الحوار بين أنجيليكا والطرف الآخر دون انقطاع.
” يبدو أن الآنسة لا تعرف شيئًا عن ذلك الرجل، لذلك أردتُ أن أُوضّح. على الأقل يجب أن تكوني على علمٍ بحقيقته. “
“كل من قال لي هذا الكلام من قبلكم، لم يكن في كلامه سوى الحقد والافتراء.”
“أ-أنا، ديفِت دورمان، لست كذلك! أنا فارس مقدّس من أتباع الكنيسة، كيف لي أن أحمل نوايا كهذه؟”
” آه… ديفِت دورمان… هل جننتَ حقًا…”
ضحكة خافتة، خرجت من بين شفتيها كأنها تسللت رغماً عنها، بدت ملتوية على نحو غريب.
حتى هيوغو، الذي كان يهرع نحو المعبد، توقّف لا إراديًا عند سماع نبرة صوتها الحادة. غير أن الفارس المقدّس لم يلحظ ذلك، واستمر في إسهابِه.
” هيوغو برنشتاين ذاك شيطان بعينه! كونه من الشمال فليس غريبًا أن يلتهم قلوب صغار الوحوش! وما إن يمسك بالسيف حتى يفقد صوابه تمامًا!”
” آه… حقًا؟”
” سيدتي، يجب أن تتراجعي عن هذا الزواج فورًا! ذلك الرجل تنفر منه حتى قدّيسات الكنيسة! إن كُنّ هنّ أنفسهنّ يمقتنه، فلا بد أن حياته الخاصة أكثر قذارة مما تتصورين”
” هاه.”
صوت طحنٍ خافت صدر من فكّ هيوغو الذي انطبق بقوة.
كان يعلم جيدًا كم من الشائعات القذرة تدور عنه. لكنه لم يكلّف نفسه يومًا عناء دحضها. فما الذي قد يهمه من نباح الحشرات؟
كما لا يحمل المرء سيفه ليطارد الذباب الذي يطنّ حول قصره.
لكن الأمر الآن مختلف.
أنجيليكا… تلك الفتاة الرقيقة، إن صدّقت ولو جزءًا من تلك الأكاذيب، فسيكون ذلك مؤلمًا بحق.
‘أرجوكِ… لا تصدّقي.’
تخيّل نظرتها وهي تمتزج بالاشمئزاز، فشعر كأن الدم قد انسحب من أطرافه.
أغمض عينيه بقوة وهو يقف أمام الباب مباشرة.
وفي تلك اللحظة—
“انتهيتَ من الثرثرة؟”
“……نعم؟”
“أقصد، يا دوفان—أو ما اسمك؟ هل انتهيت من ترديد الإشاعات التي تحفظها؟”
تدفقت كلماتها الهادئة، المليئة بالغضب المكبوت، كالسيف في صدر الرجل.
عجز الفارس عن الرد.
وكان هيوغو كذلك.
اختفت تلك الصورة التي تخيّلها عنها—الفتاة التي ستنهار وتبكي—وحلّت محلها امرأة جامدة الملامح، باردة النظرة.
تلاشى عزمه على اقتحام المكان وإنقاذها.
اغتنم الفارس اللحظة، ورفع صوته باحتداد:
“ليست إشاعات! سيدتي، عائلة برنشتاين الشمالية تأكل قلوب صغار الوحوش فعلًا!”
“وماذا يُفترض بي أن أفعل حيال ذلك؟ أبكي لأنهم أكلوا قلوبًا مهضومة أصلًا؟”
“ليس هذا ما أعنيه—”
“وهل أكل كبد الإوز مسموح، لكن قلب وحش لا؟ أنا أيضًا أحب السجق، فهل تصنّفني شيطانة إذًا؟ حقًا، أنتم فرسان الإمبراطورية لا تختلفون عن بعضكم.”
تمتمت باستياء واضح.
“إن أردتم وصفي بالشيطان، فتفضلوا. يبدو أنه لا شيء آخر يمكن قوله.”
“رغم ما حدث قبل تسع سنوات، ما زلتِ لا تفهمين؟!”
توقفت خطواتها فجأة.
انتهز الفرصة واندفع بالكلام:
“ألا تعلمين كم أُريق من دماء بسبب ذلك الرجل؟ كم غرقَت مملكة راتلاي في الدماء؟ يجب أن تبتعدي عنه—”
“كُفّ عن هذا الهراء.”
استدارت نحوه بعنف.
“بدل أن تقلق على غيرك، انظر إلى نفسك أولًا. لو كنتَ فعلًا فارسًا يحمي القارّة، لكنتَ قرأت التاريخ على الأقل. عندها كنتَ ستعرف كيف كانت مُعاملة نساء راتلاي سابقاً.”
تلبّد نظر هيوغو وهو يستمع.
تسللت إلى ذهنه ذكريات الحرب قبل تسع سنوات.
في الحقيقة، كانت مملكة راتلاي آنذاك أضعف حتى من الوحوش التي كان يقضي عليها كل ربيع في الشمال.
جنودها، وقد طال عليهم زمن السلام، لم يكونوا يعرفون حتى كيف يمسكون السيف…
لكن المزعج في الأمر أنّهم كانوا في كل مرة، وتحت ذريعة “الفخ”، يرمون بنساء مملكته هناك.
التعليقات لهذا الفصل " 44"