37
كانت مشاعر الإنسان، ولا سيّما الحب، من أكثر الأشياء إثارةً للرعب.
أن يُنمّي المرء هذا الشعور لثلاثة عشر عامًا كاملة، بلا هدف واضح ولا مقابل، فذلك أمر أشدّ فزعًا.
ولهذا تحديدًا، كانت مشاعر أنجيليكا تجاه هيوغو بيرنشتاين أبعد ما تكون عن المألوف؛ عنيفة، متشبثة، ومفرطة إلى حدٍّ لا يمكن للآخرين تخيّله.
وما زاد الأمر سوءًا أنها لم تكن قادرة حتى على السيطرة عليها.
لكن، ولحسن الحظ… صار لتلك المشاعر حدّ يمكن كبحه.
وكل ذلك بفضل هذه القوة السحرية.
“لولاها، لكنت الآن عاجزة حتى عن التفوّه بكلمة أمامه… وربما انفجرت باكية.”
فكل شيء إذا تجاوز حدّه انقلب ضد صاحبه.
وإن كان الحب إلى هذا الحد من الشدة، فربما كان كبحه أفضل من تركه يفتك بها.
“مع ذلك… لا بد من ضبطه.”
ورغم أنها رحّبت بفكرة امتلاك وسيلة للسيطرة على مشاعرها، إلا أن شعورًا غريبًا لم يفارقها.
تذكّرت فجأة أول مرة رأت فيها ذلك الحلم…
حين نظرت إلى نفسها في المنام، تلك الـ”أنجيليكا” التي وصفت مشاعرها تجاهه بالقسوة والاشمئزاز.
“لا يمكن أن أصبح مثلها… أليس كذلك؟”
هزّت رأسها سريعًا، طاردة الفكرة المزعجة، ثم أنزلت قدميها إلى أرض الغرفة.
كان أمامها يوم طويل، ولا سيما وأنها ستقضيه برفقة هيوغو.
وبينما كانت تلتفت نحو النافذة دون تفكير، التقت عيناها بعينيه.
فجأة—
خفق قلبها.
ليس بعنف، بل بخفقة خفيفة، يمكن احتمالها… بالكاد.
❈❈❈
بعد أن انتهت من الاستحمام وتناولت فطورها، لاحظت أن ما يقارب ثلث الطاقة السحرية التي كانت تلتصق بها قد تلاشى.
ولهذا، ورغم أنها ما زالت تتجنب النظر إليه مباشرة، فإن الحديث معه صار أسهل من الأمس.
“همم…”
تمتم هيوغو وهو يراقبها بابتسامة خفيفة تحت ضوء الشمس.
بدت شاحبة بعض الشيء اليوم، وهذا ما أقلقه، رغم أنه لم يُظهر ذلك.
غير أن تلك الفكرة تلاشت سريعًا حين تذكّر ما ينتظرهما.
“أم… ويغو؟ هل أنا أتوهم، أم أن هذا…”
“ماذا؟”
“هذا الكائن…”
في اللحظة التي وقعت فيها عيناها على الحيوان الضخم أمامها، فرغ عقلها تمامًا.
الصوت الذي أطلقه، وهيئته، كل شيء فيه كان يؤكد أنه حصان.
لكن…
“لا أظنني أستطيع ركوبه.”
لم يكن مجرد حصان عادي.
كان ضخمًا، عريض الظهر، طويل القوائم، حتى إن السرج بدا أعلى من مستوى رأسها.
كيف يفترض بي أن أعتليه دون أن أُكسر نصفين؟
الارتفاع وحده كان كافيًا لبث الرعب في قلبها.
“أظنني… لا أستطيع.”
تراجعت خطوة، لكن هيوغو أمسكها برفق من ظهرها، ثم لف ذراعه حول خصرها ورفعها بسهولة.
“آآه!”
صرخة خافتة أفلتت منها، وتشبتت لا إراديًا بكتفيه.
ابتسم بخفة، وراح يربّت بإبهامه على خصرها في حركة مهدئة.
“لا تخافي، انظري إلى الأمام فقط.”
“وكيف لا أخاف؟! هذا مستحيل! وهذه ليست طريقة طبيعية للركوب!”
“ستعتادين.”
“لن أعتاد!”
اعترضت بصوت عالٍ، وهي تشعر بقلبها يكاد يقفز من صدرها.
“أقول لك لن أقدر!”
“بلى، تستطيعين.”
“قلت لا!”
وقبل أن تكمل احتجاجها، استقرت أخيرًا على السرج.
تصلّبت في مكانها، وجسدها متشنج بالكامل.
“أنتِ بخير الآن.”
“لست بخير إطلاقًا!”
كان قلبها يخفق بعنف، وأنفاسها تتسارع، بينما شعرت بيده ما تزال ثابتة خلفها.
“اهدئي… الحصان ذكي، لن يؤذيك.”
تعلم ذلك. تعرفه جيدًا.
لكن المعرفة شيء، والشعور شيء آخر تمامًا.
أغمضت عينيها بقوة، تحاول السيطرة على نفسها.
“أنا… أنا فقط…”
لكن الكلمات خانتها.
لو لم تكن تلك الطاقة الذهبية تحيط بها الآن، لكانت فقدت توازنها تمامًا.
“ركّزي للأمام.”
همس بها قرب أذنها، فارتعشت.
“أنا هنا.”
وفي تلك اللحظة، لم تعد تخشى السقوط بقدر ما خافت من نفسها.
“قلتُ إنني لا أستطيع!”
صرخت أنجيليكا وقد ارتجف صوتها من شدة الخوف، في اللحظة التي بدأ فيها الحصان يتحرك بخطوة إلى الأمام.
“آه! ويغو! ماذا نفعل؟! إنه يتحرك!”
“همم… ربما عليكِ أولًا أن تتركي شعري؟”
“لا أستطيع! لن أتركه!”
كانت قد قبضت على شعره بدل اللجام دون أن تشعر، ما جعل الجزء العلوي من جسدها يميل نحوه على نحوٍ خطير.
‘يا إلهي…’
بهذا الشكل، لم تكن حتى قادرة على الجلوس كما ينبغي، فضلًا عن ركوب الحصان.
مدّ هيوغو ذراعيه بثبات، وأمسك بذراعيها المرتعشتين ليمنعها من السقوط، ثم أمسك باللجام المتدلّي أمامهما.
هييييه—
بدا أن الحصان شعر بيد سيده، فخفّف من اندفاعه قليلًا.
تردّد هيوغو لحظة، وكأنه يفكر في إيقافه تمامًا، ثم ألقى نظرة جانبية على أنجيليكا وعدل عن الفكرة.
“هيوغو، ألسنا نتحرك بسرعة كبيرة؟!”
“أأبطئ أكثر؟”
“نعم! نعم، أرجوك!”
في الحقيقة، لم تكن السرعة عالية أصلًا. بل كانت بطيئة إلى درجة أن طفلًا صغيرًا يمكنه الجري بمحاذاتها.
لكن بالنسبة لها، كان الأمر أشبه بالطيران.
مدّ إبهامه يربّت بهدوء على ظهر يدها الممسكة بيده.
“هكذا أفضل.”
“… حسنًا. سأحاول فتح عيني.”
فتحت عينيها ببطء، لكن شيئًا لم يتغير.
ما زال الخوف يعتصرها من الداخل. فالمشكلة لم تكن في سرعة الحصان، بل في كونه حصانًا من الأساس.
“أنا حقًا… لا أستطيع.”
شدّت على ذراعه بقوة، حتى كادت تغرس أصابعها فيه، ثم أسندت جبينها على يده وكأنها تبحث عن ملجأ.
“لسنا وحدنا، ويغو… هذا مستحيل.”
فهم فورًا أنها لن تعتاد على الأمر مهما حاولت.
توقف الحصان أخيرًا.
وفي لحظة خاطفة—
رفعها إليه بخفة، فجلست أمامه على السرج.
“هيه!”
أطلق الحصان صهيلًا خافتًا حين شعر بثقل جسدين بدل واحد.
لفّ هيوغو ذراعيه حول خصرها ليوازنها، مثبتًا إياها بين ذراعيه.
“هكذا أفضل؟”
كان صدره الصلب خلف ظهرها مباشرة، تشعر بحرارته بوضوح.
تجمّدت أنجيليكا في مكانها.
“آه…”
لم تستطع حتى أن تجيب.
أنفاسه الدافئة لامست أذنها، فارتجفت لا إراديًا.
“هكذا… سيكون أسهل.”
قالها بصوت منخفض، قريب جدًا، حتى شعرت وكأن صوته يلامس جفنها.
“أنا هنا.”
كان صوته هادئًا، واثقًا، كأنه وعد.
توقفت عن الارتجاف شيئًا فشيئًا، وشعرت بأنفاسها تستقر.
“افتحي عينيكِ.”
امتثلت أخيرًا.
لم تعد الأرض تدور، ولم يعد الخوف يطبق على صدرها.
“أ… أظنني بخير الآن.”
الغريب أنها لم تعد تشعر بالسرعة، بل بالطمأنينة.
“جيد.”
قالها بهدوء، وكأنه مطمئن إلى النتيجة.
ثم أضاف، وكأنه يتحدث عن أمر بديهي:
“لا يمكننا البقاء هكذا طوال الوقت.”
توقفت أنفاسها لوهلة.
“هاه؟”
“أعني… لا يمكننا أن نمارس الصيد بهذه الطريقة دائمًا.”
كاد قلبها يتوقف من شدة الخفقان.
“أها…”
تمتمت، وقد أدركت أنها كانت تفسر كلماته على نحوٍ آخر تمامًا.
“لكن…”
ترددت، ثم تمتمت بصوت خافت:
“إن كان لا بد من ذلك… فربما…”
توقفت، غير قادرة على إكمال الجملة.
“ماذا؟”
رفع صوته قليلًا، مستفسرًا.
“لا شيء.”
لكن قلبها كان قد قال كل شيء.
تحت وهج الشمس، وبين ذراعيه، شعرت أن هذا القرب— رغم بساطته—كان أخطر من أي معركة خاضتها في حياتها.
♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪
حسابي على الإنستا:@empressamy_1213
حسابي على الواتباد: @Toro1316
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
التعليقات لهذا الفصل " 37"