[مُلاحظة : أنجليكا مُعظم الوقت تنادي هيوغو ويغو مب أسمه الحقيقي ، أعتذر على الخطأ] . . . “هاه…”
امتلأت الحديقة بزهور الدلفينيوم الأرجوانية، فيما أطلقت أنجيليكا راتلاي زفرة متضجرة بسبب الصداع النابض الذي يعصف برأسها. كانت تعلم أن السبب هو رائحة الدلفينيوم التي تتسلل حتى إلى مكتبها، لكنها لم تشأ أن تلومها صراحة.
اكتفت بالضغط على صدغيها مرارًا، ثم التقطت الشيء الذي كان هيوغو بيرنشتاين قد جلبه معها سابقًا.
“دقيق أكثر من اللازم بلا داعٍ.”
صحيح أنها هي من فتحت الموضوع أولًا، لكنها لم تتوقع حقًا أن يعثر عليه. فهو في الأصل شيء مشكوك في وجوده من الأساس، ولهذا كان من الصعب تصديق فعاليته.
“ولا أعرف حتى كيف يُستخدم ليكون ذا فائدة… همم.”
دحرجت الشيء الشبيه بالألماسة بين أصابعها مرات عدة، ثم أرسلت إليه طاقتها السحرية. تسللت طاقة تشبه الرمل الذهبي، ناعمة ولامعة، لتغلفه بالكامل. كان شفافًا في البداية، لكنه ما لبث أن تغيّر، وكأن الموج قد غمره، فصار اللون أكثر كثافة وعمقًا.
فجأة— انفجر الضوء.
ومع ذلك الانفجار، انكشفت أمامها لقطة من الماضي.
ضيّقت أنجيليكا عينيها تحت وطأة الضوء الساطع، وما إن تبيّن لها المشهد حتى عقدت حاجبيها بضيق.
“هيوغو بيرنشتاين؟”
لم تكن بحاجة للتفكير كثيرًا لتدرك ما الذي تشاهده.
“إذًا هذا ما حدث حين ذهب.”
يبدو أن الأسطورة القائلة بأن هذا الشيء يربط رغبة المستخدم بكل ما يتصل بالشخص المقصود… لم تكن محض خرافة.
“همم.”
راحت أنجيليكا تراقب المشهد الذي ملأ جدران مكتبها بالكامل. مبانٍ متناثرة، مغطاة بالثلج، مشوهة لدرجة يصعب معها معرفة شكلها الأصلي. لم يكن المكان يبدو صالحًا لحياة البشر أصلًا.
— كواااانغ!
من جهة ما، كان هيوغو بيرنشتاين يشق تلك الأبنية بسيفه.
بهدوء مرعب، وكأنه يشق الفضاء ذاته.
— كييييه!
في تلك اللحظة، انبعث صوت وحش من الفراغ.
دون تردد، اندفع هيوغو نحو مصدر الصوت وضرب بقوة.
تناثر الدم القاني في الهواء، وفي اللحظة نفسها ظهرت الوحوش التي كانت متخفية.
— غررر… كياااع!
لم يكن عددهم بالعشرات فقط، بل بدا وكأنهم جيش يحرس مدينة مدمّرة.
“…يتجاوزون المئات بسهولة.”
تمتمت وهي تحاول تقدير العدد الذي لا تسعه الصورة كلها. بدأ قلبها يخفق بإيقاع غير منتظم؛ لم تكن تدري أهو قلق أم شيء آخر.
حين خدشت راحة يدها بأظافرها بلا وعي، اندفع هيوغو في اللحظة ذاتها وسط الوحوش بلا تردد.
لم يعد يُسمع سوى صوت السيف وهو يشق اللحم القاسي، وصراخ الوحوش المتقطع.
أحيانًا كان يختلط الصوت بشيء آخر، لكن لم يصدر عن هيوغو أي أنين، ولو خافت.
هوييي—
ساد الصمت المدينة المغطاة بالثلج من جديد.
لم يبقَ سوى اللون القاني، يغمر الأرض حتى أن تساقط الثلج لم يعد قادرًا على إخفائه.
— كييييهآآ!
أخيرًا، سقط آخر وحش.
كان الأشد عنادًا؛ إذ مزّق بمخالبه الطويلة جانب وجه هيوغو وعنقه قبل أن يسكن.
“همم.”
على الرغم من أن الدم كان ينزف بغزارة من عنقه، لم يصدر عنه سوى صوت خافت.
ضغط بيده على الجرح بلا مبالاة، ثم اتجه بخطوات ثابتة نحو النصب الحجري خلف الوحش الأخير.
وحين اقتلعه من الأرض بقوة، ظهر أخيرًا الشيء الذي كان يبحث عنه.
“هاه…”
ارتسمت على شفتي هيوغو بيرنشتاين ابتسامة مشرقة لا تتناسب إطلاقًا مع الموقف.
ثم— انتهى المشهد.
“……”
حدّقت أنجيليكا راتلاي في الفراغ طويلًا دون أن تنبس بكلمة.
ربما لأن تلك الابتسامة… كانت شيئًا لم تتوقع أن تراه منه يومًا.
شعرت بانقباض سيئ في صدرها.
“يفعل هذا عمدًا، أليس كذلك.”
شدّت قبضتها حول الشيء الذي بيدها حتى كادت تحطمه، ثم تنهدت بإرهاق حين أدركت عبث ذلك.
“أنا من وضعت الأمور على هذا النحو… فلا يحق لي اللوم.”
ومع ذلك، كان تدخله بهذه الجدية أمرًا يصب في مصلحتها. على الأقل، نظريًا.
“لا ينبغي أن أنجرف خلف مشاعر ليست لي.”
تمتمت بذلك وهي تنقر بلسانها لا إراديًا، ثم التقطت قارورة من بين الزجاجات المصطفّة على أحد رفوف المكتب.
“لستُ كيميرا خضعت لتجارب بشرية، بعد كل شيء.”
…ومع ذلك، لم تستطع تجاهل صورة الجرح في عنقه التي ظلت تومض في ذهنها بإلحاح مزعج.
لو كان مجرد خدش عابر لتجاوزت الأمر، لكنه كان مريعًا بحق.
“على الأقل… عليه أن يأخذ مقابلًا لما يفعله.”
قالت ذلك، وغادرت مكتبها بخطوات خفيفة، ثم طقطقت بأصابعها.
في اللحظة التالية، بدا الممر الخالي أكثر كآبة.
لم يكن يشبه قصرها الغارق في الأرجواني، ومع ذلك… كان مألوفًا على نحو غريب.
إنه قصر هيوغو بيرنشتاين.
طَقّ–
دخلتْ بهدوء إلى مكتبه، وكأن دخولها أمر معتاد لا يحتاج إلى استئذان. كان المكتب، كما هو حال صاحبه دائمًا، خاليًا وبلا حياة تُذكر. ومع ذلك، وضعت القارورة فوق مكتبه دون تردد.
“هم؟”
لكن في تلك اللحظة، استوقف نظرها شيء بين الأوراق المبعثرة على الطاولة. خطٌّ ليس كسابقه… لم يكن ذلك الخط السريع المهمل الذي اعتادت رؤيته، بل كتابة متقنة، ثقيلة، تحمل وزنًا غريبًا.
بدافعٍ لا يخلو من الحذر، ضيّقت عينيها وبدأت تقرأ.
لم يكن في الأمر أي شعور بالذنب؛ فحتى لو كان ما تقرأه وثيقةً سرّية للدولة، لما راودها أدنى تردد.
لكن—
[رغم أنني لا أستحق… إلا أنني أودّ أن أعرفها أكثر.]
ما إن وقعت عيناها على تلك الجملة حتى انقطع نفسها فجأة. تجمّدت كما لو أن الكلمات قد ثُبّتت في صدرها بمسامير.
تابعت القراءة، ورأت تحتها سلسلة من الأسئلة المكتوبة بخط متردد… عندها فقط أغمضت عينيها بإحكام.
كان يجب ألا تنظر. كان ينبغي لها أن تبتعد منذ البداية.
لكنها، على عكس نيتها، وجدت نفسها تلتفت فجأة نحو النافذة، وكأن المشهد في الخارج قد شدّها قسرًا.
“هاه…!”
امتدّت أمامها حديقة الدوق، التي كانت يومًا قاحلة، وقد غمرتها الآن ورود حمراء زاهية. وفي قلبها، كان يقف هيوغو بيرنشتاين.
“يا له من أمرٍ مثير للسخرية!”
انفجر غضبها دون سابق إنذار. مرّرت يدها بعنف في شعرها، وفي اللحظة ذاتها دوّى صوت حاد—
كِلانغ!–
استدارت بغريزة سريعة، لتجد القارورة التي كانت في يدها قد سقطت وتحطّمت، وسال سائلها فوق السجادة.
“هاه….”
تنفّست بعمق، وشعرت وكأن رائحة الدم تملأ صدرها. دائمًا، دائمًا ما كان يفعل بها هذا. يوقظ شيئًا في داخلها لا تريد الاعتراف بوجوده.
والمزعج أكثر… أن ذلك الشيء كان، في كل مرة، صحيحًا.
استدارت فجأة نحو المكتب، وكأن قوة خفية دفعتها. التقطت القلم بعنف، وكتبت على هامش الورقة التي دوّن فيها كلماته، كما لو كانت تجيبه مباشرة:
[بالطبع… لشخص مثلك، هذا أنسب من أي دواء.]
وضعت القلم بقوة، وفي اللحظة نفسها هدأ الغليان الذي كان يعصف بصدرها.
حدّقت في الجملة التي كتبتها، وقد بدا لها خطها غريبًا، بعيدًا عنها.
“حسنًا…”
تمتمت بصوت خافت، ثم أضافت في سرّها:
“يبدو أنه لا مفرّ.”
وبطريقة لا تدري كيف، اتخذت قرارها.
“سأُحرق كل الدلفينيوم.”
وما إن حسمت أمرها حتى شعرت بأن الصداع الذي لازمها طوال الوقت قد خفّ تدريجيًا، كأنه لم يكن.
حقًا… يا لها من راحة غير متوقعة.
“…يا له من حلم غريب.”
استيقظت أنجيليكا على وقع أشعة الشمس الحادة، وهي تزفر بعمق. مرّ أسبوع كامل منذ زواجها من هيوغو.
في الليلة الأولى، وقد كانت مخمورة، لم تنتبه لشيء. لكن خلال الأيام التالية، ظلّ هذا الحلم يزورها مرارًا.
واليوم، بدا أوضح من أي وقت مضى.
نهضت بتثاقل من فراشها، وقد شعرت أن جسدها لم ينل قسطًا كافيًا من الراحة، لا جسديًا ولا نفسيًا.
تقدّمت نحو النافذة ونظرت إلى الخارج.
“الحديقة… تبدو موحشة.”
وفي الأسفل، كان هيوغو بيرنشتاين يتدرّب كعادته.
“كما توقعت.”
رؤيته بتلك الملابس الخفيفة، وعضلات صدره المشدودة تلمع بالعرق، لم تحرّك فيها شيئًا يُذكر.
عبست وضغطت بيدها على صدرها.
“دائمًا هكذا.”
شعور مزعج، وكأن أحدهم اقتلع إحساسها من جذوره.
لكن لحسن الحظ، لم يطل بها التفكير لتفهم السبب.
“إذن… لهذا السبب.”
انحنت قليلًا تتفحص جسدها، لتكتشف لأول مرة خيوطًا من طاقة ذهبية تلتف حولها بإحكام.
“كنت أظن أن السبب هو الخمر…”
همست، ثم أدركت الحقيقة.
“لهذا كنت أستطيع التحدث مع هيوغو بلا تردد.”
يبدو أن تلك الطاقة الغريبة كانت تحمل خاصية مهدّئة.
جمعت جزءًا منها في يدها، ثم بددته بقوة.
وفي اللحظة التالية—
دقّ!–
شعرت بقلبها يهوي بقسوة إلى صدرها، وكأنه استيقظ دفعة واحدة.
التعليقات لهذا الفصل " 36"