–خشخشة.– بدلًا من الرد على سؤالها، وضع هيوغو الملعقة على الطاولة بضربة خفيفة.
وسط السكون المطبق حيث لم يكن يُسمع حتى زقزقة الطيور، بدا الصوت المفاجئ كأنه صدى مدوٍّ. فتشنج جسد أنجيليكا على الفور.
‘ آه… كان عليّ ألا أسأل.’
لقد غفلت للحظة عن وضعها، فهي ليست في موقف متكافئ معه، بل مجرد أسيرة مختطفة.
‘من المستحيل أن يخبرني بالسبب أصلاً.’
“……”
“……”
اجتاحت الصمت القاتل لحظة خاطفة، فكأن الهواء قد تجمد، وانحبس أنفاسها في صدرها. عضّت شفتيها لا إراديًّا، وكأنها تحاول كسر التوتر.
وفجأة،
“أوه…؟”
شعرت بلمسة خشنة على يدها التي كانت تقبضها بإحكام، قبل أن تتاح لها الفرصة للتفكير، مرّر لها الرجل شيئًا دائريًا بين أصابعه.
“إنها توت العليق. يمكن اعتباره تحلية مقبولة.”
“آه. شكرًا لك.”
لحسن الحظ، لم يكن في نبرته أي ضيق أو ضجر. بل على العكس، ظلت نبرته جامدة، خالية تمامًا من المشاعر.
ترددت للحظة، لكنها قرّبت التوتة إلى فمها، وبمجرد أن عضّتها، تدفقت عصارتها الحلوة الحامضة في فمها.
“إنها حقًا مناسبة كتحلية…”
كانت لذيذة لدرجة أنها لم تجد ما تعترض عليه. وللحظة، نسيت التوتر الذي كان يعصف بها، بينما ابتلعت التوتة، وعندها فقط، فتح الرجل فمه ليتكلم.
“لست أنوي إيذاءك، أيتها الأميرة. على العكس تمامًا، لقد اضطررت لاختطافك لحمايتك.”
“اضطررت…؟”
إذا لم يكن الاختطاف بغرض الإيذاء، فهل يعني هذا أنه لحمايتها أو لغرض معين؟.
“لا أفهم شيئًا.”
حاولت استرجاع ما تبقى من ذكريات “أنجيليكا”، لكنها لم تجد أي تفسير واضح.
عندما رآها الرجل تميل برأسها بارتباك، أعطاها توتة أخرى بينما تابع حديثه.
“نعم. لأنكِ تملكين ‘عين الحكيم’. مملكتك، بصفتها دولة تابعة، قد أخفت هذا الأمر عنّا حتى الآن.”
“عين الحكيم…؟”
تذكرت تلك العبارة، فقد سمعتها قبل أن يتم اختطافها مباشرة. وفي الوقت نفسه، ترددت في ذهنها ذكرى أخرى من الماضي.
“عين نادرة لا تُرى إلا مرة كل ألف عام. وفقًا للأساطير، فإن من يمتلكها يصل إلى ذروة السحر.” إذا كانت تمتلك حقًا عين الحكيم، فكل ما علينا فعله هو تسليمها لهم.ومن ثم… ما سنفعله بها هو أمر يخصّنا.”
كان حديثًا مرعبًا.
حتى دون إثبات صحة الشائعات حول “عين الحكيم”، كانوا مهووسين بها.
لذلك،
“لم يكن لديهم سبب لعدم الاحتفاظ بي.”
فهمت الآن، ولو جزئيًا، سبب اختطافها.
لكن حتى مع ذلك،
“ولكن… عيناي الآن…”
لقد أصبحت شبه عمياء، بل يمكن القول إنها فقدت بصرها تمامًا. فما الفائدة من “عين الحكيم” إن لم تكن ترى؟
“ولا يبدو أنهم متأكدون من أنها ستعود كما كانت.”
عندها، سحب الرجل التوتة من يدها، ثم قرّبها من شفتيها، وكأنه يظن أن تقديم الطعام هو الحل لكل شيء، حتى للخوف الذي ينهشها.
لكن الغريب، أنه بمجرد أن دخلت التوتة فمها، شعرت براحة طفيفة. كما لو أن كل مخاوفها قد انحسرت للحظة.
“عينكِ لم تفقد بصرها، إنها فقط تتأقلم مع ‘عين الحكيم’. لا تقلقي.”
نبرة صوته بقيت باردة، بلا عاطفة، لكن بطريقة ما، وجدت نفسها تصدقه.
كأن الحلاوة الحامضة في التوتة أزالت بعضًا من توترها، وحررت عقلها من القلق.
وفوق ذلك،
–طَقطَقة.–
كلما ابتلعت توتة، كانت يده تمد لها بأخرى، بلا تردد.
وبعد فترة، شعرت بأن يده قد أصبحت أكثر رطوبة، ربما بسبب عصارة التوت التي انفجرت بين أصابعه.
“ههه…”
لماذا؟…
كان يفترض أن تكون مرعوبة، أن تظل مشحونة بالقلق، لكن بدلًا من ذلك، ابتسمت لا إراديًا.
تخيلت كيف أن يديه القاسية، التي تبدو غير مبالية، كانت تلتقط التوت برفق، وتضعها في كفّها وكأنه يحمل شيئًا ثمينًا.
“همم.”
كتمت ضحكتها بصعوبة قبل أن تطرح عليه سؤالها الأخير.
“إذن… هل أنا بأمان حقًا؟ لن أموت، ولن أعاني؟”
“نعم.”
“هل يمكنك أن تعدني بذلك؟”
لم تكن تستطيع الهرب حتى لو أرادت.
في النهاية، ما الفائدة من وعود مختطفها؟.
“ومع ذلك…”
كان الرجل الذي يُطعمها، رغم أنه ليس مضطرًا لذلك. الرجل الذي يتأكد من حصولها على الحلوى بعد الطعام، رغم أنها ليست ضرورية.
الرجل الذي أجاب عن أسئلتها بصبر، رغم أنه لم يكن ملزمًا بذلك.
‘ربما… يمكنني الوثوق به قليلًا.’
رفعت رأسها في اتجاه صوته، متمنية أن تلتقي نظراتهما.
شعرت بصلابة عضلاته من تحت قماش ثيابه، فاحمر وجهها قليلًا.
لكن قبل أن تتمكن من سحب يدها، أحست بشيء بارد يلامس أطراف أصابعها.
“إذا خنتُ وعدي، فاستخدمي هذه السيف لقتلي.”
كان قد وضع في يدها شيئًا باردًا، وأحاط أصابعها بيديه، جاعلًا إياها تمسك بالسيف بإحكام.
هل كان ذلك لأنها أمسكت بسيف حقيقي لأول مرة في حياتها؟ شعرت بحلقها ينعقد فجأة، وهوت دقات قلبها إلى أسفل و كأنها اصطدمت بالأرض بقوة تُسمع حتى للرجل أمامها.
سواء كان مدركًا لاضطرابها أم لا، فقد تابع حديثه بنبرة هادئة كعادته، يشرح لها كيفية الإمساك بالسيف وسحبه، وأين يجب أن تطعن حتى تُجهز على الخصم فورًا.
“إن خنتكِ يومًا، فافعلي ذلك.”
“ن- نعم!”
أومأت أنجيليكا برأسها بسرعة.
في الحقيقة، لم تستوعب كلماته بالكامل، لكنها شعرت بأن الاعتراف بجهلها سيجعل الموقف أكثر حرجًا بالنسبة لها. بدأت يدها، التي أمسك بها، تتعرق تدريجيًا.
“تتعلمين بسرعة.”
لحسن الحظ، لم يبدُ عليه أي شك، فأطلق يدها ونهض واقفًا.
كانت النسمة الباردة قد بدأت تلطّف حرارة جسدها المتوهجة للحظات فقط قبل أن—
“آه!”
فجأة، التفت ذراعه حول خصرها، ووجدت نفسها مرفوعة رأسًا على عقب!.
“آه!”
تمسّكت بأي شيء أمامها على عجل، غير أن الرجل لم يتزحزح حتى لو بقوة اندفاعها الفجائية.
بلا كلمة، حملها بثبات وصعد بها إلى ظهر حصانه.
وفي لحظات، وجدت نفسها في وضع مألوف بطريقة غريبة— تجلس أمامه، ظهرها مستند إلى صدره، وذراعاه القويتان ملتفتان حول خصرها، فيما وضعت يديها فوقهما.
“لننطلق إذن.”
هيييييينغ!
صهل الحصان، وانطلقا. كانت لا تزال مختطفة، لكن القلق الذي شعرت به في البداية بدأ يخبو بعض الشيء.
❈❈❈
“إلى متى علينا أن نستمر في السير؟”
عدم قدرتها على الرؤية جعل تقدير الوقت أمرًا صعبًا. شعرت بأن نصف يوم قد مر بعد تناول الغداء.
بينما كانت تغالب النعاس، اصطدم رأسها مرارًا بصدر الرجل.
“ما زال أمامنا شهر حتى نصل إلى الإمبراطورية، يا آنسة.”
“همم؟”
هل تحدثت بصوت عالٍ؟ كانت تعتقد أنها كانت تفكر في ذلك فقط…
“أنتِ مستغرقة في النوم، من الواضح أنكِ تهذين. سنبيت هنا الليلة.”
بمجرد أن لامست كلماته أذنها، بدأت تشعر بأن جسدها يهتز بشكل أقل.
قبل أن تدرك الأمر، كان قد حملها من جديد. بات هذا الأمر مألوفًا لديها الآن، فقد حدث مرتين أخريين أثناء النهار.
‐طَدَق!‐
هبط على الأرض بخفة، مما سمح لأنجيليكا بأن تلمس الأرض أخيرًا.
“أين نحن؟”
أفاقت من نعاسها تدريجيًا ونظرت حولها.
رغم أنها لم تستطع الرؤية، فإن حواسها أخبرتها بمكان وجودها— النسيم البارد الذي يلسع بشرتها، وصوت الحشرات الرتيب، ورائحة الأشجار التي تغلغلت في أنفها.
“هذه… هذه غابة! سننام هنا؟”
لم تكن تتوقع فندقًا، ولكن بما أنها تملك “عين الحكيم” وعاشت في عالم السحر، كانت تأمل على الأقل في…
‘ أن يُخرج خيمة سحرية من حقيبته السحرية! ‘
في تلك اللحظة—
“آوووووو!”
“آه!”
دوّى عواء وحش لم تسمعه من قبل في حياتها.
تجمدت، ثم تشبثت بذراعه على الفور.
بغض النظر عن مدى رعب البشر، فإنهم لا يقارنون بحيوانات مفترسة بلا عقل!
‘ أليس هذا عالم الروايات الرومانسية الخيالية؟ أليس من المفترض أن تكون هناك وحوش مرعبة هنا؟ ‘
“ما هذا… أشعر بالرعب…”
كاد البكاء يغلبها، فتمسّكت به بقوة أكبر.
“لن يقتربوا منك.”
لم تصل كلماته إلى عقلها، فقط هزّت رأسها بعنف وانكمشت أكثر في حضنه.
من جانبه، فتح هيوغو بيرنشتاين فمه ليقول شيئًا، لكنه أغلقه مجددًا.
الارتجاف الذي شعر به من جسدها كان شديدًا، مما يعني أن أي كلمات لن تهدّئها الآن.
بدلًا من ذلك، بثّ هالة من التهديد في الأرجاء.
“آوووووو!”
ارتفع صوت العواء في البداية، لكنه ما لبث أن تحول إلى أنين ضعيف.
كان هذا طبيعيًا، فهو أحد كبار سادة السيف القلائل في القارة، بل كان في قمة مستواهم.
ومع ذلك—
“شرح ذلك للآنسة لن يكون مفيدًا.”
لم يكن هناك خيار سوى تجهيز فراش للنوم هنا.
كان يعلم منذ البداية أن هذا النوع من التفاصيل سيكون من ضمن مسؤولياته، لذلك لم يكن الأمر مزعجًا بشكل خاص.
لكن ما لم يتوقعه هو مصدر إزعاج آخر—
“هلا… هل يمكنني… استعارة ذراعك؟ لا، لا، حتى يدك فقط؟”
لم تكن الوحوش هي المشكلة، بل أنجيليكا راتلاي التي كانت ترتجف رعبًا حتى من مجرد أصوات الحشرات.
__________________________________________
•فضلاً ضع نجمه واكتب تعليق يشجعني على الإستمرار!!⭐•
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 3"