رفض هيوغو جعل عيني أنجيليكا تحمران بحزنٍ شديد.
كان السؤال الذي طرحته عليه نابعًا من معرفةٍ تامة، ولهذا كان الألم أكبر.
“أنا…”
لقد انتظرت هذه اللحظة طويلًا.
ربما كان تأثير الشراب هو ما جعل عينيها تمتلئان بالدموع أسرع من المعتاد. لم تستطع إنهاء جملتها، فعضت على شفتيها بنفاد صبرٍ وأسى.
كانت شفتاها الحمراء تبدو أشد احمرارًا وكأن الدم على وشك الظهور.
فجأةً، استعاد هيوغو تركيزه ومدّ يده لتحرير شفتها السفلى التي كانت تعاقبها بأسنانها.
“آه…”
بمجرد أن لمسها، استدارت بسرعة لتفرك خدها بيده وكأنها تتدلل عليه.
تحركت برقة، فانزلق رداءها الحريري الذي كان بالكاد يستقر على كتفيها، ليسقط بسلاسة إلى أسفل ذراعيها.
“آه.”
تمنى لو أن المصباح لم يكن مضاءً، كي لا يرى ذلك المشهد المتجلي بوضوح أمامه.
لكن على الرغم من ذلك، لم يستطع أن يغلق عينيه.
لقد مرّ وقت طويل منذ أن رآها تتدلل عليه هكذا، وبأنانيةٍ مطلقة، أراد أن يستمتع بتلك اللحظة ولو لثانية واحدة.
“… أنجيليكا. أنا… هيوغو بيرنشتاين.”
لم يعرف ما إذا كان محظوظًا أم تعيسًا، لكن العقل الباقي له بالكاد تمالكه وحذره من الموقف.
الشخص أمامك ليس حبك الأول، بل هو مجرد رجل جرّك إلى القاع.
“أوه.”
أومأت أنجيليكا برأسها وكأنها تقول: ومن يمكن أن تكون إن لم تكن هيوغو؟.
تألقت عيناها الصافيتان بدهشة طفولية وكأنها لا تفهم سبب تلك الكلمات.
وكأنها بالفعل تحب الشخص الذي أمامها، وكأن ذلك هو القدر.
“… هل ستكونين بخير؟”
بتلك الحركة الصغيرة فقط، بدأ عقله الذي كان مصممًا على البقاء هادئًا ينهار ببطء.
كانت عيناه الحمراء تزدادان قتامة، غارقتين في ظلالٍ أشد عمقًا من ظلام الليل خلف النافذة.
وفجأة، وقبل أن يسمع إجابة منها، طوق خصرها بقوة وقلب جسدها في لحظة واحدة.
الآن، حجب جسده العريض ضوء المصباح، تاركًا الغرفة تغرق في الظلام.
“أنجيليكا.”
لم يعد هناك أي شيء يضيء المكان سوى عتمة الليل.
نظر إليها وهي محاصرة بين ذراعيه وهمس بصوت منخفض.
اقترب جسداهما الملتهبان ببعضهما حتى كاد الهواء الساخن بينهما ينعدم.
أدخل هيوغو إحدى ساقيه بين ساقيها وانحنى أكثر، مقربًا جسده من جسدها.
تحركت أنجيليكا ورفعت يدها بحذر وكأنها تريد إيقافه.
توقف للحظة، لكن بدلًا من إبعاده، وضعت يدها بلطف على خده.
لامست بشرتها الناعمة خده الخشن، وتحركت أصابعها برفق حتى تجاوزت عينه اليمنى ووصلت إلى شفتيه.
“… “
وبلا وعي منه، مال برأسه قليلًا ليطبع قبلة خفيفة على راحة يدها.
حبست أنفاسها للحظة ثم ارتسمت ابتسامة مشرقة على شفتيها.
“أوه.”
“… “
“كل شيء سيكون بخير.”
قالت بثقة وكأنها تطمئنه، لكنها لم تكن تعلم أن كلماتها لم تصل إليه أبدًا.
“آه!”
في لحظة، فقد هيوغو آخر خيط يربطه بعقله، وغمرها بين ذراعيه دون تردد.
ضغط على يدها المستقرة على وجنته، ودفعها بلطف إلى السرير بينما كانت يده الأخرى تلامس كتفها.
هل كان ارتعاش جسدها بسبب برودة الليل أم بسبب تصرفه المفاجئ؟ لم يعرف الجواب، لكنه همس مطمئنًا:
“لا تخافي.”
بدأ يمرر يده على كتفها بحذر، وكأنه يحاول تهدئتها.
ضغط شفتيه على شفتيها برقة، فانفتحت عيناها المغلقتان بتوتر.
نظر هيوغو إلى عينيها اللامعتين…
“آه،…”
انفتحت شفتيها قليلًا بسبب شعورها بالوخز الطفيف.
ولم يفوت الفرصة، بل اقتحم المساحة بينهما بجرأة.
صعوبة التنفس ازدادت. كان رأسها وُقلب كليًا، وكأن حرارة الشراب تصاعدت فجأة إلى عقلها وقلبها.
حين بدأت دموعها تتساقط، انتقلت يد هيوغو من كتفها إلى عينيها ليمسح دموعها بلطف.
تحرك بإبهامه برقة، ملامسًا زاوية عينها الدامعة.
كان دفء لمسته حنونًا بشكل غير متوقع، وبدأت أنجيليكا تشعر بالهدوء.
“هيوغو…”
لأول مرة، شعرت بواقعية هذه اللحظة، وكأنه حقًا هنا، معها.
حركت أصابعها التي كان يمسك بها، وشبكتها بأصابعه.
كانت يده التي اهتزت في البداية قد هدأت الآن، وبدأت تتشابك معها أكثر فأكثر.
“آه…”
اجتاحها شعور غامر بالامتلاء، وفي الوقت ذاته، بزغت أمنية صغيرة في قلبها.
‘ ربما… ربما هيوغو ليس كما اعتقدت. ربما هو أكثر رقة مما يبدو. ‘
‘حتى لو كان يشعر بالشفقة عليّ، سأكون سعيدة.’
لم تكن تريد سوى ألا يكرهها.
بل أن يحبها… ولو قليلًا.
كانت تلك الفكرة تبدو سخيفة وغير منطقية.
ولكن، ماذا لو كانت تلك الفرضية صحيحة؟.
“إذا كان الأمر كذلك، أنجيليكا…”
هل يعني هذا أنكِ لن تتمكني من الإفلات مني أبدًا؟
بينما كان ذهنه مشغولًا بالدهشة إزاء الوضع الذي تطور بشكل خارج عن السيطرة، لمعت تلك الفكرة الأنانية في رأسه، ملأته بالكامل، دون أن يتمكن من مقاومتها.
وفي تلك اللحظة، أطلقت أنجيليكا ضحكة حالمة قبل أن تتهاوى على صدره.
“هيوغو…”
“…”
“أنا…– كل شيء…”
لكن بقية كلماتها غابت عنه، ولم يستطع فهمها.
عندما خفض عينيه إليها، وجدها ما تزال تبتسم، وكأنها تحلم حلمًا جميلًا.
وبشكل لا إرادي، خطر في باله أنها ربما لم تكن لتقول شيئًا سيئًا.
فالحديث الذي يخرج من فم شخص مخمور يكون عادةً فارغًا ولا معنى له، أليس كذلك؟.
ومع ذلك، كانت عيناها الحمراوان اللتان لمعتا قبل قليل مثل لهبٍ خافت، وكأنهما تهمسان له بحبها، قد تركت أثرًا عميقًا في قلبه وحطمت كل دفاعاته.
توهج المصباح للحظة ثم بدأ يخفت تدريجيًا حتى انطفأ تمامًا، تاركًا الغرفة تغرق في ظلامٍ دامس.
“…”
لم يبقَ سوى الليل والصمت المطبق.
ظل هيوغو يحدق بصمت في أنجيليكا التي كانت نائمة بسلام بين ذراعيه.
لكن الحرارة التي اشتعلت بداخله لم تهدأ، بل تصاعدت حتى لامست حنجرته وأحرقته كجمرة مشتعلة.
عينيه، اللتين كانت حدقتاهما تتسعان أكثر من المعتاد، احترقتا بنارٍ خامدة، حتى أصبحت سوداء تمامًا وكأنهما رمادٌ قاتم.
وفجأة، انطلقت ضحك مكتومة من شفتيه.
“أنجيليكا…”
ضيق ذراعيه حولها أكثر، وجذبها نحوه وكأنه يخشى أن تختفي فجأة.
شعرها الأشقر غطى جزءًا من جسده، وكان يتمايل بلطفٍ فوق بشرته وكأنه يداعبه برقة.
أنفاسها الدافئة، التي خرجت في نغمات متناغمة، اصطدمت بعنقه وتلاشت هناك.
كان يشعر وكأن كل لمسة، مهما بدت صغيرة، كانت تحمل طعمًا حلوًا ومشتهاه منذ زمن طويل.
“سخيف…”
لقد تصرف وكأنه كان على استعداد للتخلي عن كل شيء من أجلها، فقط لأن هذا ما كانت تريده.
لكن في اللحظة التي رأى فيها ذلك اللون الأحمر ينعكس في عينيها، أدرك أن قراره الهش قد تبخر تمامًا.
“ألم تكوني أنتِ من قررتِ ألا تري وجهي مجددًا؟”
“…”
“وقلتِ إنكِ ستكونين بخير بدوني.”
والآن، بعد أن أصبحت مقيدة به إلى الأبد، لم يعد هناك سوى خيار واحد أمامه.
وضعها برفق على السرير، وأعاد ترتيب ملابسها بعناية حتى لا تشعر بالبرد.
رغم أن ملامسة بشرته لبشرتها كانت تتسبب في اضطراب نبضه، إلا أنه تجاهل ذلك بصعوبة.
بعد أن غطاها ببطانية ثقيلة، وقف بجوار السرير، وألقى نظرة عليها قبل أن يتخذ قراره النهائي.
“سأجعل منكِ أسعد امرأة…”
تحدث بنبرة جادة، وكأنه يقسم على شرفه كفارس.
ثم تحرك بهدوء حتى وصل إلى طرف السرير وركع على ركبة واحدة، ليمسك بكاحلها برفق.
“أقسم بكل ما أملك…”
ثم طبع قبلة دافئة على ظهر قدمها التي ارتعشت برقة وكأنها تحاول تجنب لمسته.
لكن عينيه لم تفارقا وجهها أبدًا.
كانت أهدابها الطويلة ترتجف قليلًا، مما جعله يتخيل عينيها الحمراوين المخفيات خلف تلك الرموش.
لمع بريق في عينيه، ذلك اللون الأحمر الداكن الذي كان يميز هيوغو بيرنشتاين.
“لن تخرجي من بين ذراعي أبدًا.”
__________________________________________
•فضلاً ضع نجمه واكتب تعليق يشجعني على الإستمرار!!⭐•
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
التعليقات