في الواقع، لم يسبق لأنجيليكا أن تحدثت مع أي شخص عن هيوغو بيرنشتاين. لم تخبر حتى أصدقاءها المقربين. لو كان شخصية مشهورة أو حتى مجرد بطل في أحد أعمال الأنمي، لربما استطاعت البوح بذلك، لكن هيوغو لم يكن سوى كلمات مطبوعة في ثلاثة مجلدات لا أكثر.
حتى على غلاف الرواية، لم يظهر سوى ظهره، وذلك بشكل مبهم للغاية، مكتفياً بنصفه العلوي فقط.
“لو أخبرت أحدهم، لكانوا نظروا إلي كما لو أنني مجنونة.”
حتى بالنسبة لها، بدا الأمر سخيفًا للغاية، فما بالك بالآخرين؟ ولهذا السبب، لطالما احتفظت بمشاعرها لنفسها، و كأنها راهبة تعيش في عزلة، لا تسمح لأحد بأن يلمح قلبها.
لذلك، إن فكرنا في الأمر، فإن هيوغو هو أول شخص يعرف بوجود “حبها الأول”.
ربما لهذا السبب، شعرت برغبة في البوح ببعض مما في صدرها لهيوغو، الذي لم يكن يعرف عنها سوى قشور سطحية. كأنها تهمس بسرها في غابة من الخيزران، حيث لا أحد يسمعها حقًا.
‘على أي حال، لم يعد بإمكاني رؤية هيوغو حتى في الكتب الآن.’
أمسكت بكأس السموذي الموضوع أمامها وابتلعت جرعة كبيرة منه. امتلأ فمها بمذاق منعش سرعان ما ترك أثرًا دافئًا في جوفها.
كان المشروب باردًا، ومع ذلك، شعرت بأن حلقها يزداد حرارة، حتى أن رأسها بدأ يدور قليلًا. أغمضت عينيها للحظة، ثم فتحتهما مجددًا بابتسامة خفيفة.
“هاه، لم أكن أنوي التفكير في الأمر وأنا بجانبك، هيوغو..”
“…التفكير ليس خطأً.”
“هذا صحيح، لكن…”
هزّت كتفيها، ثم أسدلتها بارتخاء، رافعة رأسها لتنظر إلى السماء. كانت قد خلعت نظارتها منذ أن جلست على المقعد، فرأت الغروب بلون ضبابي متماوج.
“أعتقد أنني أصبحت أفكر فيه كثيرًا، كما لو أنها عادة لدي.”
“يبدو أنك أحببته كثيرًا.”
“نعم، لفترة طويلة جدًا.”
رفعت أصابعها، مشيرة إلى أنها لا تستطيع حتى عدّ المدة بأصابع يدها.
وربما بسبب حديثها عن هيوغو، انفجرت ضاحكة فجأة.
“إنه لأمر عجيب، أليس كذلك؟ كيف يمكن للمرء أن يحب شخصًا بالكاد يعرف ملامحه؟ ولمدة طويلة كهذه…”
“ماذا تقصدين؟ ألا تعرفين شكله؟”
“ليس وجهه فقط… لا أعرف عنه شيئًا تقريبًا. ومع ذلك، أحبه كثيرًا.”
لم تقل أحببته، بل قالت أحبه، بالرغم من أنها تعرف أنها لن تستطيع رؤيته مجددًا.
استندت إلى المقعد تمامًا، واستحضرت في ذهنها صورة ظهر هيوغو بيرنشتاين على غلاف الرواية. في تلك اللحظة، سألها هيوغو فجأة:
“كيف وقعتِ في حبه؟”
“كيف…؟”
رددت كلماته في ذهنها، مسترجعة تلك الذكرى العتيقة المدفونة في أعماقها.
“في الماضي، مررت بلحظة لم أعد أفهم فيها سبب عيشي. ليس مجرد شعور بالملل أو الضيق، بل فقدت تمامًا إدراك لماذا ينبغي لي أن أستمر في الحياة.”
لم تكن لديها ذكريات طفولة دافئة. كانت أولى ذكرياتها مجرد لحظة جلوسها بمفردها في منزل فارغ، تتناول طعامها وحدها.
وبعد ذلك، لم يكن هناك أحد بجانبها. كان والداها منشغلين دائمًا، وحتى في أوقات فراغهم النادرة، لم يكونوا معها، بل مع شقيقها.
وعندما بلغت السابعة، انفصل والداها رسميًا، لكنها ظلت خارج نطاق اهتمامهما.
بعد صراع طويل على الحضانة، انتهى الأمر بالجانب الخاسر إلى أخذها، لكن ذلك لم يتعدَ كونه قرارًا على الورق.
وهكذا، استمرت تعيش وحدها في منزل فارغ، لا يربطها بوالديها سوى الاسم في الوثائق الرسمية، أما من كان يعتني بها، فلم يكونوا سوى خدم وظفهم والداها.
لم تتلقَّ منهم أي حب، بل عاشت وسط لامبالاة تامة وازدراء صامت.
ولهذا، لم تعتد أبداً أن يكون هناك أشخاص حولها. كان الأمر غريبًا، غير مريح.
خلال سنواتها في الروضة، المدرسة الابتدائية، والمتوسطة، كانت دومًا وحيدة.
في ذلك الوقت، كانت تعيش فقط لمجرد أنها على قيد الحياة، دون أن تفكر في معنى الحياة أو غايتها.
لكن مع مرور الأيام، ومع ما تعلمته في المدرسة عن سبب وجود الإنسان، بدأت تتساءل:
“لماذا أعيش؟ لا أملك سببًا لذلك، ولا أريد أن أبحث عنه. إن كان الأمر كذلك، أليس من الأفضل ألا أكون موجودة أصلًا؟”
حتى فكرة الموت لم تكن تثير فيها خوفًا حقيقيًا.
لحسن الحظ، لاحظت معلمتها حالتها، وبتوجيه منها، حاولت تجربة أشياء مختلفة للعثور على معنى للحياة.
وكانت الرواية <وردة الإمبراطورية > هي ما قادها إلى ذلك.
“في ذلك الوقت، قابلت ذلك الشخص لأول مرة. هل سبق لك أن شعرت بذلك، هيوغو؟ عندما يبدو كل الناس متشابهين بالنسبة لك، ثم فجأة، يظهر شخص واحد يلفت انتباهك دون سبب واضح؟”
كانت حياة هيوغو بيرنشتاين، كما وردت باختصار في الرواية، شبيهة جدًا بحياتها.
لم يعتبره والداه إنسانًا، بل مجرد أداة لحماية الشمال.
كان بالنسبة لهم أشبه بسلاح حي، لا يهمهم إن تأذى أو حتى مات، إذ يمكنهم ببساطة نسيانه والمضي قدمًا.
كان وحيدًا تمامًا، ولم يكن له هدف سوى القتال لأنه وُلد لذلك.
ومع ذلك، كان مختلفًا عنها.
“كان من المفترض أن يكون مثلي، شخصًا لا يهتم بما يحدث حوله، لكنه لم يكن كذلك.”
في البداية، كان دوره كحارس للشمال مجرد التزام مفروض عليه، لكنه بمرور الوقت، أصبح خيارًا يتخذه بنفسه.
القتال في الحروب، مقاتلة الوحوش، تحمل الندوب والجروح… كل ذلك، اختاره بنفسه.
“كنا متشابهين حتى في عدم الخوف من الموت، لكن الفرق هو أنه… أراد أن يموت من أجل الآخرين.”
كيف يمكن لشخص نشأ في بيئة أقسى من بيئتها أن تكون نظرته مختلفة تمامًا؟
في البداية، أثار ذلك في نفسها شعورًا بعدم الارتياح، لكنها لم تستطع تجاهله، ثم وجدت نفسها مأسورة بقصته، إلى أن أصبحت تتبع حياته بشغف.
كلماته، نصائحه، الأشياء التي ظل يرددها لنفسه وللآخرين…
كلها وجدت طريقها إلى قلبها، واخترقت روحها مرات عديدة، إلى أن بدأت أخيرًا تنبت بداخلها بذرة جديدة، في أرض كانت يبابًا لا حياة فيها.
“خطر لي فجأة هذا التفكير… ماذا لو عشتُ كما يقول هذا الرجل؟ ربما حينها، سأتمكن من معرفة معنى الحياة؟”
كان الأمر نصفه فضولًا ونصفه عنادًا، لكن في النهاية، تغيّرت حياتها حقًا. كما قال هيوغو بيرنشتاين، بدأت تجد أشياء تمنحها معنى لحياتها، وبدأت تشعر بوجود الأصدقاء بجانبها بعد أن كانت وحيدة دومًا.
مشاعرها التي كانت جافة ومتصلبة بدأت تلين وتزدهر شيئًا فشيئًا… وعندما استوعبت ما حدث، أدركت أنها كانت “تعيش” بحق.
“ذلك الرجل كان خلاصًا لي… وتلك المشاعر تحولت بمرور الوقت إلى حب. آه… لقد أطلت الحديث كثيرًا.”
كانت تنوي التحدث قليلًا فقط، لكنها وجدت نفسها قد أسهبت أكثر مما خططت. رفعت أنجيليكا كوب السموذي إلى شفتيها وشربت آخر ما تبقى منه دفعة واحدة.
‘أوه… لماذا أشعر بالحر؟’
رغم أن السموذي كان باردًا، إلا أن حرارة جسدها لم تتوقف عن الارتفاع. حاولت تبريد وجهها بيدها، ثم أغمضت عينيها للحظة، لكن صوت هيوغو تسلل إلى أذنها من جديد.
“… ولكن ماذا لو لم يكن ذلك الحب الأول كما تظنين؟ ماذا لو كان مختلفًا عمّا تعرفينه؟”
“همم… مختلف؟ لا أدري.”
فتحت عينيها ببطء والتفتت إليه. ربما لأنها كانت تتحدث عن هيوغو بيرنشتاين، فقد بدا وجه هيوغو شبيهًا به للحظة. خفق قلبها بخفة دون سبب واضح.
“إن كان الأمر يتعلق بالمظهر، فلا يهم، فأنا أحبه لأنه هو، وليس بسبب شكله. أما إن كان الاختلاف في شخصيته… أظن أن ذلك سيكون أفضل؟”
“لماذا؟”
“لأنني أعرفه وأحبه منذ وقت طويل، وإن كان هناك المزيد لأكتشفه عنه، فهذا يجعل الأمر أكثر إثارة.”
إن كان جادًا كما ظنّت لكنه في الحقيقة مرح، فذلك سيبدو ممتعًا. وإن كان أكثر قسوة وبرودًا مما توقعت، فلابد أن لديه أسبابه لذلك. بدأت أنجيليكا بالتفكير في مختلف الاحتمالات، لكنها ابتسمت فجأة كما لو أن كل تلك الأفكار لا تهم.
ثم سرعان ما تلاشت ابتسامتها.
“على أي حال، أظن أنني لن أراه مجددًا.”
إذن، لا داعي للاستمرار في تخيل هذه الاحتمالات.
تنهدت أنجيليكا وأخفت مشاعرها الحزينة بينما كانت تنهض من مكانها. التفتت نحو هيوغو وابتسمت له بلطف.
“شكرًا لأنك استمعت إليّ، حتى وإن كانت قصة مملة.”
“بل الشكر لكِ، لا بد أن الحديث عنه لم يكن سهلاً عليكِ.”
“لا بأس، في الواقع، هذه أول مرة أُفضي بهذا الأمر إلى أحد، وشعرت براحة كبيرة بعد ذلك.”
ثم همست إليه كما لو كانت تبوح بسر:
“لذا، عليك أن تستمع إليّ مجددًا في المرة القادمة، أليس كذلك؟ وأيضًا في المهرجان! لقد كان يومًا ممتعًا حقًا!”
بدأت تتحدث بحماس عن لعبة السهام، وأقسمت أنها ستنجح بها بنفسها عندما تتحسن عيناها.
“حسنًا.”
اقترب هيوغو منها برفق، وسحبها إلى أحضانه، موافقًا على طلبها. لاحظت أن وجهه بدا محمرًا بعض الشيء، وكأنه قد احتسى بعض الكحول، رغم أنها لم تتوقع أن السموذي يحتوي على الكحول من الأساس.
في تلك اللحظة، اجتاحه إحساس بالذنب. وكأنه قد خدعها لتشرب الكحول وجعلها تتحدث عن شيء لم تكن ترغب في البوح به. ولكن ربما، كان هذا عقابًا من القدر…
لأنه، في النهاية، اضطر إلى سماع كلماتها التي قالت فيها بوضوح أنها ما زالت تحب حبها الأول.
وفي تلك اللحظة بالذات، أدرك هيوغو بيرنشتاين مشاعره تجاهها.
“هل مررتَ بشيء مماثل يا هيوغو؟ أن يكون الجميع مجرد أشخاص عاديين بالنسبة لك، لكن هناك شخص واحد فقط لا يمكنك التوقف عن التفكير فيه؟”
عندما سألته ذلك السؤال عن حبها الأول، كان الجواب أمامه واضحًا—ذلك الشخص بالنسبة له كان أنجيليكا.
“أنجيليكا، لا يمكنكِ النوم هنا.”
“هممم، أعلم ذلك.”
حصل على إجابة لسؤال لم يكن مستعدًا له، لكنه أخفى مشاعره المتشابكة وحاول إيقاظها من نومها.
ثم، في تلك اللحظة بالذات—
“هيوغو بيرنشتاين! كنت أتساءل أين كنت، وها أنت ذا أخيرًا!”
اخترق صوت رجولي سكون الحديقة. كان الصوت مألوفًا، فحول هيوغو نظره نحو صاحبه.
ولكن، لم يدم ذلك طويلًا.
“هاه…؟”
تجمد جسد أنجيليكا فجأة، بعد أن كان مسترخيًا تمامًا.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 13"