كان صوتها يحمل دلالًا وبعض العناد أكثر من كونه تعبيرًا عن مشاعر صادقة. لكن لم يكن خاليًا تمامًا من الصدق، لذا لم يستطع هيوغو الرد بشيء.
“…….” “…….”
طال الصمت بينهما. لكن أنجيليكا لم تكن تتوقع منه إجابة، لذا انتظرته بهدوء.
“همم، أشعر بالنعاس قليلاً….”
متى كانت آخر مرة بدا فيها الصمت مريحًا إلى هذا الحد؟ بعد أن أرهقت نفسها بالغضب بسبب تفاهات الفرسان قبل ساعات، شعرت بطاقة جسدها تخور أكثر.
طرفت عيناها بتثاقل تحت تأثير ملمس السرير الناعم، وسرعان ما استسلمت للنوم.
مال جسدها إلى الجانب ثم انغمس بالكامل في الفراش. في اللحظة نفسها، شعر هيوغو وكأنه يتحرر من الصمت الخانق الذي كان يطبق عليه.
“… أنجيليكا.”
نطق باسمها الذي أصبح يلفظه دون وعي منذ وقت ما. كل مقطع ينزلق من شفتيه بدا طبيعيًا، وكأنه صُنع خصيصًا له.
آه، عندها فقط أدرك هيوغو بيرنشتاين مدى سخافة قراره بمحاولة تجنبها. كان يركض نحوها دون تفكير حين يدير ظهره، ويشعر بالاضطراب الشديد لمجرد رؤية بثرة صغيرة على يدها.
بل حتى لم يكن قادرًا على مخاطبتها بـ”الآنسة” من فرط ما بدا اللقب غريبًا عليه.
“أممم.”
تململت وهي تشدّ يده المتشابكة مع يدها، مما جعله يشعر بارتخاء مفاجئ في قلبه.
“أنجيليكا.”
لم يستطع التحكم في انحناءة شفتيه وهو يهمس باسمها مجددًا. كان صوته لطيفًا، لا يُدرى إن كان يحاول إيقاظها أم دفعها إلى النوم أكثر.
“أمم…”
ردت على صوته بتململ، تدفن وجهها في الفراش. كانت متكورة على نفسها، ما جعل السرير يبدو أكبر مما هو عليه.
نظر إليها بمزيج من الدهشة والتأمل. عندما كان هو مستلقيًا عليه، بالكاد وجده يتسع له.
“هل من الممكن أن يكون شخصٌ بهذا الصغر؟”
لطالما حرص هيوغو على أن تحظى بوجباتها الكاملة رغم الظروف القاسية. ومع ذلك، لم يكن وزنها يزداد أبدًا.
أو ربما زاد، لكن بالكاد يُلحظ… كأن تحاول إضافة ريشة إلى أخرى وتتوقع أن تصبح أثقل.
خلع سترته ذات البطانة الناعمة وألقاها عليها، بدلاً من الغطاء الخشن. حتى أثناء نومها، بدت راضية، إذ ارتخت شفتيها قليلاً.
رمقها بنظرة دافئة، ثم مدّ يده ليبعد خصلة شعر كانت تلتصق بخدها.
في تلك اللحظة—
–ووووم…–
اهتزت الأداة السحرية على المكتب ، ولفظت رسالة.
قطب هيوغو حاجبيه بقلق، متخوفًا من أن توقظها الضوضاء. ثم نهض بهدوء والتقط الرسالة.
كانت الورقة أنحف من سابقتها. وكما هو متوقع، أول ما وقعت عليه عيناه كان ختم الإمبراطور وكلمة تحية.
مرر عينيه على المحتوى بلا مبالاة، حتى توقف فجأة عند سطر معين.
[هل قرأت الرسالة جيدًا؟ هل فعلاً نجحتَ في بناء علاقة وثيقة مع أنجيليكا راتلاي؟ أنت، هيوغو بيرنشتاين، الذي بالكاد يتبادل حديثًا شخصيًا مع أحد سوى سِيريل؟ هذه نتيجة غير متوقعة حقًا. هيوغو، إذا استمر الأمر بهذا الشكل، فلن يسعني سوى أن أرفع سقف توقعاتي. كما تعلم، الطريقة الوحيدة لضمان بقاء “عين الحكيم” في الإمبراطورية إلى الأبد… هي الزواج. وأفضل مرشح ليكون القيد الأكثر إحكامًا، هو أحد رجالي الموثوقين. ما رأيك؟ فور عودتك سنباشر في تجهيز حفل الزفاف…]
“هراء.”
قبض على الورقة بقوة حتى تجعدت. كان قد طلب من الإمبراطور أن يجد حلًا عمليًا، لكنه لم يتوقع أن يلجأ إلى مثل هذه الحيلة القذرة.
“هاه…”
لكن في الحقيقة، كان يدرك جيدًا أن خطة الإمبراطور هي الأكثر ضمانًا على الإطلاق. ومع ذلك، كيف له أن يضع شخصًا هشًا مثلها في جانبه بهذه السهولة؟.
إنه أمر مستحيل.
شدّ على فكه وهو يفرد الورقة المهترئة أمامه مجددًا.
لكن عندها—
[هيوغو، فقط إن كنتَ أنت موافقًا.]
“…….”
تجمد لثانية، وكأن أنفاسه قد انحبست في صدره. هذه المرة، لم يستطع أن ينبذ الفكرة كـ”هراء” بكل بساطة.
ظل يحدق في الرسالة، يعيد قراءة كلمات الإمبراطور مرارًا.
ومع ذلك، لم يستطع أن يجد داخله إجابة واحدة تقول: “لا أريد.”
ظل كذلك حتى انقضى الليل وبزغ أول خيط من خيوط الفجر.
❈❈❈
“هل هو متعب جدًا؟”
في الصباح الباكر، رمقت أنجيليكا هيوغو الواقف بجانبها بنظرة متفحصة، غارقة في التفكير.
كانت تتذكر أنها طلبت منه البارحة ألا يهرب منها بعد الآن… لكن حين استعادت وعيها، كان الصباح قد حل بالفعل.
‘وليس حتى في غرفتي، بل على سرير غرفته!’
كان من الأفضل لو ذهب إلى غرفتي لينام، لكن أول ما رأيته حين فتحت عينيّ كان ظهره، جالسًا على الكرسي.
كلما سألته إن كان متعبًا، يجيب ببساطة: “أنا بخير.”
‘لكن طريقته في الكلام تبدو متصلبة بعض الشيء.’
لم يكن باردًا تمامًا، بل أشبه بشخصٍ شارد الذهن، أو دمية ساعة أوشكت على التوقف بعد أن انتهى زخم تروسها.
فتحت عينيها نصف فتحة، مائلة رأسها بحيرة، فيما أضاف هيوغو، على مضض، “لا شيء.” ثم قادها ببطء إلى الخارج.
❈❈❈
في اليوم الرابع، وصلوا أخيرًا إلى الإمبراطورية ، ونزلوا من السفينة. كانت وجهتهم جنوب الإمبراطورية، لكن للوصول إلى العاصمة الواقعة جنوبها الغربي، كانوا بحاجة إلى السفر بالعربة لمدة عشرين يومًا على الأقل.
“يقال إن السفر بالعربة يسبب دوارًا شديدًا…”
هي لا تعاني منه كثيرًا، لكنها كانت قلقة رغم ذلك. خصوصًا أن الرحلة هذه المرة لن تكون برفقة هيوغو فقط، بل مع الفرسان أيضًا، مما جعلها أكثر توترًا.
“آه، سيكون الوضع خانقًا للغاية.”
كانت تفضل البقاء ملتصقة بهيوغو طوال الطريق، لكنها تعلم أن ذلك غير ممكن. تنهدت بعمق وهي تستسلم للإحساس بالضيق، ثم انخفض رأسها قليلًا وسارت خلفه بخطى متثاقلة.
“أنجيليكا، من الآن فصاعدًا، ستشعرين ببعض الدوار.”
“هاه؟”
رفعت رأسها بسرعة عند سماع صوته، لتجد أنهما لم يعودا برفقة الفرسان. كان المكان من حولها فارغًا، ولم يكن هناك سوى هيوغو، وإيزابيل كوتون.
“أين ذهب البقية؟”
لم تكن ترى سوى منظر السماء الزرقاء من بعيد. وبينما كانت ترمش محاولة استيعاب الموقف، أجابت إيزابيل بدلًا عن هيوغو:
“جلالة الإمبراطور أمر بإحضارك عبر بوابة الانتقال، فهو يريد رؤيتك في أسرع وقت.”
“بوابة الانتقال؟”
أمالت رأسها قليلًا وهي تحاول استرجاع معنى المصطلح، ثم أومأت حين تذكرت صورة تقريبية له.
“آه، نوعٌ من الانتقال الفوري؟”
شاهدت شيئًا كهذا من قبل في رواية <وردة الإمبراطورية>. أجل، العالم الخيالي لا يكتمل بدون سحر الانتقال الفوري!
عندما أظهرت تفاعلها المتأخر، أضافت إيزابيل على ما يبدو لأنها أساءت فهمها:
“كما تعلمين، تشغيل بوابة الانتقال يتطلب موارد ضخمة… الفرسان سيتبعوننا في العربة. أما أنا، فقد كلفني الإمبراطور بمهمة خاصة.”
“هاه؟ إذن، لن تسافري معنا؟”
“للأسف لا، عليّ العثور على جلالة الإمبراطورة في العاصمة.”
“آه، فهمت…لحظة!؟ مـاااذا؟!”
هل سمعت ذلك خطأ؟ من تبحث عن من بالضبط؟
“ستبحثين عن جلالة الإمبراطورة؟!”
“نعم، لقد تسللت مجددًا من القصر دون علم أحد.”
تنهدت إيزابيل كأنها اعتادت الأمر. وبما أن هيوغو لم يُظهر أي رد فعل، بدا أنه ليس شيئًا غير مألوف حقًا.
“هكذا إذن…”
‘ هل أنا الوحيدة التي ترى هذا غريبًا؟ ‘
لم تجد ما تضيفه، فاكتفت بابتسامة متكلفة.
لكن عندما بدأ هيوغو في التقدم نحو بوابة الانتقال، سارعت بملاحقته.
“تمسكي جيدًا.”
“حاضر~.”
رغم إجابة أنجيليكا المسترخية، شدّ هيوغو قبضته على يدها.
وفي اللحظة التي شعرت فيها بالدفء ينتقل إلى كفها، انفجر ضوء أبيض أمام عينيها.
“…!”
كان الضوء شديدًا لدرجة أنه كاد يخترق جفونها قبل أن تغلقها.
لكن قبل أن تضطر لذلك، أحاطت يد أخرى بعينيها، تحميها.
“لا تقلقي، أنجيليكا.”
صوت واحد فقط كان كفيلًا بإخماد التوتر الذي اجتاح جسدها للحظة ، كما لو كانت تسقط في بحرٍ مظلم.
اتكأت على دفئه بصمت، متقبلة السواد الذي يحيط بها.
وحين بدأت الأصوات تعلو تدريجيًا من حولها، أبعد يده عن وجهها.
رغم أن الرؤية كانت لا تزال ضبابية، إلا أن المكان بدا حيًا ونابضًا بالحياة.
“إينغيل، إلى أين ستذهب؟! أنا حصلت بصعوبة على تذكرة للكولوسيوم، لا يمكنني تفويت المباراة النهائية! هاهاها!”
“هيا، لمَ تسأل؟ سأذهب لمشاهدة ذلك المِيلباهِن اللعين، أريد أن أرى إن كان سيحصل على لقب الحرفي العظيم أم لا!”
“آه، الرجال لا يفكرون سوى في القتال وصناعة السيوف… همم، ترى من سأذهب معه لمشاهدة المسرحية؟”
كان الرجال والنساء يتحدثون بحرية، يمزحون ويتبادلون الضحكات دون قيود.
“أه…”
“هل هذا بسبب الذكريات التي تركتها صاحبة الجسد الأصلية؟”
لا إراديًا، خطرت في بالها دوقية راتلاي، حيث لم يكن يُنظر إلى النساء حتى كبشر. هذا الإدراك جعلها تشعر باضطراب غريب.
حينها، وكأن هيوغو استشعر أفكارها، أخذ يمسح ظهر يدها بإبهامه ببطء، هامسًا بصوت خافت:
“مرحبًا بكِ في إمبراطورية سيلين، أنجيليكا.”
__________________________________________
•فضلاً ضع نجمه واكتب تعليق يشجعني على الإستمرار!!⭐•
《لاتدع الرواية تشغلك عن العبادات》
ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 11"