الفصل 36 : فَخُّ الادِّعاء ⁴
في رواية <سأُنقِذُ الأمير!>، كان إيان يؤدّي دور العقل المُدبِّر بفاعليّة، لكنّه كلّما وضع خطّةً محكمة أفسدها عجزُ أحد تابعيه.
إنّه ذاك الكليشيه الشائع: عقلٌ مُدبِّر كفؤ، لكن له تابعٌ يبعث على انفجار الأعصاب.
حين قرأتُ العملَ الأصلي، لم أكن أدرك ذلك لأنّه وُصف بسطرٍ واحد يقول إنّ العقل المُدبِّر وبّخ تابعَه.
لكنّ الملابسات تشير إلى أنّ ذاك التابع هو أمبر على الأرجح.
‘بعد أن قابلتُه مباشرةً، صرتُ أفهم. أفهم لماذا فشلت كلّ الخطط التي دبّرها…….’
إن اضطررتُ لوصف أمبر، فسأقول إنّه شخصٌ من البُعد الرابع.
شخصيّة لها عالمها الخاص الراسخ إلى حدّ يصعب فهمه بالمنطق العام.
مع تابعٍ كهذا، حتى لو جاء تشوغي ليانغ بنفسه، فلن ينجح في إنجاز أيّ أمر.
‘لماذا أبقاه تابعًا له أصلًا؟’
بعد أن اختبرتُ الأمر بنفسي، بدا لي أنّ أمبر لا يُفيد إيان بقدر ما يرهقه…… تابعٌ مُزعج يتطلّب عنايةً دائمة.
ومع ذلك، لماذا يُبقِيه قريبًا منه إلى هذا الحدّ؟
“لا أدري كيف آلت الأمور إلى هذا. لم أكن أنوي كشف أمبر.”
“ابذل جهدك، سيد إيان.”
“صحيح. ابذل جهدك، إيان.”
“……يبدو أنّكما منسجمان جدًا. منظرٌ جميل حقًّا.”
على الرغم من أنّ ملامحه لم تختلف عن المعتاد، شعرتُ بوضوح أنّ إيان منزعج.
ضحك العقل المُدبِّر ضحكةً “هاهاها”، فاستفزّني ذلك، ولم أتمالك نفسي من الضحك بخفّة.
“بل لعلّ الأمر خير. من الآن فصاعدًا، لنجعل أمبر يتولّى حراسة ديانا.”
“ماذا؟”
“هاه؟ وأين موافقتي أنا؟”
“لا نحتاجها.”
قمع إيان مقاومة أمبر البسيطة، ثم غيّر موقفه فجأة.
“عائلة ويلينغتون لا تُلحق حراسةً خاصّة بديانا. ولا يبدو أنّهم ينوون ذلك مستقبلًا.”
“نعم، على أيّ حال…… نادرًا ما يتجوّل الناس في العاصمة ومعهم حرس، أليس كذلك؟”
لو كانت أميرةً لكان الأمر مفهومًا، أمّا أن تتجوّل ابنةُ كونتٍ بحرسٍ في العاصمة، فسيُتَّهمون بالتشبّه بالملكيّة رغم كونهم نبلاء جدد.
أصلًا، لم تكن ديانا كثيرة الخروج.
ما يحدث هذه الأيّام هو استثناء.
في السابق، كانت غالبًا ما تخرج مع والدتها، وحتى حينها لم تكن تصطحب حراسة، بل خادمةً فقط.
“من الآن فصاعدًا ستزداد أنشطتكِ الخارجيّة. ومن الأفضل إلحاق أمبر بكِ تحسّبًا لأيّ طارئ.”
“لكن…… ماذا سنقول لوالدتي؟”
“سأختبئ بنفسي، فلا تقلقي. أنا أجيد تسلّق الأشجار، ويمكنني الصمود نحو خمسة أيّام حتى لو دُفِنتُ حيًّا…….”
تسرّبت للتوّ معلومةٌ غير مطمئنة على الإطلاق.
أدارت ديانا رأسها دون وعيّ ونظرت إلى آدأمبر.
كانت تحاول أن تميّز هل ما قاله مزاح أم حقيقة.
“لكن…….”
كان أمبر يراقب إيان وديانا منذ فترة، ثم مال برأسه باستغراب.
“أأنتما حقًّا على علاقة؟”
“لا!”
“لسنا كذلك.”
“آه…… حقًّا؟”
حين نفى الاثنان الأمر في آنٍ واحد تقريبًا، رمش أمبر بعينيه بدهشة، كما لو صُدم بحدّة الجواب.
“إن كنتَ ستتفوه بتفاهات، فاذهب واجمع أمتعتك.”
وحين أصدر إيان أمر الطرد بصوتٍ صارم، تذمّر أمبر متسائلًا لماذا يغضب.
“إذًا…… قبل أن أذهب، شيءٌ واحد فقط.”
كان أمبر على وشك مغادرة الغرفة الجانبيّة، فأخرج شيئًا من جيبه.
“أمبر؟”
أمسك فجأةً بيد ديانا اليسرى وبدأ يرسم فوق الضماد.
حاول إيان إيقافه دون جدوى.
اشتعلت حماسة الإبداع لديه، ولم يُفلِت يدها إلّا بعد فترة.
“انتهيت.”
انتهيتَ مِمّاذا بالضبط؟
“ما هذا؟”
“تعويذة.”
“تعويذة؟”
……هل يقصد تعاويذ من قبيل ‘أبراكدابرا’ أو ‘بيبيتي بابيتي بو’؟
ظنّت ديانا بطبيعة الحال أنّ شرحًا سيتبع، لكنّ أمبر أدار ظهره ببساطة.
“إذًا سأذهب. نلتقي لاحقًا.”
“ماذا؟ لحظة، أمبر……!”
رغم ندائها العاجل، غادر الجاني الغرفة الجانبيّة بكلّ هدوء.
ومثلما دخل، اختفى عبر النافذة بثقةٍ لافتة.
‘ما الذي كان ذلك أصلًا؟’
رمشت ديانا بعينين مذهولتين.
ما رسمه أمبر كان…… كيفما نظرتِ إليه، مجرّد شخبطة.
ليس رسمًا واضحًا أصلًا، إلى حدّ يصعب معه تمييز الشكل.
“إيان، هل تعرف ما هذا؟”
لم تكن تتوقّع حقًّا أن يعرف.
لكنّه اقترب بفضول، فمدّت ذراعها لتُريه.
وعلى نحوٍ مدهش، هزّ إيان رأسه موافقًا.
“أفهم ما الذي رسمه. لو أراد، لفعلها على نحوٍ صحيح.”
……سيتعرّف على هذا الرمز الذي يبدو خلاصة الفنّ التجريدي الحديث؟
إنّه مجرّد مزيج من خطوطٍ منحنيةٍ ومستقيمة!
“إ، إيان؟”
“ابقَي ساكنة.”
في تلك اللحظة، التقط إيان قطعة الفحم التي تركها أمبر، وأمسك بمعصمها بحذر.
لفّت أصابعه المتينة والنحيلة يدها بلطف، فشعرت بحكّةٍ خفيفة في معصمها.
تفاجأت ديانا بهذا الاحتكاك غير المتوقّع، فتجمّدت في مكانها.
كان الإحساس مختلفًا تمامًا عن حين أمسك أمبر بيدها.
توتر جسدها تلقائيًّا.
“انتهيت.”
لم يضع إيان قطعة الفحم إلّا بعد أن أكمل الرسم.
وحين حاولت ديانا سحب يدها، شدّد قبضته عمدًا.
لا شكّ أنّه أدرك ارتباكها من هذا القرب.
تلألأت في عينيه ملامح عبثٍ طفولي، كطفلٍ يحاول جعل حجرٍ يقفز على سطح الماء.
“حين أفكّر بالأمر، إن أردنا التظاهر بأنّنا عاشقان، فعلينا التدرّب على هذا الجانب أيضًا.”
“لا حاجة لمثل هذا.”
تفحّصت ديانا ظهر يدها محاولةً إخفاء وجنتيها المشتعلتين.
كان الرسم الذي أضافه إيان أوضح قليلًا من شخبطة أمبر، لكنّه ما زال غريب الشكل.
كلّ ما أمكنها تمييزه بصعوبة هو أنّ له أجنحة.
‘يعسوب؟ طائر؟ دجاجة؟’
لم تحتمل فضولها، فرفعت رأسها أخيرًا.
“إذًا…… ما هذا؟ ماذا رسمتَ؟ أخبرني بدل أن تبتسم.”
“ماذا أفعل؟ حين تسألين بهذه الصراحة، لا أرغب في إخباركِ أكثر.”
“أليس العكس هو الطبيعي؟ لماذا أنت مزعجٌ إلى هذا الحدّ؟”
“أنا؟”
تظاهر إيان بالظلم لوهلةٍ قصيرة.
“على عكس ما يبدو، أحاول دائمًا أن أكون لطيفًا معكِ.”
قرّب وجهه.
إلى حدّ أنّ رموشه باتت مرئيّة.
بل وازداد جرأةً في لمساته.
لفّ إيان خصلات شعر ديانا حول أصابعه كما لو كان يلمس بتلاتٍ ناعمة، ثم داعب صيوان أذنها الذي احمرّ بشدّة.
“هل كان جهدي غير كافٍ؟”
“……!”
ارتعشت ديانا كما لو أصابها تيّار كهربائي.
“أديتِ واجبكِ جيّدًا. سأثني عليكِ.”
……كانت تتظاهر باللامبالاة عمدًا.
ومع أنّه شخصٌ تحافظ معه على مسافةٍ نفسيّة، لم يكن بوسع ديانا إلّا أن ترتجف في هذا الموقف.
فمهما قيل، كان رجلًا وسيمًا ظاهرًا.
في كلّ مرّة تلامس فيها أصابعه أذنها أثناء ترتيب شعرها، ازداد وجهها سخونة.
“توقّف عن التصرّفات الغريبة.”
“انظري. في كلّ مرّة تحرمينني فرصةَ بذل الجهد.”
“فلنتحدّث من مسافة.”
“ينبغي أن نُحضّر أقراطًا تناسب الفستان أيضًا. ألم يُقال لكِ من قبل إنّ أذنيك جميلتان؟”
“لم يُقال. قلتُ ابتعد.”
“سأقولها لكِ كثيرًا من الآن فصاعدًا.”
وفي النهاية، بدل أن تنال إجابةً عمّا رسمه، أمضت ديانا وقتًا طويلًا تحاول إبعاد الرجل الذي التصق بها كالغِراء.
وعندما استعادت وعيّها، كان وقت العودة قد حان.
وأمام إيان الذي خرج لتوديعها، أدركت فجأةً:
‘لقد فاتني توقيتُ رفض الحراسة.’
كانت قد نسيت الأمر تمامًا أثناء حديثها مع الدوقة الكبرى التي انضمّت إليهما لاحقًا.
فكّرت متأخّرةً إن كان بالإمكان إيجاد طريقة لإعادة آمبر، لكنّ القطار كان قد غادر بالفعل.
“أرجو أن تعتني بأمبر.”
“……إلا يمكنك تغيير رأيك الآن؟”
“لا.”
كما توقّعت……
تنفّست ديانا الصعداء.
“لن يكون الأمر مزعجًا. في الواقع، لم تكن ديانا آنسة تعلم أصلًا أنّ أمبر كان يتبعها، أليس كذلك؟”
“هذا صحيح، لكن…….”
“جيديون فالينتاين شيء، أمّا أن تتورّطي مجددًا مع رجلٍ مثل كارماين بيرس فسيكون مزعجًا. هذا احتياطٌ لتلك الحالات.”
“وكيف عرفتَ بذلك أيضًا؟”
عندها، هزّ إيان كتفيه.
‘إذًا، كان أمبر يرافقني منذ ذلك الحين.’
وضعت ديانا يدها على جبينها.
“يبدو أنّ علاقتكِ بكارماين بيرس سيّئة.”
“ليست سيّئة تمامًا…… لقد طلب منّي الارتباط في الماضي، وبعد أن رفضتُه، ظلّ يتصيّد المشكلات ويدخل معي في مشاحنات.”
“الارتباط؟”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿ 《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 36"