الفصل 33 : فَخُّ الادِّعاء ¹
كان حذاءُ الدوق الجلديُّ، الذي كان يلمع دائمًا، مُتَّسخًا.
وكانت آثارُ الخدوش الواضحة تُشير إلى أنّه استقلّ العربة بعجلة.
وعندما رفعتُ رأسي قليلًا، دخلت أشياءٌ أخرى في مجال رؤيتي.
طيّةُ البنطال المُنحنية، وكمّا القميص المُجعَّدان.
وزرُّ كفٍّ مُهترئ لا يكاد يتدلّى دون أن يسقط.
“لِمَ تنظرين إليّ هكذا؟”
“……ليس هناك شيء.”
ربّما يكون هناك سببٌ آخر أيضًا.
وحتى لو كان ذا عينين مُغمَضتَين وخُبثٍ دفين، فليس مُستبعدًا تمامًا أن يكون قد قلِق عليّ بصدق.
لكن هذا الإحساس الذي يُثير دغدغةً في الصدر كان غريبًا عليها.
ولذلك اختارت ديانا أن تُطبِق شفتيها فحسب.
عندما اقتربت العربة من منزل ويلينغتون، سأل إيان:
“هل فكّرتِ في عذرٍ تُقدّمينه؟”
“عُذر؟”
“لا أظنّ أنّ الكونت وزوجته قد سمحا لكِ بخروجٍ مُتأخّر إلى هذا الحد.”
وما إن فهمت ديانا مقصده، أجابت ببشاشة:
“لقد تأخّرتُ هذه المرّة فقط. قد يكونان صارمَين، لكنهما لن يغضبا من أمرٍ كهذا.”
“أتمنّى ذلك حقًّا.”
لكن الواقع كان مُختلفًا تمامًا.
فما إن نزلت ديانا من العربة، حتى وجدت نفسها وجهًا لوجه مع هيلينا، التي اندفعت خارج الباب الأمامي.
“ديانا ويلينغتون!!”
“أمّي، لقد عدتُ للتو…….”
“كيف تدخلين المنزل في هذا الوقت! ماذا كنتِ تفعلين إلى هذه الساعة!”
“أ-أمّي؟”
شهقت ديانا رُعبًا. فقد كان صوتُ والدتها أعلى بدرجاتٍ ممّا توقّعت.
“لا بأس أنّكِ خرجتِ دون أن تُخبري أحدًا. لكن كان عليكِ العودة قبل موعد العشاء! لقد بحثتْ عنكِ سيرا، وحتّى هانّا وبريل ذهبوا كلّهم للبحث عنكِ!”
هيلينا لم ترفع يدها على ابنتها يومًا.
لكن عندما تغضب، لا تسمح لأيّ عذر بالمرور.
وكانت تُبقِي ديانا جالسة أمامها لساعات حتى تُبدي ندمًا صادقًا، وتُوبّخها دون هوادة.
وبما أنّ صوت أمّها كان يملأ المكان كما لو أنّ السماء على وشك السقوط، فقد كان هذا أحد تلك الأيام.
“ممنوعٌ عليكِ الخروج لفترة.”
“أمّي، تمهّلي قليلًا…….”
كان توبيخٌ بارد كالماءِ يُسكَب فوق رأسها حينها.
“أعتذرُ إليكِ، يا سيّدة ويلينغتون.”
“…… الدوق كروفورد؟”
“مرّ وقتٌ طويل منذ آخر لقاء. هل كنتِ بخير في الآونة الأخيرة؟”
الرجل الذي ارتدى ندى الليل كأنّه عباءة سلّم بابتسامة، وفي الوقت نفسه رمق ديانا بنظرةٍ جانبية وكأنّه توقّع ما حدث.
“ليس هذا وقتًا مناسبًا لاستقبال الضيوف.”
“أعلم أنّ زيارةً متأخّرة كهذه بِحدّ ذاتها قِلّة ذوق.”
كان نظر هيلينا إليه باردًا أكثر من أي وقتٍ مضى.
فقال إيان بأدب:
“لكنّني اضطررتُ للمجيء لأن لديّ ما يجب قوله مهما كان الأمر.”
“وما هو؟”
“تأخّرُ الآنسة ديانا في العودة هو ذنبي بالكامل.”
اقترب إيان خطوةً خطوة من ديانا، ووقف إلى جانبها.
“ديانا، هلاّ أعطيتِني يدكِ.”
ما الذي يدور في ذهنه؟
كان طلب الدوق واضحًا تمامًا.
وبوجهٍ لا يفهم شيئًا، وضعت ديانا يدها اليسرى على يده اليمنى.
ثُمّ اقشعرّ بدنها.
لأنّها أدركت للتو أنّه ناداها باسمها مُباشرة: “ديانا”.
“اعتبارًا من اليوم، صِرنا على علاقةٍ رسميّة.”
“……ماذا؟”
“لقد قبلتْ ديانا بِصعوبةٍ اعترافي، ولهذا أستطيع إخباركِ اليوم.”
حدّقت هيلينا بهما وقد نسيَت غضبها للحظة.
كان وجهها محمرًّا، لا يزال الغضب ظاهرًا عليه، لكنّ مشاعر أخرى امتزجت معه.
“كنتُ سعيدًا إلى درجة أنّني لم أُدرك مرور الوقت. أعتذرُ بصدق.”
“إذًا…… كنتما معًا طوال هذا الوقت؟”
“نعم.”
“……يا إلهي.”
“أعتذر بشدّة لتوصيلها في وقتٍ مُتأخّر. وأُقسم أنّ شيئًا مُخجِلًا لم يحدث إطلاقًا.”
ما الذي يقوله هذا الرجل؟! متى اعترف لها أصلًا؟!
انتشرت صدمة ديانا المكتومة كصرخةٍ بلا صوت.
‘هل يستخدم تمثيل الحبيبين الكاذب الآن كعذر؟!’
اشتدّت قبضة إيان على يدها.
وكان مشهدُ تقبيله ظهر يدها فوق الضماد أشبه بسلوك فارسٍ مُهذّب إلى حدٍّ مُستفز.
فانتفضت ديانا وسحبت يدها بسرعة.
وقد ظهرت الدهشة في عيني هيلينا أمام ردّ فعلٍ كهذا من ابنتها.
“إذًا هذا صحيح. الدوق يُكِنّ مشاعر لابنتي…….”
“سأهتمّ بها جيّدًا من الآن فصاعدًا. فهل ستُراقبينني؟”
ابتسم إيان بمرحٍ لا يعرف أحدٌ ما يخفي خلفه.
ولأوّل مرة، رغبت ديانا في امتلاك تلك الجرأة الوقحة منه.
كان قلبها يخفق بلا توقّف، لدرجةٍ يصعب معها التمييز بين المزاح والكذب.
“……حسنًا. لكن لا يجوز أن تخرجا معًا حتى هذا الوقت من الليل مجدّدًا. فأنتم ما زلتم غير متزوّجَين.”
“هذا كلامٌ حكيم. أُقسم بشرف عائلتي الدوقيّة أنّني سأتصرّف كما ينبغي.”
“سأُراقبكما.”
“إن كان مسموحًا، ليتكِ تنادينني باسمي، إيان، من الآن.”
“كُح… حسنًا يا إيان.”
تغيّر موقف الأم التي كانت على وشك أن تتحوّل إلى كتلة غضبٍ ناري.
ثم ابتسم الرجل الذي هدّأ الموقف بسهولة، وأفلت يد ديانا برفق.
“يسعدني أنّكِ تفهّمتِ الأمر، يا سيّدتي. ديانا، سأرحل الآن.”
“…….”
وبينما كانت الأم تُثير ضجّة حين لاحظت جرح يد ابنتها مُتأخّرًا، تراجع إيان خطوة.
“وبما أنّ الأمر صار هكذا، فعليكِ أنتِ أيضًا التخلّي عن تلك الألقاب اللعينة عند مخاطبتي.”
ثم همس بصوتٍ لا تسمعه إلا هي:
“سأعتبره واجبًا منزليًا. تدرّبي عليه.”
“أيّ واجب…….”
“أثق أنّكِ ستصبحين طالبةً مُمتازة.”
كان هذا الرجل ذو العينين المُغمَضتَين، الذي يفتح عينيه أحيانًا أمامها فقط، خطرًا بشتّى الطرق.
فنظرت إليه ديانا بدهشةٍ وقلبٍ يخفق بقوّة.
***
بعد عودتها إلى البيت، بقيت ديانا مُنعزلة فترة.
لم يكن السبب مجرّد الإرهاق، بل خوفها من نظرات والدتها، التي جعلت خروجها صعبًا.
صحيح أن هيلينا سامحتها على التأخّر، لكن هذا لم يكن حلًّا لجميع المشاكل.
“ديانا، انزلي بسرعة. علينا تناول الطعام.”
الفتاة التي كانت دائمًا فاترة تجاه موضوعي الزواج والعلاقات، تسبّبت الآن في ضجّة كبيرة بعد إعلان ارتباطها بأفضل عريسٍ في الإمبراطورية.
وكانت هيلينا، كلّما وجدت فرصة، تسألها الكثير من الأسئلة.
“متى بدأتِ تُفكّرين به بهذه الطريقة؟”
“أمم…… منذ حفلة الحديقة؟”
“حقًا؟ هل كان السببُ هو كونه وريث الدوق؟”
“نعم…… على الأرجح؟”
“هل تتحدّثان جيّدًا عمومًا؟”
“طبعًا.”
“ما نوع الأحاديث التي تتبادلانها؟”
“أشياءٌ متنوّعة؟”
“ولِمَ إجاباتكِ دائمًا باهتة؟”
“لا أدري.”
كانت هيلينا فضوليّة جدًّا تجاه علاقة ابنتها.
وحتى إن حاولت ديانا التملّص، كانت الأسئلة تعود كلّما جلسوا للطعام.
وفي النهاية، لم تنَل الحرّيّة إلا بعد أن وصلت أمّها إلى درجةٍ تُرضي فضولها.
ولحسن الحظ، لم يشكّ أحدٌ في حقيقة العلاقة.
فقد أرسل إيان كريمًا مُخصّصًا للجروح، وباقة زهور، وبطاقة يتمنّى فيها لها الشفاء.
وبما أنّه قام مسبقًا بترتيباتٍ في صالون ماركيزة لانكاستر، صدّقت هيلينا تمامًا أنّهما بدءا علاقة حقيقية.
“جميع مُوزّعي الكازينو اعترفوا.”
وجاء تقرير أورلاندو في أثناء فترة استراحتها — خبرٌ كانت تنتظره بشغف.
“كان لديهم الكثير من الاستياء من ظروف العمل في كازينو العائلة الملكيّة.”
“حقًا؟ مثل ماذا؟”
“كان الأجر ضئيلًا جدًّا، حتى إنّهم لا يحصلون على وقتٍ للغداء.”
وثبت أنّ التفاصيل أسوأ مِمّا ظنّت.
فبعض الموزّعين قالوا إنّهم كانوا يقفون لأكثر من اثنتي عشرة ساعة دون إذنٍ للذهاب إلى دورة المياه.
ومع أنّ لقبهم الرسمي هو “موزّعو كازينو ملكيّ”، إلا أنّ رواتبهم الزهيدة أجبرتهم على البحث عن عملٍ إضافي غير منتظم.
“ثمّ اقترب منهم كارماين بيرس في تلك الفترة وأقنعهم واحدًا تلو الآخر.”
ومع أنّ كازينو <ريغوليتّو> يُدار تحت اسم عائلة بيرس، إلّا أنّ مالكه الحقيقي هو كارماين نفسه.
وقد سخر من افتتاح الكازينو الملكي الفاشل، لكنّه في الوقت ذاته كان حذرًا للغاية.
وقبل أن يزدحم المكان بالزبائن، قرّر “قلع البذرة” من جذورها، فقام برشوة الموزّعين لإحداث خسائر في الكازينو الملكي.
“لقد جنّد زبائن يمكن الوثوق بهم، وقاموا بتزوير الفوز بنظام الثنائي.”
“وفي تلك العملية، تورّط السيد لوكاس فالينتاين.”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿ 《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 33"