الفصل 32 : واجبٌ أعطتّهُ لها دمية اللعنة ¹¹
منذ أن تورَّطت معه من غير قصد، أصبحت ديانا قادرة على التمييز بوضوح بين الأوقات التي يتصنَّع فيها إيان كروفورد وتلك التي لا يتصنَّع فيها.
لا يمكنها أن تدّعي أنها تعرفه كُلَّه، لكن على الأقل كانت قادرة على التفرقة بين كونه في حالة “النائب اللطيف العادل” أم لا.
ولذلك كان من المدهش أنّ… ردَّة فعله تلك كانت حقيقية.
لقد كان غاضبًا حقًا.
‘لِمَ يفعل هذا فجأة؟’
لا يُعقَل أنه جاء ليلقي عليها محاضرة بعد أن أجلسها أمامه فقط لأجل ذلك…
إذن لا بدّ أنّ له سببًا آخر.
“ليس هناك شيء. على أي حال، إن سبَّبتُ لك القلق فأنا آسفة، لكنني لم أتوقّع أن يحدث هذا أيضًا.”
“أتقصدين أنّه لم يكن عن قصد؟”
“بالطبع.”
كدت تنفجر انفعالًا من غير قصد، لكن بما أنّ كلماتها كانت مدروسة، بدا أنّ إيان تلقّى ذلك، فلم يعُد يضغط عليها أكثر.
ساد صمتٌ غريب داخل العربة، لكنّ تنهيدة إيان سرعان ما بددت السكون.
“لا تُكرِّري مثل هذا التصرف الخطير مرةً أخرى.”
“سأحاول.”
يبدو أنّ الجواب لم يعجبه كثيرًا، فقد انقبضت ملامح وجهه بضيق.
لكن ديانا تجاهلت ذلك عن عمد وغيّرت الموضوع.
“ماذا حدث لذلك الشخص؟”
“ذلك الشخص؟”
“الشخص الذي ساعدني… ذاك الذي وضعته لمراقبتي. غادر من دون علاج.”
“…إن كنتِ تقصدين أمبر، فهو بخير. لقد أفاق قبل مغادرتي بقليل.”
إذًا اسمه “أمبر”.
تنفّست ديانا الصعداء بصمت.
“أفاق إذًا، هذا جيّد. كانت إصاباته تبدو خطيرة، هل هو بخير الآن؟”
“جسده قوي، فلا داعي للقلق كثيرًا.”
“هل يمكنني مقابلته لاحقًا؟ أودّ أن أشكره بنفسي.”
“شكرٌ…؟”
حتى لو كانت هي إيان لوجدت الأمر غير معقول.
كيف يطلب شخصٌ خاضع للمراقبة لقاء الشخص الذي يراقبه؟
“سأنقل له شُكركِ بدلًا منكِ.”
“دعني ألتقيه فقط. على أي حال، ليست المرة الأولى التي نلتقي فيها، فلا مشكلة.”
“…ليست المرة الأولى؟”
تجمَّد إيان. ما معنى هذا الرد؟
“هل يمكن أن توضّحي أكثر؟”
“أي توضيح؟ لقد وعدني. قال إنه سيُساعدني مرةً واحدة مقابل البسكويت التي شاركتُه بها.”
“…..”
“لا تقُل لي… إنك لم تكن تعلم؟”
يبدو أنّه لم يكن يعلم حقًّا.
أومأ إيان برأسه وهو يغطي عينيه، كما لو كان يجد صعوبة في تقبّل الواقع.
لكن شيئًا واحدًا كان واضحًا.
“أمبر لا يملك أيِّ موهبةٍ في المراقبة.”
“…سآخذ ذلك بعين الاعتبار.”
وبماذا ستأخذ ذلك؟ أصلًا، توقّف عن مراقبة الناس يا سيد!
ما إن بدأت ديانا تفرك معصمها المؤلم حتى سألها إيان:
“إذًا… ما سبب إصابتكِ في ذلك المعصم؟”
“ألم يشرح لك أمبر كل شيء؟”
“أمبر لا يملك موهبةً في الشرح أيضًا.”
عند هذه النقطة بدأت تتساءل ما الموهبة التي يملكها أمبر أصلًا.
“لقد حدث ذلك أثناء مساعدتي لشخصٍ ما. لم أتوقّع أن ينتهي بي المطاف في قبضة الحرس.”
ثم شرحت ديانا ما حدث منذ المخبز حتى النهاية بملامحٍ محرجة.
“…إذًا قولك إن شخصًا ما أُصيب إصابةً خطيرة كان يعني لوكاس فالنتاين.”
تجهم إيان مرةً واحدة فقط وهو يستمع بهدوء، لكنه لم يقاطعها وأصغى حتى النهاية.
“إذًا كان قولك ‘لم يكن بيدي’ صحيحًا فعلاً.”
“ألم أقل لك ذلك؟”
“كان من حسن الحظ أن الأمر انتهى بقبض الحرس عليك فقط. لو ساءت الأمور أكثر لتمّ احتجازكِ أيضًا.”
“لكنني أظن أنّ الأمر انتهى بخير، فقد وجدنا ديلر الكازينو.”
“لكنّكِ أُصبتِ.”
“…..”
“ليس من الجيد الحكم على كل الأمور بناءً على النتيجة فقط.”
كانت كلماتٍ صحيحة، لكن تعبير ديانا أصبح مُستاءً.
“لم أتوقع أن تقول أنتَ هذا.”
“صحيح أنّني لا أُظهر فضائل الفارس إلا عندما يناسبني الأمر، لكنني أقلق في مثل هذه المواقف.”
“…..”
“على الأقل نحن طرفان بعقد علاقة، وإن كانت مزيفة، طيلة هذا العام.”
الجملة الأخيرة كانت حلوة كالسكر.
كان يعرف تمامًا كيف يقول شيئًا يجعل تسعة من كل عشرة أشخاص يشعرون بالسعادة.
لكن المشكلة أنّ ديانا ويلينغتون كانت ضمن الواحد الباقي خارج تلك التسعة.
“سيد إيان، فقط للتوضيح…”
“التعبير عن القلق ليس شيئًا يُقال لشخص تراه مناسبًا للتحكم فيه لأنه تصرف من تلقاء نفسه. أنتَ تعرف هذا، أليس كذلك؟”
“هاهاها… يبدو أنّ الشخص الخالي من الدم والدموع هنا هو أنتِ.”
“أقول ذلك عمدًا. إن قلتَ مثل هذه الكلمات، فقد يسيء الناس فهمك. من الجيد أنّني أنا التي سمعتها.”
“دعينا نُنهِ الحديث هنا. سأبدو المظلوم فقط إن واصلناه.”
أجاب إيان بضيق.
“على أي حال، ليس هناك ما يضمن أنّكِ ستخرجين في المرة القادمة بإصابة بسيطة فقط.”
“أعلم. من الآن فصاعدًا سأكون…”
“كلما قلّت المشاكل كان ذلك أفضل، وبناءً على ذلك، سيكون من الأفضل التخلّص من كل الديلر الذين قبضوا عليهم.”
…ماذا؟
انفتحت عينا ديانا بحدة من دون أن تشعر.
ما الذي يقوله وهو يبدو مرتاحًا وكأنه استيقظ من نوم هانئ؟
“لا داعي لقتلهم. إنهم مسجونون على أي حال.”
“ولا داعي لتركهم أحياء. سيتكفل أمبر بالأمر.”
أخيرًا اكتشفت موهبة أمبر، لكن ذلك لم يكن مفرحًا على الإطلاق.
“لقد شاهدوكِ مع الحرس. إن أراد أحدهم، قد يكتشف أنكِ مسؤولة عن إدارة الكازينو الملكي. أريد تجنّب ذلك.”
“…لقد كنتُ مستعدةً لهذا. ادعيتُ أنّني مُفتِّشة ملكية، لذا لن يتمكنوا من كشف الحقيقة بسهولة.”
“قرارٌ ذكي. سأرسل لكِ بطاقة هويةٍ مُزوَّرة قريبًا.”
وبذلك أصبحت شريكةً للشرير رسميًا، فلم يعد هناك مهرب.
شعرت ديانا بصداع يطرق رأسها.
“لكن التزوير وحده لا يكفي. كالعادة، التخلّص من الشهود هو الحل الأنظف.”
“اهدأ قليلًا. بين الشهود الأخوين فالنتاين أيضًا. أتريد قتل هذين أيضًا؟”
“…همم. عائلة فالنتاين، إذًا…”
لحسن الحظ، بدا أنه تأثر بكلمتها الأخيرة.
طبعًا، مهما كان شريرًا، ما كان ليمسّ سفيرًا دبلوماسيًا أثار ضجة في المملكة.
“ليس سهلًا، لكنه ليس مستحيلًا إن قررت ذلك. ادفع العربة من على جرف، وينتهي الأمر.”
لم يكن الأمر كذلك.
“دعينا نرشي الطبيب أولاً. نرسلهما للعلاج البعيد.”
كان جادًا. هذا الرجل كان ينوي قتلهما فعلاً!
“أنا أعارض.”
“ولِمَ ذلك؟”
“لأنّ هؤلاء الديلر مفيدون بالنسبة لي.”
قالت ديانا بسرعة قبل أن يخرج بحيلةٍ أشد رعبًا.
“القتل يمكن تأجيله دائمًا. لكن لا يمكنك فعل ذلك قبل أن أحصل على الشهادات منهم.”
“شهادات؟ ماذا تنوين أن تفعلي؟”
“سأُحرّك الرأي العام لإعادة مراجعة اللوائح بالتزامن مع افتتاح الكازينو.”
كانت تنوي أن تُعلِن ذلك بعد اكتمال كل الاستعدادات، لكن الوقت لم يكن مناسبًا للتأجيل.
“بسبب سقوط رئيس الوزراء تأخر إعلان اللوائح. وهذه الطريقة ستعيدها إلى السطح.”
“ألا تعتقدين أنّ هذا قد يزيد الأمر سوءًا؟”
“وهنا يأتي دورك.”
نظرت ديانا مباشرةً إلى إيان.
“إن أقنعتَ جلالة الملك بتمرير مشروع القانون، فسوف يترسّخ الكازينو الملكي بسرعة بين النبلاء اللاجئين. هذا مفيد لكلا الطرفين، أليس كذلك؟”
“..…”
“قتل الديلر سهل، لكن إيجاد شهود مفيدين صعب. أتمنى أن تعيد التفكير.”
وعلى الرغم من أن حجتها كانت معقولة، فإن عبوس إيان لم يتبدد.
وبعد وقتٍ طويل، أومأ بلا رغبة.
“هذه المرة فقط.”
“شكرًا.”
تنفست ديانا الصعداء بعمق.
“يبدو أنّ الأمور نادرًا ما تسير وفق مخططي عندما يتعلق الأمر بكِ يا آنسة ديانا. ليست تجربةً مبهجة.”
كانت كلماته أقرب إلى اللوم، لكنها واجهته بثبات وهي تلتقي بنظراته الباردة.
‘هل جاء إلى هنا لأجل ذلك فقط؟’
هل جاء بعدما أخبره أمبر بما حدث، بنيّة التخلص من الشهود فورًا؟
حدّقت ديانا في إيان وهي تتخيل ذلك.
على أي حال، الدمية الملعونة تختفي إن أدرت ظهرك عنها.
إذن كان عليها المواجهة بالنظر مباشرة إليه كي لا يتحرك.
لكنّها عندما أنزلت بصرها قليلًا، رأت شيئًا غير متوقع.
‘أه…’
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿ 《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 32"