الفصل 31 : واجبٌ أعطتّهُ لها دمية اللعنة ¹⁰
ابتعدت عربةُ عائلة فالينتاين ببطء، حاملةً الإخوة والمساعد.
وقفت ديانا ثابتةً في مكانها، تُراقب المشهد حتى النهاية.
‘هل سيتصالحان كما يجب؟’
لو كان الأمر يخصّني، لما تركتُ أخي يمرّ بالأمر مرورًا عابرًا.
كانت ستغضب فور أن يقول لها أحدهم إنه عاد سالمًا من دون مشاكل.
ومجرّد التفكير بذلك جعل شعورًا غريبًا يتسلّل إليها.
‘أخ…’
تذكّرت ديانا ولأول مرة منذ زمن طويل اخ “بارك هيـسو”.
ولو قارنّا في جانب التفاهة، فأخ “بارك هيـسو” كان في مستوى لا يُمكن وصفه أصلًا.
حتى حين كانت تُلحّ عليه ليتواصل مع والدتهما، كان يختفي تمامًا كلما تناول الكحول.
ولم يكن عدد المرات التي جعلها تتساءل “ماذا يظنّ نفسه؟” قليلًا.
لكنْ، مع ذلك، كان أخاها.
وعلى الرغم من أنّها أمضت يومًا لم تكن لتتخيّله، إلا أنّها لم تجد في نفسها رغبةً في لوم جيديّون، لأنها كانت تتفهّم شعوره جيدًا.
فعلى الرغم من أنها ابتعدت عن عائلتها بتلك الطريقة، إلا أنّ “بارك هيـسو” لم تتقبّل النتيجة بسهولة أو ارتياح.
لكن… ما الذي كان يجب عليها فعله؟
-‘كيف تفعلين ذلك وأنتِ الأُخت الكبرى، كيف تتحدثين بهذه البرودة؟’
-‘مَن سيُحبّ امرأةً باردةً مثلكِ؟’
هناك مَن يقول إن طبيعة الإنسان لا تتغير بسهولة.
وكانت ديانا تشعر بالحزن كلما تذكّرت ذلك.
“فعلتُ عملًا جيّدًا، لكن لسببٍ ما أشعر بالمرارة.”
هزّت رأسها ببطء، محاولةً طرد المشاعر المتقلّبة من داخلها.
وفي تلك اللحظة.
“أيُّ عملٍ جيّد… قمتِ به بالضبط؟”
“كيييـااااك؟!”
صرخت ديانا من غير قصد. كان هذا أكثر لحظةٍ فاجأتها طوال اليوم.
وحين استدارت، وجدت شخصًا لم يخطر لها على بال واقفًا خلفها.
“ا… السيد إيـان؟!”
لم يكن خيالًا. كان حقيقيًّا.
إيـان كروفورد الواقعي، يقف أمامها.
كان يحدّق بها بشدةٍ وهو يلتقط أنفاسه التي وصلت إلى حدّ ذقنه.
لم يظهر أثر الابتسامة الماكرة التي كان يُشبه بها الثعالب. بل وقف مكانه بهيئة شخصيةٍ شريرة بعيونٍ نصف مغمضة مخيفة.
“حقًّا… لا أستطيع تصديق هذا.”
هل ركض إلى هنا؟
فتح إيـان فمه ليتحدث، ثم أغلقه مرارًا بسبب ضيق التنفّس.
ومع ذلك، لم تُفارِق عيناه ديانا لحظةً واحدة.
“أيّ أمرٍ… كان عظيمًا إلى هذا الحد، ليجعلكِ… هاه… تبقين هنا حتى هذا الوقت…؟”
“سيد إيـان، كيف وصلت إلى—”
“اللعنة، آمبر! قال إنكِ أصبتِ إصابةً خطيرة! هاه… تبا! أخفتِني…”
توقّفت ديانا عن قول ما بدأت به بسبب الصدمة.
مرّر إيـان يده المغطاة بالقفاز على وجهه بقوة.
كان الغضب يتصاعد منه، لكن امتزج معه ارتياحٌ غريب.
ولم يستعد تنفّسه الطبيعي إلا بعد وقتٍ طويل.
“الآنسة ديانا ماهرةٌ جدًّا في إخافة الناس.”
“هذا كلامي أنا…”
ديانا هي مَن كادت تموت فزعًا بسبب دمية اللعنة التي ظهرت أمامها فجأة.
لكن يبدو أن أعصاب إيـان كانت متوترةً على نحوٍ غير مسبوق، لدرجةٍ تمنع النقاش حول مَن أُصيب بفزعٍ أكبر.
وبدليلٍ واضح، لم يكن ينتظر جوابًا، بل كان يراقب ديانا بعينين فاحصتين.
“هل أصبتِ؟”
“أ … التوت يدي اليسرى قليلًا… لكنْ، كيف جئت إلى هنا؟”
“هذا ليس مهمًّا.”
أطلق إيـان زفيرًا طويلًا. كان أكبر زفيرٍ سمعته منه حتى الآن.
وتجعدت مساحةٌ صغيرة من جبينه.
“… لمن هذا المعطف؟”
شعرت ديانا بغضبٍ طفيف يتجاوز مجرد الانزعاج، فأجابت بلا وعي.
“ليس معطفي. اضطررتُ لاستعارته.”
“…..”
كان إيـان يبدو وكأنه يُجاهد لابتلاع كلماتٍ كثيرة يريد قولها.
ثم ارتدى بصعوبة قناع الرجل اللطيف.
“الليل متأخر. الكونت والسيدة ويلينغتون لا بدّ أنهما قلقان. هيا نعد.”
“آه، لحظةً فقط! حتى لو عدتُ…”
“آنسة؟”
ولحسن الحظ، ظهر الشخص الذي كان عليها رؤيته قبل الرحيل.
كان أولاندو الذي أسرع بخطواتٍ نحوها.
“السيد أولاندو، كيف جرى التحقيق؟”
“بسلاسةٍ تامة. يبدو أنه فقد شجاعته واعترف فورًا. كلّ الرجال المقبوض عليهم عملوا سابقًا كتجّارٍ في نادي ريغوليتّو.”
“ريغوليتّو؟”
اتّسعت عينا ديانا.
“النّادي الذي قيل إنه شوهد لآخر مرّةٍ فيه؟ النادي الخاص بعائلة بيرس…؟”
“صحيح. سنعرف أكثر حين نستجوبهم، لكن المؤشرات واضحة.”
هزّ أولاندو رأسه بتأكيد.
“إنه خبرٌ جيّد. لو فحصنا ريغوليتّو بعمق—”
“ألا يكفي هذا؟”
قاطع إيـان فجأة، واضعًا يده على كتف ديانا.
“يكفي الآن، عودي.”
ولو بقيت بضع ثوانٍ إضافية لركّبها إيـان في العربة بالقوة.
وسارع أولاندو بالموافقة حين رأى نظرة إيـان.
“الحقّ ما يقوله السيّد. سأتابع ما تبقى، وعليكما العودة. أنتِ شاحبةٌ جدًّا.”
وبتوافقٍ عجيب بين الرجلين، لم يعد لديانا خيار.
“حسنًا. عندها سأعتمد عليك في المتابعة يا أولاندو.”
رفع المحقّق قبعته تحيةً لها.
وبينما كانت تفكر: حتى منتصف الليل وهو يرتدي قبعةً كلاسيكية… يملك أسلوبًا ثابتًا على الأقل… بدأت العربة بالتحرك.
“..…”
“..…”
عندها فقط أدركت ديانا أنها بقيت وحدها مع إيـان الذي بدا مزاجه سيئًا للغاية.
كان الوجه الخالي من التعبير لذلك الشرير ذو العيون المغمضة يجعلها ترغب في القفز من العربة في أثناء سيرها.
كان يشبه أشرار روسيا المختبئين في الغواصات وهم يستعدون لإطلاق الصواريخ.
“ماذا…”
وبعد وقتٍ طويل، تحركت شفتاه أخيرًا.
“ما الذي فعلتِه بالضبط لتكوني من رأسكِ حتى قدميكِ بلا مكانٍ سليم؟”
راح إيـان يُفتّش مظهر ديانا من رأسها حتى قدميها.
شعرها المتشابك وحذاؤها الفوضوي لم يُمكن إخفاؤهما.
وشدت ديانا ياقة المعطف بخجلٍ واضح.
“أم… في الحقيقة…”
“لا أفهم ما الذي جعلكِ تتجولين في شوارع سيناكا حتى هذا الوقت.”
“لم أفعل ذلك لأنني أريد، صدقًا.”
بدأت ديانا تشعر بالظلم.
“لم يكن بوسعي تفادي الأمر. السيد إيـان أنتَ من تظاهر بالحديث عن ميزانية الكازينو ثم أخفاها! كنتُ أحاول حلّ تلك—”
“هل هذا ما تسمّينه عذرًا؟”
“لا، لا أقصد أنّه عذر…”
“شوارع سيناكا ليست آمنةً حتى في النهار.”
قاطع إيـان كلماتها.
“لا أفهم كيف تخرجين بلا حارس حتى هذا الوقت.”
“فقط استمع الي قليلًا…”
“أتمنى ألّا يتكرر هذا.”
كان يستمع بسخافة إلى كلام الجميع ويضحك عادة، لكنه هذه المرّة قطع كلامها كالسكين.
وانتهى الأمر بأن ارتفع صوت ديانا.
“هذا غريب. أليس من المفترض أنّك تعرف تمامًا ما أفعله؟”
“ماذا تقصدين؟”
“لقد وضعتَ مراقبًا عليّ.”
“…..”
“أليس كذلك؟”
نظرت إليه بغضب.
ها، رأيت؟ لم يُنكر.
أطبق إيـان شفتيه بإحكام.
كما توقعت تمامًا.
فالملاك الذي ساعدها بـ”البسكويت” كان في الأصل مراقبًا أرسله إيـان.
“بما أنني استفدت منه فلن أشتكي. لكن لا تتظاهر بأنك لا تعلم شيئًا بينما تحاول تقييدي.”
“قولي ذلك بعد أن تهتمي بسلامتكِ أولًا.”
“وهل هذا كلّ ما لديك لتقوله؟”
“هل عليّ أن أقول أكثر؟”
وهذه المرّة بقيت ديانا عاجزةً عن الرد.
كانت تظن أنه سيشرح على الأقل سبب وضع المراقبة، لكن مستوى برودته كان على مستوى كبار الأشرار فعلًا.
وقال إيـان بصوتٍ بارد:
“الشجاعة تختلف عن التهوّر. لا تُعرّضي نفسكِ للخطر بذريعة الكازينو.”
“لم أفعل ذلك. مَن يسمعك يظنّ أنك قلقٌ عليّ جدًّا.”
انعوج وجه إيـان قليلًا.
وقد أدرك من نبرة كلامها وجود عدم ثقةٍ عميق نحوه.
“أحيانًا… أشعر بأنكِ ترينني كوحشٍ بلا دمٍ ولا دموع.”
حقًا؟ ألستَ كذلك؟
“ما الذي تظنينه عني بالضبط؟”
“ما الذي أظنه عنك…؟”
خطيبٌ مستقبلي يُسمّم خطيبته بلا رحمة.
دوقٌ يقوم بدورٍ متقن على غير المتوقّع.
رجلٌ ذو عيونٍ مغمضة يزداد غموضًا كلما ابتسم.
فطرٌ سامّ يمشي على قدمَين، وشخصيةٌ مريبة بكل معنى الكلمة!
لكن…
“لماذا توقفتِ عن الكلام؟”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿ 《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 31"