الفصل 26 : واجبٌ أعطتّهُ لها دمية اللعنة ⁵
بدأت باقة الزهور التي تلقّتها ديانا من إيان تذبل شيئًا فَشيئًا، وعندها قصدت محلّ الحلويات لتفي بالوعد الذي قطعته للأطفال.
تنقسم منطقة سيناتا إلى الشوارع من الرقم 1 إلى الرقم 7.
يضمّ الشارع الأول نوادي بطاقات وبلياردو وسهام وما شابه، بينما تنتشر بين متاجر الشارع الثاني بيوت القمار.
أمّا من الشارع الثالث إلى السابع فكانت مناطق سكنية تلامس المنطقة التجارية.
وكان متجر الحلويات في الشارع السادس أشهرها في هذه الأنحاء.
“آنسة، لقد وصلنا. هذا هو متجر «إيفيل» للحلويات.”
أمسكت ديانا طرف تنورتها بحذر ونزلت من العربة.
طنّ، طنّ.
ما إن فتحت الباب ودخلت، حتّى استقبلتها رائحة الحلويات الحلوة.
كانت الرفوف مليئة بالمخبوزات المتنوّعة من مافن وفطائر، لكن بعضها كان قد نُفد بالفعل.
‘أكبر مِمّا توقّعت.’
كان المتجر مخبزًا حقيقيًّا خلفه فرن، إضافة إلى غرفة طحن وغرفة تخمير منفصلة.
“مرحبًا، ألا يوجد أحد؟”
كان المكان هادئًا على نحوٍ غريب.
هل ترك المالك المتجر؟
لكن اللغز انكشف سريعًا؛ إذ كان صاحب المتجر، وهو يرتدي مئزرًا، يتحدّث مع شخصٍ ما خلف الباب الجانبي.
‘موظّف…؟’
كان الرجل الآخر يرتدي معطفًا أخضر بقبّعة غطاء الرأس. وكان الاثنان يتجادلان باستمرار.
ضرب المالك صدره بضيق، ثمّ أمسك بالرجل واقتاده نحو غرفة الطحن.
وبينما كانت ديانا تنتظر بهدوء، انفتح باب المتجر مجددًا.
طنّ، طنّ.
وفور أن كادت عيناها تتلاقى مع الشخص الذي دخل، أمالت رأسها بلا وعيّ.
‘أوه؟ هذا الشخص… أين رأيته؟’
كانت واثقة أنّها رأته من قبل. كان شعره الأشقر مألوفًا جدًّا.
تسريحة «بوماد» المنسّقة بدقّة مع خصلة أو اثنتين تنفلتان منها، وطول فارع يناسبه ثوبٌ مفصّل بإتقان.
ربطة عنق مشدودة إلى حدّ الاختناق وقفّازات بيضاء… مظهرٌ نظيف لدرجة تصل إلى الهوس بالنظافة، ولا يتناسب أبدًا مع هذا الشارع.
شعرت بنظرات عينيه البنفسجيتين الداكنتين تجول بسرعة عليها.
“المعذرة، يا سيدتي. هل يمكن أن أسألك سؤالًا أو سؤالين إن لم تمانعي؟”
“نعم؟ أنا؟”
“إنّني أبحثُ عن شخصٍ ما.”
أدركت ديانا متأخّرة أنّ لونه شاحبٌ للغاية. هل هو بخير؟
“هل رأيتِ في هذه الأنحاء شابًّا أشقر يُشبهني؟ عمره ما بين الثانية والعشرين وما حولها، وطوله هكذا تقريبًا.”
“أمم… لستُ متأكدة…”
“مظهره يشبه مظهري.”
“هل هو من عائلتك؟”
“نعم. إنّني أبحث عن أخي.”
هزّت ديانا رأسها بأسى.
“آسفة، لم أره من قبل. أليس لديه شيء مميّز أكثر ليسهل عليك البحث؟”
“……”
هل لا يوجد؟
راقبت ديانا الرجل الذي بدا كأنّه يحاول جاهدًا أن يجد ما يقوله، ثمّ أجاب بصعوبة:
“جسمه نحيل ويمتلك قدمين مسطّحتين. ثقته بنفسه عالية، لكنّه ليس جديرًا بالاعتماد عليه كثيرًا. ولديه عادة الغناء أثناء الاستحمام.”
“……لا أعتقد أنّي سمعتُ بذلك من قبل.”
“هكذا إذًا.”
“أليس من الصعب إيجاد شخصٍ بهذه الصفات؟”
أبدت ديانا رأيها بحذر.
“ربّما لو سألتم عن علامة على وجهه… أو على الأقل اسمه، ألن يكون ذلك أفضل؟”
بدت على الرجل ملامح إدراكٍ متأخر، ثمّ وضع يده على صدغه قائلًا:
“الآن وقد قلتِ ذلك، فأنت محقّة. أعتذر.”
“لا حاجة للاعتذار… يبدو أنك متعبٌ جدًّا. لون وجهك سيّئ.”
“أشكركِ على القلق، لكنّي بخير.”
ثمّ تنفّس بعمق.
“اسم أخي هو لوكاس فالنتاين. إن رأيتِ شخصًا يشبهه، أرجو أن تتواصلي فورًا مع أسرة الماركيز فالنتاين.”
وعندها فقط تذكّرت ديانا من أين تعرفه.
‘هذا الرجل… أليس هو الوصيّ الصغير لعائلة فالنتاين؟ ما الذي يفعله في شارع سيناتا؟’
لقد كان الرجل الذي ساعدها يوم حفل الحديقة، عندما التقت إيان لأول مرة.
في تلك اللحظة، فتح الباب الجانبي وعاد صاحب المتجر مسرعًا.
“يا إلهي…! أعتذر لأنّي تركت مكاني! هل انتظرتم طويلًا؟”
“أنا بخير. لكنّ هذه السيدة جاءت قبلي.”
“أعتذر على جعلكِ تنتظرين. كيف يمكنني مساعدتكِ؟”
“أمم، في الحقيقة… أريد أن تُوصَل بعض الحلويات بحلول ظهر الغد. هل هذا ممكن؟”
“بالطبع. ما نوع الطلب الذي ترغبين به؟”
أتمّت ديانا طلبها وهي ترمق الوصيّ الصغير بنظرةٍ جانبية.
وبعد أن دفعت ثمن الطلب، كتب لها صاحب المتجر إيصال التأكيد.
“وماذا سيطلب السيّد؟”
“إنّني أبحث عن شخص.”
اختار الوصيّ الصغير حلوى صلبة صغيرة من الرفّ عشوائيًا.
ربّما شعر أنّه لا يليق أن يقف ويتحدّث دون أن يشتري شيئًا.
“هل رأيت شخصًا يشبهني عمره ما بين الثانية والعشرين وما حولها؟”
“أمم، آسف، لا أذكر أحدًا بهذا الوصف.”
“أتمنّى لو تمكنتَ من التذكّر جيدًا. إنّني أبحث عن أخي المفقود.”
“يا للأسف… يبدو أنّ أمرًا خطيرًا قد وقع.”
قال صاحب المتجر بلهجة صادقة ومتأسّفة.
“عذرًا، لكن من يشبهك لا يمكن نسيانه بسهولة. ثمّ إن معظم زبائننا من النساء، مِمّا يعني أنّنا كنا سنتذكّره بالتأكيد.”
“هكذا إذًا.”
“إن رغبت، يمكنني لصق منشور للبحث عنه.”
“لا، لا داعي. لكن… هل رأيت رجلًا في منتصف الثلاثين من عمره، بشعر أسود، وجهه مليء بالنمش، وكان يرتدي آخر مرة معطفًا أخضر بغطاء للرأس؟”
في تلك اللحظة، اختفت الابتسامة اللطيفة من وجه صاحب المتجر للحظة.
فهمت ديانا فورًا نظرة الحذر في عينيه، أمّا الرجل، فلم يلاحظ شيئًا.
“أمم… لا أظنّ أنّي رأيتُ شخصًا كهذا.”
“أفهم. شكرًا على تعاونك.”
بدا على الوصيّ الصغير خيبة شديدة.
وخرج من المتجر من دون أن يسأل أكثر.
‘ماذا أفعل الآن؟’
تردّدت ديانا.
رجل بغطاء رأس أخضر؟ لو سألها عن هذا منذ البداية لأخبرَته فورًا!
وحين نظرت إلى جانبها، كان صاحب المتجر يتظاهر بعدم حدوث أي شيء.
وهذا ما جعلها تُحكِم قرارها.
خرجت ديانا من المتجر وركضت بخطى صغيرة خلف الرجل الذي كان قد ابتعد.
“لو سمحت! انتظر لحظة!”
“……سيّدتي؟”
“الشخص الذي تحدثنا عنه… ليس أخاك، بل الآخر. لماذا تبحث عنه؟”
“هل شاهدتِه؟”
تغيّر لون وجهه فجأة.
“نعم، لم أرَ شقيقك، لكنّني رأيت شخصًا يرتدي معطفًا أخضر بغطاء للرأس.”
“أحقًّا؟”
“لا أعرف إن كان هو نفسه، لكن…”
“عمره في منتصف الثلاثين، وكان هنا في شارع سيناتا حتى الليلة الماضية. وكان يرتدي معطفًا أخضر بحذاء رمادي.”
“هل كان يضع قفازات قصيرة الأصابع؟”
كان سؤال ديانا تأكيدًا صريحًا. وقد اتّسعت عينا الرجل دهشة.
“هذا صحيح. أين رأيتِه؟”
لكنّ ديانا تردّدت فجأة.
مجرّد نقل المعلومات أمرٌ سهل، لكن ماذا لو تسبّبت بضررٍ لأحد؟
“لماذا تبحث عنه؟ ألم تقل إنّ المفقود هو أخاك؟”
إنه قادر الآن على إيذاء بريء لو كان مخطئًا.
كان اندفاع الوصيّ الصغير مقلقًا.
تردّد قليلًا، ثمّ بدا أنّه قرر أن يبوح بما يخفيه.
“الشخص الذي رأيتِه هو المذكور في آخر رسالة من شقيقي. …للأسف، كان أخي يرتاد بيوت القمار ثم انقطعت أخباره.”
“بيت قمار؟”
“نعم. كان أخي يدخل بيت القمار في شارع سيناتا كثيرًا. يبدو أنّه كوّن علاقات سيئة هناك، خصوصًا في كازينو القصر الملكي.”
استمعت ديانا بصمت، وفجأة اتّسعت عيناها.
كازينو القصر الملكي؟
“إذن الرجل الذي تبحث عنه… هل هو موزّع في الكازينو؟”
“هذا… صحيح، لكن كيف عرفتِ؟”
الآن جاء دور دهشته.
نظراته المرتابة جعلتها تعجز عن قول الحقيقة.
لحسن الحظ، لم يُمعن في السؤال.
“أظنّ أنّني أجبت بما يكفي. والآن دورك. أين رأيتِ ذلك الرجل؟”
“هنا، بالقرب من هذا المكان.”
أشارت ديانا إلى متجر الحلويات.
“صاحب المتجر… كذب. رأيتُه قبل قليل يتجادل مع شخص مشابه تمامًا للوصف قبل أن تدخل أنت.”
“هكذا إذًا.”
وبمجرّد أن أدرك أنّه خُدع، تجعّد حاجباه وأبدى انزعاجًا شديدًا.
“شكرًا لكِ على المعلومات. لقد أفدتِني كثيرًا.”
عبّر عن شكره بانحناءة أنيقة وحركة يد مضبوطة، كانت كافية لتؤكّد لديانا أنّه فعلًا وصيّ عائلة فالنتاين.
لكن المشكلة كانت فيما حدث بعدها.
فقد تجاوزها الرجل وتوجّه بخطوات ثابتة مباشرة نحو متجر الحلويات مرة أخرى.
“مـ… مهلًا! انتظر لحظة!”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿ 《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 26"