ما بالُ هذا الشعور المشؤوم الذي يُصدق دائمًا إلى هذا الحدّ؟
قبضت ديانا قبضتَها من غير أن تشعر.
“لِمَ ذلك؟ أهناك سببٌ يجعل قبولكَ لهذا الطلب صعبًا على نحوٍ خاص؟”
“لأنّه ليس بطلبٍ مناسبٍ لأتولّاه أنا. إنّه مسألةُ نيّةٍ وموقف.”
اتّجهت نظرات أولاندو نحو النافذة.
وفي نهاية نظره، كانت هناك مجموعة أطفالٍ صغارٍ يجذبون المارّة لبيع الجرائد والزهور.
“انظري. ما سبب وجود هذا العدد من الأطفال في الشوارع هكذا، مع أنّ حربًا لم تقَع؟”
“…….”
“إنّه بسبب ذلك الكازينو اللعين. لقد دمّر بيوت الناس.”
وفي نبرة المحقّق الممزوجة بالاشمئزاز ارتجفَت كراهيةٌ عميقة.
“أن يُبدِّد أحدهم مالَ عشر سنواتٍ جمعها في الخارج خلال شهرٍ واحد… يُعدّ هذا من النوع الخفيف. أمّا الأوغاد الذين سرقوا حتى مال علاج صديقهم ولاذوا بالفرار، فهؤلاء… لنقل إنّهم ليسوا أوّل من يفعل.”
نزع أولاندو نظّارته بوجهٍ مرهق.
“أتدرين أين عُثر على الأبوين اللذين تركا طفلًا وكلبًا في بيت طبيبٍ بيطريّ ليتخلّصا من فمٍ يأكل؟”
“……سيدي المحقّق.”
“يتذمّران في الكازينو لأنّ الإدارة لا تثق بهما! لا أظنّ أحدًا شهد من تلك المناظر بقدري.”
وبدا أنّ الضيق يخنقه أكثر مع كلّ كلمة، فضرب صدره بقبضته مرّاتٍ عدّة.
“إلى أين سينتهي حال هذا العالم؟ كلّ هؤلاء الأطفال صاروا في الهامش، ولا أحد يتحمّل مسؤولية أيّ شيء!”
كان في تنهّدات أولاندو ما يهزّ قلب الإنسان.
“صحيح أنّني أعمل كمحقّقٍ لا يهمّه سوى قبض المال… لكن أن أشارك شخصيًّا في إقامة كازينو ملكيّ؟ هذا يخالف ضميري.”
“إذًا… سترفض الطلب؟”
“بعد أن ألخّص الأمر… يبدو أنّ هذا ما سيحدث. يا لهذه الحياة. حتى وأنا أركل حظّي بقدمي، يصرّ القدر على هذه السخافات.”
تنقّل أولاندو بين التنهيد والتذمّر، لكنّه تمسّك بقراره حتى النهاية ولم يتراجع.
اهتزّت الخطّة قبل أن تبدأ حتى، لكن ديانا شعرت في مكانٍ ما براحةٍ خفيّة.
“……لماذا تبتسمين هكذا؟”
في الرواية الأصلية، كان أولاندو محقّقًا يجمع الأطفال المتّسخين ويأخذهم إلى الحمّام.
لم يكن رجلاً يهب كلّ ما يملك من أجل الأسر الفقيرة، لكنّه كان يعتني بالأطفال بقدر ما تسمح به قوّته.
محقّقٌ يأخذ الأيتام ليغتسلوا.
وهذه الصفات بالذات هي ما جعلت ديانا تحتاج إليه.
“أعتذر، ولكن بعد ما قلته، فقد عقدتُ العزم. يجب أن تتولّى أنت هذا العمل مهما حدث.”
“أأنتِ متأكّدةٌ بأنّكِ سمعتِ ما قلتُه؟”
“سمعتُه. فاسمع أنت بقيّة كلامي.”
العمل يشبه الصيد، هكذا تذكّرت ديانا كلام والدها المهووس بالصيد وهو يردّد حِكمًا لا معنى لها، فضحكت في سرّها.
“حتى لو رفضت، سيقبل أحدٌ آخر الطلب. وفي النهاية سيُعاد افتتاح الكازينو الملكيّ كما هو مخطّط.”
“…….”
“لأنّ الشخص الذي قرّر إنشاء هذا الكازينو… هو جلالة الملك نفسه.”
-‘نحن لا نستطيع منع نبلاء لاجئين من شرب الخمر أو القمار. لا يوجد أساسٌ قانونيّ نقف عليه.’
-‘رأى جلالة الملك أنّه بحاجةٍ إلى وسيلة لمعالجة هذه المشكلة. ولهذا أراد إنشاء الكازينو الملكي.’
وكانت كلمات إيان، الذي قال إنّه شرح الأمر بصدق، مليئةً بالتلميحات.
“جلالة الملك على درايةٍ بمشكلات الكازينو، لكن… هناك أسبابٌ مختلفة جعلت القوانين المتعلّقة بالأمر تُهمَل.”
ولتحريك الملك… هناك طريقةٌ واحدة فقط.
“لكن ماذا لو ساء الرأي العام بالتزامن مع إعادة الافتتاح؟ ماذا لو نشَرنا مقالًا يفضح واقع الكازينو ويطالب بخطّةٍ من القصر؟”
“نعم؟”
“إن اعتُبر الكازينو سببًا في تدهور حياة المواطنين، فلن يستطيع أحدٌ تجاهله.”
“……!”
“وسيقدّمون حينها حلًّا من نوعٍ ما. وسيلةً لمساعدة المدينة السفلى والأطفال.”
وسيصحب ذلك إدارةٌ صارمةٌ ورقابة.
وستعود تلك القوانين المعلّقة إلى السطح، ولسببٍ وجيه.
“حتى جلالة الملك، على سموّه، لا يستطيع تجاهل الرأي العام. أظنّ أنّ علينا استغلال هذه النقطة.”
كلّما مضت ديانا في الإقناع، نظر إليها أولاندو وكأنّه يرى مخلوقًا غريبًا.
ملك إيميرالد، ألويس الثاني، يبلغ التاسعة والأربعين.
ومهما كانت مكانته، فهو شخصٌ لا يُنادى باسمه بسهولة.
لكن هذه الشابّة الصغيرة تتحدّث وكأنّ بإمكانها الإمساك بالملك ووضعه بين يديها متى شاءت.
مشهدٌ غريب، لكنّ أولاندو أدرك أنّ ما يلمع في عينيها ليس غرورًا.
“وفكّر. لماذا أبحثُ أنا بالذات عن الشخص الذي احتال وهرب؟”
إن لم يوجد المال؟ فليُخلق. ولينتُف شعر المحتال الذي سرقه!
التعليقات لهذا الفصل " 20"