الفصل 1 : ظُروفُ ديانا وِيلينغتون ¹
كنتُ أحبّ الرّجال الذين يختلف ظاهرهم عن باطنهم.
دوق الشمال البارد، لكنّه عطوفٌ على زوجته.
سيدُ برج السّحر، الذي يتلعثم كلّما سمع اسمي رغم بروده تجاه بقيّة العالم.
وليُّ عهدٍ نبيل، ومستشارٌ ملكيّ، وقائد فرسان، وأحيانًا كائنٌ متعالٍ تجاوز البشريّة.
كنتُ أرغب، ولو لمرّة، أن أتورّط بشدّةٍ مع رجالٍ يحملون قصصًا لا تُقال. أردتُ أن أختبر ذلك.
…لكنّ هذا، لم يكن ما قصدتُه إطلاقًا.
“أرجوك، فقط امنحني بعض الوقت… في المرة القادمة بالتأكيد…”
“ظروفكَ لا تعنيني في شيء.”
صوته البارد كان حادًّا بما يكفي ليقطع الأطراف.
إنه إيان كروفورد.
الفيكونت الصغير، المعروف بلطفه وعدله مع الجميع.
“هل نسيتَ كم مرّةً منحتُك فرصة؟”
“آاااه!”
الرّجل الذي كان يبتسم بلطفٍ قبل لحظات، كان الآن يدوس على أصابع الآخر بلا رحمة.
ما الذي جعلني أختار غرفة الاستراحة هذه تحديدًا؟
ولماذا اختار هؤلاء الأشخاص الدخول هنا، من بين كلّ الأماكن؟
ولِمَ انكسر حذائي اليوم بالذّات وأوقعني في هذا الموقف؟
“أموال الكازينو الملكيّ تُعدّ أموالي. كيف تجرؤ على مدّ يدك إليها؟”
“أرسلتُ بعض الرجال! أناسًا موثوقين…”
“ما الذي يجب أن أفعله بعجزك؟ لو كان شريكي هنا، لأصرّ على قتلك، ويبدو أنّها فكرةٌ معقولة جدًّا.”
وجدتُ نفسي فجأة أتنصّت على محادثةٍ سريّة لواحدٍ من أشرس الرّجال في الخفاء. كنتُ أُخفي أنفاسي وأرجو أن تمرّ هذه اللحظة.
“سأمنحك أسبوعين. وإن لم تستطع حلّ المشكلة هذه المرّة أيضًا…”
“يا، يا فيكونت…”
“فسأعوّض المال من خلال بيع أحشائك.”
إن كنتَ تُحبّ حياتك، فأخرج المال.
هذا كان تهديدًا لا يقلّ عن سطوٍ مُسلّح، لكن دون السّلاح.
لكن إن قال تلك الكلمات شخصٌ مثل السيد ضيّق العينين، فذلك السّطو يتحوّل إلى تهديدٍ بالقتل.
بمعنى آخر، الخطر يتضاعف.
“هل فهمتَ كلامي؟”
“ن، نعم!”
“اختفِ حالًا. قبل أن أُقتلَك فعلًا.”
قفزَ التابع من مكانه وهربَ من الغرفة مذعورًا.
وبقيتُ أنا وحدي، أدعو أن يخرج إيان كروفورد أيضًا.
لأنّني كنتُ الوحيدة المتبقّية في الغرفة.
أنقذوني! كنتُ أتنفّس فقط كقطعةٍ خزف منسيّة!
كلّ ما أردتُه هو استنشاق الهواء من على الشّرفة!
“……”
لكن، رغم صرخاتي الصامتة، لم يغادر كروفورد الغرفة.
“رائحة عطر…”
بدأ فجأةً ينظر حوله، وكأنّه يبحث عن شيءٍ ما.
قلبي كاد ينفجر من القلق. ما الذي يبحث عنه؟
وفي تلك اللحظة، اقتربت خطواته بسرعةٍ هائلة.
“……!”
ارتعبتُ وبدأت أبحث عن مكان للاختباء.
لكن الأوان قد فات.
فُتحت ستائر الشرفة فجأة، وظهر إيان كروفورد.
“آنسة ديانا؟”
“هاه…”
عيناه الحمراوان تُحدّقان بي كما لو كنتُ فريسة.
فهمتُ ذلك غريزيًّا. إن أردتُ النّجاة الآن، فعليَّ أن أقدّم شيئًا، حتى لو كان مالًا.
تراجعتُ خطوةً بخطوة، إلى أن اصطدمتُ بحاجز الشّرفة.
“ما الذي كنتِ تفعلينه هنا؟”
“أ، أنا فقط… كنتُ أستريح. شعرتُ بضيقٍ في صدري…”
“هل سمعتِ حديثي قبل قليل؟”
“……”
لم أستطع قول شيء.
فأيُّ إجابةٍ لن تُنقذني من هذا الموقف.
كان الجوّ حول كروفورد مشحونًا، بطريقةٍ لم تكُن طبيعية أبدًا.
“سأعيد السّؤال. هل سمعتِ الحديث السابق، آنسة ديانا؟”
اختفت تمامًا تلك الابتسامة المصطنعة التي أظهرها في اللّقاء الأوّل.
الآن لا يُرى سوى الوجه المرعب الذي كنتُ أحاول تجنّبه طيلة حياتي.
‘انتهيتُ.’
إن كان هذا مصير شخصٍ مُتجسد، فحقًّا هو مصيرٌ ظالم.
فأنا لم أتورّط معه بأيِّ شكل قبل أيّام قليلة فقط.
‘ليُنقذني أحدٌ من فضلكم!’
وإن أردتم أن تعرفوا كيف وصلتُ إلى هذه النّقطة، فعلينا أن نعود إلى ما قبل يومين من الآن.
***
“تزوّجي.”
قالت أمّي، وهي تحتسي الشاي بأناقة.
“لم أعد أستطيع الانتظار. تزوّجي، يا ديانا.”
“أمي…”
لقد حان الوقت، أخيرًا.
أغمضت ديانا عينيها في ضيق.
كانت هيلينا أمًّا مثاليّة في كلّ شيء، باستثناء مسألة الزّواج.
رغم أنّها لم تكن المرّة الأولى، إلا أنَّ ديانا، كمُتجسدة لم تتخلّ تمامًا عن حسّها الحديث، كانت تشعرُ بالإرهاق.
‘ليتها تكتفي بحديثٍ خفيف اليوم…’
لكنّ الأمور بدأت تأخذ منحًى مختلفًا.
“هناك عرض زواج.”
“هاه؟”
“رسالة من عائلة دوق كروفورد. الدّوقة الكبرى لاحظتكِ وأعجبت بكِ.”
أعطتني أمّي رسالة، وجسدي تجمّد.
“لديها نظرةٌ ثاقبة. وأنا أيضًا أرحّب بفكرة الزواج مِن الفيكونت كروفورد.”
“أمّي!”
“بعد يومين، ستقابلينه في حفلة عائلية فالنتاين.”
“أنا لا أريد! قلتُ بوضوح إنّني لا أرغب بالزواج!”
“لماذا؟ لأنّكِ وريثةٌ ثريّة؟”
قبل ثلاث سنوات، حصلت ديانا على حقوق الميراث بعد إصلاحات الأراضي الملكيّة.
ومنذ ذلك الحين، قرّرت أن تعيش حياة المرأة الثريّة غير المتزوّجة.
لكن ذلك القرار اصطدم مباشرةً برفض الوالدين.
“أمّي، أريد علاقةً طبيعيّ-…”
“إن كنتِ ستقولين ‘أريد علاقةً طبيعيّة’، فلا تتفوّهي بكلمة. كم مرّةً قلتِ هذا؟”
“أووه…”
“لن أسمح بأن تظلي عزباء إلى الأبد.”
نظرت إليها أمّها بصرامة، ثمّ هدأت وقالت:
“الفيكونت شابٌّ رائع. وأنا التقيتُه مرّتين، لا يوجد مثله.”
“لكن…”
“عائلتنا حديثة النّعمة، والزواج به سيُعزّز من مكانتنا. والدكِ يوافق تمامًا.”
ثمّ همست.
“ديانا، لا أحد يعرف كيف تأتي الأقدار.”
أقدار؟
نعم، هناك شيءٌ كهذا… لكن من النّوع السّيئ للغاية.
“أتمنّى فقط ألّا تُغلقي قلبكِ تمامًا. قد تغيّرين رأيكِ حين ترينه.”
وغادرت أمّها، تاركة ديانا غارقةً في أفكارها.
‘هل انتهى كلّ شيء هكذا؟’
ديانا لم تكن ترفض الزواج منذ البداية.
لكنّ حياتها تغيّرت في عمر الرابعة عشرة.
حينها، استعادت ذكرى حياتها السابقة.
تذكّرت أنَّ هذا العالم هو روايةٌ خياليّة رومانسيّة بعنوان:
<سأنقذ الأمير!>
وأنّها، ديانا ويلينغتون، ليست سوى شخصيّةٍ ثانويّة فيها.
بل ضحيّة يتمّ استغلالها من قِبل الشّرير الخفيّ.
‘لم أستغرب أنَّ حياتي سهلة. فقد كنتُ مجرّد أداةٍ لتبييض الأموال ومصيري الموت. أيُّ مصيرٍ أسوأ من هذا؟’
قبل استعادة الذكريات، كانت حياتها مثاليّة.
وكأنّها تعويضٌ عن بؤس الحياة السابقة.
“لكن، رغم كلّ جهودي، ها أنا أعود لنفس المصير.”
نظرت إلى الرّسالة أمامها وتنهدت بعمق.
كان محتواها باختصار: لدينا اهتمامٌ بخطبتكم، فليلتقِ الشّابّان إذًا.
كم حاولت ألّا تستلم هذه الرّسالة…
أيُّ شخصٍ إلّا عائلة كروفورد.
تجنّبت الشرير الخفّيّ، وبحثت عن شريكٍ مناسب.
لكن، كلّما اقتربت من أحد، انسحب باكيًا مدّعيًا أنّها تستحقّ أفضل منه.
‘أيًّا يكن، فالأحداث ستتبع الرواية مهما حدث؟’
قوّة الرواية لا تُقاوَم.
رغم كونها جميلةً وثريّة، لم تتلقَّ ديانا عرض زواج واحد.
“ثمرة حبّ ديانا البائسة كانت السّمّ. لم تستطع تقبّل تغيّر خطيبها، حتى لحظات موتها.”
في الرواية، تقع ديانا في حبّ الشرير الخفّيّ من أوّل نظرة، لكنه يستغلّها ويقتلها بيديه.
كانت مجرّد أداةٍ لإبراز قسوته.
لكنّ ديانا لم تكن مستعدّةً لقبول هذا المصير.
‘صحيح، لم أعد أُبالي، لكن لا أريد الموت.’
توقّف بحثها عن الشّريك تمامًا.
وفهمت أن لا فائدة من الاستمرار.
فانطفأت رغبتها في الزواج، ولم يبقَ سوى عقل المتجسدة.
‘سأُغيّر مجرى القصّة، بأيِّ ثمن.’
جمعت ما تبقّى من إرادتها.
لكن كيف؟ كيف تتفادى دور الخطيبة المُستغلّة؟
أخيرًا توصّلت إلى الجواب.
‘لو بدوتُ سهلة، سيقتلني حتمًا. الأفضل أن أبدو شريرةً مثله.’
وليس المقصود أن تُصبح شريرة بحق.
بل أن تترك انطباعًا بأنَّ التخلّص منها لن يكون بهذه السهولة.
أدركت أنَّ كذبة “أريدُ علاقةً طبيعيّة” لن تنفع طويلًا.
‘لن أموت بهذه السّهولة!’
وهكذا، اتّخذت ديانا قرارها النهائيّ.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 1"