الفصل 18 : المُهرّجون وفطر المهرّج ⁸
كيف يمكن للمرء أن ينجو إن سقط فجأة في غابة من أقاصي قارّة لم يزرها من قبل؟
قصة <سأُنقذ الأمير!> تحكي عن إيلي غرينفيلد، وريثة الساحرة التي سقطت في مملكة إيميرالد بسبب حادثٍ غير متوقّع.
ذات يوم، عبثت إيلي بجذور شجرة العالم بالخطأ، فطُرِحت في غابة لم ترَ مثلها من قبل، وكانت تلك هي غابة غران أَغنو في مملكة إيميرالد.
المشكلة أنّ منزلها يقع في دوقية تيترين.
في قارة موراتو، تقع دوقية تيترين ومملكة إيميرالد في طرفين متقابلين قطريًا؛ أي بعيدتان… بعيدتان جدًا.
وفي النهاية، قرّرت إيلي أن تصنع الجرعات وتبيعها كي تجد وسيلة للعودة إلى منزلها مهما كلّفها الأمر.
وفي أثناء ذلك، تلتقي بأشخاص مختلفين وتُزهِر موهبتها السحرية وتصبح ساحرة، وذلك كان خطّ سير القصة الأصلية.
‘في الرواية كانت مشغولةً للغاية بالرومانسية مع وليّ العهد حتى النهاية.’
ما السبب في أنّ إيلي، التي لم تكن تملك شيئًا ولا طريقة لإثبات هويتها، استطاعت النجاة؟
كل ذلك بفضل العلاقات.
لقد صادفها الحظ فلم تلتقِ إلا بأناس يمكن الوثوق بهم.
على سبيل المثال، متجر لودين الذي تعرّف على موهبتها واستثمر فيها دون تردّد.
“لقد وصلنا يا آنسة.”
كان ذلك ممكنًا أيضًا لأن هناك أشخاصًا مثل المحققين الخاصين الذين يعيشون مستأجرين في المنطقة السابعة من شينترا، بعيدًا عن الشوارع المزدحمة.
وكانت ديانا بحاجةٍ إلى مثل تلك المعجزة كذلك.
“الطابق الأول من هذا المبنى هو مكتب التحريّات أورلاندو.”
“شكرًا لك.”
نزلت ديانا من العربة وهي تحمل صناديق الكعك بكلتا يديها.
[مكتب أورلاندو للتحقيقات الخاصة]
نجد لكم أي شيء.
&
نساعد في جمع مختلف الأدلة.
الاستشارات مُرحّبٌ بها.
من المعتاد تخيّل المحقق الخاص شخصًا ذي قدراتٍ استنتاجية خارقة كشارلوك هولمز، لكن الحقيقة أنّه أقرب إلى مخبر يتجوّل على حدود القانون واللاقانونية.
إنه محققٌ خاص يعرف كيف يحصل على المعلومات بالطرق كلّها مهما كانت.
وكان أورلاندو مميزًا بينهم.
ففي رواية مليئة بكل أنواع الأخطار، كان رجلاً ذا شخصيةٍ مضمونة لدرجة أنه يساعد شابةً مجهولة الهوية فور لقائه بها.
قد يعمل على أي مهمةٍ مقابل المال، لكنه يعرف كيف يحافظ على ضميره، ما يجعله ذا قيمةً كبيرة.
‘كنزٌ وطني بالفعل.’
لا يمكن أن تدعه يفلت منها. أمسكت ديانا بمطرقة الباب بقوة.
“هل من أحدٍ هنا؟”
نادت بصوتٍ مرتفع يكفي للوصول إلى الداخل.
“ألا يوجد أحدٌ هنا؟”
توقّعت أن يخرج شخصٌ قريبًا، لكن على غير المتوقع لم يكن هناك أيُّ حركة.
‘هل هو بالخارج؟’
طرقت ديانا الباب مرةً أخرى بضع مرات، لكن الداخل ظلّ صامتًا.
“إن كان السيد أورلاندو، فهو لم يأتِ بعد…….”
في تلك اللحظة، جاءها صوتٌ صغير من خلفها كأنَّ صاحبه يزحف.
وحين التفتت، وجدت طفلين أو ثلاثة في هيئةٍ رثّة ينظرون إليها.
“مرحبًا.”
“آه، مرحبًا.”
يا لهم من أطفال مهذّبين.
“أختي الجميلة، هل تبحثين عن السيد أورلاندو؟”
“نعم، صحيح.”
أومأت ديانا للطفل الأطول بينهم.
“جئتُ أبحث عن السيد أورلاندو، فهل هو ليس في المكتب اليوم؟”
هزّ الطفل، الذي بدا قائدهم، رأسه بقوة بعد أن شجّعه لطف ديانا.
“العم ذهب إلى السيدة ديلما!”
“السيدة ديلما صاحبة محلّ السمك! شارع غواشيه الثالث!”
“أنها ترعى قطة سوداء! خرجت القطة من البيت مؤخرًا فطلبت من العم إيجادها!”
فجأة انهالت معلوماتٌ عن السيدة ديلما التي لا تعرفها ديانا.
ابتسمت بصعوبةٍ ووافقت قائلة:
“أفهِم… شكرًا لإخباركم. وهل تعرفون متى سيعود السيد أورلاندو؟”
“ه، هذا…….”
“نعم نعرف، لكن…….”
وكأنهم اتفقوا مسبقًا، سكت الأطفال جميعًا ونظروا خلسة إلى صندوق الكعك بين يديها.
وهنا فقط فهمت ديانا سبب اقتراب الأطفال منها.
‘إذن هذا ما كانوا يطمعون به.’
في الرواية، كان أورلاندو يحب الحلويات، ويأكل الكعك كلما احتاج إلى التفكير.
ولهذا أحضرت كعكًا كنوعٍ من الرشوة، ويبدو أن الأطفال رأوه صدفة.
وبالطبع، فهي تحمل ثلاثة صناديق كاملة، فلا بد أنهم لاحظوها.
“إن أخبرتموني متى سيعود، سأعطيكم هذا الكعك.”
“حقًا؟!”
“الساعة الواحدة! قال إنه سيعود بعد الغداء!”
“وسيمرّ على مكتب البريد أيضًا! هذا صحيح!”
تحمّس الأطفال وبدأوا يثرثرون.
أخرجت ديانا ساعتها الجيبية ونظرت. أمامها نصفٍ ساعة للانتظار.
“إذن سيعود عند الواحدة؟”
“نعم!”
“حسنًا. تعالوا إذًا.”
وما إن سمع الأطفال الموافقة حتى ركضوا صاعدين الدرج.
جلست ديانا على الدرج بارتفاع يناسب أعين الأطفال.
ومن قرب، رأت وجوههم متّسخةً بشكلٍّ واضح.
‘هؤلاء الصغار…… هل ليس لديهم من يعتني بهم؟’
فتح الأطفال صندوق الكعك ومدّوا أيديهم، لكنهم كانوا يأخذون قطعة واحدة فقط كل مرة وهم يراقبونها بحذر، ما يدل على أنّهم تعرّضوا للتوبيخ كثيرًا.
“شكرًا لكِ!”
“سنتناوله جيدًا، يا أختي الجميلة!”
“واو، كعكة لوز! انظر! أكبر من كفّي!”
“وهناك توت العلّيق! رائحتها مذهلة!”
أكل الأطفال الكعك بلهفةٍ كأنَّ أحدًا قد ينتزعه منهم في أي لحظة.
أحد الأطفال تردّد قليلًا ثم كسر كعكة إلى نصفين ووضع نصفها في جيبه.
“ستأخذها للمنزل؟”
“ل، لأختي الصغيرة…….”
“إذن خذ واحدةً أخرى.”
فأخذ الطفل قطعةً أخرى بعد تردّد.
“هل هي لذيذة؟”
“نعم! لم نأكل شيئًا بهذا الطعم من قبل! لكن هل يمكننا أكل المزيد حقًا؟”
قال الطفل الذي التهم قطعة للتو بسرعة.
“نحن… نحن لا نملك مالًا. لا تسترجعيها لاحقًا، أرجوكِ!”
“اطمئن. لا أنوي ذلك.”
“لكن…… العم أورلاندو قال إنه لا شيء مجاني في هذا العالم…….”
يا له من درسٍ جميل أعطاه المحقق العجوز لهؤلاء الأطفال.
أجابت ديانا الطفل الذي بدا أنه يكبح رغبته في أكل المزيد بصعوبة.
“صحيح، لا شيء مجاني. إذن لنتفق هكذا: لن آخذ ثمن الكعك. لكن بدلًا من ذلك، هل يمكنكم رمي القمامة التي تُلقى بالقرب من المكتب لمدة أسبوع؟”
“القمامة؟”
“هذا ليس صعبًا…… لكن لماذا؟”
“لأنني سأزور مكتب التحريّات كثيرًا من اليوم فصاعدًا. وأحب أن يكون الطريق نظيفًا. فهل نعتبر هذا مقابل الكعك؟”
تبادل الأطفال نظراتٍ سريعة ثم هزّوا رؤوسهم بحماسة.
“حسنًا! سنفعل!”
“سننظّف القمامة!”
“إذن وعد؟”
“نعم!”
بمجرد أن وافقوا اطمأنّوا، ثم مدّوا أيديهم لما بقي من الكعك.
وبينما كانوا يعبثون مقلّدين تعبيراتٍ مضحكة وعيونهم تكاد تخرج من مكانها، حدث ذلك.
“هل يمكنني أنا أيضًا تناول هذا الكعك؟”
فجأةً أسدل ظلٌّ فوق رأس ديانا.
صوتٌ منخفض بطيء كأنه لم يستيقظ بعد.
رجل ذو شعرٍ أسود مائل إلى البنفسجي وعينين صفراوين يلوح منهما جوّ غريب.
يبدو في عمر ديانا أو أصغر بعامٍ أو عامين، لكنه بالتأكيد ليس صبيًا.
“آه…….”
“هل لا يجوز لي؟”
“ل، لا…… يمكنكَ. تفضّل.”
“شكرًا.”
بمجرد أن سمحت له، التقط الرجل كعكة بالمربّى وجلس بجانب ديانا على الدرج.
‘مَن هذا؟ لم أرَه من قبل.’
تفاجأت ديانا بالجلوس إلى جانب رجلٍّ غريبٍ فجأة.
وكانت حريته في التصرّف ومظهره مثل قطٍّ بري لم يُروَّض بعد.
‘لا يبدو موظفًا في مكتب التحريّات… هذا لم يكن في الرواية.’
ملامحه الجميلة وهيئته الأنيقة تجعلان منه شخصًا جذّابًا.
لكن هذا جعل نظرته الباهتة أكثر لفتًا للانتباه.
إلى ماذا ينظر بعينيه كعيني سمكةٍ متجمّدة؟
‘لا يوجد شيءٌ هناك.’
وكان عند طرف عينه اليمنى ندبة عميقة على شكلٍ مائل.
وبينما كانت ديانا تُمعن النظر في ملامحه، ازدادت حيرتها.
‘من يكون؟ شخصٌ ذو ندبة مميزة كهذه من المستحيل ألا أتعرّف عليه.’
حاولت ديانا استرجاع ما في الرواية بكل ما أوتيت من جهد.
لكن الرجل كان يمضغ الكعك بهدوءٍ شديد كجمل يمضغ التبن.
وفي النهاية، أصبح مضغ الرجل للكعك أسرع من وصول ديانا إلى جواب.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿ 《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 18"