الفصل 16 :
“نعم؟”
“أعلم أنّه من غير اللائق قول هذا، لكنّني راقبتكما عن بُعد أثناء نزهتكما. كان الدوق الصغير يتبعكِ بحماس، أليس كذلك؟”
“آه، هذا لأن…”
“عندما يُعجب الشاب بفتاة، يصبح سلوكه واضحًا جدًا، أليس كذلك؟ هذا طبيعي في مثل سنّه.”
اقتربت منها كونتيسة غراي فجأة، ملتصقة بها وكأنّها تتحدّث من واقع خبرة.
“يبدو أنّنا سنسمع أخبارًا سارّة من عائلة ويلينغتون قريبًا. أستطيع أن أتخيّل مدى سعادة هيلينا.”
“ألا تعتقدين أنّكِ تسرّعتِ قليلًا، سيدتي؟”
“تسرّعتُ؟ مجرد حقيقة أنّه أراد أن يستريح في صالون مخصّص للنساء فقط تدلّ على مشاعره، أليس كذلك؟”
في الواقع، بدا كأنّه تعمّد لفت الانتباه عمدًا…
“كان مشهدًا ممتعًا. أنا سعيدة لأنّني جئتُ إلى الصالون اليوم. أوهوهو.”
تردّدت ديانا، لكنّها قرّرت في النّهاية ألّا ترد.
فالحقيقة بأنّها تُحاول الحفاظ على مسافة من الشرير ليست بالأهمية مقارنةً بتحقيق هدفها الأساسي، وهو إثارة هذا النوع من سوء الفهم.
‘هل سيدات المجتمع ساذجات إلى هذه الدرجة، أم أنّ ذلك الرجل ممثل بارع؟’
ما هو مؤكّد أنّ كلّ من كان في الصالون اليوم خرج مقتنعًا بأنّ العلاقة بين ديانا والدوق الصغير ليست عادية.
بالنّظر إلى أنّ كلّ ما طلبته كان باقة زهور، فالنتيجة كانت فوق المتوقّع.
—
مع احمرار السّماء في الغرب واقتراب الغروب، بدأ ضيوف الصالون يستعدّون للمغادرة.
أنهت ديانا تحيّاتها للوصيّة الكبرى وكونتيسة غراي، ووقفت بانتظار العربة عند المدخل.
“آنسة ديانا، شكرًا لقدومكِ اليوم.”
“بل الشكر لكِ على دعوتي. بفضل زوجة مركيز لانكستر، استمتعتُ بوقتي كثيرًا بعد فترة طويلة.”
“سعيدة بسماع ذلك. سأرسل لكِ دعوةً أخرى قريبًا، الجميع هنا سيرحّب بكِ دائمًا.”
من ابتسامتها، بدا أنّ زوجة المركيز شعرت برضا تام، وكأنّها نالت جرعتها اليومية من الدوبامين.
فيما كان الضيوف يتبادلون التحيّات، صعدت ديانا إلى العربة بهدوء.
لكن في اللحظة التي كانت على وشك إغلاق الباب، قام أحدهم بمنعه بالقوّة، بل وصعد إلى عربة عائلة ويلينغتون دون إذن.
“هوه، الحمد لله. كدتُ أن أضيعكِ.”
“…السّيّد إيان؟!”
لم تكن ديانا الوحيدة التي صُدمت، فقد هرعت الوصيّة الكبرى بدورها نحو العربة وقد بدت عليها الصدمة.
“إيان!”
“سأقوم بإيصال الآنسة ديانا بنفسي.”
“ماذا تقول؟ انزل فورًا!”
“نلتقي في القصر، عمّتي.”
“إيــــان كروفورد!!”
رغم صراخ الوصيّة الكبرى بوجهٍ غاضب، بقيت ملامح إيان مرتاحة ومبتسمة.
وانطلقت العربة حالما أغلق الباب.
من خلف النّافذة، راحت وجوه السيّدات المتلألئة بالنميمة تُحدّق بهما بشغفٍ واضح، إلى درجة جعلت ديانا تتمنّى لو لم تخرج من المنزل ذلك اليوم.
“لم أتوقّع أن تُغادري دون حتى وداع.”
“…إيان كروفورد.”
“هل فعلتِ ذلك عمدًا؟”
“هذا السؤال يُفترض أن أطرحه أنا!”
صرخت ديانا رغمًا عنها، ثم مرّرت يدها على وجهها متنهّدة.
‘آخر لحظة في هذا اليوم، وها نحن نصبح مادّة مثالية للقيل والقال…’
ما الذي يُخطّط له هذا الرجل؟
صحيح أنّها هي من اقترحت التظاهر بعلاقة زائفة، لكن كان من المفترض أن ينتهي الأمر بهدوء.
‘هو يعلم تمامًا أنّ هذا النوع من التصرّف العلني لا يجلب سوى المشاكل!’
لكن لا فائدة الآن، فالعربة انطلقت بالفعل، ولا مجال للقفز منها.
بينما كانت ديانا تغلي من الداخل، جلس إيان أمامها بكلّ راحة وهو يعقد ساقيه.
“رائع. إذا واصلتِ التحديق بوجهي هكذا، فقد ينفتح فيه ثقب قريبًا.”
“ما كان يجب أن تُبالغ إلى هذا الحدّ… هل تستمتع بنشر الشائعات؟”
“بدلًا من هذا الجدل غير المفيد، فلنتحدّث عن أمرٍ أكثر إثارة. هل لديكِ خطط لزيارة الكازينو قريبًا؟”
كان يُغيّر الموضوع كما يحلو له.
عندما أومأت ديانا بتردّد، ازدادت ابتسامته عمقًا.
“ممتاز. لا داعي للتأجيل، فلنذهب سويًّا.”
“الآن؟”
“هل هناك سبب يمنعكِ؟”
“لا، ليس تمامًا، لكن…”
“الكازينو مغلق حاليًا. إن ذهبتِ بمفردكِ، فستعودين خالية اليدين بعد أن تنظري إلى جدرانه فقط.”
قال ذلك، ثم أخرج من جيبه علبة صغيرة مصنوعة من العقيق، تشبه علبة أعواد الثقاب. فتحها وأخرج مفتاحًا.
يبدو أنّه المفتاح الخاص الذي يحمله مدير المكان.
“لديّ أيضًا أمر أردتُ مناقشته، فلنذهب معًا. سأحرص على إيصالكِ إلى منزل آل ويلينغتون في الوقت المناسب.”
“هناك شيء آخر تودّ قوله لي؟ يمكنك قول ذلك الآن.”
“من الأفضل أن أشرح الأمر وأُريكِ المكان مباشرة.”
لم تجد ديانا سببًا مقنعًا لرفضه، فتركت الأمور تأخذ مجراها.
فتح إيان الحاجز وتحدّث مع السائق، فتغيّرت وجهة الرحلة على الفور، وتحول الطريق المألوف إلى مشهدٍ غريب.
“بخصوص ذلك الطلب الذي ذكرتِه سابقًا…”
“نعم؟”
“أن أكون مرافقكِ في الحفل الملكي. هل يجب أن يكون حفل الحصاد تحديدًا؟”
تُقام الحفلات الملكية مرتين في السنة: حفل رأس السنة وحفل الحصاد.
وبما أنّ حفل رأس السنة قد مضى، فلم يتبقَّ سوى حفل الحصاد في الخريف.
هزّت ديانا رأسها نفيًا.
“لا، ليس شرطًا. ما زال هناك وقت طويل قبل حفل الحصاد.”
“إذًا، لا تهمّكِ ضخامة الحفل؟”
“صحيح. ما دامت هناك شخصية ملكية حاضرة، فهذا كافٍ.”
في الأصل، طلبت من إيان مرافقتها لتؤكّد الإشاعات المُنتشرة عن علاقتهما.
‘في الحقيقة، بعد كلّ ما حدث اليوم، قد لا أحتاج لهذا الحفل أصلًا…’
لقد كان إيان متعاونًا بشكل مفاجئ اليوم.
“حسنًا، سأرتّب وقتي لأحضر الحفل الملكي القادم.”
“هل تم تحديد موعده؟ ومن سيُشرف عليه هذا العام؟”
“إنّه دور صاحبة السمو، الأميرة إليونورا. لكن لم يتم تحديد تفاصيل الحفل بعد.”
أجوبته كانت دقيقة ومنظّمة، ما أثار دهشة ديانا.
“هذا… مفاجئ قليلًا.”
“ما الذي يُفاجئكِ؟”
“لم أتوقّع أن تتعاون بهذه السهولة.”
“همم؟”
“لا أدري، فقط شعرتُ بأنّك ستجد طريقة للتهرّب أو تدّعي الجهل. يبدو أنّني كوّنت فكرة خاطئة عنك.”
“هاها.”
رغم أنّها كانت تتوقّع منه ردًّا ساخرًا، إلا أنّه اكتفى بالضحك دون تعليق.
ولم تفهم ديانا السبب الحقيقي وراء تلك الضحكة الغريبة إلا بعد وصولهما إلى الكازينو.
—
“لقد وصلنا.”
توقّفت العربة عند شارع الكازينو، وكانت الشمس قد غابت تمامًا.
نزلت ديانا من العربة بمرافقة إيان.
“لندخل.”
لم يكن الكازينو بعيدًا، ودخلا بهدوء حتى لا يلفتا الانتباه.
بمجرد دخولهما، انبعثت رائحة كريهة وغريبة.
أشعلت ديانا مصباحها اليدوي وأخذت تنظر حولها.
ومع تعوّد عينيها على الظلام، بدأت التفاصيل تظهر بوضوح.
“إنّه مظلم جدًا. سأُزيح الستائر قليلًا.”
كان المكان في حالة فوضى عارمة، تمامًا كما قالت كونتيسة غراي.
ثريّا زجاجية، ستائر على الطراز الغايتاني، مرآة ضخمة تعود لزمن قديم.
حتى الشيشة الموضوعة جانبًا بدت وكأنّها وُضعت فقط للزينة.
لو زرتَ متجر تحف قديم، فلن تجده بهذا القدر من الفوضى.
كلّ شيء غير متناسق ومزعج بصريًا.
‘ما هذا المكان؟’
هل يُعقل أن يحمل هذا الفوضى اسم “كازينو ملكي”؟
الأثاث، الأرضيّات، حتى إطار النوافذ—كلّ شيء كان رديئًا ومنفّرًا.
“ما رأيكِ؟”
“ما رأيي؟ أليس من المفترض أن تشعر بشيءٍ وأنت ترى هذا؟”
“بالطبع. من يملك ذوقًا بسيطًا سيشعر بالغثيان من هذا المكان.”
على الأقل، يُدرك مدى سوء الوضع.
نظرت إليه ديانا بنظرة نقديّة، ثم بدأت تُعاين المكان جزءًا بجزء.
‘أن يُترك على حاله كان سيكون أفضل من هذا.’
حتى مع محاولة تغطية العيوب، بقيت آثار القِدَم والرداءة ظاهرة.
كلّ شيء فيه متداعٍ.
“قلتَ إنّه مغلق، أليس كذلك؟ سيكون من الأفضل تجديده بالكامل قبل إعادة افتتاحه. من المسؤول؟ هل نحتاج إلى استدعاء عمّال؟ كم من المال يمكننا تخصيصه؟”
“في الواقع، عن هذا الموضوع…”
تردّد إيان على غير عادته، ثم قال:
“للأسف، لا يوجد ميزانية مُخصّصة لهذا.”
“…عفوًا؟”
ماذا قال للتو؟!
التعليقات لهذا الفصل " 16"