الفصل 13 : المُهرّجون وفطر المهرّج ³
“آنسة إيلين، إن كان لديكِ كلّ هذا الفضول، فلماذا لا تسألين تلك السيّدة هناك؟”
أشارت ديانا بطرف إصبعها نحو المقاعد المخصّصة لأعضاء الصالون الدائمين.
ومن كانت تجلس هناك لم تكن سوى مونيكا كروفورد.
“هذا اللقاء رتّبته السيدة بنفسها. وعلى عكس البعض، لم أرمِ نظرات إعجاب نحو سموّه.”
في تلك اللحظة، تجمّد وجه إيلين لومييل تمامًا.
“نظرات إعجاب؟ ما هذا الكلام؟”
“هل بالغتُ في التعبير؟ إذًا، لنقل اهتمامًا صريحًا، هل يناسبكِ هذا الوصف؟”
“مهلًا!”
“لا تغضبي إلى هذا الحدّ. أعلم أنّكما تبحثان عن رجلٍ نبيـلٍ، من أسرةٍ مرموقة، طيّب المعشر. لا بدّ أنَّ العثور على زوجٍ مناسب أمرٌ صعب بالنسبة لكما.”
ولم يكن غريبًا أنَّ الشرطين اللذين ذكرتهما لم يتوفّرا سوى في وليّ العهد والدوق.
وربّما لهذا السبب، كانت السيّدة دائمًا باردةً تجاه الأُختين لومييل.
وليّ العهد أو الدوق.
إيلين لومييل التي كانت تحاول استهداف أحدهما بعشوائيّة، لم تكن لتنال رضا السيدة أبدًا.
“السيدة تعرف تمامًا من يليق بكما.”
“أنتِ… مغرورةٌ جدًّا. أليس من الأفضل أن تنتبهي لما تقولينه؟”
“بل آنسة إيلين، ألَا يجدر بكِ في هذه المرحلة أن تنظري إلى خياراتكِ الواقعيّة للزواج؟”
ضحكت عدّة أصوات في الصالون في الوقت نفسه، عند سماع النصيحة الصادقة من ديانا.
هل كانوا جميعًا يفكّرون بالطريقة نفسها؟
“هل انتهيتِ من الكلام؟”
“بالطّبع لا. وإن كنتِ تنتظرين اللحظة المناسبة لتقولي إنّكِ تغارين، فقد فات أوانها.”
“أنا أغار منكِ؟ لا تختلقي كلامًا لا أساس له!”
“بل أنتِ، آنسة إيلين، إن كنتِ لا تحبّين أن يُساء فهمكِ، فلماذا لا تتوقّفين عن التعليقات الساخرة بلا داعٍ؟”
“يا للوقاحة!”
“من تظنين نفسكِ لتعطيني دروسًا…؟!”
ارتفعت أصوات الشقيقتين في الوقت نفسه.
“آنسة ديانا، السيدة!”
ظهرت فجأة زوجة ماركيز لانكاستر، تعبر الصالون بخطى مسرعة.
نظرت ديانا مجددًا إلى ساعتها.
تمامًا الثالثة.
كان هذا هو الوقت المحدد الذي، إن تذكّر إيان وعده، سيرسل فيه باقة الزهور إلى الصالون.
لكن، في اللحظة التالية، لم تصدّق ديانا ما سمعته.
“هناك ضيفٌ خلف الباب… السيّد كروفورد قد حضر!”
الذي ظهر في الصالون لم يكن مجرد باقة ورد، بل صاحب الشأن بنفسه، الذي سيُضخّم الشائعات أكثر من أيّ زهرة.
‘ماذا؟’
ظهور إيان المفاجئ سبّب صدمةً للجميع.
لكن لا أحد، قطعًا، صُدم بقدر ديانا.
‘ما الأمر؟ لماذا أتى هذا الرجل إلى هنا؟’
‘كلّ ما طلبته كان باقة زهور!’
سواءً تفاجأت ديانا أم لا، ظهر ذلك الرجل الغامض ذو العينين الضيقتين، وسار بخفّةٍ دون أن يصطدم بأحد، كأنّه يعرف تمامًا أين يذهب رغم أنّه بالكاد يرى.
كان ذلك مدهشًا في كلّ مرّة.
‘كيف يرى أمامه أصلًا؟’
“أيّها الدوق.”
“سيّد كروفورد، ما الذي جاء بك إلى هنا…؟”
“كم مرّ من الوقت منذ أن رأينا وجهك؟ سمعنا أنّك مشغولٌ هذه الأيام. هل كنتَ بخير؟”
“بفضل اهتمامكم، أنا بخير. أشكركم على السؤال.”
في كلّ خطوةٍ يخطوها إيان، كانت ثلاث عبارات تُقال من حوله.
ومع ذلك، كان يردّ بكلّ أدبٍ دون أن يُظهر أيّ انزعاج، مِمّا يعكس لطفه الصادق بالتّساوي مع الجميع.
لكن، السيدة، عمة إيان، كانت مختلفة.
فبمجرّد أن رأت وجه ابن أخيها، اتّسعت عيناها وكأنّها تسأل إن كان قد أُصيب بمسّ.
“لم أمت بعد… هل أنا أتوهّم؟”
“كنتِ هنا إذًا، عمّتي.”
“ما الذي جاء بكَ إلى هنا؟”
“لقد نسيتِ هذا.”
ما أخرجه إيان لم يكن سوى مروحة دانتيل.
ومن شكلها وقماشها، بدت وكأنّها جزءٌ من الفستان الذي ترتديه.
“لقد ارتديتِ فستانًا من تحف السيدة فلور، ومع ذلك نسيْتِ مروحةً كهذه؟ خشيتُ أن تبحثي عنها، فأحضرتها بنفسي.”
“… جئتَ من أجل مروحة فقط؟ أنت؟”
“بالطّبع، وأيضًا لأنّني أردتُ رؤيتكِ يا عمّتي.”
“كفى. ما هذا التصرف الطفولي منك، وأنتَ رجلٌ بالغ؟”
عبست السيدة ووبّخته، لكن إيان ابتسم بهدوء دون أن يُظهر أيّ انزعاج.
ثم انزلقت نظراتها إلى ذراعه، حيث كانت باقة الزهور، فتغيّرت تعابير وجهها.
“ألا يكون…؟”
“على أيّ حال، وصلتُ وأوصلتُ الأمانة.”
في تلك اللحظة، التقت نظرات إيان وديانا رغم المسافة الفاصلة بينهما.
“آنسة ديانا.”
ترك إيان عمّته وتوجّه مباشرةً نحو ديانا.
‘ما السّبب؟’
رغم أنّه يحمل باقة زهور، فإنّها بدت أخطر من خنجر.
“تبدين رائعةً اليوم أيضًا. توقّعتُ أن أراكِ هنا مجددًا.”
انحنى الرّجل بلُطف، ووضع قبلةً خفيفة على ظاهر يدها، كما لو كان خطيبًا حقيقيًّا.
تمالكت ديانا نفسها بصعوبة.
كان إيان مثل فطر سامّ يُجبر الآخرين على الابتسام قسرًا.
وكانت قدرته على خلق الأوهام شبه سحريّة.
“مرحبًا بك، سموّك. سعيدةٌ بلقائك هنا.”
“هممم؟ عدتِ إلى الألقاب الرسمية. هل يزعجكِ وجود الآخرين؟”
“……”
“لا حاجة لأن تشعري بالعبء. ناديني كما اعتدتِ، إيان، أرجوكِ.”
لم يُخفِ إيان خيبة أمله من ردّها، وما إن أنهى كلماته حتّى قدّم لها باقة الورد.
“علمتُ أنّكِ تحبّين ورود أفريل، لذا اخترتُ هذه. آمل أن تنال إعجابكِ.”
“… شكرًا لك، إيان.”
شعرت ديانا بقطرات العرق البارد تسيل على طول ظهرها.
كانت نظرات الآخرين تطعنها كالإبر من كلّ جانب.
‘هل كان الحديث مع شخصٍ يتظاهر بأنّه يحبّك دائمًا بهذه الصعوبة؟’
في الأصل، كانت خطّة ديانا هي تلقّي باقة الزهور وبطاقةٍ صغيرة باسمها فقط.
ولو حصل ذلك أمام الضيوف في الصالون، لصدّق الجميع أنّ الشائعات صحيحة.
وكانت تتوقّع من السيّدة لانكاستر أن تُرسل لها دعوةً رسميّة لاحقًا.
ومن ثمّ، ستبدو ديانا كضيفة شرف، وتتمكّن من قيادة الموقف لصالحها.
‘هل فعل هذا عن قصد؟’
لكنّ النتيجة النهائية أظهرت صورة رجلٍ مغرمٍ بديانا ويلينغتون، وهو ما بدا ناجحًا.
رغم ذلك، شعرت ديانا أنّ حماسة إيان الزائدة تُخفي نوايا شريرة.
وكأنَّ هناك من يلقي خنجرًا في يد مُهرّج يحاول التدرّب على التوازن.
“أرجو أن ترسل الباقة إلى منزلي مستقبلاً. كما ترى، من الصعب أن أحملها بنفسي.”
“أفهم، وسأفعل. ليس من نيّتي أن أضعكِ في موقفٍ حرج.”
“……”
‘هل الكذب الفوري موهبةٌ موروثة في عائلته؟ أم تلقّى دروسًا خصوصيّة من مدرّسٍ كاذب؟”
لدرجة أنَّ لطفه بدا مبالغًا فيه أكثر من أيِّ وقتٍ مضى.
في تلك الأثناء، أصيبت الشقيقتين لومييل بصدمةٍ كبيرة.
الفرق في حرارة المشاعر بينهما كان واضحًا.
فعلى عكس ما تخيّلتا، كان إيان هو من يُظهر اهتمامًا مباشرًا، وديانا هي من تُبقي مسافةً بهدوء.
تركت ديانا الشقيقتين المذهولتين، وسألت:
“هل كنتَ في طريقك إلى القصر؟”
“لا، أنا في إجازةٍ نادرة.”
“إذًا، عليك أن ترتاح. لا بدّ أنّك متعب.”
كان كلامها يحمل رسالةً مبطّنة.
فكما يليق بفطرٍ سامّ، كان من الأفضل أن يختفي بلطف.
لكنّ إيان تجاهل التلميح ببرود.
“لقد مرّ وقتٌ طويل منذ آخر إجازةٍ لي… ولا أعلم ماذا أفعل فيها. حتى القراءة تصبح مملّةً إن أكثرتُ منها.”
“آه، ولهذا خرجتَ اليوم؟”
“شيءٌ من هذا القبيل. وأرجو ألّا تطلبي منّي العودة للكتب من جديد.”
بدت على وجهه ملامح الحرج من ردة فعل زوجة الكونت غراي.
“لذا، سيكون من اللّطيف أن ترافقي هذا السيّد المسكين في نزهة قصيرة.”
“……”
“القدر يُكافئ من يُظهرون اللّطف، آنسة ديانا.”
حرّك بأصابعه الناعمة وكأنّه يطلب منها أن تمسك بها.
فلم يكن أمام ديانا سوى أن تضع يدها في يده.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 13"