الفصل 10 : ظُروفُ ديانا وِيلينغتون ¹⁰

 

 

كان في نظرات الرّجل والمرأة اللذين تلاقيا بصريًّا بصيرةٌ أدركتْ أنَّ كِلاهُما قد تخلّى عن التّصنّع الخالي من المشاعر.

 

‘كما توقّعتُ.’

 

رغم أنّها كانت تتوقّع ذلك، إلّا أنَّ مِن الواضح أنَّ إيان كروفورد أيضًا لم يكن يفكّر بالزّواج.

 

انتظرت ديانا طويلًا بما يكفي قبل أن تفتح فمها.

 

“لا جواب لديكَ على ما يبدو.”

 

“…….”

 

“كونك لا تستطيع الإجابة على هذا السّؤال فورًا، هو سببٌ كافٍ يمنعنا من الزّواج، أليس كذلك؟”

 

“…….”

 

“والأمر الجيّد هو أنّني أنا أيضًا لا أفكّر في الزّواج. لذا دعنا نُقلِعْ عن تبادل الكلمات الجوفاء التي لا نؤمن بها.”

 

في لحظةٍ ما، أصبح وجه إيان خاليًا تمامًا من التّعبير، على نحوٍ لم تره من قبل.

 

ومع زوال الابتسامة المصطنعة، ساد جوٌّ من السّكون.

 

كأنَّ قاطع الكهرباء قد انقطع فجأةً في منتصف اللّيل.

 

“لأنّني لا أريد الزّواج، فلَن أفعل، وأنتِ أيضًا كذلك، أليس كذلك…….”

 

وأخيرًا تكلّم إيان.

 

“مثل هذا الكلام ألا يُعدو كونه دلالًا. أليس كذلك؟”

 

حين نزع قناع التّصنّع كليًّا، تغيّر الجوّ من حوله.

 

“آنسة ديانا. الزّواج بالنّسبة لنا نحن النّبلاء عملٌ تجاريّ. هو عقدٌ تُبادَل فيه المصالح.”

 

تأثيرُ فتحِ عيني الشّخصيّة ذات العيون الضّيّقة كان هائلًا. شعرت ديانا وكأنَّ درجة الحرارة قد انخفضت ثلاث درجات على الأقل، فارتعشت دون وعي.

 

“نحن في النّهاية ممثّلون لعائلاتنا. هل تعتقدين حقًّا أنَّ هناك متّسعًا للرّغبات الشخصيّة هنا؟”

 

كان إيان قد أراح ذقنه على يده قبل أن يتّكئ الآن على ظهر الكرسيّ ويضع ساقًا فوق الأخرى بأناقة.

 

كان جانب وجهه وهو يحرّكه يشبه مافيا من أفلام النّوار.

 

…كنت أتوقّع ذلك، لكنّه تغيّر فعلًا مئة وثمانين درجة.

 

لقد تغيّر حتّى مجرّد زاوية ابتسامته الطّفيفة بما يكفي لأن توحي بالسّخرية.

 

وإنْ كان يُقاوِم دائمًا الرّغبة في التّبسّم على هذا النّحو، فلا شكّ أنّه ممثّلٌ بارع.

 

“أم أنّكِ تظنّين أنَّ دلالكِ له قيمةٌ عظيمة إلى هذا الحدّ؟”

 

“…ألفاظُكَ لطيفةٌ فعلًا.”

 

أجابت ديانا بهدوء.

 

“هل عليّ أن أشكركَ لأنّك لم تَعُدْ تتصنّع الآن؟”

 

“حتى وإنْ كان تَصنّعًا، فقد تعلّمتُ أنّ تقديم القدر اللازم من اللّطف هو من شيم الرّجال النّبلاء.”

 

“لكن لماذا إذن هَدّدتَ النّاس وأنتَ تدّعي معرفة فضائل النّبلاء؟”

 

“الفضيلةُ تبقى فضيلة، وليست التزامًا.”

 

إيان الذي سخر من ذلك المفهوم وكأنّه شيءٌ من الماضي، بدا وكأنّه يشعر بشيءٍ من الارتياح.

 

“بصراحة، لم أكن أتوقّع مثل هذا الموقف أيضًا. أنتِ، يا آنسة ديانا……”

 

ابتسم إيان قليلًا وتوقّف عن الكلام لحظة.

 

“…أرسلتِ إليّ دعوةً وكأنَّ شيئًا لم يحدث بعد لقائنا الأوّل، أليس كذلك؟”

 

ماذا؟ إنْ لم أكن أتوهّم، فقد بدّل كلامه عن عمد. ماذا كان يقصد؟

 

ضيّقت ديانا عينيها ونظرت إليه، لكنّ إيان تجاهل نظرتها بخفّة.

 

“لذا ظننتُ أنّكِ من نفس صنفي.”

 

“نفس الصّنف؟”

 

“من يستطيع أن يبتسم ببراءة في سبيل هدفه، ويختار التّصنّع بدلًا من المشاعر لأجل ما هو أهمّ.”

 

هل هذا يعني أنّني كنتُ أكذب ببراعة كافية لأُعامَل كمَن يشبهه؟

 

هذا لا يبدو كمديحٍ إطلاقًا!

 

“مع طرفٍ كهذا، ظننتُ أنّني أستطيع أن أعيش متصنّعًا مدى الحياة، متظاهرًا بدور الزّوج… هكذا فكّرتُ للحظة.”

 

“هل أنتَ جادّ؟ هذا أسوأ ما يمكن أن يُقال من رجلٍ سيُصبح زوجًا.”

 

“إنْ بدا كلامي كذلك، فأنا آسف.”

 

لكن نبرة صوته لم تكن تحمل أيَّ أسفٍ على الإطلاق.

 

كان لدى إيان موهبةٌ في قول الكلمات الجوفاء ببرودٍ تام، وكأنّها جزءٌ من طبيعته.

 

“صحيحٌ أنّني فكّرتُ في عائلة ويلينغتون كخيارٍ للزّواج. لكنّكِ، أنتِ شخصيًّا، كنتِ مملّة، ولم أجد فيكِ قيمةً تستحقّ الاختيار.”

 

“وماذا عن الآن؟”

 

“أشعرتني ببعض الاستفاقة، لا أكثر.”

 

…لديه موهبةٌ حتّى في السّخرية.

 

‘من يقول إنّه ليس ااشرّير؟ لقد نشأ فعلًا بموهبةٍ متعدّدة الجوانب حسب اختياره!’

 

إنْ كان يتقن هذا القدر من المجاملة والسّخرية، فلا بدّ أنّه بارعٌ أيضًا في التّهديد والوعيد.

 

لقد كان إيان سليط اللّسان يفوق التوقّعات بموهبةٍ لغويّةٍ بارعة.

 

“دعينا ننهي الحديث الجانبيّ هنا. وسأرفض العرض. فحتّى الآن، ليس عرضكِ جذّابًا بما يكفي.”

 

“لكنّني سأدير الكازينو…”

 

“لا يهمّني ما نوع التّعليم الذي تلقيتِه. فمهاراتكِ لم تُثبت بعد على أيِّ حال.”

 

جمع أطراف أصابعه وألقى عليها نظرةً جانبيّة.

 

“إنْ كنتُ سألعب دور الحبيب المزيّف من أجلكِ، فلا بدّ أن تكون الفائدة المضمونة أكبر من مجرّد تشغيل الكازينو. وإلّا فإنَّ الأمر غير مربح.”

 

“…….”

 

هل وصلتُ إلى هذه النّقطة فقط؟

 

رغم كلّ جهودي، يبدو أنّ هذا هو الحدّ الذي يمكنني الوصول إليه.

 

‘لا أملك ما أردّ به عليه.’

 

كلام إيان كروفورد لم يكن خاطئًا.

 

صحيح أنَّ ديانا تمتلك المعرفة من التّعليم والرّواية الأصليّة.

 

لكن حتّى مع ذلك، لا تملك ما يُقارن بإنجازات إيان، الذي عُيّن خلفًا لرئيس الوزراء.

 

لا بدّ أنَّ أولئك الذين خيّبوا ظنّه من مساعديه سابقًا، قد قالوا كلامًا مشابهًا وهم يبدؤون.

 

وفي الوضع الحالي، لا تختلف ديانا عنهم كثيرًا، وربّما حتّى في مجرّد طلبها بأن يُصدّقها.

 

‘ماذا أفعل؟ إنْ بقي الوضع هكذا……’

 

قبضت ديانا على قبضتها بشدّة.

 

ما الفائدة الأكيدة التي يمكنني أن أضمنها له؟

 

‘هل أغيّر خطّتي وأقوم بتهديده أيضًا؟’

 

لا، لو فعلتُ ذلك، قد يُتخلّص منّي ومن عائلتي قبل حتّى أن أغادر القصر.

 

‘فماذا أفعل إذًا……’

 

وفي وسط ذلك الصّمت الذي كانت تُفكّر فيه بيأس،

 

“لكن، بما أنَّ العرض مثيرٌ للاهتمام، دعيني أضع شرطًا واحدًا أيضًا.”

 

“شرطًا؟”

 

بشكلٍ غير متوقّع، ألقى إيان بحبل نجاة بنفسه.

 

“اكتبي وصيّةً بيدكِ، الآن، وفي هذه اللّحظة.”

 

“…ماذا؟”

 

تشكّكت ديانا من أذنيها.

 

“أقصد وصيّة الآنسة ديانا. ولنجعل تاريخها بعد عامٍ من الآن. مضمونها أنكِ تثقين بشخصيّتي التي أظهرتُها طَوال تلك الفترة، وتُفوّضونني لإدارة ثروة العائلة.”

 

“انتظرْ لحظةً…”

 

“وأنّني سأُعيد تلك الثّروة للعائلة الملكيّة، وأستخدم جزءًا منها في الإغاثة والمساعدات.”

 

أرادت أن تقول شيئًا، لكنّ إيان لم يُنهِ كلامه بعد.

 

“لا يهمّ ما تكتبين. الأهمّ هو توقيعكِ وخطّكِ.”

 

كان هذا إعلانًا صريحًا بنيّته على تزوير وصيّتها.

 

“إنْ كتبتِ تلك الوصيّة الآن، فسأقبل العرض.”

 

“…….”

 

ديانا كانت مذهولةً لدرجة أنّها لم تستطع التكلّم.

 

مهما بلغ جنون هذا العالم، هل يُعقل أن يُطلب منها كتابة وصيّةٍ تُسلّم ثروتها لشخصٍ هدّد والديها قبل أيّام؟!

 

‘أن أكتب وصيّة كهذه وأسلمها له؟ لشخصٍ هدّدني بوالدي؟’

 

وماذا بعد أن أخرج من الغرفة؟

 

هل يوجد ما يضمن ألّا يُدبّر إيان كروفورد حادثًا يقضي علينا كلّنا؟

 

وإنْ لم يُستخدم المال في الإغاثة بل سُرق؟

 

ألمّح علنًا إلى نيّته في التّلاعب بالوصيّة لاحقًا.

 

‘هذا جنون.’

 

نظرت ديانا إليه بعدم تصديق.

 

على أيِّ أساس يطلب منّي أن أُسلّمه وصيّتي؟!

 

‘…آه.’

 

لكن في لحظة، لمع البرق في بصيرتها.

 

‘الآن فهمتُ.’

 

عيناه الحمراء كحبّة الرّمّان تنظران إليها متسائلتين.

 

ما رأيكِ؟ هل تستطيعين؟

 

أتثقين بشخصٍ هَدّدكِ للتّوّ؟

 

بالطّبع لا. أمرٌ مستحيل.

 

لأنّني أنا أيضًا لا أستطيع الوثوق بكِ. أليس كذلك؟

 

‘إنّه يختبر عزيمتي.’

 

ربّما هذه هي الفرصة الأولى والأخيرة.

 

وإنْ لم أقبل، فلا أحد يدري متى قد يتخلّص منّي.

 

حين أدركت المعنى الخفيّ أخيرًا، استفاقت تمامًا.

 

“أحضِرْ لي ورقةً وقلمًا، من فضلك.”

 

“…….”

 

اختفت الابتسامة التي كانت تتدلّى على شفتي إيان مثل قطرة ندى.

 

وبينما يُناولها ريشة الحبر والورقة، لم يُبعد نظره عنها لحظة.

 

هل أنتِ جادّة؟

 

أو بصراحة أكثر: هل أنتِ في كامل وعيّكِ؟

 

كانت يده تكتب على الورقة بخفّة.

 

سك سك

 

سك سك

 

كانت ديانا تكتب وصيّتها بهدوء.

 

لا بعجلةٍ ولا ارتباكٍ.

 

بل بتركيز، وبعزيمة.

 

عازمةً على النّجاة من براثن هذه الدّمية الملعونة، لتُبصر فجر اليوم التّالي.

 

“سيّد إيان.”

 

نادت عليه بعد أن وضعت الرّيشة أخيرًا.

 

“هل تعرف لماذا يقول النّاس: أعطِ كلّ ما لديك واترك لي حياتي؟”

 

لم يُجب إيان.

 

بل راح يراجع وصيّتها والحبر لم يجفّ بعد.

 

“لأنّ الحياة تساوي ذلك فعلًا. وأنا لا أخطئ في مثل هذه الحسابات. لأنّني أعلم ما هو الشّيء الأهمّ حقًّا.”

 

“وتقصدين به الحياة؟”

 

“لا، إنّه الفرصة.”

 

وفي الوقت ذاته، فرصةٌ لكسب ثقة الشّرّير.

 

“أنا سأدفع ثمن تلك الفرصة التي منحتني إيّاها. سأرهن حياتي، وأثق بك.”

 

“…….”

 

“والآن جاء دورك يا سيّد إيان.”

 

خُطّة القضاء على علاقتها به تمامًا، فشلت بالكامل.

 

لكنّها نجحت في شيء واحد: في نزع قناعه الزّائف بالكامل.

 

“رجاءً، كنْ أفضل حبيبٍ مزيّف لي، بكلّ ما أوتيت من قوّة.”

 

تلألأت عينا ديانا الزّرقاوان مثل منارةٍ مضيئة.

 

إيان كروفورد وحده كان القادر على تمييز ذلك البريق المُشعّ بالإرادة التي لا تنطفئ.

 

“موافق. أقبل العرض.”

 

وعادت أخيرًا تلك الابتسامة الني كانت قد اختفت.

 

“المدّة عامٌ واحد، والشرط أن تُعيدي الكازينو المتعثّر إلى ما كان عليه.”

 

كان في ابتسامته حِدّة قاطعة.

 

ابتسامةُ مفترسٍ تنذر بالخطر، حادّة كحدّ النصل.

 

وفي مواجهتها، استجمعت ديانا شجاعتها المرتجفة.

 

“وسأكون خلال ذلك الوقت أفضل حبيبٍ في المملكة، يا ديانا.”

 

لم يعُد هناك مجالٌ للرّجوع.

 

 

《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》

 

═════• •✠•❀•✠ •═════

الترجمة: فاطمة 

حسابي ✿

《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》