حين انفتحت عينا لامبيرتا أخيرًا، راودها شعورٌ بأنها تعودُ إلى تلك الحادثة القديمة التي كادت تغرقُ فيها في مياه البحيرة. 

كانت الأصوات من حولها تصلُ مشوَّشةً، كأنّها تسبحُ في عمقٍ مائيٍّ بعيد، غارقةً في الصدى والضباب.

دار رأسُها بثقلٍ، وشعرتْ بأنّ عقلَها وواقعَها لا يتوافقان. 

كان الألمُ يضربُ صدغَيْها، والحرارةُ تسري في جسدها، بينما تسري برودةٌ خانقةٌ من تحت الأغطية الثقيلة فتجعلها ترتجف.

وما إنْ أطلقت سُعالًا ضعيفًا لتلفظَ أنفاسها العالقة، حتى انفتح البابُ بقوةٍ مفاجئة.

اندفع الطبيبُ الخاصُّ بعائلة كورونيس، رونستين، إلى الداخل بخطواتٍ مسرعة، وخلفهُ هرع الخدمُ المذعورون الذين تزاحموا في الممرّ، قبل أن تُبعدهم الوصيفاتُ إلى الخارج على عجل.

اقترب الطبيبُ منها قائلًا بقلقٍ ظاهر:

“آنسةُ لامبيرتا، هل تعرفين مَن أنا؟ 

هل تستطيعين رؤيتي؟”

لكنّ عينيها لم تُجباه بنظرة. 

كان بصرُها متعلّقًا بالبابِ الذي لا يزالُ مفتوحًا، وبوجوهِ أولئك الذين يقتحمون الغرفةَ بخوفٍ وفوضى.

تدفّق المشهدُ الأخيرُ إلى ذاكرتها كالسيل — سقفٌ يُمطرُ سهامًا، ووجوهٌ تخفيها الأقنعة، وأيادٍ تلوّحُ بالفؤوس والسيوف وهي تندفعُ عبر النوافذ والأبواب.

الدماءُ، الصراخ، الفوضى، والرعبُ الذي خنقَ قاعة الزفاف في لحظةٍ واحدة.

صرخ الطبيبُ وهو يُلوّحُ بيده:

“أحضِروا المُهدِّئ حالًا!”

ارتجَّت جدرانُ الغرفة بصوته، لكنّ لامبيرتا لم تسمعه بوضوح، فقد كان يصلُها كصدى بعيدٍ مبحوح.

في داخل رأسها، تردّدت أصواتُ استغاثةٍ وأنينٍ مألوف، وصدى صرخاتٍ تمزّقُ السكون. 

أحسّت بجسدها يترنّحُ إلى الخلف شيئًا فشيئًا.

‘ديون، أرجوكَ… انهضْ الآن، لا أستطيعُ الاستمرار بعد أكثر من هذا…’

كانت تشعرُ بوجوده فوقها، بثقلِ جسده الذي لم يغادرها بعد، وكأنّ حضوره يُبقيها متماسكةً رغم الانهيار.

لكن حين تهاوى جسدُها أكثر، تسلّل لونُ الدم القاني على الأغطية البيضاء، ليمحو بقايا الصفاء من حولها، ويعيدَ إليها مشهدَ تلك المذبحة التي لم تفارق كوابيسها بعد.