**الحلقة 26**
شعرتْ داليا بالامتنان لعطف لورين.
“لا بأسَ، يا لورين. هذا يعني أنكِ قلقتِ عليّ بهذا القدر.”
نظرتْ لورين إلى داليا التي بدتْ تبتسم بلطف، فابتسمتْ بدورها.
“شكرًا، يا سيدتي.”
“أنا من يجب أنْ يشكر.”
مع انتهاء الحوار الودي، طلبتْ داليا من لورين:
“لورين، هل يمكنكِ مساعدتي في التحضيرات اليوم؟”
“سيدتي.”
“لا يمكنني تأجيل الأمر إلى الأبد لأنني خائفة، أليس كذلك؟”
“هل أنتِ متأكدة أنكِ بخير؟”
عند كلمات لورين المليئة بالقلق، أومأتْ داليا برأسها بحماس.
كانتْ قد ظلتْ تفكر في هذا الأمر باستمرار، لكنها كانتْ تعلم أيضًا.
لا يمكنها أنْ تظل تتجاهل قضاء ليلة معه فقط لأنها خائفة.
في النهاية، هي جالسة في منصب الدوقة، وطالما استمرتْ علاقة الاستدعاء، ستعيش وتموت كدوقة.
لم تكن تعلم كم مرة سيخرج بايرون في حملات عسكرية، ولا إنْ كان قضاء ليلة معه سيؤدي إلى إنجاب طفل أم لا.
ربما يكون الاقتراب منه بحجة العادات أقل رعبًا وأكثر طبيعية.
“حسنًا، سأساعدكِ في التحضيرات.”
تمنتْ داليا أنْ لا يخطر ببالها أي شيء من أحداث العمل الأصلي هذه الليلة على الأقل.
لو أنها عرفتْ بايرون فقط كشخص لطيف يعاملها بحنان، ربما كان ذلك سيقلل من خوفها.
بينما كانتْ تنظر من النافذة بعد خروج لورين للتحضيرات، لاحظتْ أن الجو غريب وغائم.
كان الطقس كئيبًا بما يكفي ليجعل مزاجها متعكرًا، فشعرتْ داليا بشعور غريب.
كانتْ الليلة الأولى تثير خوفها بمجرد التفكير بها.
لكن، دون أنْ تشعر، بدأتْ تتسلل إليها مشاعر توق خفيفة.
بما أن بايرون مختلف تمامًا عن العمل الأصلي، ربما يكون الأمر مختلفًا قليلًا.
إذا استمر في معاملتها كما يفعل الآن، وكأنها أغلى شخص عنده، فلن يكون الأمر مخيفًا تمامًا…
“سيدتي.”
عندما رأتْ داليا جيسي التي دخلتْ فجأة، هزتْ رأسها بجهد لتبديد مزاجها المعقد.
لم يتبقَ وقت طويل حتى الليل.
تبعتْ داليا جيسي وسارعتْ بالتحرك.
* * *
في وقت متأخر من الليل، تحركتْ داليا عندما علمتْ أن بايرون أنهى عمله وعاد إلى غرفته.
ارتدتْ ثوب نوم أبيض ناصع بدا الأكثر بساطة، ووضعتْ فوقها رداءً رماديًا داكنًا، ثم توجهتْ إلى غرفة بايرون.
عندما وقفتْ أمام بابه، شعرتْ بجسدها الذي كان يبدو بخير يتوتر فجأة.
أخذتْ داليا نفسًا عميقًا مرة أو مرتين، ثم طرقتْ الباب بوجه جاد.
‘طق طق-‘
“ادخلي.”
فتحتْ داليا الباب بيد مرتجفة ودخلتْ.
سارعتْ داليا إلى الداخل، وقفتْ تتكئ على الباب المغلق، ونظرتْ إلى بايرون.
كان قد انتهى لتوه من عمله، يخلع سترته ويعلقها على الكرسي، ويبدأ بفك أزرار قميصه.
“داليا؟”
اقترب بايرون من داليا التي زارته، ينظر إليها بعينين متفاجئتين.
“هل هناك شيء؟”
كان بايرون يقلق عليها دائمًا كلما رآها.
اقترب منها فجأة، مبتسمًا ابتسامة خفيفة وهو ينظر إليها من الأعلى.
بسبب فارق الطول الكبير، كانتْ دائمًا تنظر إليه من الأسفل، فشعرتْ بألم خفيف في رقبتها.
“ماذا؟”
“قب، قبل الحملة العسكرية.”
على عكس عزمها الجاد، خرج صوتها متلعثمًا من التوتر.
“همم؟ ماذا تعنين بذلك؟”
شعرتْ داليا بالإحباط من سؤال بايرون.
هل يعلم ويريد منها أنْ تقولها بوضوح، أم أنه حقًا لا يعرف لماذا جاءت؟
عندما حاولتْ النطق، لم تستطع فتح فمها بسهولة، فحركتْ شفتيها عدة مرات قبل أنْ تقول:
“لم نقضِ ليلتنا الأولى بعد…”
بعد أنْ قالتها، شعرتْ بحرارة في وجهها من الخجل.
“داليا.”
“أليس من المفترض أن يقضي الزوجان الليلة معًا قبل الحملة؟”
لم ينطق بايرون بكلمة.
عندما رفعتْ عينيها، رأته ينظر إليها بتعبير لا يمكن فهمه.
ضحك ضحكة خفيفة وقال:
“لا تعذبي نفسكِ، يا داليا.”
“حتى لو كنتُ ناقصة، أعرف ما يجب أنْ أعرفه. أنا الدوقة، أليس كذلك؟”
وضع بايرون أصابعه الطويلة على صدغه وطرق مرتين.
كانت عيناه، كما لو كان يقيس شيئًا، تذكّرها بلقائهما الأول عند استدعائه.
كانت نظرة حادة ومتمعنة، كأنها ستقتحم أعماقها.
بطيئًا، أغمض عينيه ثم فتحهما، وانحنى مقتربًا منها أكثر.
مع القرب المفاجئ، ارتجف جسد داليا.
ابتسم بايرون، ووضع جبهته على جبهتها وقال:
“لا بأسَ. لم يحدث شيء خلال حملاتي السابقة ولو مرة واحدة.”
“لكن، أنا الدوقة، يا بايرون.”
هل وصلتْ عزيمتها الجادة؟
بعد أنْ نظر إليها طويلًا، مد بايرون يده اليمنى وجذب خصر داليا نحوه بقوة.
بسبب القوة التي جذبها بها، ضغط صدرها على صدره، فشعرتْ بضيق.
دون وعي، وضعتْ داليا يديها على صدره وحاولتْ دفعه.
شعرتْ به يلامسها بالكامل، كأنه واضح أمامها.
اختلط التوتر والتوقع، فكان قلبها يخفق بقوة دون أنْ تستطيع السيطرة.
حرك بايرون رأسه، وقبّل أذن داليا التي احمرتْ، ثم عضّ شحمة أذنها برفق دون أنْ يؤلمها.
“آه!”
عندما تناثر نفسه على أذنها، تجمدتْ أصابع قدميها.
خشية أنْ يخرج صوت لا تستطيع التحكم به، عضتْ شفتيها، لكن بايرون فجأة دفن شفتيه في رقبتها.
شعرتْ بقلبه يخفق بقوة أكثر من أي وقت مضى حيث وضع شفتيه الحارة بثقل.
أمسك بايرون بكتفها برفق، ثم قربها إليه أكثر.
عندما لامست يدُه كتفها من فوق الرداء، شعرتْ بدفء لم تعهده من قبل، فارتبكت قليلًا.
انزلق الرداء قليلًا، فزادت حيرتها، بينما كان هو يتأملها بعينين هادئتين.
لم يحاول أن ينزع شيئًا، بل أمسك بطرف الرداء بين أصابعه، وانحنى أقرب إليها.
تحركتْ شفتاه من عند أذنها إلى أسفل، يهمس بكلمات لم تستطع تمييزها، فشعرتْ بقشعريرة خفيفة.
هل سيستمر بهذا القرب أكثر؟
لكنها صدّقت أنه لن يكون قاسيًا معها كما كان مع غيرها، بل سيعاملها بلطف.
وإن طلبتْ منه أن يتأنى، فستجده يستجيب.
تسارعت أفكارها فجأة.
حتى لا يبدو عليها الارتباك، أغمضتْ عينيها بقوة، فناداها بايرون:
“داليا.”
“آه…”
صوته الدافئ وقربه منها جعلاها تشعر بارتجاف خفيف، فخرج منها صوت لم تستطع كتمانه.
ظلتْ داليا تردد أنها بخير، لكنها فتحتْ عينيها فجأة عندما شعرتْ بالدفء يبتعد عن رقبتها.
“بايرون؟”
كان ينظر إليها مباشرة، ثم حرك يده التي كانت تحت خصرها ليفتح الباب خلفها.
“الوقت متأخر. اذهبي لترتاحي.”
“ماذا؟ لا، لماذا…”
ابتسم بايرون وأصلح رداءها المفتوح.
“عندما تكونين جاهزة حقًا.”
شعرتْ داليا بالارتباك من ابتعاده المفاجئ.
كانتْ قد أعدتْ نفسها بقوة هذه المرة، فلماذا يفعل هذا فجأة؟
“هل أوصلكِ؟”
بدتْ نبرته وكأنه سيأخذ يدها ويوصلها على الفور، فلم تستطع داليا أنْ تسأل أكثر، وأجابتْ:
“لا، لا. سأذهب بنفسي.”
“إلى الغد، يا داليا.”
عندما خرجتْ داليا من الغرفة، ودّعها بايرون وأغلق الباب.
وقفتْ داليا أمام الباب المغلق، تنظر إليه في ذهول وكأنها طُردتْ.
شعرتْ بالحيرة، وكان مزاجها سيئًا، بل سيئًا جدًا.
‘إذن… لقد رُفضتُ، أليس كذلك؟’
* * *
أغلق بايرون الباب، وقف ساكنًا لفترة، ثم تنهد عندما شعر بأن داليا غادرتْ.
كان الأمر خطيرًا، بل خطيرًا جدًا.
مظهر داليا التي جاءتْ إليه بنفسها وحاولتْ الاقتراب كان غريبًا بشكل غير متوقع.
رقبتها البيضاء الطويلة التي قبلتْ شفتيه، شفتاها الحمراء التي أطلقتْ أنينًا خافتًا عند لمسة شفتيه، تعبيرها المضطرب، ورائحتها الحلوة.
كان مظهرها البريء الذي يخفي جاذبية حسية كافيًا ليجعل أي شخص يفقد عقله.
كانتْ مغرية بما يكفي ليود أنْ يلتهمها في لقمة واحدة.
لولا الخوف الذي كان ينمو بلا توقف في مشاعرها.
كان بايرون يحب داليا.
كان يعلم أن هذا الحب يأتي من علاقة الاستدعاء بين المُستَدْعي والمُستَدْعى..
كان يعلم أيضًا أن اهتمامه بها وتعلقه بكل شيء يخصها ينبع من هذه العلاقة.
قبل بايرون كل المشاعر الناتجة عن علاقة الاستدعاء.
أحيانًا، كان يفهم رغبته في التهام كل شيء فيها، وأحيانًا أخرى، قبل رغبته في حبسها في مكان لا يراه أحد سواه.
أراد امتلاك كل شيء فيها.
أراد أنْ يطبع علامته عليها من رأسها إلى أخمص قدميها.
لكن إذا سُئل عما إذا كان هذا حبًا، لم يستطع تحديده.
كان يعلم أن هذا الحب يأتي من علاقة الاستدعاء، لذا قبله فقط.
لكن داليا كانتْ تخاف منه.
كان خوفها غامضًا جدًا بحيث لا يعرف سببه، لكنها أحيانًا كانتْ تجد الاقتراب منه صعبًا للغاية.
لذلك، أراد أنْ يقترب منها ببطء ليصبحا أقرب.
أرادها أنْ تكون أسعد شخص على الإطلاق.
أراد أنْ تكون مشاعرها مليئة بالفرح والسعادة، لا بالخوف أو الألم.
أحيانًا، شعر أن سعادتها كانتْ بمثابة مهمة مقدسة.
لذلك، لم يرد أنْ يثقل كاهلها بمسؤوليات الدوقة.
بالطبع، كان لديه أمل غامض بأنهما إذا بنيا الثقة واقتربا، قد يرزقان بطفل يومًا ما.
لكن الآن، وهي لا تستطيع حتى فتح عينيها من الخوف؟
لا.
كان بايرون أيضًا يُساق بمشاعر غريزية.
حتى الآن، فكر مئات المرات في الاستسلام لإغراءها الأخرق.
خرجتْ إجابة أن الأمر لا بأس به، فهما زوجان بسبب علاقة الاستدعاء.
لكن خوفها منه كان لا يزال عميقًا.
كيف يمكنها أنْ تفعل شيئًا وهي بالكاد تتنفس من الرجفة؟
كان يعلم أنها اتخذتْ قرارًا كبيرًا، لكنه أراد أنْ تكون المرة الأولى على الأقل عندما لا تخاف منه بعد الآن.
نظر بايرون إلى الباب الذي خرجتْ منه داليا، ثم رفع زجاجة النبيذ الموضوعة على الطاولة.
كان قد فتحها ليصب كأسًا، لكن الآن شعر أن كأسًا واحدًا لن يكفي.
مال فوهة الزجاجة وشرب بنهم.
ملأتْ رائحة النبيذ الثقيلة حنجرته وأشعلتْ معدته.
عاد مظهر داليا إلى ذهنه رغم محاولته نسيانه.
داليا في ثوب أبيض ناصع تحت رداء رمادي خفيف.
صورتها وهي ترتجف بخجل بين ذراعيه لم تفارق ذهنه.
ملامحها الرقيقة، وابتسامتها المرتبكة، وكل تلك اللحظات الدافئة التي جمعتهما، أراد أنْ يحتفظ بها.
أراد أنْ يعود إليها الآن، ويترك أثرًا من حنانه على حضورها البريء.
أراد أنْ يقترب منها أكثر، وأنْ يسمع أنفاسها المتقطّعة وهي تغمره بدفء قربها.
أراد أنْ يبقى بجانبها فلا تبتعد، وأنْ يحيطها بعنايته مهما كان خوفها أو ترددها.
أراد أنْ يظل يرى عينيها الوردتين البريئتين، اللتين تشتتهما المشاعر، وكأنهما أسرّاه في عالم من الحلم.
‘أنا بالتأكيد شيطان.’
كيف يستمر في التفكير بهذه الأفكار المجنونة؟
ابتلع بايرون النبيذ مرة بعد أخرى ليطرد أفكاره.
استمر في الشرب بدلاً من داليا التي لا يستطيع ابتلاعها.
بدا أن الليلة ستكون طويلة.
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 26"