5
شعرتُ بحبّ والدي و أنا أضحكُ في سرّي.
في هذه الحياة، أردتُ أن أزرع انطباعًا إيجابيًّا عن إيان لدى أمي و أبي، اللذين يقلقان عليّ وحدي.
لا أريدُ أن يشعرا بأنّني أُخذتُ إلى الشّمال كما في الماضي، بل أنْ يعتقدا أنّ ابنتهما اختارتْ الزّواج برغبتها.
“لقد سقطتُ في البحيرة عن طريقِ الخطأ وكدتُ أتأذّى، لكنّ سموّ الأمير فيسبيرد أنقذني هكذا!”
عانقتُ كتفي و خصر أبي بذراعيّ القصيرتين، مقلّدةً إيان.
لكن، لسببٍ ما، كانَ وجه أبي يحمل نظرةً قاسيةً وكأنّه يقول: ‘كيف يجرؤ على لمس ابنتي؟’ لكنّني لم أستسلم.
“كان… رائعًا جدًّا.”
آه، هل هذا لأنّني أعني ذلك حقًّا؟
شعرتُ و كأنّ خدّيّ يحمرّان.
“يا إلهي، يا سيّدتي! خدّاكِ محمرّان! هل أصبتِ بالحمّى؟”
يبدو أنّهما احمرّا فِعلًا.
من ضجيج الخادمات، شعرتُ بالحرج و هززتُ يديّ الصغيرتين كالمروحة.
“هل كان سموّ الأمير رائعًا لهذهِ الدّرجة؟”
“نعم…”
“لماذا؟”
“لأنّه أنقذني… و ناره كانت رائعة… وأيضًا…”
“و أيضًا؟”
ابتسمتُ بخجلٍ و لويتُ جسدي.
نظرتُ إلى أبي وهمستُ بخجل:
“وسيمٌ مثلَ أبي.”
“آه، ليا، هل ذوقكِ العالي بسببي جعلكِ تعجبين بسموّ الأمير… بسببي…!”
“عزيزي!”
توهّجَ وجه أبي للحظة، لكنّه تجهّم عندَ صوت أمي الحادّ.
بعد بضع سنوات فقط، ألم يصبح إيان فخر الإمبراطوريّة بجماله؟
مَن لا يحبّ أن يُقال إنّ ابنته أُعجِبتْ بوجهٍ مميّزٍ بسببه؟
بالطبع، وجه أبي وسيمٌ أيضًا…
لكنّه لا يُضاهي إيان.
“و كان لطيفًا جدًّا!”
“كيف كان لطيفًا؟”
“كانَ يشعر بالبرد أيضًا، لكنّه غطّاني بمعطفه!”
بدت على وجهي أمي و أبي تعبيراتٌ معقّدة وأنا متحمّسة.
“أبي! أمي!”
ركضتُ نحوهما مجدّدًا.
رفعني أبي مرّةً أخرى.
قلتُ لهما بثقة
“أريد أنْ أحيّي سموّ الأمير الذي ساعدني و سموّ الدّوق الذي قلق عليّ رسميًّا!”
“الدوق الأكبر فيسبيرد و سموّ الأمير؟”
“نعم!”
أضأتُ عينيّ وتابعت:
كانَ أمي وأبي ينتظران كلامي التّالي بِهدوء.
“لولا سموّ الأمير، لكنتُ قد تأذّيتُ بشدّة! ألم تقل يا أبي إنّه يجب شكر من ساعدنا؟”
يقال إنّ الكبار لا يستطيعون شرب الماء البارد أمام الأطفال.
لم يستطع أبي الردّ على الفور.
“……”.
لقد شهدَ الجميع نار فيسبيرد.
إذا التقى بارون ديلروز بالدّوق فيسبيرد، فسيكون المعنى واضحًا.
أمسكتُ يدي أمي و أبي بيديّ الصغيرتين وشددتُ عليهما.
مهما كانت قوّة يد طفلة.
“أريد… أن أرى سموّ الأمير مجدّدًا!”
أردتُ أن أحيط إيان، الذي يعاني من الارتباك بسبب كشف قدرته، بلطف.
وللدخول إلى تلك العائلة المشؤومة بسرعة، يجب أن أكسبَ قلب والد زوجي اللّعين.
كتمتُ هذه الكلمات وحرّكتُ عزمي.
***
في اليوم التّالي،
جلس الدّوق فيسبيرد و والدي في غرفة الاستقبال كأنّهما يتواجهان.
بين التّوتر الشّديد بينهما، ابتلعتُ ريقي.
كسب قلبِ الدّوق لتعجيل الزواج. كانَ.الهدف على مرمى البصر.
الزواج مبكرًا عن الماضي لمنع تدهورِ عَلاقات عائلة فيسبيرد و منعِ النهاية الأسوأ.
الآن، بينما الدّوق مرتبك من ظهور قوّة إيان، كانت الفرصة المثاليّة لكسب وِدّه.
لكن، هل هذا ممكنٌ حقًّا؟
هل سيؤثّر مديح طفلةٍ في العاشرة عليه؟
في اللّحظةِ التي اقتربتُ فيها منه، استجمعتُ شجاعتي و قلتُ بعيونٍ متألّقة:
“يبدو أنّ سموّ الأمير رائعٌ هكذا لأنّه يشبه سيادة الدوق!”
“ماذا؟”
ردّ الدّوق كأنّه يحاول التّأكد ممّا سمعه.
اتّسعتْ عينا إيان بِجانبه.
فُوجئتُ في سرّي بردّ فعله.
هل كانَ هذا الرجل ضعيفًا لهذه الدرجة أمام مديح طفلة؟
“ليا، لا يجوز التحدّث إلى سموّ الدوق بوقاحة.”
عندما نظر إليّ أبي متفاجئًا، أغلقتُ فمي بإحكام.
“دعها تتحدّث. أنا لستُ وحشًا، أتريد أنْ تخيفَ الطفلة؟”
سعل الدّوق وأشار بيده كأنّه يطلب منّي المتابعة.
بما أنّ الخطة الأولى نجحت، استجمعتُ شجاعتي للخطوة التالية.
“سموّ الدوق يستطيع التحكّم بنارٍ أكبر بكثير من سموّ الأمير، أليس كذلك؟ هذا رائع!”
“بالطبع، هذه هي قوّة عائلة فيسبيرد.”
كانَ صوتُه مليئًا بالفخر.
كانَ ذلك متوقّعًا.
قوّةٌ هائلةٌ يمكنها إبادة الجميع في الحرب إذا أراد.
كانَ هذا السّبب الحاسم وراء سلطة فيسبيرد التي لا يجرؤ حتّى القصر الإمبراطوريّ على تحدّيها.
“هل يمكنكَ إظهارها؟ أنا فضوليّة.”
“ليا!”
“أريد أن أراها… آه.”
تفاجأ أبي بمغازلة ابنته غير المتوقّعة وصرخ.
تظاهرتُ بالبكاء عند صوته العالي، فلمْ يعرف أبي ماذا يفعل.
لكن ردّ فعل الدّوق كانَ غامضًا.
كانَ وجهه كأنّه يريد اختبار شيءٍ ما.
“لماذا يجب أن أريكِ النّار؟”
هكذا يجب أن يكون دوق فيسبيرد.
رجلٌ باردٌ يفرض الكمال حتّى على الأطفال.
في الماضي، كنتُ سأخاف من مواجهة عينيه، لكنّني الآن أعرف.
أعرف ما يريده الدوق.
‘كوني جزءًا من فيسبيرد، و استولي بجرأةٍ على ما تريدينه في أيّ مكان.’
كانَ يؤمن بشدّة بمعتقدات عائلة فيسبيرد.
الاستيلاء على ما يريد.
كانَ يريد هذا الموقف من إيان، ومنّي أيضًا كدوقة.
ما لم أستطع إرضاءه بهِ في الماضي، لا بدّ أنّه يريده الآن أيضًا.
كانت هذه فرصتي لإظهار أنّني مؤهّلةٌ لأكون جزءًا من فيسبيرد.
“أشعر بالبرد كأنّني سأصاب بالزكام. ألا يمكن لسيدي الدوق تدفئتي…؟”
“ليا!”
“أنا أشعر بالبرد… آه.”
تجاهلتُ صوت أبي المانع وأكّدتُ على طفولتي بليّ جسدي.
آه، العيش كطفلةٍ في العاشرة صعب. هل بالغتُ؟
لا أتذكّر حتّى متى كانَ عيد ميلادي الأخير.
محاولة التصرّف بلطفٍ وأنا في كامل وعيي كانت ضربةً نفسيّةً حتّى لو عادَ جسدي إلى العاشرة.
بينما كنتُ أتشبّث بعقلي كي لا أفقده،
“ممتع. لماذا يجب أن أساعدكِ؟”
تغيّرت نظرة الدّوق إلى نظرةٍ مهتمّة.
“لأنّها الطريقة الأسرع و الأكيدة الآن! وهي رائعةٌ أيضًا.”
رفع الدّوق زاوية فمه ببطء وتحدّث.
“رائعة…”
“نعم! إنّها رائعة!”
قبل أن يتغيّر مزاجه، كرّرتُ بقوّة.
سعلَ الدّوق وفتح يده.
مثل ما حدثَ مع إيان عند البحيرة.
اندلعت نارٌ نقيّةٌ من يده.
كانت نارًا رائعة، محدودةً بما لا يؤذي طفلة، لكنّ هيبتها كاملة.
“كيف هي؟”
“واو، إنّها مدهشة!”
صرختُ و أنا أرى نار الدوق.
بصوتٍ عالٍ ليسمع إيان بجانبي.
“إنّها قوّةٌ دافئةٌ جدًّا.”
لعنَ إيان قدرة فيسبيرد التي حصل عليها بدلًا من أخيه طوال حياته.
اِعتقدَ أنّها أصل كلّ الدمار.
لكن في هذه الحياة، سأخبركَ بِوضوح.
الشّخص الذي اختارته نار فيسبيرد كانَ أنتَ منذُ البداية.
وهذه القوّة هي تجسيدٌ لعطفكَ و تألّقك.
بينما كنتُ أراقبُ إيان وشفتاي مغلقتان، سمعتُ صوت الدّوق.
“صغيرةٌ هكذا وتعيشين في مكانٍ دافئ، قد تعانين في الشّمال.”
“ماذا؟”
“كلّما شعرتِ بالبرد، اطلبي من إيان إشعال النار.”
رمشتُ بعينيّ و نظرتُ إلى الدّوق.
مهما كانَ أهل الشمال يعيشون في البرد، أليست عائلة الدوق تملك مدافئ و أماكن دافئة؟
وهل قوّة فيسبيرد العظيمة تُستخدم كمدفأةٍ شخصيّة؟
“إذا رفضَ، أخبريني.”
ماذا؟
تسبّبت كلمات الدّوق غير المتوقّعة في ارتباكي.
“سأوبّخه، أو سأشعلها نيابةً عنه.”
آه، لقد نجحت!
بهذه الطريقة، سأدخل عائلةَ الدّوق بسلاسة.
ابتهجتُ في سرّي لقلب الدوق المفتوح و ابتسمتُ بحرارة.
“نعم!”
لو أخبرتُ أميليا السًابقة أنّ الدوق فيسبيرد كان بهذا التسامح، هل كانت ستصدّق؟
نظرتُ إلى إيان و أنا أبتسم.
كنتُ أريدُ قول هذا وأنا أنظر إلى وجهه.
“إنّها قوّةٌ دافئةٌ ورائعة!”
في تلكَ اللّحظة، ربّما لعدم التحكّم، تلألأت نارٌ صغيرةٌ من يد إيان.
“واو! نار سموّ الأمير دافئةٌ أيضًا!”
فجأة، مع كلامي، كبرت نار إيان.
نظرتُ إليه باستغراب، فكانَ هو أيضًا متفاجئًا.
ربّما بسبب النارين المتّقدتين، احمرّت أذنا إيان.
التعليقات لهذا الفصل " 5"