3
في حياتي السابقة، كنتُ خائفةً منَ الدّوق الأكبر، فاختبأتُ بسرعةٍ خلفَ ظهرِ أمّي.
كانَ الدّوق، الذي لا يُخفي غضبه، يمثّلُ الرّعب بعينه.
لكن…
“أمم…”
تسلّل صوتٌ خافتٌ بينهما.
تحوّلتْ عَينا الدّوق الحادّتين، اللتان لا تُخفيان نيّة القتل، نحوي.
مثلما سيكونُ إيان لاحقًا، كانَ الدّوق أطولَ بكثيرٍ من الشّخص العاديّ، بجسدٍ قويّ، ممّا جعلَ هيبته عظيمة.
كانَ وجههُ مخيفًا بمَا يكفي ليجعلَ أيّ طفلٍ يبكي علَى الفور.
نظر إليّ إيان الصّغير، الذي كانَ يقفُ خلفَ الدّوق.
على الرّغم مِن بقاء بعضٍ من خدّيه الممتلئين بسبب صغر سنّه ، كانَ مظهره يحمل الحدّة المميّزة لعائلة الدّوق فيسبيرد.
قدْ يبدو باردًا للوهلة الأولى، لكنّني وحدي أعرفُ مدى لطفه.
ربّما، ربّما إذا أُعطيتُ حقًّا فرصةً لإنقاذ إيان…
يجبُ أن تبدأ من هنا.
“أنا أميليا ديلروز. شكرًا لتشريفكم حفل عيد ميلادي، يا سيدي الدوق.”
رفعتُ طرفَ فستاني و انحنيتُ.
كانتْ انحناءة خصري و ثني ساقيّ مثاليّةً وفقَ آداب السلوك.
“يا إلهي، إنّها كملاكٍ صغير!”
“انظروا إلى يديها الرقيقتين! حتّى طريقةُ إمساكها مثاليّة!”
تسلّلت تنهيداتٌ خافتةٌ من أفواه النّبلاء الذين كانوا يُراقبون بهدوء.
“هه!”
ضحكَ الدّوق فيسبيرد بسخريةٍ وهو ينظر إليّ.
لكنّني شعرتُ بوضوحٍ من خلال صوته فقط.
حتّى وفاة الدوق، عشتُ معَ زوجي إيان و والده دون أن أفوّت حتّى نفسًا واحدًا.
بناءً على خبرتي، يمكنني القول أنّ الدّوق فيسبيرد راضٍ جدًّا الآن.
بل إنّه راضٍ بما يعادل ابتسامةً عريضةً لشخصٍ عاديّ، إن جاز لي التّعبير.
كانَ من الطبيعيّ أن يهتمّ أكثر من أيّ شخصٍ آخر بالوقار الذي يليق بسمعة عائلة الدوق.
“يبدو أنّ قدومي بنفسي كانَ قرارًا صائبًا، أيّها بارون.”
آسفةٌ للتدخّل المتهوّر، يا أبي. لكن لم يكن لديّ خيار.
نهضتُ و نظرتُ خلسةً إلى إيان.
وجه إيان البالغِ من العمر اثني عشر عامًا، وهو ينظر إليّ، أعطاني الشّجاعة تلقائيًّا.
يبدو أنّ أوّل ما يجب أن أفعله لإنقاذكَ هو هذا.
الدّخول بأسرع وقتٍ ممكن إلى هذه العائلة المشؤومة التي ستخوض حربًا بين الأخوين.
“أنا سعيدةٌ جدًّا بلقاء سيدي الدوق!”
هذه المرّة، سأكسب ودّ والد زوجي اللّعين أوّلًا لحمايتك!
“سيدي، بما أنّكَ تكرّمتَ بالحضور، أودّ أن أستضيفكَ على انفرادٍ أوّلًا. ما رأيكَ في الانتقال إلى هناك؟”
تغيّرت أجواء الحفل بظهور الدّوق فيسبيرد.
أسرع والدي ليأخذ الدّوق إلى مكانٍ آخر.
طلبت أمّي من الفرقة الموسيقيّة العزف لتشتيت انتباه النبلاء.
سرعانَ ما بدأ الناس يرقصون بسعادةٍ على أنغام الموسيقى.
لكنّ الأجواء المتوتّرة لم تهدأ بسهولة.
“أن يحضرَ الدّوق بنفسهِ حفل عائلة البارون! الآنسة ديلروز ستقضي عيد ميلادٍ استثنائيّ.”
“ليس الدّوق فقط، بل حتّى الابن الأصغر الذي يُقال إنّ الدوق و زوجته يعشقانه قد حضر.”
“هل كانَ هناك صلةٌ سابقة بين الدّوق والبارون ديلروز؟”
“هه، لا أعرف الكثير عَن أمور زوجي.”
تجمّعت السيدات النّبيلات حول أمّي لاستطلاع الأمر.
كان والدي و والدتي مشغولين بأمورهما.
كانت هذه فرصتي لتغيير المستقبل.
تحرّكتُ بهدوءٍ واندفعتُ إلى الفناء الخلفيّ للقصر.
“ها! هذا الجسد الصغير يجعل الجري صعبًا.”
في الماضي، هربتُ إلى الفناء الخلفيّ بعد استراق السمع لمحادثة والدي و الدّوق.
كانتْ محادثةً مرعبةً عن زواجي من الابن الأكبر للدوق، الذي سيظهر قدرته قريبًا، لأنّ قدرة الماء قد ظهرت لديّ.
لكن الآن، و أنا أعرف المستقبل، ركضتُ لاغتنام الفرصة.
لألتقي بالفتى الذي سيكونُ في نهاية هذا الطريق، إيان.
لأتزوّج من الابن الثاني إيان، و ليس الأوّل جوزيف، الذي يثير الرّعب حتّى في أحلامي.
“هل أنثرها من هنا؟”
بينما كنتُ أركض بجدّ، أخرجتُ جواهر من كيسٍ مخفيٍّ تحت فستاني و أسقطتها واحدةً تلو الأخرى على الطّريق.
الأهمّ هو أن يجدنا الناس في اللّحظة المناسبة.
“كنتُ أفكّر فيما سأنثره، لكنّني جمعتُ كلّ هذه الجواهر. أنا مذهلةٌ حقًّا.”
رميتُ الكيسَ الفارغ و أمسكتُ فستاني.
الآن، بقيَ الأمر الأهمّ.
خلف الأشجار الكثيفة، رأيتُ بحيرةً صافية.
ورأيتُ أيضًا ظهرَ فتًى ينظر إلى البحيرة.
مع ظهره المألوف، كتمتُ أنفاسي المتسارعة و بدأتُ أركض بقوّة.
“آه!”
في الماضي، هربتُ مذعورةً من فكرة الزواج وسقطتُ في البحيرة عن طريق الخطأ.
إيان، الذي كانَ ماهرًا بالسيف منذ صغره، كان بإمكانه تفادي ذلك بسهولة.
لكنّه، قلقًا من أن تتأذّى فتاةٌ صغيرة، احتضنني و سقطَ معي في البحيرة.
لكن هذه المرّة، سأغيّر المستقبل.
“هاي أنتِ! أبطئي من سرعتكِ!”
مثلما صرخَ إيان في الماضي، توقّفتُ أمام أنفه مباشرة.
ثم، بينما كان يتنفّس براحةٍ و يسترخي، دفعته إلى البحيرة.
بشكلٍ نظيف.
بلوم!
وسقطتُ معه بعد لحظة.
“ما هذا؟!”
في تلكَ اللّحظة، اشتعلت شرارةٌ صغيرة من يد إيان المذعورة.
كان الامر للحظة، لكنّها كانت ضوءًا أحمر ساحرًا.
مثل غروب الشمس المتّقد، شبيهٌ بعينيه، قويٌّ وجميل.
“آه، ساخن!”
تقرّبتُ من شرارته عمدًا وفتحتُ عينيّ على اتّساعهما.
نظر إيان إليّ بعينين متفاجئتين.
“أنتِ، هل أنتِ بخير؟”
“النار الآن، خرجت من يدكَ، أليس كذلك، سموّ الأمير؟”
نظر إيان إليّ بوجهٍ مرتبك.
كانَ واضحًا أنّه ينكر الوَاقع.
خلال المحادثات حول زواجنا، لم تظهر أيّ قدرةٍ لدى جوزيف.
كانَ ذلك متوقّعًا.
لأنّ قدرة عائلة فيسبيرد، التي كانت دائمًا تنتقل إلى الابن الأكبر، اختارت إيان، الابن الثاني، لأوّل مرّة.
لكن إيان في الماضي أخفى قدرته لوقتٍ طويل.
لأنّه، منذُ ولادته، كان يحترمُ و يحبّ أخاه الأكبر، الوريث المثاليّ لعائلة فيسبيرد، أكثر من أيّ شخصٍ آخر.
لم يستطع أن يكون الشّخص الذي يسرق حلم أخيه.
كانَ يعتقدُ أنّ القُدرة التي كانَ يجب أن تذهب إلى أخيه قد جاءت إليه عن طريق الخطأ لفترةٍ مؤقّتة.
لكن خلال تردّد إيان،
بدأ الدوق، الذي أصبح قلقًا، بتدريب جوزيف بقسوةٍ شبيهة بالإساءة.
لأنّه، مثلما حدثَ مع إيان للتوّ، كانَ يعتقد أنّ القدرة ستظهر في حالات الخطر غير المتوقّعة.
تحمّل جوزيف هذه الإساءة بكلّ سرور.
من أجل أن يصبحَ وريث عائلة فيسبيرد.
أمام هذا المشهد من أخيه و والده، عانى إيان من اللوم الذاتيّ و الألم مرّاتٍ لا تُعدّ.
لكن القدرة اختارت إيان كصاحبها حتّى النهاية.
وفي النهاية، بَدأ إيان يلعنُ قدرته.
عندما تدهورت علاقات العائلة إلى كارثة، اعتقد أنّ هذا هو السّبب.
لهذا لا يمكنني الانتظار أكثر لمنع ذلك!
“أرني مرّةً أخرى!”
“ما الذي تتحدّثينَ عنه؟”
“رأيتها بوضوح، هكذا!”
قلّدتُ صوت النار و أنا ألوّحُ بلساني.
نظر إيان إليّ بوجهٍ يقولُ إنّ هذا لا يُصدّق، ثم نهض.
سرعان ما خلعَ معطفه و أعطاه لي.
“انهضي بسرعة، جسدكِ يرتجف.”
وضعَ إيان المعطف على كتفيّ بنفسه.
كانَ وجهه متجهّمًا كأنّه متضايق، و حركته خشنة،
لكن قلبه كانَ دافئًا مثل المعطف.
…على عكس الماضي، يبدو أنّه يشتكي قليلًا.
“النار، أرِني إيّاها مرّةً أخرى!”
“الآن بدأتِ تتحدّثين بلا رسميّات؟”
“هيا!”
“لقد رأيتِ ذلك بشكلٍ خاطئ.”
“إذن سأخبر الجميع!”
نظر إيان إليّ بعينين مندهشتين، بعد أن كانَ يجيب بلا مبالاة.
بالنّسبة لإيان، الذي لا يزالُ يعتقد أنّ قدرته ستنتقل إلى أخيه، كانَ هذا سرًّا لا يجب أن يكتشفه أحد.
“هاه، هل تعتقدين أنّ الناسَ سيصدّقونكِ؟”
رمقني إيان بنظرةٍ وكأنّه يقول انظري إلى حالكِ.
لم أجب للحظة.
ظنّ إيان أنّني سأصمت، فبدتْ عليه علامات الانتصار.
لكن، يا إيان،
من الآن فصاعدًا، ستلتقي بأميليا لم ترَها طوال حياتك.
“أنا أعرفُ كلّ شيء.”
“ماذا؟”
“قدرة فيسبيرد تحمي صاحبها في المواقف الخطيرة، أليس كذلك؟ لماذا تعتقد أنّني دفعتكَ؟”
ظهر الارتباك في عيني إيان.
“ألا يجبُ أن أعرف مَنْ سيكونُ زوجي؟”
التعليقات لهذا الفصل " 3"