1
“مَنْ يلمسُ ولو طرف إصبع من الدوّقة الكبرى فلن يفلت من الموت!”
آلاف الجنود.
إيان، الذي وجّه سيفه وحده نحوهم، صرخَ بصوتٍ عالٍ.
حتّى وهوَ يواجه سيلًا من السيوف الموجّهة نحوه، كانَ قلقه منصبًّا عليّ.
لهيبٌ يتصاعد في كلّ الاتجاهات وسط قصر الدوق الأكبر الفخم.
حربٌ بين أخوين في عائلة الدوق فيسبيرد.
كانَ واقعًا لا يمكن تصديقه حتّى وهو أمام عينيّ.
“كما يليق بخليفة عائلة فيسبيرد العظيمة، مهارةٌ مذهلةٌ في السيف!”
“جوزيف!”
“لكن، ألم تبدأ هذهِ المهارة الرائعة بفضلي، أيّها الأخ الأصغر؟”
على عكس جوزيف، الذي كانَ خلفه جيشٌ كبيرٌ من القصر الإمبراطوري، لم يكن خلف إيان أحدٌ سوايَ.
‘يجبُ أنْ أساعدَ إيان.’
أمسكتُ قبضتيّ و نظرتُ حولي في كلّ الاتجاهات.
‘لكن كيف؟’
كبحتُ دموعي و أنا أتفحّصُ المكان، لكنّني لم أجد وسيلةً واضحة.
“آه…”
الأعداء الذين لا ينتهون مهما قُطّعوا كانوا يستنزفون قوّةَ إيان.
ثيابه الممزّقة من مواجهة سيوفٍ لا تُعدّ.
تحتها، كانت خطوطٌ من الدّم القاني تتدفّق فوقَ صدره العضليّ و عضلاتِ بطنه المشدودة، دون أن أعرفَ لمن تعود.
كلّما أعادَ إمساك سيفه و تنفّسَ بعمق، كانت عضلاته ترتفع و تنخفض بقوّة.
عندما مسحَ إيان العرق المتدفّق على خطّ فكّه، امتزجت به بقع الدم.
” أنت أيضًا، كانَ من المفترض أنْ تكون ملكي تحت اسم عائلة فيسبيرد، إيان، أخي الصغير.”
“أغلقْ فمك.”
“لكن، أكثرَ من أيّ شيء، ما كان يجب أن يكون ملكي هو…”
أعاد جوزيف إمساك سيفه.
الأعلام التي يحملها الجنود أمامه لم تكن لعائلة الدوق، بل كانت تحمل رمز قصر كارسات الإمبراطوري.
“زوجتكَ التي لم تستطعْ حمايتها، أميليا.”
عندما خرجَ اسمي من فم جوزيف، ارتجفَ جسدي كلّه . اقترب إيان منّي أكثر، وأخفاني خلفَ ظهره.
“هيا… فإنّ زوجتي تقفُ خلفي.”
عضّ إيان على أسنانه بقوّة و شدَّ قبضته.
دماء الجثث المنتشرة حوله كانت واضحةً على سيفه.
كانَ من الصّعب تصديق أنّ شخصًا واحدًا قد واجه كلّ هذا.
مهارته في السّيف كانت مذهلة، لكن أمام جحافل الأعداء المتدفّقة، حتّى هي كانت بلا جدوى.
“أن يرث قوّة عائلة فيسبيرد التي لا تُضاهى و يفشل في حماية زوجته! يا لها من مأساةٍ لدوقنا العظيم!”
“أغلق… فمك.”
هزّ جوزيف كتفيه بسخرية.
بإشارةٍ من إصبعه، بدأ جنودُ القصرِ الإمبراطوريّ يضيّقون دائرة الحصار.
“حانَ الوقت لنودّع الدوق الأكبر العظيم!”
كان صوت جوزيف، وهو ينادي أخاه الأصغر بلقب الدوق، مليئًا بالكراهية.
عند صيحة جوزيف، اندفع الجنود نحو إيان.
“آه!”
“لا!”
في نهاية المعركة المستمرّة، اخترقَ سيفٌ حادٌّ خصر إيان.
سقط جسد إيان، و هو ينزف بغزارة، إلى الأرض.
كأنّهم كانوا ينتظرون ذلك، هجمَ عددٌ من الجنود الإمبراطوريين و قيّدوا جسده على الفور.
“إيان!”
حتّى أنا، زوجته، كانَ يجب أن أحميه.
كانَ عليّ الذهاب إليه.
في تلكَ اللّحظة التي حاولتُ فيها إجبار ساقيّ على الركض نحوه.
“…..!”
توقّفَ جسدي تمامًا عندما رفع إيان يده بصعوبة، كأنّه يأمرني بعدم القدوم.
آه، حتّى في هذه اللحظة الخطيرة، كنتَ تحاول حمايتي.
أمام هذا المشهد، كتمتُ بكائي الحارّ و أنا أغطّي فمي بيديّ.
“أخيرًا انتهى الأمر.”
أشار جوزيف بذقنه إلى الجنود الذين قيّدوا إيان ليتنحّوا.
ثمّ سخر منه و هو يدوسُ على كتف إيان.
كانت نشوة النصر تتلألأ على وجه جوزيف.
“همم.”
تحوّلت عينا جوزيف نحوي أخيرًا.
تحت نظرته الفجّة، بدأ إيان يتلوّى.
لكنّ إيان كانَ قد استنفدَ قواه بالكامل.
“لا تقلق، أخي الصغير.”
“آه…”
همس جوزيف في أذنه كالأفعى وهو يزيد الضغط على قدمه.
“سأعتني بزوجتكَ جيّدًا من الآن فصاعدًا. ألن تكون أفضل معي، أنا مَنْ سيمنحها المتعة، بدلًا منكَ، أيّها العاجز عن إسعادها؟ لأنّ إشباع الرغبات متعةٌ أخرى في الحياة.”
تقدّم جوزيف نحوي.
هل كانَ بسبب كثرة الدماء التي فقدها؟
شعرَ أنّ رؤيته تُغشى، لكنّ إيان شدّ على عينيه بقوّة.
لكن حتّى ذلك كان بلا جدوى أمام قيود الجنود الإمبراطوريين.
“لقد مرّ وقتٌ طويل، أيتها الدّوقة… أو بالأحرى، أميليا.”
“لا… لا تقترب!”
جمدني صوته المرعب.
يجب أن أهرب.
رنّت أجراس الخطر في رأسي.
لكنّ جسدي المذعور لم يطاوعني.
ابتسمَ جوزيف وهو ينظر إليّ وأنا جالسةٌ على الأرض، كاشفًا عن أسنانه.
“هكذا، كيفَ تخافين هكذا من الرّجل الذي سيكون زوجكِ؟ يا سيّدتي.”
كانَ صوته كحشرةٍ تزحف على كلّ جزءٍ من جلدي.
يجبُ أن أهربَ من هنا.
لكنّ كلّ ما استطعتُ فعله هو مدّ يدي و الزحف للخلف ببطء.
“هاها.”
ضحك جوزيف بخفّة و أمسكَ بكاحلي بقوّة.
“أميليا!”
شعرتُ بدفءٍ مقزّزٍ منْ يده على كاحلي.
سمعتُ صوت إيان المفعم بالغضب.
قال جوزيف و هو يمرّر إبهامه ببطء على جلد كاحلي الرقيق
“جعلكِ لي أبدو كحشرةٍ مقزّزة، ألن يحزنني ذلك؟”
شدّ جوزيف على يده و سحبَ كاحلي نحو صدره.
انجذب جسدي نحوه دونَ مقاومة.
“آه… أم أنّ ذلك بسبب لمسِ رجلٍ لكِ للمرّة الأولى؟ سمعتُ أنّ إيان كانَ غافلًا، لم أراعِ نبلكِ يا سيّدتي.”
أمسك جوزيف بشعري.
ثمّ أجبرني بعنفٍ على مواجهة إيان.
تحتَ سيل الدماء المتدفّق، رأيتُ عيني إيان الحمراوين بالغضب.
عندما تقابلت عيناي بعينيه، انهمرت الدّموعُ التي كنتُ أكبحها.
“سأعتني بأميليا جيّدًا. إنّها المرأة التي كانَ يجبُ أن تكونَ مِلكي منذ البداية.”
“جوزيف! اللعنة، سأقتلك!”
“هاتان العينان الجميلتان، و هذا الشعر الناعم، وهذا الجلد الرقيق، و أكثر من ذلك… المستقبل المجيد الذي سيحمل وريث عائلة فيسبيرد.”
تحرّكت يد جوزيف ببطء على رقبتي و هوَ يهمس بكلماتٍ مرعبة.
حتّى و أنا أشعر بهذا الإحساس المقزّز، كنتُ أفكّر كيفَ يمكنني إنقاذ إيان.
“على أيّ حال، أنتما مجرّد زوجين بالاسم فقط، أليس كذلك؟”
أمسكَ جوزيف بذقني و أدارَ وجهي نحوه.
أغمضتُ عينيّ بقوّة و هوَ يحاول تقبيلي بالإجبار.
آه، كيف أظهرتُ لإيان مثل هذا المشهد المروّع.
هل أنا مجرّد عبءٍ عليه؟
في تلك اللحظة.
“لا تلمس أميليا!”
كواخ!
إيان، قدرة عائلة الدوق القديمة، انفجرت.
كانَ انفجارًا هائلًا لا يُقارن بلهيب الحرب الذي رأيناه من قبل.
بدأت النيران تلتهم كلّ شيءٍ في لحظات.
لم تكن مجرّد نيران، بل كانت وميضًا يبتلع كلّ شيءٍ حوله.
لم يصرخ الجنود الذين كانوا يقيّدون إيان، ولا أولئك المحيطون به، حتّى صرخةً واحدة، بل احترقوا جميعًا.
كأنّهم لم يكونوا موجودين أبدًا، لم يبقَ حتّى الرماد.
“إيان!”
لكنّ هذه النيران لم تكن لتحرق الآخرين فقط.
كانت وميضًا سيؤدّي حتماً إلى هلاك صاحبها.
“توقّف… إيان!”
لا، إن استمرّ هكذا، سيكونُ إيان في خطر!
‘تذكّري، أنتِ من ستحمين إيان.’
في تلكَ اللّحظة، و كأنّه ختمٌ قديم.
انبثق ضوءٌ أزرق من جسدي و غطّى إيان تمامًا.
لكن.
نيران إيان التي كادتْ تبتلعُ كلّ شيءٍ في القلعة،
و جريان الماء الأزرق الذي اندفع منّي لإيقافه،
كانا مجرّد انفجارٍ قويٍّ لكنّه أخرق للغاية.
كانت تِلك القدرة، التي كانَ من المفترض أنْ توقفَ انفجار إيان،
هي السبب في زواجي منه منذ البداية.
كواخ! كواخ كواخ!
لكنّ النتيجة كانتْ هلاكًا كاملًا، أوّل اندماجٍ مروّعٍ لنا.
***
“آه!”
“يا سيّدتي!”
صرختُ مذعورةً و نهضتُ من مكاني.
أمسكتُ صدري و أنا أكاد لا أتنفّس.
“ها… ها…”
كنتُ أتأوّه كمن يعاني من نوبة، لكنّ شيئًا ما كان غريبًا.
“مهلًا… ما هذا؟”
أنا… على قيدِ الحياة؟
“آه، آه…!”
كنتُ أتنفّس.
لكن لم يكنْ هذا كلّ شيء.
‘هذا الإحساس الناعم و الرقيق للحرير على جلدي…’
كان السؤال الذي خطرَ في ذهني لا يُعقل.
‘لكن.’
للتأكّد، مددتُ يديّ أمام عينيّ.
‘يدي صغيرةٌ بشكلٍ لا يُصدّق.’
فركتُ رقبتي بقوّة.
كانت لمسة جوزيف المرعبة و صوته المقزّز لا يزالان واضحين، لكنّهما لم يكونا هنا الآن.
و أنا، كنتُ على قيد الحياة مرّةً أخرى.
التعليقات لهذا الفصل " 1"