و بعد أن شمّ الرائحة للحظة ، عقد كاليوس حاجبيه بتجهم.
ثم التفت إلى جيفري ، الذي كان يتبعهم في عربة خلفهم.
“كن مستعدًا لأي طارئ”
“نعم ، سمعًا و طاعة”
أومأ جيفري برأسه ، ثم أسرع لإبلاغ الفرسان المنتظرين بالخارج ، استعدادًا لأي تطور.
و بينما توترت ديليا بسبب الجو الجاد أكثر مما توقعت ، ابتسم كاليوس كما لو أن الأمر لا يدعو للقلق.
مدّ لها ذراعه ، في إشارة إلى أنهم سيدخلون الآن إلى قاعة الحفل.
فهمت ديليا الإشارة ، و أخذت نفسًا عميقًا كي تهدئ رَجَفة جسدها ، ثم بدأت تصعد الدرج ببطء ، متجاوزة البوّاب الذي أشار لها بالدخول.
حتى وقتٍ قصير ، كانت القاعة تعجّ بأصوات النبلاء و ضحكاتهم ، لكنهم صمتوا فجأة ، و اتسعت عيونهم عند دخول كاليوس.
فبما أن نجم هذا الحفل لم يكن الإمبراطور ولا ولي العهد، بل كان كاليوس نفسه ، فقد ارتسمت الابتسامات على وجوههم.
لكنهم تجمّدوا فجأة عندما لاحظوا ديليا إلى جواره.
“يا إلهي، أليست هذه …؟”
” الدوقة؟ ألم تُفقد منذ سنوات دون أي أثر؟”
“ظننتُ أنهما تطلقا بسبب خلافات!”
لم يتمكن النبلاء من الحفاظ على لياقتهم ، بل بدأوا يتحدثون عنها كما لو لم تكن واقفة أمامهم.
لم تستطع ديليا سوى إطلاق ضحكة جافة من الموقف السخيف.
و وسط هذا الجو البارد ، قطع صمت القاعة صوت خطوات قوية اقتربت منها — كان آرون.
نظر إلى النبلاء الذين يتحدثون عن والدته ، ثم صاح بأعلى صوته: “توقفوا! لا تزعجوا أمي!”
ساد صمت ثقيل في القاعة. و بعد لحظات ، بدأ الحضور يتبادلون النظرات و يتسمرون في أماكنهم ، قبل أن يفتح أحدهم فمه بدهشة.
“إنه نسخة طبق الأصل من الدوق!”
“إذًا، هل من الممكن أن يكون …؟”
تقدّم كاليوس الآن ، و أمسك بكتفي آرون ، ثم أعلن بصوتٍ جهير أمام الجميع: “اسمه آرون هيلدبرانت. هو ابننا ، و وريثي الشرعي”
وانفجرت القاعة بصدمة كبيرة. ليس فقط لأن الدوقة التي كانت مفقودة قد عادت ، بل لأنها أحضرت معها ابنًا يبدو و كأنه نُسخة مصغّرة من والده.
في خضم التوتر الذي شعرت به ديليا و هي محط أنظار الجميع ، بدأ النبلاء يستعيدون رباطة جأشهم.
نظروا إلى آرون بإحترام ، ثم انحنوا لهم بأدب.
شعرت ديليا براحة مؤقتة ، لكنها لم تستطع منع نفسها من التفكير بأنها ربما كان عليها الظهور للعامة منذ وقتٍ أبكر ، من أجل طفلها.
و كأن كاليوس فهم ذلك ، فقد أحاط خصرها بذراعه وابتسم لها بهدوء.
“آه، إذًا هذا هو السبب في اختفاء الدوقة لفترة”
“ربما كانت تربي الطفل في مكان بعيد عن منزل هيلدبرانت … و لهذا لم تظهر في العلن”
كان واضحًا أن الجميع يعرف أن كاليوس كان يبحث عنها طوال السنوات الماضية، لكنهم لم يجرؤوا على سؤالها عن التفاصيل ، فآثروا الموافقة بكلمات مقتضبة و هزّات رأس هادئة.
وبينما كانت ديليا تشعر بالراحة قليلًا، سمعت خطوات تقترب وسط الحشد.
ثم ظهر، بعينَيه البنفسجيتَين المرتجفتَين، شقيقها جيريمي.
نظر إليها بذهول ، ثم خطا ببطء نحوها ، و مدّ يده ليلمس خدها الأبيض ، قبل أن يعانقها بقوة.
“لقد مرّ وقت طويل”
“أخي …؟”
لم تستطع قول شيء.
جسده كان يرتجف و هي بين ذراعيه ، فكل ما استطاعت فعله هو أن ترمش بعينيها.
“منذ أن تركتكِ ، فكرتُ كثيرًا”
“…”
“لم يكن يجب أن أحمّلكِ ذنب موت والدَينا. كنتِ صغيرة، و نجوتِ من الحادث … لكني غضبت، وواصلت إيذاءكِ حتى بعد أن كبرتِ”
عانى جيريمي كثيرًا من حادث انقلاب العربة الذي أودى بحياة والديهم، وكان يلقي باللوم على ديليا لنجاتها.
لم تكن ديليا تفهمه تمامًا ، لكنها كانت تدرك أنه لو كان الوضع معكوسًا، ربما كانت ستحقد عليه هي أيضًا.
لكن ذلك لم يبرر الإساءة.
ولو كانت في الماضي، لرفضت اعتذاره فورًا.
إلا أن ما غيّر مشاعرها اليوم هو أنها لا تزال تتذكر أنه ساعدها عندما كانت تهرب من كاليوس— المرة الوحيدة التي وقف فيها إلى جانبها.
رفعت رأسها بهدوء تنظر إليه و هو يحتضنها ، ثم مدّت يدها تربّت على جسده المرتجف بلطف.
“لأكون صادقة … لا أستطيع أن أسامحك تمامًا”
“ديليا …”
“لم تبدأ في الندم إلا بعد أن غبتُ ، بعد أن أصبحت حياتي في خطر. وقد انتظرتُ اعتذارك طوال حياتي”
ثم أبعدته عنها قليلًا، وما إن رأى ذلك حتى بدأ شفتيه ترتجفان وكأن الرفض قد خذله.
“فلنترك الحديث لاحقًا. لديّ الكثير من الكلام ، يكفي لسهر ليلة كاملة”
إن كان كل شيء بدأ بشكل خاطئ ، فلا بأس بمحاولة البدء من جديد.
لهذا قررت ديليا أن تمنح شقيقها فرصة ، وجيريمي لم يتمالك نفسه سوى الإيماء و الهمس بكلمة “شكرًا”.
وفي تلك اللحظة التي خيّم فيها التوتر بينهما ، كسر الجوّ الثقيل صوتٌ صغير ، كان آرون.
نظر إلى والدته و خاله ، ثم إلى كاليوس ، ثم عاد إليهما بوجه حائر.
“هذا غريب!”
“ماذا هناك يا حبيبي؟”
“أليست ماما واحدة؟ لماذا هناك اثنين؟”
تراجع الطفل وراء كاليوس كما لو رأى شبحًا.
كادت ديليا أن تنفجر من الضحك ، لكنها انخفضت إلى مستواه وهمست له مبتسمة: “ما رأيك لو كان لماما أخ كبير؟”
“همم؟ أخ؟”
بدت عليه الحيرة ، ثم بدأ يشير بإصبعه نحو ديليا و جيريمي بالتناوب ، قبل أن تتسع عيناه بدهشة.
“ماما؟ إخوة؟”
“آرون، في مثل هذه الحالة نقول أشقاء، أو إخوة وأخوات”
نظرت ديليا إلى آرون الذي رمش بعينيه فقط ، مع ملامح حيرة على وجهه. كان يجب أن أخبره بوجود جيريمي منذ أن بدأ بالكلام.
مدّت يدها بلطف لتقرص وجنته الممتلئة.
“آرون، هذا الرجل هو خالك”
“نعم ، أول مرة نلتقي ، أنا خالك ، اسمي جيريمي بليك”
توسعت عينا آرون وانفتح فمه بدهشة.
بدأ يتمتم بتكرار ما قاله جيريمي ، ثم هتف فجأة بصوت عالٍ ، و عيناه تلمعان: “خمطون؟ خمطون؟!”
م/في النص ، الطفل آرون يحاول أن يقول “삼촌” (سامـتشون) — أي “الخال” — لكنه ينطقها بطريقة مشوهة بسبب صغر سنه أو عدم تمكنه من نطق الكلمة بشكل صحيح، فيخرجها على شكل “خمطون”.
“… آرون؟ لا، ليس خمطون، بل خال. خـ ا لـ ك”
لكن آرون لم يتمكن من نطقها بشكل صحيح. بل ظل يكررها بطريقته الخاصة و هو يركض إلى جيريمي و يحضن ساقيه ضاحكًا بسعادة: “خمطون!”
“أخي، آسفة. يبدو أن كلمة خال صعبة عليه بعض الشيء”
لكن جيريمي ظل صامتًا، ينظر فقط إلى آرون الملتصق به، بعينين تتلألأ بدموع لم تسقط.
تلك النظرة كانت تشبه آرون كثيرًا ، لدرجة أن ديليا رفعت يدها إلى فمها محاولة إخفاء تأثرها.
“لقد ربيتيه جيدًا. إنه يعرف حتى أنني خاله”
“لكن … لقد قال خمطون ، أليس كذلك؟”
“لا. في أذني، كانت الكلمة خال بوضوح.”
فقدت ديليا القدرة على الرد، مكتفية بالتنهد.
ظل آرون يتحدث مع جيريمي بلطافة لفترة، ثم بدأ يقفز وهو ممسك بيده.
حين بدأت ملامح ديليا تتحول إلى الذهول من الموقف، سعل جيريمي بخفة.
“ديليا، إن لم تمانعي … هل يمكنني الخروج مع الطفل للتنزه قليلاً؟”
“ها؟ آه، لا بأس…”
“سأتمشى به قرب القاعة فقط”
ثم غادر جيريمي القاعة ممسكًا بيد آرون.
و بينما كانت ديليا تحدق مذهولة بخروج الاثنين ، ابتسم كاليوس.
“لا تقلقي. ما دام الحفل مستمرًا ، فوجود آرون بالخارج سيكون أكثر أمانًا”
“صحيح … و خاصة إن كان بصحبة أخي ، سيكون بأمان أكثر من أي مكان”
“بالضبط ، لذا يمكنكِ الاسترخاء قليلًا”
هدأت أنفاس ديليا شيئًا فشيئًا. و بينما كانت تنظر نحو المكان الذي غادرا منه ، شاع في قلبها شعور غريب و متناقض. و فجأة ، دوّى صوت قرع طبولٍ ضخمة.
لقد حان وقت دخول الإمبراطور.
صحيح أن كاليوس كان نجم الحفل ، لكن المنظِّم الحقيقي لم يكن سوى الإمبراطور.
فاستدار الجميع بسرعة و انحنوا احترامًا.
ثم سُمعت خطوات تقترب من المنصة الخالية ، و تبعها صوت عالٍ و جليل: “ارفعوا رؤوسكم جميعًا”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "99"