“ليا، من هؤلاء؟”
“…أشخاص نبلاء أعرفهم. أُصيبوا بجروح خطيرة، فأدخلتهم.”
أبدت لورا تعبيرًا متعجبًا من كلام ديليا. ثمّ، عندما رأت الجرح الكبير على صدر كاليوس، شهقت بقوّة.
على الرغم من سنوات خبرتها كطبيبة، لم ترَ جرحًا بهذا الحجم من قبل.
استدعت لورا كامبل من غرفة المعيشة بسرعة، وقادتهما إلى الغرفة الأبعد.
“أوّلًا… سنفحص الجرح.”
فحص الزوجان الجرح بدقّة بأيدٍ نظيفة.
تنفّسا بصدمة عند رؤية الجرح، الذي بدأ من البطن وتوقّف بالكاد عند القلب.
“لحسن الحظ، تجنّب الجرح منطقة القلب. لكن، لا يعني ذلك أنّه آمن، يجب تحضير الجراحة فورًا”
بدأت لورا بجمع الماء النظيف، والمناشف، وخيوط الخياطة، ومقصّات طبيّة.
نظرت ديليا إلى الغرفة، التي تحوّلت إلى غرفة عمليّات، و سألت بحذر: “هل … سينجو؟”
“بصراحة، الاحتمالات متساوية. جرح كهذا كان سيقتل أيّ شخص عاديّ فورًا، لكن بما أنّه لا يزال حيًا، هناك أمل”
أمسكت ديليا آرون بقوّة في حضنها.
نظرت إلى كاليوس الشاحب طويلًا ، ثمّ غادرت الغرفة بسرعة.
***
بينما كانت ديليا في غرفة المعيشة بعقل مضطرب ، فُتح الباب بعد ساعات طويلة.
نهضت، وتقدّمت نحو غرفة الطابق الأرضي، وسألت لورا، التي كانت تخلع ثوب الجراحة الملطّخ بالدم، بنبرة حذرة: “لورا، هل انتهت الجراحة بنجاح؟”
“نعم، انتهت بسلام. الآن، الأمر يعتمد على مدى صموده.”
أومأت ديليا، التي كانت متوترة، بإرتياح.
نظرت لورا إليها، ثمّ أشارت إلى غرفة الطابق العلوي، طالبة محادثة قصيرة.
صعدت ديليا، حاملة آرون، إلى غرفتها مع لورا.
ألقت آرون على السرير بحذر، ثمّ أطلقت ضحكة بائسة.
“لورا، في الحقيقة، هويّة هذا الشخص الحقيقيّة…”
“لقد خمّنتُ إلى حدّ ما. كنتِ تبكين وتنادين اسم كاليوس أثناء نومكِ”
بالفعل، اسم كاليوس كان فريدًا في الإمبراطوريّة.
كان يتحرّك أوّلًا عندما تكون الإمبراطوريّة في خطر، ويقود مساعدة المنكوبين، كمرسول للعدالة.
“ماذا ستفعلين الآن؟ هل ستعودين مع سموّه إلى العائلة؟”
“…لا، لن أفعل ذلك أبدًا.”
لم ترغب بتحمّل نفس الجرح مجدّدًا.
زفرت ديليا، التي لا تريد تحطيم قلبها الذي شفي بالكاد ، بصمت.
أمال آرون رأسه ، و أمسك يدها.
“أمي؟ هل تتألمين؟”
“لا، لا. أمك لا تتألم أبدًا.”
شعر آرون بقلقها، وبدأ يراقب بحذر.
داعبت ديليا شعره، وابتسمت كأنّ الأمر تافه.
تردّدت لورا، ثمّ أمسكت يد ديليا. همست بنبرة أكثر حذرًا:
“لكن… لا أعرف إن كان يجب قول هذا…”
“ماذا؟ ما الأمر؟”
“في الحقيقة، رأيتُ ندبة على معصمه. تبدو حديثة نسبيًا، ولا يبدو أنّها من شخص آخر.”
رمشت ديليا بعينيها بدهشة.
كاليوس، الذي كان يهتمّ بنفسه أكثر من أيّ شخص، يؤذي جسده؟ وفي الآونة الأخيرة؟
“سمعتُ من آخرين أنّ سموّه كان يعاني كثيرًا. بعد اختفاء زوجته، توقّف عن الأكل، وتجوّل حول الجرف …”
ظنّت ديليا أنّ كاليوس يكرهها ، لكن سماع أنّه عانى من رؤية موتها جعل رأسها يدوخ.
…هل عادت ذاكرته؟ هل ظنّ أنّها ماتت، فأذى نفسه؟
كانت تعتقد أنّه تخلّى عنها، لكن فكرة أنّ كلّ شيء قد يكون سوء فهم جعلت أطراف أصابعها ترتجف.
لكن، الماضي لن يُمحى، فتذكّرت ديليا كاليوس يدفعها بعيدًا ، و عضّت شفتيها بقوّة.
***
كان كلّ شيء هادئًا و مظلمًا.
كان في منتصف ساحة المعركة قبل قليل، لكن عندما استفاق، وجد نفسه محمولًا على ظهر جيفري.
آه، هل سيموت أخيرًا؟
بينما كان يفكّر أنّه قد يفقد حياته هذه المرّة ، ويغلق جفنيه الثقيلين، سمع صوت طفل بريء: “من أنتم؟”
كان صوتًا جديدًا، لكنّه، لسبب ما، جعل قلبه يرتجف بالحنين.
شعر بشيء غير عادي، وبينما كان كاليوس متوترًا، ركض الطفل، قائلًا إنّه سيقودهم إلى بيته.
بعد قليل، شعر بيد تضغط على جرحه.
كان بالتأكيد شخصًا غريبًا، لكن، لسبب ما، شعر بأنّ الدموع ستتدفّق، مما زاد من حيرته.
فجأة، نُقل جسده إلى مكان ما، و أُدخلت إبرة صغيرة في و ريده.
كم من الوقت تجوّل في وعي ضائع؟ سمع صوت باب يُفتح، ثمّ جلس أحدهم بجانبه.
ظنّ أنّه جيفري أوّلًا.
هو من نقله من ساحة المعركة إلى الطبيب. لكن، مع مرور الوقت دون كلام، عبس كاليوس.
رفع جفنيه الثقيلين بصعوبة.
“أين…؟”
“استلقِ بعد. لم يمضِ وقت طويل على التخدير، ستشعر بالدوار.”
نظر كاليوس إلى اليد الصغيرة التي تمنعه.
رفع رأسه ببطء، ونظر إلى شخص متصلب التعبير.
“ديلـ…ـيا…؟”
كانت المرأة أمامه زوجته ديليا ، التي ظنّها مفقودة.
ظنّ أنّها ماتت، لكن رؤيتها حيّة جعلت قلبه يرتجف.
“هل هذا حلم؟ هل ظهرتِ في حلمي لأنّني كدتُ أموت؟”
مدّ كاليوس يده نحو ديليا.
داعب بشرتها الناعمة بأصابعه، واتّسعت عيناه.
أدرك أنّ هذا ليس حلمًا، بل واقعًا، وفتح فمه بدهشة.
“مرّ زمن منذ لقائنا.”
“…”
“سمعتُ للتوّ أنّ ذاكرتكَ المفقودة عادت ، أليس كذلك؟”
لم يجب، فأدارت ديليا، المُحبطة، رأسها، ونظرت إلى كاليوس. تصلّبت فجأة من الموقف غير المتوقّع.
“لمَ تبكي؟”
“…ماذا؟”
لمس كاليوس خدّه. شعر بدموع ساخنة تتدفّق على يده.
في لحظة إدراكه أنّ ديليا أمامه حقيقيّة ، تدفّقت دموعه كأنّ عينيه تعطّلتا.
نهض كاليوس ، بعينين محمرتين، وعانق ديليا.
“آسف، كلّ هذا خطأي.”
“…”
“لم يكن يجب أن أعاملكِ هكذا بسبب فقدان ذاكرتي. لم يكفِ أنّني أبعدتكِ، بل جعلتكِ ترمين نفسكِ من الجرف، أنا آسف …”
ركع كاليوس على الأرض. أمسك يدي ديليا، وبكى بصمت.
كانت عيناه تعكسان الشوق، والذنب، والحبّ لديليا.
نظرت ديليا إليه بلا عاطفة، ثمّ رفضت يده.
“لم أرد إدخالكَ. لكن، بما أنّ ابني أحضركَ إلى هنا، اضطررتُ لعلاج جرحكَ”
“ابنكِ…؟”
أدار كاليوس رأسه ببطء.
رأى طفلًا صغيرًا ينظر إليه مع امرأة في منتصف العمر. شعر أسود، عينان زرقاوان كالبحر، وتعبير عابس.
كان واضحًا أنّه من دم هيلدبرانت.
“هل هذا طفلنا؟”
“…نعم. دمي ودمكَ متساويان فيه”
“ما اسم الطفل؟ ماذا سمّيتيه؟”
“آرون. يعني ‘المشرق’.”
عندما وُلد آرون، بدا متلوّيًا في حضنها مشعًا، فإختارت اسم آرون فور رؤيته.
مع الوقت، أصبح طفلًا مشعًا كما يعني اسمه.
نظر كاليوس إلى آرون، الذي يشبهه تمامًا، بدهشة.
“آرون ، آرون. إذن ، أنتِ و الطفل نجوتما”
التعليقات لهذا الفصل "90"