بينما كانت ديليا تحدق بهدوء في الحليب الدافئ الذي يصعد منه البخار ، فتحت فمها أخيرًا. لقد بدأت تشعر بالألم منذ بضعة أيام ، و الآن بدأ نزيف غير متوقع.
ترددت لورا قليلًا بعد سماع كلمات ديليا ، ثم ساندتها لتنقلها إلى غرفتها. بعد ذلك اعتذرت قليلًا ، و بدأت بفحص أنحاء مختلفة من جسد ديليا. و أخيرًا ، عندما كانت تضع يدها على نبض ديليا ، سحبت أصابعها و قالت بحذر.
“ربما ستلدين الطفل قبل موعده”
في اللحظة التي سمعت فيها كلمات لورا ، غرق العالم بسرعة في اللون الرمادي. في ذلك الوقت ، كانت منشغلة بالهرب لدرجة أنها لم تفكر في الطفل.
هل كان ينبغي أن تستخدم طريقة أخرى؟ بدأ قلبها يمتلئ بالخوف من أن يكون لذلك تأثير سلبي على الطفل.
عندما نظرت ديليا إلى الأسفل بصمت ، أمسكت لورا بيدها بقوة. ثم طمأنتها قائلة إن الولادة المبكرة لا تعني بالضرورة أن الطفل سيكون غير سليم.
ربما كان ذلك هو الوقت الذي بدأت فيه تفكر بإستمرار في والد الطفل الذي سيولد قريبًا.
كررت ديليا تنفسها العميق مرارًا و تكرارًا في محاولة للسيطرة على قلبها الذي بدأ يضعف باستمرار.
وأخفت يديها المرتجفتين بينما كانت تحاول أن تبتسم.
*****
وااااا-!
انتشرت الهتافات في كل مكان. نظر كاليـوس حوله بتساؤل.
حتى لحظة مضت ، كان جالسًا على الأريكة بعينين مفتوحتين ، و الآن ما يراه أمامه هو نفسه محاطًا بعدد هائل من الناس.
كلهم كانوا يباركون له من أعماق قلوبهم ، و يتمنون له حياة سعيدة. و كان من بينهم إيزابيلا ، التي كانت تجلس و هي تعقد ساقيها وتبدو غير راضية.
و في تلك اللحظة التي عبس فيها كاليـوس بسبب شعور غامض بالألفة، سمع صوت امرأة مليء بالحماس من الجهة المقابلة.
“كاليـوس ، إلى أين تنظر؟”
“……!”
في اللحظة التي سمع فيها ذلك الصوت الرقيق وكأنه عزف على البيانو، توقف كاليـوس عن التفكير وتجمد في مكانه.
وبعد أن شرد قليلًا، أدار رأسه.
فرأى أمامه ديليا ، التي كانت ترتدي فستان زفاف و تبتسم بخجل.
“ديـ ..ليا …؟”
كانت ديليا، التي ترتدي طرحة زفاف بيضاء وتمسك بباقة في كلتا يديها، عروسًا بكل وضوح. نظرت بخجل إلى كاليـوس، الذي كان أطول منها، واحمرّت وجنتاها بخجل.
مدت يدها اليسرى نحو كاليـوس. و عندما لم يتحرك ، حركت إصبع البنصر خلسة بين الحضور. عندها فقط أدرك كاليـوس أن بيده خاتم ، و فتح عينيه على وسعهما.
“لا تقل لي أنك متوتر لأن اليوم هو حفل الزفاف؟”
“لا، ليس هذا بل-“
“لا داعي للقلق. من الآن فصاعدًا، عندما تلبس هذا الخاتم ، لن نفترق أبدًا. سنعيش بسعادة أكثر من أي أحد”
بدت ديليا واثقة أكثر من المعتاد. ربما لهذا السبب، أومأ كاليـوس برأسه دون وعي وأمسك بيدها اليسرى بحذر.
وفي اللحظة التي كان على وشك أن يضع الخاتم في إصبعها ، توقف عزف البيانو الذي كان يملأ القاعة فجأة ، وساد الصمت في المكان.
شعر كاليـوس أن هناك شيئًا غير طبيعي، فرفع رأسه ببطء.
فوجد أن الضيوف الذين كانوا يملأون القاعة قبل لحظات قد اختفوا، ولم يبقَ في قاعة الزفاف الواسعة سوى هو و ديليا ، فقط الاثنان.
“ما هذا، بحق-؟”
وفي تلك اللحظة من ارتباك كاليـوس، انسلت اليد التي كان يمسك بها بهدوء. ثم بدأت ديليا تتراجع خطوة ، ثم أخرى.
“… ديليا؟”
“لا تنادِ اسمي. فقد أصبحت أكرهك حتى الموت”
خلعت ديليا طرحة الزفاف البيضاء التي كانت على رأسها و رمتها في الهواء. ثم صرخت في وجه كاليـوس بصوت مليء بالخيانة.
“كنت أؤمن بك حتى النهاية! لكن ، كيف تجرؤ على السخرية مني بهذه الطريقة؟”
“لا، لم أسخر منكِ أبدًا”
“هاه، لا تكذب! تدّعي أنك فقدت ذاكرتك و تطلب الطلاق ، بل و تحضر عشيقة. وأنا حامل بطفلك و مع ذلك أنت …!”
أطلقت ديليا كل الكلمات التي كانت تخفيها في قلبها.
في صراخها المختلط بالحقد والكراهية تجاهه ، لم يعد كاليـوس قادرًا على قول أي شيء.
حدّقت ديليا في كاليـوس الذي كان عاجزًا عن الكلام، ثم حولت نظرها إلى الخاتم الذي كان في يده. اقتربت منه ورمت خاتم الزواج الوحيد على الأرض بكل قوتها.
“لم يكن ينبغي لنا أن نلتقي أصلًا”
“انتظري ، ديليا-!”
“لو لم ألتقِ بك، لكنت سعيدة. لو لم ألتقِ بك ، لما متُّ …”
وفجأة ظهرت خلف ديليا منحدرات حادة.
ديليا، التي كانت ترتدي قبل قليل فستان الزفاف ، أصبحت الآن بشعر نصف مقصوص و فستان ممزق.
“لن أنسى أبدًا. حتى بعد موتي ، سألعنك بجنون”
ألقت ديليا بنفسها نحو الجرف.
و بينما كانت تنظر إلى كاليـوس ، الذي كان يحدق بها من أعلى الجرف بوجه يملؤه اليأس ، ظهرت على وجهها ملامح النشوة.
و في اللحظة التي شاهد فيها كاليـوس ديليا تضع حدًا لحياتها، شعر مرة أخرى باليأس. عندها أحس بشيء ما يجذبه إلى الأعلى. ففتح جفنيه بسرعة.
“هاه ، هاااه…”
نهض كاليـوس بسرعة بجذعه.
و أخذ يتنفس بقوة وهو يحدق حوله.
غرفة مظلمة لم يُشعل فيها أي ضوء. منشور مطلوب موضوع على الطاولة. و جسده الجالس على الأريكة غارقًا في اليأس. كل ذلك كان يدل على أن ما حدث قبل لحظة لم يكن إلا حلمًا.
“ديليا ، ديليا-“
في البداية ابتسمت لي ، ثم سرعان ما غضبت ، ولامتني بشدة. وفي النهاية رأيتها تنهي حياتها بنفسها ، حتى شعرت أن قلبي سينفجر.
كاليوس أمسك وجهه المتصبب عرقًا بيد مرتجفة. كان يكرر مرارًا كلمة “آسف” موجّهة إلى شخص غير موجود أمامه.
في تلك اللحظة، سُمع صوت طرق خفيف على الباب المغلق.
كاليوس، الذي كان غارقًا في جلد الذات، رفع رأسه بعينين محمرتين.
“ما الأمر في هذه الساعة من الليل؟”
“يا صاحب السمو، أرجو أن تخرج للحظة …”
بصوتٍ بدا مختلفًا عن المعتاد ، ومشحون بشيء من العجلة، تحدّث جيفري ، مما جعل كاليوس ينهض من مكانه. ثم مرر يده في شعره المبعثر أمام المرآة قبل أن يفتح الباب ببطء.
“هل حدث شيء ما فجأة؟”
“في الواقع … يجب أن تتوجه فورًا إلى غرفة الاستقبال …”
“لا ، ليس هناك حاجة لذلك”
فُتح الباب فجأة، فاتسعت عينا كاليوس من الدهشة.
و ظهر بهدوء خلف جيفري ، الذي كان يتصبب عرقًا ، شقيق ديليا ، جيريمي.
“لو رآك أحد، لظنك شخصًا فقد إرادة الحياة، لا دوقًا”
كانت كلمات جيريمي الساخرة موجهة إلى كاليوس حادة للغاية. و بالرغم من أنها كانت خروجًا كبيرًا عن الأدب من ماركيز موجهة إلى دوق ، فإن ذلك لم يعد يهم كاليوس.
ما رآه أمامه لم يكن سوى شعر ديليا ، و عينيها ، و وجهها.
فاستعاد صورة ديليا التي رآها في الحلم، و عضّ شفته في ألم شديد.
كلما تذكر كلمات ديليا المليئة بالكراهية نحوه ، شعر وكأنه يُدفن في حفرة عميقة.
و بينما خيّل له أن دموع ديليا التي رآها قد انعكست في وجه جيريمي، خرج كاليوس ببطء من الغرفة.
ثم قال بصوت حاول أن يكون هادئًا قدر الإمكان موجّهًا حديثه إلى جيريمي.
“سأصطحبك إلى غرفة الاستقبال أولاً”
لم يكن من اللائق إدخال شخص في مرتبة ماركيز إلى غرفة غير مجهزة ، لذا انتقل كاليوس مع جيريمي إلى غرفة الاستقبال القريبة.
على عكس غرفة كاليوس المظلمة ، كانت غرفة الاستقبال حيث تغرد الطيور تُشعِرهم بارتياح كبير.
جلس كاليوس على الأريكة و حدق خارج النافذة.
خلف النافذة، كانت أزهار الليلك التي بدأت تذبل تتطاير في الحديقة.
بدا له هذا المشهد وكأنه يشبه حاله مع ديليا ، فعبس وجه كاليوس و قبض يده بإحكام.
جيريمي ، الذي كان يراقب المشهد بصمت ، اتكأ على الأريكة وتنهد قائلاً ، “كيف كنتَ تعيش في هذه الأثناء؟”
“……”
“يبدو أنكَ لم تكُن بخير على الإطلاق”
رغم أن ملامحه الوسيمة لم تتغير، إلا أن تحت عينيه ظهرت ظلال سوداء، وبدا وجهه شاحبًا كما لو كان سيسقط في أي لحظة. من شكله ، بدا كأنه سيتقيأ دمًا في أية لحظة ، مما جعل جيريمي يتنهد ويمرر يده في شعره.
“يبدو أننا ، أنا و أنتَ ، ننال جزاءنا”
لم يستطع كاليوس أن يرد على كلام جيريمي. لا هو ، ولا جيريمي ، فقد كان ذنبهما تجاه ديليا عظيمًا للغاية.
لم يكن بوسعهما سوى أن ينكسوا رؤوسهم في صمت.
و بينما ساد الصمت طويلاً ، كان أول من كسر هذا الصمت هو جيريمي.
“لم أدرك ذلك إلا بعدما وصلت أختي إلى هذا الحال. أنني طيلة الوقت كنت أصفها بالقاتلة ، فقط لأنني لم أستطع تقبّل حقيقة رحيل والدينا”
في الوقت الذي كانت فيه ديليا تهرب من كاليوس ، كان جيريمي في طريقه إلى مقاطعة هيلدبرانت لمحاولة إصلاح العلاقة معها ولو قليلاً.
لكن خلال ذلك، لمح جيريمي وجهًا مألوفًا جدًا من خلال النافذة. و بينما كان جيريمي المصدوم يلاحق عربتها، سمع أن ديليا في حالة فرار ، فادعى أنه يقلّها و قاد العربة بأقصى سرعة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "80"