“…أعتذر ، سيدي. هناك ضيف قد جاء إلى القصر و يبدو أنه عليك الخروج على وجه السرعة”
وضع كاليوس الورقة التي كان يمسك بها، ونهض من مكانه.
ثم سار بخطى واسعة نحو الباب و أمسك بمقبضه.
حينها ظهر كبير الخدم العجوز وهو يمسح عرقه بتوتر وكأن الموقف محرج جدًا.
“ضيف؟ ماذا تعني بذلك؟”
لقد قال بوضوح إنه لن يستقبل أي ضيوف في الوقت الحالي. بدا كاليوس مندهشًا و متجهمًا من كلام كبير الخدم المفاجئ.
“في الحقيقة، نحن أيضًا أخبرناه أنه لا يمكنه الدخول، لكن الضيف أصر على الحضور …”
رغم أن عائلة هيلدبرانت أعلنت أنها لن تستقبل أي زوار ، كان هناك شخصان فقط ممن يعرفهم كاليوس قد يتجاهلون ذلك ويأتون دون إذن.
وبما أن إيزابيلا لم تظهر مؤخرًا ، فلم يتبقَ سوى إيفلين التي كانت بمثابة ذراعها اليمنى.
“اطردها.”
“نعم؟ و- و لكن…”
“فكر جيدًا. من الأفضل أن تستمع إليّ، أم إلى كلام دخيلة؟”
كلام كاليوس كان أشبه بتهديد. و كأنما يقول إنه لن يرحمه إن عصاه، فسرعان ما شحب وجه كبير الخدم وانحنى لكاليوس مجيبًا بلا تردد
“سأقوم بطردها في الحال”
في ظل اختفاء ديليا ، لم يكن من الحكمة إدخال امرأة غريبة إلى القصر. لذلك كان كاليوس أكثر حزمًا من المعتاد و هو يدير ظهره.
وفي اللحظة التي كانت فيها الباب توشك على أن تُغلق مجددًا، أوقفه صوت خطوات هادئة ومتزنة تعبر الرواق.
“سيدي، أليس هذا قاسيًا؟ هل تنوي طرد من جاء لزيارتك حتى باب القصر؟”
أدار كاليوس رأسه نحو الصوت ، فرأى إيفلين تمشي نحوه بخطى واثقة وذراعاها متشابكتان.
على عكس كاليوس الذي بدا منهكًا بعد اختفاء ديليا، كانت إيفلين أكثر أناقة من المعتاد بشعرها الأحمر المربوط للأعلى.
“يبدو أن الآنسة لا تعرف ما هو الأدب”
“قبل أن تتحدث عن الأدب ، شعرت أنكَ نسيتَ وعدنا ، لذا جئت بنفسي”
ضيّق كاليوس عينيه من كلامها. وبينما خيّم التوتر بينهما، كسر كاليوس الصمت بشكل غير متوقع.
“…ادخلي أولاً.”
وما إن سمعت إيفلين إذنه، حتى قبضت على المروحة التي كانت تحملها بقوة. وتبعت كاليوس بنظرات مليئة بالبهجة.
وبينما كانت تنظر إلى الغرفة المظلمة التي لم يُشعل فيها أي ضوء ، لم تستطع إخفاء ارتباكها. رمشت إيفلين بعينيها بذهول ، ثم جلست على الأريكة بعدما استعادت وعيها.
“إذًا، ما الذي تريدين قوله؟”
“تدخل في الموضوع مباشرةً. لم تمر حتى دقيقة منذ جلوسي …”
نظرت إيفلين حولها. بسبب الظلام لم يكن من السهل الرؤية ، لكن الغرفة كانت خالية بشكل لا يليق بغرفة دوق.
عدم وجود أي شيء غير الضروريات جعل الغرفة تشبه كاليوس حقًا. و بينما كانت تتأمل ، وقعت عيناها على الورقة التي كان ينظر إليها سابقًا.
“ما زلت تنشر هذه؟”
كانت الملصقات التي تبحث عن ديليا منتشرة في كل مكان في مقاطعة هيلدبرانت. لمجرد رؤية وجهها كانت تشعر بالغثيان، والآن أن ترى أنه لا يزال متمسكًا بها جعلها تغلي من الداخل.
قلبت إيفلين الورقة التي عليها صورة ديليا رأسًا على عقب ، ثم قالت بحدة و بنبرة منزعجة ،
“إلى متى ستستمر بهذا؟ لقد مرت أيام عديدة منذ اختفاء الدوقة!”
لقد كان قد وعدها بأن يجعلها عشيقته مقابل تزويده بمعلومات من القصر الإمبراطوري ، لكنه بعد أن استعاد ذاكرته رماها فورًا.
الآن بعد أن اختفت العقبة من أمامها ، كان من المفترض أن تسير الأمور كما تريد، فلماذا يستمر في إحباطها؟
ظنت أن اختفاء ديليا سيمنحها الفرصة لبناء عالمها الخاص ، لكن الأمور أصبحت أسوأ مما كانت عليه. فعضّت شفتيها بقهر.
“سيدي، أليس الوقت قد حان لأن تجعلني زوجتك الرسمية؟”
“…هاه؟”
لم يمضِ حتى شهر على اختفاء ديليا ، والآن تطلب أن تصبح الزوجة الرسمية لعائلة هيلدبرانت؟ كم هي جاهلة بمكانتها الحقيقية.
ابتسم كاليوس بسخرية و اتكأ على الأريكة.
“أنا أعرف نيّتكِ جيدًا”
مد كاليوس الورقة التي أمامه نحو إيفلين. و بينما كانت تنظر إليه باستغراب ، ألقت نظرة على محتوى الورقة فتجمدت في مكانها.
“…هذه…”
كان محتوى الورقة صادمًا للغاية. فقد كانت تحتوي على كل الحوارات التي دارت بينها و بين إيزابيلا دون أي نقص.
رغم أن إيفلين كانت تظن أن حديثها مع إيزابيلا كان سريًا ، من الذي قام بهذا العمل القذر؟ و بينما كانت يدها ترتجف و هي تمسك بالورقة ، أمسك كاليوس بكتفها بابتسامة ساخرة.
“هل ظننتِ حقًا أنني سأبقى عاجزًا فقط لأنني فقدت ذاكرتي؟”
“ه- هذا …”
“تذكري جيدًا من الآن فصاعدًا. أنا أراقب كل تصرف تقومين به”
انتزع كاليوس الورقة من يدها ، و نثرها أمام وجهها ثم استدار ببرود. نظرت إيفلين إلى ظهره و هو يبتعد عنها شيئًا فشيئًا، حتى انهارت أخيرًا و سقطت جالسة على الأرض.
*****
في أحد الأيام المشمسة. كان السوق الصغير في الأطراف يعج بالناس الذين جاؤوا للبيع والشراء.
تاجر ضخم البنية يدعو الناس لرؤية المأكولات البحرية في متجره، وطفل يتجول في أرجاء السوق ممسكًا بيد والدته.
بخلاف العاصمة الإمبراطورية التي لا تخلو من الحوادث، كان المشهد هنا مسالمًا للغاية.
لكن حتى في هذا السوق الهادئ ظهر في الآونة الأخيرة حديث شائع، وهو الظهور المفاجئ لامرأة جميلة تفيض أناقة، يلاحظها كل من يراها.
في البداية، كانت المرأة ترافق الزوجين الطبيبين المعروفين في القرية عند زيارتها السوق ، لكنها سرعان ما بدأت تتجول في السوق بحذر بسلة في يدها.
شعرها الفضي الغامض يتطاير و هي تمشي بخطى هادئة ، فتجعل قلوب الجميع تخفق ، رجالًا ونساءً على حد سواء.
لكن مع مرور الوقت ، بدأ فضول الناس يكبر و هم يرون بطنها الذي يكبر يومًا بعد يوم ، فأدركوا أن هذه المرأة الغامضة التي ظهرت فجأة لا بد أن لديها قصة لا يمكنها البوح بها.
منذ ذلك الحين، أصبح الناس يتسابقون لإعطائها شيء كلما رأوها في السوق. في كل مرة كانت المرأة تقول إنها بخير و تظهر الإحراج ، لكن الناس كانوا يبتسمون ببشاشة ويقولون إن الطيبة لا تضر.
وفي النهاية، حتى اليوم، ما إن دخلت السوق حتى امتلأت سلة مشترياتها، فحكت المرأة المسماة ديليا خدها و كأنها محرجة.
“…هذا محرج …”
رغم أنهم قدموا لها كل هذا ، إلا أنها لا تستطيع رد الجميل.
…حسنًا، ربما من الأفضل التركيز على أنها حصلت على طعام مجاني. سارعت ديليا بالعودة قبل غروب الشمس. ثم توقفت عند كوخ صغير في قرية بعيدة عن السوق.
“لورا ، لقد عدت”
ما إن نادت ديليا، حتى سُمعت خطوات خلف الباب المغلق، وفُتح الباب على مصراعيه. الواقفة عند المدخل كانت لورا، التي أرجعت شعرها الأبيض إلى الخلف و ابتسمت.
“أوه، عدتِ أبكر مما توقعت؟”
“نعم ، ما إن وصلت السوق حتى بدأ الناس يعطونني مكونات الطعام …”
ضحكت لورا بصوت عالٍ من كلام ديليا. كانت تقول دائمًا إن أهل هذه القرية يفيضون بالكرم. رؤية لورا و هي تضحك بتلك الطريقة جعلت ديليا تبتسم بتوتر.
منذ مجيء ديليا إلى الكوخ، وبعد أن علمت لورا بعمرها، بدأت تخاطبها براحة.
رؤيتها بهذه الراحة مقارنة بسابق عهدها تُظهر مدى الحذر الذي كانت تتحلى به في السابق، مما جعل ديليا ممتنة جدًا.
“بالمناسبة، يبدو أن بطنكِ أصبح بارزًا الآن؟”
“آه، صحيح …”
بطنها الذي كان مسطحًا في البداية بدأ يكبر تدريجيًا أثناء إقامتها في بيت الزوجين الطبيبين. و هي تنظر إلى جسدها الذي بدأ يبدو و كأنه جسد امرأة حامل ، بدت على ديليا ملامح مشاعر مختلطة.
“هم؟ ليا ، ما بالكِ فجأة؟”
“…لا ، لا شيء على الإطلاق …”
رغم أنها تعلم أنه لا يجب أن تشعر هكذا ، إلا أن كلما رأت بطنها الذي يكبر باستمرار ، كانت تتذكر تلك اليد الكبيرة التي لطالما ربّتت على بطنها بخفة.
لقد ألقت بنفسها من على الجرف عازمة على الموت لتتمكن من الهرب منه، ومع ذلك، كلما اقترب موعد ولادتها، كان وجهه يلوح في ذهنها فيملؤها بالكآبة.
“طفلي … سيولد بسلام ، أليس كذلك؟”
منذ وقت ليس ببعيد، شعرت ديليا، التي كانت تعيش حياتها كالمعتاد، بألم و كأن شيئًا يضغط على أسفل بطنها.
في البداية ، ظنت أنه ألم عابر و سرعان ما سيزول ، لكن الألم الذي ازداد بمرور الوقت جعلها في حيرة.
ولم تزد الأمور إلا سوءًا عندما لاحظت نزيفًا طفيفًا في الأسفل، ففزعت ديليا وركضت إلى لورا وقد أصبح وجهها شاحبًا. و عندما رأت لورا وجه ديليا المصفر ، ازدادت قلقًا و سألتها بجدية عما حدث.
جلست ديليا المرتجفة على الأريكة المريحة بمساعدة لورا التي تصرفت بعناية، ثم أسرعت الأخيرة إلى المطبخ وقدّمت لديليا كوبًا من الحليب الدافئ مع العسل.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "79"