بعد بضع سنوات ، اجتهد كاليوس بجنون في السيف و الدراسة.
المعلمون الذين كانوا يعلمونه أخرجوا ألسنتهم من الدهشة ثم غادروا القصر قائلين إنه لم يعد هناك ما يُعلَّم.
و في النهاية ، بعد أن أدرك معظم الأشياء في سن مبكرة ، كرر كاليوس الدراسة الذاتية دون معلمين.
و في أحد الأيام ، بينما كان يكرر اليوم نفسه و يختتمه ، سُمع صوت طرق على الباب ، ثم فُتح الباب المغلق على مصراعيه.
و خلف الباب ، وقف الدوق و هو يحمل كأس نبيذ بيد و يمسد لحيته باليد الأخرى.
“ابني ، هل يمكنني الدخول؟”
“…افعل ما تشاء”
بموافقة كاليوس، دخل الدوق إلى الغرفة.
جلس على الأريكة الموضوعة في وسط غرفة النوم وأسند ظهره. ثم بدأ يصب النبيذ في الكأس الفارغ.
“سمعت مؤخرًا أن النبلاء يثنون عليك كثيرًا. يقولون إنك أدركت كل شيء في سن مبكرة وتتصرف كالبالغين”
“هذا لطف كبير منهم”
بعد أن شهد خيانة إيزابيلا ، اختار كاليوس أن يلتزم الصمت ، فكان الناس يثنون عليه بلا توقف و يقولون انه طفل ناضج جدًا.
لكن كاليوس ، الذي كان يعرف جيدًا أن ذلك ناتج عن الصدمة النفسية ، قبض على قبضته بقوة.
“كاليوس ، هل تعرف الحقيقة عن ذلك اليوم أيضًا؟”
“عذرًا؟ أي يوم تقصد؟”
“أقصد اليوم الذي تناولت فيه والدتك السم و سقطت”
عند كلام الدوق ، فتح كاليوس عينيه على وسعهما.
فجأة يأتي و يقول له إن كان يعرف الحقيقة عن ذلك اليوم … ما الذي يعنيه بهذا؟
حين أبدى كاليوس تعبيرًا مستغربًا، أنزل الدوق الكأس من يده وتنهد.
“أنتَ مخطئ في شيء ما”
“…عذرًا؟ تقصد أن …”
“من حاول تسميم إيزابيلا لم يكن الماركيز و زوجته”
فقد كاليوس كلماته في النهاية.
إذًا … ما الذي كان يفعله طوال هذا الوقت؟ لماذا كره الماركيز و الماركيزة الأبرياء؟
و ماذا عن تلك الطفلة أيضًا …
بينما تجمد كاليوس مثل قطعة جليد ، نصحه الدوق بألا يثق في إيزابيلا.
نظر كاليوس إلى الدوق الذي بدا أصغر من المعتاد ولم ينبس ببنت شفة.
*****
مر الزمن ، و عندما بدأت الأشياء بالتغير ، وصلت أخبار عن وفاة الماركيز و زوجته.
بغض النظر عن كونه من حزب النبلاء أو حزب الإمبراطور ، بدا الجميع مندهشين للغاية.
فكيف لزوجين كانا دائمًا في وئام أن يموتا فجأة؟
و فوق ذلك ، كانت ابنتهما التي كانت في العربة معهما، أي ديليا، هي الوحيدة التي نجت، فزاد ضجيج الناس.
قرر كاليوس ، ليتحقق من ملابسات الحادث بدقة ، أن يحضر مراسم الجنازة نيابةً عن عائلة هيلدبرانت.
و كأن السماء أيضًا تعرف بوفاتهما ، فقد بدأت تمطر بغزارة بعد أن كانت ملبدة طوال اليوم.
أوقف كاليوس السائق الذي أراد أن يضع له مظلة، ونزل من العربة بسرعة.
كييييك-
عندما فُتح باب الكنيسة المغلق ، بدا الناس الذين يرتدون ملابس سوداء و هم مغمضو الأعين يرفعون الصلوات.
بمجرد دخول كاليوس ، أصبح المكان الصامت صاخبًا فجأة.
“يا إلهي ، إنه الدوق الشاب!”
“لقد أتيت نيابة عن الدوق!”
“…نعم ، هذا صحيح. يبدو أن مراسم الجنازة لا تزال مستمرة”
نظر كاليوس إلى القس الذي كان يتلو الصلاة ، و جلس على مقعد فارغ لا يجلس عليه أحد.
تلفت حوله كما لو كان يبحث عن شخص ما ، لكنه لم يجد من يبحث عنه.
وبينما كان يعبس من ذلك ، سمع صوتًا مثيرًا للسخرية من حوله.
“على ما يبدو ، وقع حادث انقلاب للعربة ، لكن الابنة وحدها نجت، أليس كذلك؟”
“أن تعيش بعد أن تدير ظهرها لوالديها …”
“تسك تسك ، ما هذا الزمن”
كان يجب أن يكون هناك أحد ليوقفهم ، لكن الناس لم يعارضوا بل وافقوا كما لو أن ما قيل صحيح.
عندما رأى الناس يلومون شخصًا نجا بالكاد من حادث انقلاب العربة ، شعر كاليوس بالاشمئزاز.
بعد انتهاء مراسم الجنازة ، بدأ الناس يخرجون واحدًا تلو الآخر من الكنيسة.
رفع كاليوس ، الذي كان جالسًا بصمت ، رأسه عند سماعه لصوت بكاء خافت.
فرأى من بعيد ديليا ، و هي تجلس وحدها في زاوية الكنيسة تبكي و الدموع تسيل من عينيها.
بدت مظلومة جدًا و حزينة.
فهي تعاني أصلًا من فقدان والديها ، و الآن تُلام وتُتهم بأنها ابنة عاقة لأنها نجت وحدها ، فلا عجب أن تبكي.
و بينما كان كاليوس يراقبها تبكي في الكنيسة التي خلت من الناس ، نهض من مقعده.
خلع معطفه الذي كان يرتديه و وضعه على جسد ديليا.
“كنت أراقبكِ منذ قليل. لم تفعلي شيئًا خاطئًا”
رفعت ديليا رأسها نحو الصوت.
وعندما رأت كاليوس يحدق بها، فُتحت عيناها على اتساعهما من الصدمة.
ربت كاليوس على ذراع ديليا بلطف ، ثم تحدث بلباقة على غير عادته.
“فلتبكي براحة إذًا. كي يتمكن والداكِ من إغلاق أعينهما بسلام”
“آه …”
مع تلك الكلمات ، سالت دموع شفافة من عيني ديليا.
ثم بدأت تبكي بصوت عالٍ، ونسيت حتى أن تمسح دموعها.
فاحتضنها كاليوس و بدأ يربت على ظهرها ببطء.
****
بعد ما حدث في الجنازة ، تطورت العلاقة بين الاثنين بعد أن بدأ كل منهما يرى الآخر بعين مختلفة.
ذهبا معًا لرؤية الزهور ، لرؤية البحر ، و ركبا القوارب مرارًا ، و تكررت مواعيدهما حتى أصبحا زوجين لا يمكن فصلهما بعد اعتراف كاليوس.
و على عكس الأزواج الآخرين ، لم يتشاجرا يومًا ، بل عاشا حياة زوجية مليئة بالمودة.
لكن من وضعت شرخًا في العلاقة بين الاثنين كانت الحماة ، إيزابيلا.
في أحد الأيام ، دعت إيزابيلا كاليوس وحده إلى قصرها ، و ليس ديليا.
في البداية استغرب كاليوس ، لكنه وافق بعد أن طلبت منه ديليا أن يذهب لرؤية والدته بعد غياب طويل.
و لكن عندما نزل من العربة و دخل الغرفة ، رأى منظرًا بائسًا لأمه التي كانت ثملة وغير قادرة على الوقوف.
“… هل دعوتِني لتُريني هذا المشهد؟”
“هم؟ لا، لكنني شعرت أنه يجب أن أشرب قبل أن أتحدث عن هذا الأمر”
لم يعرف كاليوس ما الذي تنوي قوله ، و ظلت إيزابيلا تشرب بصمت، ثم تحدثت بعد مرور بعض الوقت.
“هل تتذكر أنني في الماضي كدت أموت بسبب السم؟”
“نعم ، بالطبع أتذكر”
“في الحقيقة ، من حاول إيذائي … لم يكن الماركيز و زوجته”
وكانت تلك معلومة قد علم بها كاليوس بالفعل من والده.
لكنه استدار ليغادر، غير مصدق أنها دعته فقط لتقول له هذا.
عندها أمسكت إيزابيلا يده فجأة وبدأت تكشف الحقيقة.
“في الواقع ، أنا من فعلت ذلك”
“ماذا؟ ما الذي تعنينه؟”
“الماركيز و زوجته لم يفعلا شيئًا. لقد استخدمتهما فقط ككبش فداء لكبح نفوذ النبلاء”
تجمد كاليوس في مكانه ، عاجزًا عن الكلام.
ديليا كانت تظن طوال الوقت أن والديها هما السبب في معاناة إيزابيلا بعد تناولها للسم ، لكن اتضح أن كل ذلك كان مسرحية من تدبير إيزابيلا.
اجتاحه شعور بالذنب، ولم يعرف كيف سيواجه ديليا أو كيف يخبرها بالحقيقة. لم يستطع حتى فتح فمه بسهولة.
نهض كاليوس من مكانه تاركًا خلفه إيزابيلا المخمورة ، وخرج من القصر عازمًا على كشف الحقيقة لديليا.
****
“آه ، آه آه …”
تذكّر كاليوس و هو يرى ديليا تسقط من فوق الجرف.
تذكر ديليا التي تعرضت للانتقاد و وصفت بالعاقّة منذ زمن بعيد. و تذكر لحظة وضع خاتم الزواج في إصبعها واعدًا إياها بالسعادة الأبدية. و تذكر أيضًا الحادثة التي سقط فيها من الشرفة أثناء محاولته حمايتها من المهاجمين.
ثم تذكر كيف أنه ، بعد أن فقد ذاكرته ، كان على وشك إدخال امرأة جديدة إلى حياته ، و أنه جعل ديليا حاملًا ، فأسودّت الدنيا أمام عينيه.
“ما الذي فعلته بحق السماء؟”
لم يصدق أن ديليا ، التي أرادت دائمًا البقاء بجانبه ، اختارت الهرب منه و الموت. تمايل كاليوس من شدة الصداع الذي اجتاح رأسه ، ثم عضّ شفتيه و جثا على ركبته.
مدّ يده نحو المكان الذي اختفت فيه ديليا. ثم حاول أن يرمي بنفسه من فوق الجرف حيث اختفت.
لكن من منعه من ذلك كان مساعده ، جيفري ، الذي أمسكه بسرعة و أطلق صرخة لأول مرة.
“يا صاحب السمو، استعِد وعيك! هل تنوي أن تموت معها؟!”
“أموت؟ تقول إنني سأموت؟”
ظل كاليوس يردد كلمات جيفري في ذهنه ، ثم انفجر ضاحكًا بصوت عالٍ. و بعدها سرعان ما انهمرت دموعه الساخنة و أخذ يخدش قلبه بجنون.
“ديليا ، لقد ارتكبتُ ذنبًا لا يُغتفر. لذا أرجوكِ ، أرجوكِ عودي إليّ حيّة”
قبض كاليوس يده و ضرب الشجرة المجاورة بقوة. سال الدم القرمزي من يده ، لكنه لم يهتم لذلك. عندما شعر برائحة الليلك الخافتة في الهواء ، صرخ صرخة مؤلمة.
أن يدفع المرأة التي أحبّها إلى الهاوية في لحظة واحدة … كم كان يحتقر نفسه على تجاهله لديليا حتى النهاية.
راح يضرب رأسه مرارًا بجذع الشجرة الخشنة ، مما أدى إلى انتشار رائحة الدم مرة أخرى. و عندما تذكّر صوت ديليا الناعم و هي تناديه ، انهارت قواه العقلية بالكامل.
“سأجدكِ ، سأجدكِ بالتأكيد …”
إذا كنتِ على قيد الحياة ، فلا تضيّعي حياتكِ مرة أخرى.
ظل كاليوس يكرر كلماتٍ لن تصل أبدًا إلى ديليا، بينما انهمرت دموعه الساخنة بغزارة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "77"