كأن نصلًا باردًا اخترق قلبها. كان من الجنون مدى كرهها لكاليوس و هو يشبّه هروبها الذي كاد يودي بحياتها بلعبة غميضة.
“هل تدركين كم كان تصرفكِ مزعجًا؟ لماذا تستمرين في تجاهل أوامري؟”
كانت نظرة كاليوس أكثر برودة من أي وقت مضى.
في سلوكه الذي خلا من أي حب و لم يكن فيه سوى رغبة في امتلاكها ، شدّت ديليا قبضتها.
“يبدو أنّكَ لم تكن قلقًا عليّ أبدًا”
بدت ديليا في ضوء المشاعل بحالة يرثى لها لا تليق بسيدة دوقة.
كان شعرها الفضي الساحر مقصوصًا إلى النصف ، و ثوبها ممزقًا من عدة أماكن. و قدماها الحافيتان الجريحتان تظهر عليهما آثار الجراح الحمراء.
و حين لاحظ كاليوس شكلها أخيرًا ، ارتعشت عيناه الزرقاوان في اضطراب.
“ما هذا المظهر …؟”
البقاء كزوجة لكاليوس لن يجلب لها سوى الهلاك. لم تعد تملك أي رغبة في العيش مع رجل يتجاهلها و يتجاهل طفلهما الذي تحمله في أحشائها.
“و ما الذي ستفعلينه بعد الهرب مني؟ ألستِ وحيدة لا مكان تذهبين إليه إن تركتني؟”
“لا. لا زال لدي مكان أذهب إليه”
تجاهلت ديليا يد كاليوس و تراجعت خطوات إلى الوراء.
و بينما كان كاليوس يراقب تصرفها بتعجب ، اتسعت عيناه فجأة.
“ما الذي تخططين له الآن؟”
“كنت غبية لأني أحببتك. لو كنت أعلم أن النهاية ستكون هكذا، لفضلت ألا ألتقي بكَ من الأساس”
“لا تتحركي خطوة واحدة من مكانك. سآتي إليكِ فورًا!”
رغم أنه كان قد انتقدها قبل قليل ، إلا أن صوت كاليوس خرج متهدجًا و مكسورًا. و بينما مد يده على عجل نحوها ، أغمضت ديليا عينيها البنفسجيتين برقة.
“لا ، ديليا!”
أنا آسفة ، صغيري. و لكن ، إن كان عليّ أن أقع في يد كاليوس ، فالأفضل أن …
احتضنت ديليا بطنها الذي يحمل طفلها ، ثم أرخَت جسدها ببطء. و مع تطاير خصلات شعرها في الهواء ، تعالت صرخة كاليوس المليئة باليأس.
أن يُظهر كاليوس ، الذي طالما أهانها ، تعبيرًا كهذا من الذهول! حتى و هي تواجه الموت ، لم تستطع منع الابتسامة من الظهور.
و بينما كانت تنظر إلى الرجل الذي أحبته بصدق ذات يوم ، سقطت ديليا من فوق الجرف.
****
“يا بني ، لا تخرج من الغرفة أبدًا”
هذا ما قالته إيزابيلا في اليوم الذي أدخلت فيه رجلًا إلى القصر لأول مرة.
كانت إيزابيلا تُدخل رجالًا جددًا إلى المنزل كلما غاب زوجها.
و في كل مرة كانت تقول لابنها الصغير كاليوس أن يبقى هادئًا و ينتظر بصمت ، فينكمش الطفل في ركنه.
و لكن ذات يوم ، لم يستطع كاليوس ، الذي كان دائمًا مطيعًا ، أن يقاوم فضوله ، فخرج من الغرفة خلسة.
ثم اقترب بحذر من الباب الذي اعتادت إيزابيلا استقبال الرجال فيه ، و وضع عينه على ثقب الباب.
لم يستطع التفوه بكلمة مما رأى.
“هاه ، وجهكَ جميل حقًا”
“إنكِ تبالغين. أنتِ غاية في الجمال ، سيدتي”
كانا يفتحان أزرار ثيابهما واحدًا تلو الآخر و يستقران على السرير.
ثم بدآ بتبادل القبل ، و ارتفعت الأصوات المثيرة بينهما.
حينها ، فرّ كاليوس مرعوبًا من الممر ، بعد أن شحب وجهه تمامًا.
أين ذهب ذاك الوجه الراقي الذي اعتاد رؤيته؟ لم يبق سوى مظهر ماكر يشبه الثعلب ، فأخذ جسده يرتجف و هو يختبئ تحت السرير لعدة أيام.
و في أحد الأيام ، رأى عربة هيلدبرانت من نافذته ، فهبّ واقفًا بسرعة.
أخيرًا ، أخيرًا ، لقد عاد أبي!
و في هذا الوضع المريب الذي خلقته إيزابيلا ، لم يكن له سوى والده ليعتمد عليه ، ففتح كاليوس الباب وقلبه يخفق.
وما رآه كان إيزابيلا تقف مكتوفة الذراعين.
“إلى أين تظن نفسكَ ذاهبًا ، يا ولد؟”
“أ … أنا …”
“لماذا؟ هل تنوي إخبار والدكَ بما رأيت؟”
… إذن ، ما رآه كان خيانة؟ و بينما وقف كاليوس مدهوشًا ، اقتربت إيزابيلا و همست في أذنه.
“لو أخبرتَ الدوق بذلك ، فسوف يَطردني من القصر”
“…”
“لكن فكّر جيدًا. هل تريد أن تُعرف أم الطفل الذي سيرث أسرة هيلدبرانت بأنها خانت زوجها و طُردت من القصر؟”
مرّرت إيزابيلا يدها برقة على وجه كاليوس المستدير.
ثم قرصت خده بقوة ، محذرةً إياه.
“فكر جيدًا قبل أن تتصرف ، يا بني الذكي”
و بعد أن أنهت كلامها ، استدارت دون تردد. و انهار كاليوس جالسًا على الأرض. عندها فقط أدرك الحقيقة.
إيزابيلا لم تكن تعتبره ابنًا ، بل كانت تراه مجرد أداة تبقيها داخل هذه العائلة.
و منذ ذلك اليوم ، فقد كاليوس ابتسامته تمامًا.
و حتى حين سأله الدوق عن السبب ، كان يهرب مدعيًا أن لا شيء. و كانت إيزابيلا تبتسم برضًا و هي تراقب حاله.
****
بعد تهديد إيزابيلا ، ساد الصمت كاليوس بالكامل. و عندما شاع خبر سقوط إيزابيلا بسبب تناولها السم ، انقلب بيت هيلدبرانت رأسًا على عقب.
بينما كان كاليوس يجلس بجانب والدته فاقدة الوعي ، توافد عدد كبير من النبلاء لزيارتها.
لكن رغم نضجه المبكر ، كان لا يزال طفلًا ، و مع مرور الوقت ، بدا عليه الإرهاق. و كان آخر من وصل بشكل مفاجئ هما ماركيز و ماركيزة بليك.
كانا زعيمَي فصيل النبلاء ، أي خصوم والده ، لذا لم يكن يتوقع زيارتهما مطلقًا. حاول كاليوس تحيتهم ، لكنه لم يتحمل التوتر ، فنهض وغادر الغرفة.
لكن عند إغلاق باب الغرفة ، سمع فجأة حديث المركيزين.
“عزيزي ، هل تعتقد أن الأمر سيكون على ما يرام؟”
“نعم ، لا داعي لأن نشعر بالذنب. لقد قمنا فقط بما كان يجب علينا فعله”
… ما كان يجب عليهم فعله؟ لا يعقل أن الماركيز و زوجته قد …؟
بينما كان كاليوس يحدق بشرود في مقبض الباب ، ترنح أخيرًا في مكانه.
أمسك رأسه الذي بدأ يدور بسرعة ، و استدار على عجل.
كانت إيزابيلا دائمًا أمًا لا تشبه الأمهات، ولكن هذا لا يعني أنه تمنى موتها.
راود كاليوس شعور بالاشمئزاز من الماركيز و زوجته اللذين استخدما السم و جاؤوا بأنفسهم لمتابعة النتيجة.
وبينما كان كاليوس يركض عبر الردهة الواسعة، اصطدم بجسده مع شخص ما قادم من الأمام، وسقط مباشرة على الأرض.
بينما كان يمسك جسده المتألم ، سمع من الجهة المقابلة صوتًا صغيرًا يقول “آه…” برقة.
وعندما رفع رأسه بسرعة من شدة المفاجأة، رأى فتاة صغيرة بشعر مضفور على الجانبين و قد سقطت أيضًا على الأرض.
“أ-أنتِ …؟”
“آآآآآه …”
و قبل أن يتمكن كاليوس من قول شيء ، اغرورقت عينا الفتاة بالدموع ثم بدأت بالبكاء بصوت عالٍ.
أن تبكي في ردهة يمر بها الجميع؟ لم يعرف ماذا يفعل ، فأخذ يخطو بقلق في مكانه ، ثم فجأة فتح عينيه على اتساعهما. فتش في جيبه و أخرج شيئًا دائريًا وناوله للطفلة.
“ما هذا …؟”
“لا تقولي أنكِ لم تتذوقي الحلوى من قبل؟”
“حلوى …؟”
قام كاليوس بنزع الغلاف عن الحلوى و ناولها لها. حدقت الطفلة بالحلوى في يدها ، ففتح كاليوس فمه قائلاً “آه”.
عندها فتحت الطفلة فمها الصغير أيضًا ، استغل كاليوس الفرصة و وضع الحلوى داخل فمها.
بدت الطفلة مندهشة و بدأت تمضغ الحلوى دون وعي ، ثم اتسعت عيناها و تورد خديها.
“لذيذة! هل الحلوى دائمًا بهذا الطعم الرائع؟”
رغم أن هناك الكثير من الأشياء اللذيذة في العالم ، كانت الطفلة تبدو كأنها تذوقت أفخر أنواع الطعام لمجرد تذوقها الحلوى ، مما جعلها تبدو لطيفة في نظر كاليوس.
فمسح بلطف شعرها الفضي الناعم.
“كليها بهدوء ، لدي المزيد من الحلوى”
“واو ، حقًا؟”
حمل كاليوس الطفلة على ظهره و سار بها عبر الردهة.
و أثناء سيره ، نظر إلى الطفلة التي كانت تبتسم بسعادة بسبب طعم الحلوى و سألها بدهشة ،
“لماذا أنتِ هنا وحدكِ؟ أين ذهب والداكِ؟”
“قالوا إن والديّ ذهبا لزيارة شخص مريض ، أممم …”
ارتعاش –
عند كلمات الطفلة ، توقف كاليوس فجأة عن المشي.
… لا يعقل ، هل هذه الطفلة هي ابنة الماركيز و الماركيزة بليك؟
الطفلة التي لم تكن تعرف شيئًا عن هذا الوضع كانت لا تزال تمص الحلوى في فمها بينما كانت تعانق عنق كاليوس.
“أخي؟ أنا سعيدة جدًا لأنني التقيت بك”
“…”
“بصراحة ، كنت خائفة قليلًا في الطريق إلى هنا ، لكن بما أنني حصلت على حلوى من أخ رائع، فأنا محظوظة جدًا!”
كانت ديليا التي قالت ذلك مشرقة للغاية ، لدرجة أن كاليوس لم يستطع أن ينبس ببنت شفة. شعر بالحيرة بينما الطفلة التي كان من المفترض أن يكرهها تستمر في التقرّب منه.
و في تلك اللحظة ، سُمعت صرخة مستعجلة من بعيد تنادي “ديليا!”
كان ذلك صوت الماركيز بليك و زوجته ، اللذين شاهدهما في الغرفة قبل قليل.
“يا إلهي ، ديليا! ماذا كنتِ تفعلين هنا؟”
“أمم، هذا الأخ أعطاني حلوى لذيذة فكنت آكلها”
“ماذا؟ … الـ .. السيد الشاب”
لم يرد كاليوس على كلمات الزوجين.
كان يحدق بهدوء في الطفلة التي كانت تمص الحلوى بعينين براقتين ، ثم استدار ببطء.
لسبب ما، بدا أن ظهر كاليوس وهو يبتعد عن الطفلة مليء بالحسرة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "76"