أنهت ديليا حديثها مع كبير الخدم و ركبت عربة لا تحمل شعار العائلة.
و بعد وصيته لها بأن تعتني بنفسها ، انطلقت العربة بسرعة نحو الاتجاه المعاكس.
كان إقليم إيفغينيا ملاصقًا لإقليم هيلدبرانت ، و بما أن العلاقة بينهما ودية ، لم تكن هناك صعوبة في التنقل بينهما.
لذلك ، توجهت ديليا إلى نقطة التفتيش ، و هي آخر عقبة في طريقها إلى الإقليم المجاور.
عادةً ما كان الحراس في نقطة التفتيش يكتفون بالتأكد من خلو العربة من الحمولة المشبوهة ثم يسمحون لها بالمرور ، لذا لم تتوقع ديليا أن تواجه أي مشاكل.
لكنها أغفلت أمرًا مهمًا: أن كاليوس كان أكثر إصرارًا مما ظنت.
كان الحراس يحملون أوراقًا ، اتضح لاحقًا أنها لوحات رسم لوجهها ، كانت قد التُقطت قبل فترة وجيزة.
ظهرت الدهشة على وجه ديليا ، فلم تتوقع أبدًا أن توزع صورتها بهذا الشكل في كل مكان.
و كلما اقترب دورها في التفتيش ، ازداد قلقها و تملّكها الاضطراب ، و لم تعرف ما الذي يجب أن تفعله.
في تلك اللحظة ، و بينما كان أحد الحراس يستعد لتفتيش عربتها ، ساد الهرج و المرج في المكان ، و سمعت صوتًا يصرخ: “لقد وجدناها!” ، و بدأ الحراس بملاحقة عربة أخرى.
طرقت ديليا جدار العربة الرقيق و سألت ،
“عذرًا ، ما الذي يحدث في الخارج؟”
“عربة عائلة بليك مرّت قرب نقطة التفتيش. و يبدو أن الحراس ظنوا أن السيدة بداخلها”
فقدت ديليا القدرة على الكلام.
عربة عائلة بليك؟ و في هذا التوقيت بالذات ، حين جاء دورها للتفتيش؟
حينها فقط أدركت أن كبير الخدم ، بل وحتى جيريمي ، قد ساعدوها في الهرب.
لطالما اعتقدت أنه يكرهها ، لكنه في النهاية وقف إلى جانبها ، ما جعل دموعها تنهمر.
قبضت ديليا على يدها المرتجفة وانحنت برأسها ، متظاهرة بالتماسك.
****
بينما كانت ديليا تهرع إلى إقليم إيفغينيا ، شعرت بإهتزازات في الأرض حولها، في مكان لم يكن فيه سوى الجبال و الأنهار.
ظنت في البداية أنه زلزال ، لكنها سرعان ما أدركت أنه صوت عشرات الخيول المدربة جيدًا تعدو بسرعة.
و بدون تردد ، قفزت ديليا من العربة المسرعة ، و تدحرجت على الأرض عدة مرات ، لتنهض بعدها و جروح متفرقة تغطي جسدها.
*«انتم مستوعبين انها تسممت و غرقت و انضربت و انطرحت ووقعت مليون مرة ، و جاها ضغط نفسي اكثر من طنجرة الضغط و للحين الطفل الي ببطنها صامد ثابت مكانه؟ 😂😂😂 خلنا نكمل المهزلة ذي»*
نظرت من حولها ، ثم ركضت بسرعة نحو أقرب جبل.
“هاه …”
رغم أن الصباح كان مشرقًا قبل بضع ساعات ، فقد غطى الظلام السماء فجأة ، ما دفع ديليا لعضّ شفتيها.
كانت تفكر فقط في الهرب ، دون أن تفكر بما سيحدث بعد الهرب.
نظرت إلى فستانها و حذائها المزعجين و تنهدت.
“يبدو أنني سأضطر للنوم في العراء”
حين كانت أصغر سنًا، كانت تعيش في مستودع تملؤه الفئران، لكنها لم تنم في العراء من قبل، لذا شعرت برعب شديد.
ندمت لأنها لم تحضر مصباحًا مع الحلي التي أخذتها معها.
و بينما كانت تتسلق الجبل ، تعلقت خصلات شعرها بأحد الأغصان.
لو كان النهار مشمسًا ، لكانت قد فكّت شعرها بسهولة ، لكن في ظل ضوء القمر فقط ، كان من الصعب فكّه.
و بعد معاناة طويلة مع الغصن ، فتّشت ديليا حقيبتها ، و أخرجت خنجرها من غمده و بدأت في محاولة قطع الغصن.
لكن الغصن كان مرتفعًا ، فلم تصل إليه يدها ، فبدت على وجهها ملامح اليأس.
…في النهاية ، لا يوجد خيار آخر.
ترددت للحظة ، ثم رفعت الخنجر عاليًا نحو السماء ، و قطعت خصلة شعرها التي تعلقت بالغصن.
لم تكن تنظر في مرآة ، لذا كان من المؤكد أن قصّها غير منتظم.
تحسست شعرها المقطوع وتنهدت.
كاليوس، قبل أن يفقد ذاكرته، كان دائمًا يمدح جمال شعرها.
و الآن و قد أصبحت بمظهر بائس ، لم تتمالك نفسها من إطلاق ضحكة مريرة.
أعادت الخنجر إلى مكانه ، و واصلت تسلق الجبل على ضوء القمر.
مسحت جبينها المتعرق بطرف كمّها ، و لم تدرك أن حذاءها قد انزلق من قدمها بسبب الأرض الوعرة ، فواصلت السير حافية القدمين.
بعد أن كانت محبوسة في غرفتها لعدة أيام ، عادت الآن إلى العالم الخارجي ، فبدأت تتسلل إلى ذهنها أفكار كثيرة.
فكرت في كبير الخدم ، الذي لا بد أنه انكشف أمره لدى كاليوس أثناء مساعدته لها ، و في جيريمي الذي تظاهر أنها كانت داخل عربة عائلة بليك.
تذكرت سارا ، التي كانت دائمًا تعتني بها ، و باقي الخدم الذين كانوا لطفاء معها.
حين كانت محبوسة في المنزل ، كانت تظن أن الجميع مزعجون، لكن بعد غيابهم لبضع ساعات فقط، بدأت تشتاق إليهم، ما جعلها تسخر من نفسها.
نظرت ديليا إلى ركبتها التي سال منها الدم بعد تدحرجها من العربة، وعبست من الألم.
مزقت طرف فستانها و استخدمته لوقف النزيف.
ثم اتكأت على شجرة قريبة ، و أخذت نفسًا عميقًا ، وما لبثت أن أغمضت عينيها ببطء و غطت في النوم.
***
في صباح اليوم التالي ، استيقظت ديليا باكرًا ، و بدأت تبحث عن نهر أو جدول ماء.
ما إن عثرت على ماء ، حتى بدأت تشربه بنهم ، و شعرت أنه أنظف من ماء الإقليم.
لكن رغم ذلك ، أمسكت ببطنها الذي أصدر صوتًا من الجوع ، و تنهدت.
خرجت على عجل ، لذا لم تأخذ معها أي طعام ، ولم تجد ما يسدّ رمقها سوى الماء.
كانت تكرر اعتذارها للجنين في بطنها ، و هي تشرب الماء لتحاول إسكات الجوع.
مرّ الآن يومان وهي تائهة في الجبل ، و بدأت تشعر أن طاقتها تنفد تمامًا.
لو كانت تملك خبرة في الجبال ، لعرفت الأعشاب الصالحة للأكل من السامة ،
لكن ديليا لم تكن قد زارت الجبال من قبل ، لذا بدت كل الأعشاب لها وكأنها صالحة للأكل، ولم تستطع المخاطرة بتجربتها.
و الأمر نفسه ينطبق على الفطر ، لذا ، و بما أن مناعتها ضد السم ضعيفة ، كانت تكتفي بشرب الماء ، مرارًا و تكرارًا ، بنظرة مستسلمة.
كان في الجبل عدد أكبر من الحيوانات مما توقعت ، لذا كان عليها أن تكون شديدة الحذر.
لو كان كاليوس مكانها ، لكان أمسك نمرًا بيديه العاريتين ،
لكن ديليا ، التي لم تمسك سيفًا في حياتها ، كان عليها أن تكون أكثر حرصًا.
رغم أنها كانت تحمل خنجرًا ، إلا أنه بالكاد يصلح لقتل ثعبان عابر.
لذلك ، ما إن ترى أثرًا لحيوان ، كانت تغير اتجاهها فورًا ،
و بفضل ذلك ، استطاعت النجاة لثلاثة أيام.
… لكن يبدو أنها وصلت إلى حدها.
وضعت ديليا يدها على جبينها الذي بدأ يشعر بالحرارة منذ الأمس ، و أطلقت أنينًا متألمًا.
يبدو أن ذلك كان بسبب الإصابات المتناثرة في جسدها و عدم علاجها للجرح في الوقت المناسب ، فبدأت تشعر بأعراض تعب شديد.
كان جسدها ضعيفًا للغاية. نظرت ديليا إلى جسدها الصغير الخالي من العضلات ، و تنهدت بشدة.
“….يجب أن أنهض قريبًا…”
نظرًا إلى السماء المظلمة ، أدركت أن الليل سيحل قريبًا.
فالليل الذي يأتي مع الظلام هو وقت الحيوانات المفترسة ، و كان عليها أن تختبئ قدر الإمكان. تغلبت ديليا على ضعف بصرها و بدأت في تسلق الجبل بتمايل.
في تلك اللحظة ، شعرت ديليا بهزة غير عادية.
لم يكن من الصعب عليها أن تدرك أن الصوت لم يكن صوت حيوانات ، بل كان صوت أقدام بشرية. بدأ الصوت يقترب منها تدريجيًا ، فأطبقت شفتيها على بعضهما بشدة.
همست في نفسها عدًّا: واحد ، اثنان ، ثلاثة ، ثم انطلقت بكل قوتها إلى الأمام.
“سيدي ، هناك!”
“…!”
كان الصوت واضحًا ، و كان صوت جيفري ، مساعد كاليوس.
لم يكن من الممكن أن يأتي هنا في هذا الوقت ، فكرت ديليا و هي تسرع أكثر ، مظهرةً وجهها المليء بالقلق.
كان الحر شديدًا ، لكنها منذ أيام لم تأكل طعامًا حقيقيًا ، و عليه فقد شعرت بدوار شديد. و مع ذلك ، تمسكت بوعيها و صعدت الجبل بسرعة نحو قمته.
«ديليا ، أنا أحبك من أعماق قلبي»
«بسببكِ فقط يمكنني أن أكون»
«سأجعلكِ سعيدة طوال حياتكِ ، و لن تندمي على زواجكِ مني»
كانت أكاذيب. كلها أكاذيب.
لقد نسي كاليوس كل شيء و كان يكرهها. كان ينكر و يحتقر حقيقة أنه تزوج منها ، و هي النبيلة التي فقدت كل قيمتها.
قصير إن كان قصيرًا ، و طويل إن كان طويلًا ، الوقت الذي أصبح فجأة هباءً منثورًا جعل ديليا تشعر بمرارة شديدة تجاه كاليـوس.
لقد أحبته بصدق في وقت من الأوقات ، لكنها الآن لم يتبقَّ لها منه سوى الكراهية ، و بينما تسترجع صورة الرجل الذي لم يعد سوى رمز للغضب ، اندفعت ديليا مسرعة نحو الأمام.
لكن لم يمضِ وقت طويل حتى سُمِع صوت حوافر الخيل يتقارب ، تلاه صوت مناداة خافتة.
“ديليا هيلدبرانت”
صوت منخفض و بارد و كأنه قادم من داخل كهف.
و عندما أدارت رأسها بصعوبة كما لو كانت آلة ساعة مكسورة تصدر صوت صرير ، وقع بصرها على كاليـوس ، الذي كان يعتلي جوادًا حربيًا و عبوسه ظاهر على وجهه.
ترجّل من جواده و سلّمه إلى جيفري القريب ، ثم اقترب من ديليا. مظهره الأسود من رأسه حتى أخمص قدميه جعله يبدو و كأنه شيطان.
“لننهي لعبة الغميضة هنا”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "75"