أحيانًا كانت تنادي اسم كاليوس بشوق ، و أحيانًا كانت تلعنه و هي تنادي اسمه ، و في النهاية كانت تصرخ بألم ، ما جعل الخدم يعتقدون أن ديليا قد جُنّت.
و مع ذلك ، لم يتحرك كاليوس ولو قليلاً.
كان يبدو غاضبًا و مضطربًا بطريقة غريبة كلما سمِع صراخ ديليا ، لكنه لم يذهب إليها، وكان يرسل من يسأل عن حالها فقط عندما يخفت صوتها، وكأن وجودها في قصره هو كل ما يعنيه.
المستشار جيفري ، الذي كان يراقب كل شيء عن قرب ، تنهد وحده وسط الأجواء المشحونة كمن يسير على الجليد الرقيق. فحتى لو استعادت ذاكرة كاليوس لاحقًا ، من الواضح أنه لن يكون هناك مجال لإصلاح الأمور، لذلك لم ينبس جيفري بأي نصيحة.
لا أحد يعلم إن كان ذلك سينفع كاليوس أم يضره ، لكن هناك أمر واحد مؤكد.
أن كاليوس سيدمر نفسه لاحقًا كارهًا لها ، و لن يكون هناك من يستطيع منعه من ذلك ، لذا عضّ جيفري شفتيه بانزعاج شديد.
في صباح اليوم التالي ، و بينما كان كاليوس يراجع بعض الوثائق، عبس وجهه فجأة.
“لا أصدق. هل تقول إن مملكة جلاديوس ستعلن الحرب قريبًا؟”
“نعم ، سيدي. أعتقد أن اغتيال الوفد الذي زار القصر الإمبراطوري سابقًا قد أثار غضبهم”
“… إذن علينا أن نبدأ في ترتيب الجيش قريبًا”
أظهر جيفري وجهًا مصدومًا.
التحضير للجيش كان يعني الصعود إلى القصر الإمبراطوري ، و بالتالي ترك المنزل لفترة.
كان على وشك الاعتراض ، متسائلًا كيف يمكنه مغادرة القصر بعد أن حبس ديليا ، لكنه في النهاية هز رأسه.
طالما أن كاليوس قد أمر بذلك ، لم يكن هناك طريقة لرفضه.
***
بعد حوالي أسبوع من التحضيرات ، قال كاليوس إنه سيصعد إلى الطابق الثاني للحظات.
لم يكن هناك أحد لا يعرف من يوجد هناك ، لذا بدأ الخدم في الصلاة بقلوبهم ألا يُسفك دم أحد.
كييييك …
فُتح الباب المغلق ، و ما ظهر بين الفتحة كان ديليا جالسة عند النافذة تنظر إلى الحديقة.
على عكس بداية حبسها ، أصبحت معظم أوقاتها تقضيها بصمت تنظر إلى الخارج.
اقترب منها كاليوس ، و هي لا تنظر إليه، وقال بصوت بارد آمر
“سأتوجه للعاصمة لفترة ، فابقِ بهدوء في القصر ولا تقومي بأي حماقات”
“…”
لكن لم يأتِ أي رد.
بينما بدأ العرق يتصبب من جبين جيفري بسبب التوتر بينهما، تكلمت ديليا أخيرًا بهدوء وهي ما تزال تنظر للخارج
“و ماذا ستفعل لي إن انتظرتك؟”
“ماذا … سأفعل لكِ؟”
“نعم، يجب أن تكون هناك مكافأة مقابل تنفيذ الأوامر ، أليس كذلك؟”
نبرة ديليا الباردة كانت مختلفة كليًا عن السابق.
لاحظ كاليوس هذا التغير على الفور، فشدّ شفتيه بتوتر.
وبعد لحظة من التفكير، قال وهو يلمع بعينيه ،
“سأهديكِ جوهرة”
“لا، لا أريدها.”
لأن غرفة الملابس كانت مليئة بالكنوز و المجوهرات ، نظرت إليه ديليا كأنها تقول “أهذا كل ما لديك؟”.
وبعد تردد جديد بسبب صعوبتها، تكلم كاليوس مجددًا
“إذن سأزرع لكِ شجرة ليلك في منتصف الحديقة”
“…!”
هل كان ذلك غير متوقع تمامًا؟
رمشت ديليا بعينيها في ذهول ، و هي التي كانت قد دمّرت شجرة الليلك بيدها ذات مرة.
ولأن رد فعلها بدا إيجابيًا بوضوح ، ابتسم كاليوس بداخله وهو يطلب منها أن تنتظر حتى يعود.
أما جيفري بجانبه ، فقد تجمّد كأنه رأى شيئًا لا ينبغي له رؤيته.
خرج كاليوس من الغرفة بعدما أنهى كل أعماله ، و بينما كانت ديليا تتابع بصمت ظهره و هو يبتعد ، ارتسمت على وجهها تعابير غريبة.
****
هييييع–!
بأمر من كاليوس ، بدأ العديد من الجنود بمغادرة القصر واحدًا تلو الآخر.
كانت ديليا تراقبهم من النافذة ، و عندما اختفت جميع الأصوات، نهضت من مكانها.
أخرجت الحقيبة التي ألقتها سابقًا في زاوية المكتب و علّقتها بسرعة على جسدها ، ثم شدت بقوة الحبل المتدلّي من السقف.
“… لا، سيدتي!”
من ظهر أمامها لم تكن سارا ، بل الخادم العجوز.
لكن ديليا فكرت أن هذا أفضل ، فبدأت تقترب منه بحذر.
“ألم تقل لي سابقًا أنه إن احتجتُ لمساعدة لاحقًا ، ستقوم بتنفيذ طلب واحد لي مهما كان؟”
اتسعت عينا الخادم.
هل تعني تلك الحادثة القديمة حين اعتذر بدلًا عنها بعد أن هاجمها الأمير الثاني في حفلة القصر ، و وعدها بأن يحقق لها أمنية واحدة لاحقًا؟
“لا، سيدتي! أرجوكِ ، أي شيء إلا هذا …”
“أرجوك. إن بقيتُ هكذا ، سأموت أنا و الطفل الذي في بطني”
لم تكن تنوي تهديده ، لكنها شعرت أنه إن بقيت حبيسة الغرفة، قد تفقد عقلها و تؤذي الطفل في بطنها.
و كان لا بد أن تمنع ذلك ، لذا ركعت أمام الخادم و توسلت بصوت مرتجف: “آسفة لأني أحاول الخروج بالقوة. لكنني لا أستطيع العيش هكذا”
“سيدتي ، أرجوكِ انهضي …”
حتى وإن قيل إنها كانت في المخزن بسبب جيريمي ، فإن أصلها كنَبيلة نبيلة لم يتغير.
و رغم ذلك، فإن ركوعها أمامه و طلبها النجدة لم يبدُ مذلًّا على الإطلاق.
بل كانت أصدق من أي وقت مضى.
لقد أظهرت إرادة قوية في إنقاذ الطفل قبل أن تفقد عقلها تمامًا.
و كان الخادم يدرك ذلك جيدًا.
وبعد تفكير طويل ، أومأ أخيرًا برأسه.
“سيدتي، انهضي. ليس من الجيد لامرأة حامل أن تركع على الأرض”
“شكرًا لك …”
كادت دموعها تنهمر من الدفء الذي غمرها، حتى في النهاية كان يهتم بها.
نظرت ديليا إلى الخادم العجوز بصمت لفترة ، ثم نهضت مترنحة من مكانها.
ثم، ابتسمت له بهدوء.
***
في تلك الأثناء ، بينما كان كاليوس في طريقه إلى العاصمة بعد أن قطع وعدًا مع ديليا وغادر القصر، اقترب منه حصان يحمل راية عائلة هيلدبرانت من الخلف ولوّح له على عجل.
توقف كاليوس عن التقدم نحو العاصمة واقترب من التابع.
عندها، نزل الرجل عن حصانه و هو يتصبب عرقًا باردًا و قال كلمات صادمة ،
“يا صاحب السمو ، لقد اختفت السيدة!”
“… ماذا قلت؟”
فقد كاليوس النطق.
شعر أن قول إن ديليا اختفت لم يكن واقعيًا ، كأن الخبر كاذب.
هل هربت حقًا؟
وكأنها انتظرت فقط مغادرته القصر، ثم اختفت على الفور؟
في البداية، شعر بالغضب، لكنه توقف حتى عن التفكير في الأمر.
شعور غامض بالقلق تسلل إلى أطراف أصابعه وجعل حتى اللجام الذي كان يقبض عليه بقوة يبدو زلقًا.
أدار حصانه بسرعة وبدأ في العودة إلى قصر هيلدبرانت.
وما إن وصل إلى القصر حتى رأى غرفة فارغة تمامًا بلا أي دفء، وورقة من ديليا تقول فيها ألا يبحث عنها.
كاليوس ، الذي ظل يحدّق في الورقة التي بقيت عليها آثار يد ديليا، قال وهو يتوجه إلى الخادم العجوز
“ما الذي كنتَ تفعله بالضبط؟”
“في الحقيقة …”
“زوجتي غادرت المنزل ، و أنت ، الذي تدّعي أنكَ خادم ، ماذا كنت تفعل حينها؟!”
صرخ كاليوس بغضب ، فركع الخادم العجوز على الأرض و وضع جبهته على الأرض و هو يقول إنه لا وجه له.
و مع ذلك ، لم يتوقف غضب كاليوس ، بل صرخ بشتائم و هو يضرب مكتب ديليا بكل قوته.
انكسر المكتب إلى نصفين، وأصبح الجنود المحيطون به في لحظة شاحبي الوجوه.
وبينما كان كاليوس يلهث بأنفاس غاضبة، لمس خده.
ثم، حين رأى شيئًا شفافًا ينزل، اتسعت عيناه ،
“… ما هذا …؟”
ومنذ تلك اللحظة، لم تتوقف تلك القطرات الشفافة عن السقوط.
ولم يمضِ وقت طويل حتى أدرك أنها كانت دموعًا ، فأخذ كاليوس يعبر عن صدمته بتعبير غير مصدق.
“سيدي … أعتقد أنه يجب عليك أن تتطلع على هذا”
“ما هذا؟”
أخذ كاليوس الغرض الذي ناوله إياه المساعد دون أن يمسح الدموع التي انحدرت على خده.
“إنه يتعلق بالسيدة ، ما ذكرته عندما استيقظت للتو ، يا سيدي”
“وما الفائدة من كل هذا الآن؟”
“عليك أن تطلع عليه. إنها الورقة التي ظهرت … عندما سقطت السيدة في البحيرة”
نظر كاليوس إلى الورقة المجعدة التي كانت آثار الماء باقية عليها، ثم قبض عليها داخل يده.
“اذهبوا إلى العاصمة حالًا”
“هل تعتقد أن السيدة أيضًا ربما …”
“يجب أن أتأكد بعيني. كل شيء …”
صرخ كاليوس في الجنود طالبًا منهم تشديد التفتيش في الإقليم ، فاستجابوا قائلين حاضرًا ، و تفرق كل منهم إلى موقعه.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "74"