تجولت في المكان مرورًا بالحديقة حتى وصلت إلى البحيرة، ثم فجأة غمست يدها في الماء.
عند رؤيتها لهذا التصرف المفاجئ، عقدت ديليا حاجبيها، لكن إيفلين بدأت بالكلام بنبرة هادئة جدًا.
“في الحقيقة، جئت لأقدم اعتذاري رسميًا إلى سيدة الدوق”
“…تقصدين لي؟”
لم ترَ ديليا شخصًا يعتذر بهذا القدر من الغطرسة في حياتها.
كانت تنظر إلى المرأة التي تجلس على ركبتيها وتلعب بيديها، وهي تعض شفتيها.
“نعم، صاحب السمو أصرّ على أن أعتذر. لا أعرف التفاصيل، لكن يبدو أن رؤيتكِ وأنتِ تمسكين بطنك و تسقطين على الأرض يومها قد سببت له صدمة”
فقدت ديليا القدرة على الكلام.
لم تعرف من أين تبدأ بالرد أو كيف تجادلها.
وقفت إيفلين من مكانها واقتربت من ديليا ، ثم مدت يدها لها وعلى وجهها ملامح تدل على أنها فقدت شيئًا من كبريائها.
“لنعتبر الرهان الذي تحدثت عنه سابقًا كأنه لم يكن. سأدخل القصر قريبًا، ولا يمكننا أن نستمر في تجنب بعضنا إلى الأبد”
من الغريب كيف أنها هي من بدأت الرهان على كاليوس ، و الآن بعد أن تأكد دخولها كزوجة ثانية، غيرت أقوالها بكل بساطة.
لكن، يجب أن أنهي هذه المهزلة.
رغبت في الغضب من إيفلين التي دبرت كل هذا، لكنها كانت قد أعلنت الطلاق من كاليوس ، ولا يمكنها الاستمرار في المخاطرة بحياتها.
حتى وإن وُصفت بالجبن، لم يهمها. ما كان يهمها هو الطفل الذي في بطنها، لا كاليوس. لذا كان القرار سهلاً عليها.
اقتربت ديليا من إيفلين و أمسكت بحذر بيدها الممدودة.
وبينما كانت تحدق في عينيها الخضراوين، لاحظت انحراف شفتيها فجأة مع صوت خافت.
“أوه صحيح! سمعت مؤخرًا أن الأمير الثاني قد ارتكب جريمة وسيتم التحقيق معه في القصر. السيدة الكبرى كانت قاسية جدًا”
“ما علاقة السيدة الكبرى بهذا؟ ماذا تقصدين؟”
رأت ديليا ورقة مجعدة بين يديهما المتشابكتين.
حاولت فتحها لتقرأها، لكن إيفلين لم تترك يدها.
وبعد أن سحبت ديليا الورقة بالقوة وبدأت بقراءتها، تابعت إيفلين كلامها وهي تهز يدها برفق
“أوه، لم تكوني تعرفين؟ أليس غريبًا كيف بدأ النبلاء يموتون واحداً تلو الآخر، وكان الأمر يبدأ دائمًا من الدوقة؟”
“الآنسة سيلشستر!”
“السيدة الكبرى كانت تقول انها تكره زوجة ابنها لدرجة الموت! و تقول أيضًا إن والديكِ الراحلين لم يحاولا تسميمها أبدًا …”
في اللحظة التي انقطعت فيها كلماتها وكأنها كانت تقرأ أوامر سرية من الرسالة، كانت ديليا قد أمسكت بيد إيفلين بقوة وهي تقول ، “ذلك الحديث … أرجوكِ ، أخبريني بالتفصيل!”
“آه، كم هذا ممل.”
بدا واضحًا أن إيفلين لم تكن تنوي مشاركة التفاصيل منذ البداية.
بدلاً من ذلك، بدأت تتحدث وكأنها تؤدي مسرحية، ثم ألقت بنفسها في البحيرة. و بسبب أنها كانت تمسك بيد ديليا ، سقطت الأخيرة معها في المياه العميقة.
بدأت ديليا تتخبط بجسدها وسط المياه التي غمرتها بالكامل. لكنها لا تعرف السباحة ، و كانت البحيرة عميقة جدًا ، ما جعل وجهها يزداد شحوبًا بسرعة.
حاولت جاهدة أن تصل إلى الأرض، لكن بسبب عدم معرفتها بأساسيات السباحة، لم تتقدم للأمام إطلاقًا.
كانت ستغرق و تموت إن استمر الحال هكذا ، لذا بدأت تصرخ في الهواء و هي تبتلع ماء البحيرة.
“أنقذوني، أرجوكم أنقذوني!”
حتى في تلك اللحظات العصيبة ، كانت أفكارها مشوشة.
لم تستطع تصديق أي شيء.
“أرجوك … أنقذني …”
ما الخطأ الذي ارتكبته حتى تموت في اللحظة التي تكتشف فيها الحقيقة؟
هل لأنها أحبّت كاليوس؟ أم لأنها رفضت الطلاق في البداية؟
أم لأنها حاولت التغلب على إيفلين؟ أم لأنها حملت بطفل كاليوس؟ أم أن كل هذا كان فخًا معدًا مسبقًا لقتلها؟
مهما كان السبب ، لم يكن هناك ما يُفهم أمام الموت.
واصلت ديليا رفع يديها نحو السماء بينما جسدها يغوص أكثر فأكثر. و ظلت تكرر هذه الحركة ، متخيلة شخصًا ما، ترفع يدها وتسقط ، ثم ترفعها مرة أخرى.
وحين أوشكت على فقدان وعيها ، سُمعت خطوات متعجلة من بعيد، ثم ظهر رجل مألوف.
“…يا ، زوجي …”
كان ذلك زوجها ، كاليوس.
مدّت ديليا يدها إليه لا إراديًا ، ثم صرخت بأعلى صوتها ، طالبةً منه المساعدة لأنه يوجد طفل في بطنها.
توقف كاليوس لحظة ينظر إلى ديليا ، ثم خلع معطفه و قفز في البحيرة. لكنه سبح متجاوزًا زوجته ديليا ، وتوجه إلى إيفلين التي كانت بجوارها ، وسبح بها إلى الأمام.
في تلك اللحظة ، أدركت ديليا الحقيقة.
حتى لو تم تجاهلها ، فإن الطفل الذي في بطنها قد تم تجاهله أيضًا من قبل كاليوس.
بينما كانت ديليا مذهولة من ذلك ، قفز أحد فرسان الحراسة الذين دخلوا البحيرة ، و سبح بها نحو اليابسة.
لو تأخر لحظة فقط ، لكان الطفل في بطنها قد مات. لقد كان كاليوس يثير جنونها لأنه أنقذ إيفلين و تجاهلها هي.
جلست ديليا على الأرض وهي تسعل بشدة. كانت شفاهها قد تحولت إلى اللون الأزرق، وصرخت نحو كاليوس
“أنت أجبن رجل رأيته في حياتي!”
“سيدتي، أرجوكِ اهدئي!”
في اللحظة التي كانت فيها ديليا، وقد فقدت صوابها، على وشك الانقضاض على كاليوس، وقف الفارس الذي أنقذها بسرعة في وجهها ليمنعها.
لكن ديليا، من خلف جسد الفارس، صرخت بكل قوتها.
قالت إنها تندم على حبها السابق له ، و إنها لو استطاعت العودة بالزمن، لما كانت لتقابل شخصًا مثله أبدًا. و بينما كانت تقول هذا، سالت دموع رفيعة بلا توقف من عينيها.
كانت تريد أن تُري طفلها القادم كل ما هو جميل وسعيد ، لكنها شعرت و كأنها لا تُريه سوى البؤس منذ أن كان في رحمها، ولم تستطع كبح مشاعرها.
قبل أن تنهار تمامًا بسبب تدهور حالتها ، استجمعت ديليا آخر قوتها وتجاوزت الفارس متجهة نحو كاليوس.
دفعت إيفلين بعيدًا و أمسكت بياقة كاليوس. و في اللحظة التي همّت فيها بضرب وجهه بيدها اليمنى ، مرت في ذهنها صورة كالياس الذي منحها الشجاعة في الماضي عندما كانت وحيدة.
«ديليا ، أنتِ لم تعودي وحيدة»
«…….»
«أنا أحبكِ بصدق»
انهارت ديليا أخيرًا و سقطت على الأرض مترنحة.
ثم وضعت وجهها بين يديها و أطلقت صرخة ألم حادة.
***
بعد أن سقطت في مكيدة إيفلين و أدركت الحقيقة متأخرة، وقفت ديليا على الفور.
و استغلت غياب الجميع في الغرفة ، فأخرجت حقيبة جلدية من درج المكتب. ثم تحركت سرًا إلى غرفة الملابس ، و ملأت الحقيبة بأكبر عدد ممكن من المجوهرات.
وبينما كانت الحقيبة معلقة على كتفها، عبرت ديليا الممر ونزلت إلى الطابق الأول. وقبل أن تخرج من الباب، وقف الحراس أمامها معتذرين و منعوها من المرور.
صُدمت ديليا من الموقف ولم تستطع الكلام ، لكنها تقدمت مرة أخرى، ليقوم الجنود بدفعها مجددًا إلى الوراء.
أُغلِق الباب الذي كان مفتوحًا قليلاً على الفور ، و ظلّت ديليا تنظر إليه بدهشة و عينين فارغتين.
“منذ قليل و أنتِ تضيعين وقتك سدى”
“…؟”
عندما استدارت برأسها، رأت كاليوس واقفًا وعيناه عليها و ذراعاه متشابكتان.
رؤيته بهذا المظهر الملكي ، على عكس حالتها ، جعلها تضحك بسخرية لا إرادية.
تجاهلت ديليا كاليوس الذي كان يراقبها، واندفعت مرة أخرى نحو الباب. وواصلت الطرق عليه لعدة دقائق.
تقرحت أطراف أصابعها ونزفت ، لكنها لم تتوقف.
نظر كاليوس إليها وهي تتصرف بعنف ، وشعر بالضيق لرؤية شعرها الطويل وقد أصبح فوضويًا.
“لماذا لا تستسلمين فحسب؟”
نظرت إليه ديليا بعينين خاويتين ثم تراجعت للخلف.
بعد ذلك فتحت النافذة وحاولت القفز منها.
“ديليا!”
صرخ كاليوس بفزع ، و لف ذراعيه حول خصرها ممسكًا بها.
لكن ديليا بدأت بالصراخ بجنون و هي تتخبط محاولة الإفلات.
“اتركني! أنا لست امرأة تبيع جسدها!”
في اللحظة التي خفّت فيها قبضة كاليوس قليلاً من شدة المفاجأة، انفلَتت ديليا من بين ذراعيه وبدأت تتقيأ جافة وهي تزحف بيأس نحو حافة النافذة.
“سيدتي! لا يجوز لكِ فعل هذا! عليكِ التفكير في الطفل!”
“أرجوك ، دعني أرحل”
“سيدتي، أرجوكِ …!”
استمرّت حركتها حتى جاء الخادم العجوز مسرعًا ليمنعها.
أما كاليوس، فاكتفى بالنظر إليها بعينين يملؤهما التعقيد.
“سيدي! السيدة…!”
“استدعِ الخدم وأمرهم بإغلاق النافذة”
“سيدي!”
انهارت ديليا باكية على أرض الغرفة، لكن كاليوس لم يلتفت إليها.
وبطبيعة الحال، لم يكن هناك أي مجال لخروج ديليا من الباب.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "73"