ديليا لم تكن تستخدم السم ، بل كانت بالكاد تلمس فنجان الشاي بسبب غثيان الحمل. لكن من كان ليتوقع أن إيفلين، التي أخذت فنجانها، ستتقيأ دمًا و تسقط أرضًا!
وقفت ديليا من مقعدها بتعبير ينم عن الظلم ، و أوضحت للجميع أنها لم تستخدم السم، وأن ما حدث هو مجرد افتراء.
وبينما كانت مرتبكة لا تعرف ما تفعل، تحدثت آنسة كانت تراقب الموقف.
“إذن، فلنتحقق مما إذا كان الشاي مسمومًا”
اقتربت الآنسة من الخادمة التي كانت لا تعرف ما تفعل ، و همست لها بشيء، فأومأت الخادمة برأسها وأخرجت ملعقة فضية من الصينية.
وضعت الخادمة الملعقة الفضية بعناية في شاي إيفلين و شايها الخاص. لم يحدث شيء في شاي إيفلين، بينما تحولت الملعقة التي وُضعت في الشاي الذي كانت ديليا على وشك شربه إلى اللون الأسود على الفور.
وبينما بدأ الناس يطلقون آهات الدهشة من الموقف غير المتوقع، نظرت ديليا إلى الشاي المتحول إلى السواد وتحدثت بحزم
“أنا دائمًا أضيف السكر إلى شاي الزهور عندما أشربه. لكن الملعقة الفضية التي لم تتغير حينها ، أصبحت الآن سوداء فجأة، و هذا مريب للغاية”
أن تتحول الملعقة الفضية لاحقًا بعدما كانت سليمة في البداية … هذا دليل واضح على أنه تم استبدال الملعقة أثناء الحدث.
“لقد وصلت للتو، ولم أشارك في إعداد الشاي. فكيف لي أن أستبدل الملعقة بواحدة مماثلة لتلك الموجودة في القصر؟ ناهيك عن أن الشاي الذي كانت الآنسة سيلشستر على وشك شربه كان في الأصل لي”
بكلمات ديليا ، بدا الارتباك واضحًا على وجوه النبلاء الذين كانوا يحدقون بها بغضب قبل قليل. و كانت أول من تكلمت منهم هي نفس الآنسة التي اقترحت فحص الشاي.
“…صحيح، لماذا قد تقوم دوقة بمثل هذا الفعل؟”
وبهذه الكلمات، بدأ النبلاء يستعيدون رشدهم تدريجيًا.
ثم بدأوا يتساءلون إن لم تكن الخادمة هي المسؤولة الحقيقية عن كل ما حدث، وليس الدوقة.
الخادمة، التي كانت تراقب الموقف من الجانب، فوجئت وبدأت تهز رأسها بشدة.
“لا، لا! أنا لست الفاعلة!”
“إذن أريِنا الدليل. الدوقة قد شرحت بنفسها موقفها”
“ذ… ذلك…”
لم تستطع خادمة إيفلين قول شيء، واكتفت بتدوير عينيها بإرتباك. ولم يمض وقت طويل حتى بدأت تتصبب عرقًا باردًا ، ثم جلست على الأرض و ركعت.
“أ، أنا آسفة … لقد كنت أنفذ الأوامر فقط!”
“أوامر؟ من الذي أمرك؟”
عندما سألتها ديليا ، شحب وجه الخادمة على الفور ، وكأنها لا تستطيع أبدًا قول ذلك. و من تعبيرها ، أصبح من السهل تخمين الفاعل الحقيقي.
و بعد قليل ، وصل الحراس إلى مكان الحفل، وقيدوا يدي الخادمة واقتادوها مسرعين إلى القصر.
صرخت الخادمة بأنها بريئة ، وأن هناك من أمرها، لكن ديليا كانت تحدق بها بحدة.
ثم، اقترب النبلاء الذين كانوا قد شكوا بها قبل قليل، وبدأوا يعتذرون لها واحدًا تلو الآخر.
بصراحة، لو قالت إنها لم تغضب ، لكانت تكذب. لكن على الأقل، انكشاف براءتها هدّأ من شعورها بالظلم إلى حد ما.
… ومع ذلك ، بقي شيء يثقل على قلبها.
وهو أن إيفلين، التي تبادلت فنجانها بفنجان ديليا وتقيأت دمًا ، كانت تبدو وكأنها خططت لكل شيء.
بالنظر إلى مدى غيرتها المعتادة من ديليا ، فإن ما حدث كان بالتأكيد مؤامرة من صنعها.
عضّت ديليا شفتيها، واستعدت للتحرك نحو القصر حيث ذهبت إيفلين. لكن من وقف في طريقها لم يكن سوى كاليـوس.
“هذا يكفي لهذا اليوم”
“…عزيزي؟ ماذا قلت للتو؟”
لم تصدق أن كاليـوس يدافع عن إيفلين رغم أنها كادت تتعرض للتسمم. انهار استقرار ديليا النفسي بسرعة.
و مع توتر الأجواء ، بدأ الحضور يغادرون واحدًا تلو الآخر.
وعندما بقيت ديليا و كاليـوس وحدهما في مكان الحفل، اقترب منها وهمس في أذنها بهدوء
“لا تفتعلي مشكلات لا داعي لها. الآنسة سيلشستر ستصبح العشيقة الرسمية”
رفعت ديليا رأسها ببطء، ونظرت إلى وجه كاليـوس الذي بدا أكثر شيطانية من الشيطان نفسه، وسألته بصوت مرتجف
“أأنت … ألا تفكر بي؟ لو كنتُ أنا من شرب ذلك الشاي، لكان من الممكن أن يحدث شيء لي أو للطفل الذي في بطني!”
“لا تبالغي. المهم أنك لم تشربيه ، أليس كذلك؟ لماذا تصرين على تحميل الأمور أكثر مما تحتمل؟”
“…ماذا؟ ماذا قلت…؟”
شعرت وكأن قلبها سقط في الهاوية. كاليـوس، الذي يتعامل بلا مبالاة مع حياتها وحياة جنينها، بدا وكأنه شخص غريب عنها تمامًا. حتى ما كانت تحمله له من أمل، انهار في لحظة.
و بينما كانت تبكي بشدة، صرخت ديليا في وجه كاليـوس
“هذا يكفي. لنكفّ عن هذا الآن”
“…ماذا؟”
“لم أعد أستطيع حبك. هل نحن حقًا زوجان؟ أم مجرد علاقة أقدم فيها جسدي متى تشاء فقط؟”
“ديليا …”
“رغم قسوتك معي، كنت أحلم بمستقبل سعيد يجمعنا”
“كفى—!”
“أي من وعودك أوفيت بها؟ هل كان خطئي أنني لم أطلب الطلاق حين طلبته أول مرة؟ لماذا يُنظر إليّ كامرأة خائنة ، و اُشفِق على طفلي ، و أظل أصارع لأبقى بجانبك؟”
“اصمتي. حتى صبري له حدود”
تراجعت ديليا خطوة تلو الأخرى وهي تهز رأسها.
كانت الدموع الكبيرة تتساقط من عينيها على الأرض.
“لا… لم أكن أحبك أنت. الشخص الذي أحببته…”
“توقفي عن هذا الهراء!”
“لنتطلّق. مجرد التواجد معك مقزز”
أرادت أن تصرخ بكل ما أوتيت من قوة.
كان الحزن يثقل صدرها كحجر ضخم.
وفي اللحظة التي همّت بالكلام، شعرت فجأة بألم شديد في بطنها، وأطلقت صرخة “آه!”، ثم سقطت على الأرض.
وهي تبكي من الألم الذي يشبه طعنة في البطن، نظرت إلى كاليـوس وقالت له
” إنني نادمة على أنني أحببتك ، وأشعر بالاشمئزاز لأنني شاركتك جسدي ، وأتقزز من العيش تحت سقف واحد معك”
وحين رأت تجهم وجه كاليـوس ، فقدت وعيها تمامًا من شدة الألم.
***
بعد عودتها من حفل إيفلين، بقيت ديليا فاقدة للوعي لفترة طويلة.
مرّ يوم، ثم يومان، ثم في اليوم الثالث، بدأت سارا تبكي قائلة: “ما الذي حدث، بحق السماء؟”
ومع ذلك، لم تستطع ديليا الرد. لا، لم تستطع حتى لو أرادت.
وفي الليلة الرابعة، وبينما الجميع يظن أنها لن تستيقظ، فتحت ديليا عينيها فجأة في منتصف الليل … في معجزة حقيقية.
فور سماعه الخبر، أسرع الطبيب إلى مكانها ليجري لها الفحص. ثم نظر إليها بقلق قائلاً إنها كانت على وشك أن تفقد حياتها، بل وحتى الجنين الذي في بطنها.
لو كان ذلك في الماضي ، لكانت ديليا قد ارتجفت عرقًا باردًا و سألته إن كان ذلك حقيقيًّا. لكنها لم تنطق بكلمة. فقط رمشت بهدوء بعينيها و هي تحدق في الحديقة الخضراء الممتدة أمامها.
ومنذ ذلك اليوم، بدأت ديليا تعيش كأنها دمية فارغة.
لم تكن تبالي بما إذا كانت سارا تقلق عليها، أو إن كان الخدم يتهامسون من خلفها. بل كانت تتصرف وكأن شيئًا لا يصل إلى أذنيها.
ثم، في الليل، كانت تنتابها نوبات السير أثناء النوم، وتحاول مرارًا وتكرارًا القفز من النافذة، وتردد دومًا أنها تريد أن تموت.
وفي كل صباح، كانت تبدأ يومها بالتحديق إلى ذراعها التي شوهتها الحقن.
وفي خضم ذلك الروتين، وصل إلى أذن ديليا خبر غير متوقع.
“الآنسة سيلشستر تعتذر لي؟”
“نعم، هذا ما قيل!”
فرحت سارا لسماع صوت ديليا بعد طول غياب، وارتسمت على وجهها ملامح التأثر. ثم قالت انتظري لحظة، وهرعت لتحضر لها ماء الغسيل.
وبينما كانت ديليا تحدق إلى الماء الذي يعكس وجهها لفترة من الزمن ، حركت يدها أخيرًا.
لم تكن تعرف ما الذي ستقوله إيفلين ، لكنها فكرت بأنه ما دامت قد أتت للقائها ، فلتستمع على الأقل إلى ما ستتفوه به من أعذار.
بهذا الهدف فقط، غسلت ديليا وجهها، وانتقلت إلى غرفة الملابس، وتهيأت بعد طول غياب، ثم نزلت إلى الحديقة في الطابق الأول.
لم يكن من المعتاد أن يُطلب اللقاء في الحديقة بدلًا من غرفة الاستقبال، لذا شعرت بأن شيئًا مريبًا قد يحدث، وأخذت تمشي بخطوات حذرة أكثر من المعتاد.
“لم نلتقِ منذ أيام ، آنسة”
“بالفعل، هل كنتِ بخير خلال تلك الفترة؟”
لم تُجب ديليا على سؤالها.
فشحوبها الذي لم تستطع حتى مساحيق التجميل إخفاءه، وآثار الحقن التي بقيت على ذراعها، كانت تروي كل شيء، لكن إيفلين كانت مشغولة بتجاهل ذلك عن عمد.
ديليا سخرت في سرّها ، قائلة إن هذه المرأة لم تتغير قيد أنملة. حتى بعد تناولها للسم ، لا تزال تتحرك وكأنها مخلوق شيطاني.
“إذًا؟ ما سبب زيارتكِ لي؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "72"