بعد أن قضت ديليا الليلة مع كاليوس ، لم تستيقظ إلا في وقت متأخر من بعد الظهر.
في العادة كانت لتستيقظ فور حلول الصباح، لكن العمل في القصر الإمبراطوري وما حدث في منتصف الليل حال دون أن يزول تعبها تمامًا.
و أخيرًا ، حين سحبت ديليا حبل الجرس في السقف و هي تبدو منهكة ، دخلت سارا و هي تقول: “أخيرًا استيقظتِ؟!” ، و بدأت تفرك كتفي ديليا المتشنجين بقوة.
لا بد أن سارا سمعت أن ديليا دخلت إلى القصر وهي بين ذراعي كاليوس ، إذ إنها كانت تدندن وكأنها في مزاج رائع أكثر من أي وقت مضى.
لذا لم تقل ديليا شيئًا و اكتفت بترك جسدها المتعب بين يدي سارا.
انتقلت ديليا إلى غرفة الملابس وغيرت ملابسها إلى فستان أخضر فاتح غير ملفت للنظر. ثم ضفرت شعرها الفضي إلى جانب واحد وزينته بإكسسوارات على شكل فراشات.
رغم أن إطلالتها كانت بسيطة مقارنة بما اعتادت عليه، فإن ديليا تألقت بها كعادتها. وبالخدود الموردة بحمرة خفيفة، بدت وكأنها زهرة على وشك التفتح.
نظرت ديليا إلى انعكاسها في المرآة الكبيرة و أمعنت النظر في مظهرها من جميع الزوايا قبل أن تبتسم. ثم شكرت سارا و وقفت متجهة نحو الباب المغلق.
حين سألتها سارا بدهشة إلى أين ستذهب ، ترددت ديليا قليلًا ثم أجابت بأنها ذاهبة لرؤية كاليوس.
عندها أومضت عينا سارا بلمعان و قالت لها أن تذهب ببطء وراحة.
أما عن التغير المفاجئ في موقف سارا ، فقد اكتفت ديليا بالإيماء برأسها. لكن ما إن خطت أول خطوة في الرواق ، حتى تجمد تعبير وجهها وتنهدت بهدوء.
قد يبدو للآخرين أن علاقتها مع كاليوس قد تعافت ، لكن الواقع كان عكس ذلك تمامًا، بل ربما أصبحت العلاقة أكثر فسادًا من قبل.
فـكاليوس أعلن نيته إدخال إيفلين إلى المنزل رغم وجود ديليا، مما أدى إلى زوال آخر مشاعر الحب التي كانت ديليا تكنّها له.
وبينما لا يعتبر اتخاذ عشيقة أمرًا غير قانوني في قوانين الإمبراطورية، فإن ديليا التي أقسمت على أن تحب شخصًا واحدًا حتى الموت ، لم تستطع تقبل ما فعله.
ولهذا، لم يكن أمامها خيار سوى الطلاق، الذي كانت تتجنبه دومًا.
لم تكن كاذبة حين قالت إنها ليست محبطة ، لكنها لم تستطع البقاء إلى جانبه بينما هو لا يرغب سوى بجسدها و يطاردها بهوسه الغريب.
كانت ديليا ترغب بحبه ، لا برؤية صورته المتحطمة.
ولهذا، وبعد أن توصلت إلى قرارها، أرادت إبلاغ كاليوس و التعجيل بوضع نهاية لهذه العلاقة الغريبة.
… بالطبع، كان هذا يتطلب موافقة كاليوس أيضًا.
وأثناء مرورها في الرواق، كانت ديليا ترد بإبتسامة على تحيات الخدم لها.
لكن كلما اقتربت من غرفة الاستقبال، زادت ملامح الحيرة والارتباك على وجوههم، مما جعلها تشعر بالذهول.
لكنها تجاهلت قلقها و مشت بخطى سريعة.
وما إن كادت تطرق باب غرفة الاستقبال، حتى فُتح الباب مع صوت يقول: “إلى اللقاء في المرة القادمة”.
ومن خرجت من الباب كانت إيفلين ، التي عقدت شعرها الأحمر إلى الأعلى بإبتسامة مشرقة.
“أوه، لم أركِ منذ زمن”
“…مرحبًا، آنسة سيلشستر”
حين واجهت ديليا إيفلين مباشرة لأول مرة منذ فترة ، سرت قشعريرة في جسدها ووقفت شعيراتها من شدة التوتر.
حينها، أدركت مجددًا كم تكره هذه المرأة، فضحكت ساخرًة.
ثم على الفور، عبست و ظهرت ملامح العداء على وجهها.
إيفلين ربّتت على ذراع ديليا و قالت إن لا داعي لأن تكون متوترة إلى هذا الحد. ثم دعتها للحديث قليلًا في الحديقة.
“أعلم أنه من غير اللائق قول هذا ، لكنكِ تعرفين جيدًا سبب مجيئي إلى القصر ، أليس كذلك؟”
“نعم، كنت أعلم. أتيتِ لتكوني عشيقته، أليس كذلك؟”
“أوه، كما توقعتِ تمامًا”
رغم أنه قضى الليلة الماضية معها، إلا أن كاليوس دعا إيفلين في الصباح التالي، مما جعل ديليا تشعر بمرارة شديدة.
ورغم أنها قد بدأت تتخلى عن حبها له، إلا أن كرامتها كامرأة لم تختفِ.
وفي لحظة كانت فيها ديليا تقبض على قبضتيها من الغضب، اقتربت إيفلين منها وهمست في أذنها بأنها ستقيم حفلًا في قصر الكونت احتفالًا بإنضمامها رسميًا إلى عائلة الدوق.
وقالت إنها تأمل أن تحضر السيدة الدوقة الحفل أيضًا.
تخيلت ديليا تلك اللحظة … كاليوس يخلع خاتم الزواج الذي منحه لها، ويضعه في إصبع إيفلين ، ويبدأ معها حياة جديدة بعد طلاقه من ديليا.
في تلك اللحظة، بدأ جسدها، الذي ظنت أنه بخير، يرتجف من الألم.
أنهت ديليا الحديث بعبارة “إلى اللقاء قريبًا ” و غادرت بسرعة. شعرت أنها حمقاء لأنها لم تستطع بعد أن تتخلص من مشاعرها تجاهه.
*****
بعد فترة، أرسلت إيفلين دعوة رسمية إلى ديليا و
سارا ، التي كانت تعتقد أن العلاقة بين كاليوس و ديليا قد تحسنت ، صرخت من هول الصدمة.
ومنذ ذلك اليوم، انتشرت شائعة في القصر مفادها أن سيدة جديدة ستأتي إلى القصر. و كان الخدم يتهامسون في كل مرة تمر بهم ديليا في الرواق.
ساءت حالتها النفسية إلى درجة أنها شعرت أن ما تبقى من طاقتها قد سُلب منها.
ربما كان التوتر المتكرر هو السبب ، إذ صارت تمسك بطنها التي تؤلمها كثيرًا و تأخذ أنفاسًا عميقة.
ثم أقسمت مجددًا، أنها لن تنحني أبدًا، لا من أجل نفسها، ولا من أجل الطفل الذي في بطنها. وأنها ستبذل كل ما في وسعها حتى تنتهي هذه المأساة.
وفي يوم الحفل المقام في قصر إيفلين ، استيقظت ديليا مبكرًا على غير عادتها، و وضعت مكياجًا يخفي شحوب وجهها، و ارتدت فستانًا فخمًا و توجهت إلى هناك.
طوال وجودها في قصر الكونت ، شعرت بنظرات قاسية تلاحقها ، لكنها لم تكن تهمها. ما أرهقها أكثر من أي شيء آخر كان عودة الغثيان في الفترة الأخيرة.
كانت تظن أنه قد اختفى ، لكنه عاد بقوة منذ أن قررت الانفصال عن كاليوس ، مما جعلها تتعذب كثيرًا.
و بات جسدها ، الذي كان نحيفًا أصلًا، أكثر هزالًا، فصار البعض يسيء الظن بها ، مما زاد من شعورها بالسوء.
وكان الشيء الوحيد الذي تستطيع شربه هو شاي الورد ، لذا حين رأت شاي الورد المُعد لها، تنهدت بصمت.
لم تكن تريد حتى تذوقه لأنه يذكّرها بلون شعر إيفلين ، لكنها لم تستطع الامتناع عن شربه ، لأنه سيكون تصرفًا فظًا وسط الحفل، خاصة أنها لا تستطيع أكل أي شيء آخر.
فحين أوشكت على تذوق شاي الورد وهي على وشك البكاء، سمعت صوت خطوات كعبٍ عالية و صوتًا مفعمًا بالحيوية.
“مرحبًا، سيدتي. إنه لشرف كبير أن تشاركي في الحفل”
“…تشرفت بلقائكِ ، آنسة سيلشستر”
كانت إيفلين دائمًا تبهر الأنظار ، لكن إيفلين التي أصبحت بطلة الحفلة و جذبت انتباه الجميع كانت تتألق بشكل أكثر روعة.
رغم أن ديليا قد بذلت قصارى جهدها لتزيين نفسها ، إلا أنها بدت كطفلة مقارنة بإيفلين ، فلم تستطع سوى أن تلمس كوب الشاي الساخن بحزن في قلبها.
وبينما كانت إيفلين تحدق بصمت في ديليا ، جلست فجأة أمامها. ثم أخذت من الخادمة نفس شاي الورد الذي كانت تشربه ديليا و استبدلت كوبها بكوب ديليا.
“شاي الورد لذيذ عندما يكون ساخنًا. لذا سيدتي، اشربي ما تم تحضيره للتو”
وما إن أنهت حديثها، حتى شربت إيفلين شاي الورد الذي كانت تحمله دون تردد. و لم يمض وقت طويل حتى بدأ تعبير وجهها يتغير ، ثم بدأت تسعل، وتسعل بشدة.
كان الدم الأسود القاني يتسرب بشكل لزج من بين أصابعها.
الحفلة التي كانت قبل لحظات مليئة بالبهجة والدفء ، تحولت فجأة إلى ساحة فوضى بسبب صرخة أحدهم.
صرخ النبلاء الذين شحب وجوههم لرؤية الدم يسيل من بين أصابع إيفلين ، و أمروا الخدم القريبين بإحضار طبيب على الفور. وفي تلك اللحظة، سعلت إيفلين مجددًا، ثم تقيأت كمية أكبر من الدم مرة أخرى.
وضعت يدها على قلبها، ونهضت متمايلة من مكانها. ثم اقتربت من ديليا ، و همست لها بصوت خافت لا يسمعه سواها.
“أنتِ لن تتمكني من هزيمتي أبدًا”
“……!”
وفي النهاية، سقطت إيفلين على الأرض بعد أن تقيأت دمًا، منهارة.
اقترب الخدم المرتبكون من إيفلين على عجل ، غير مدركين كيف يتصرفون أمام هذا الموقف المفاجئ.
ثم حملوا جسدها المغشي عليه على ظهورهم ودخلوا بها مسرعين إلى القصر.
وفي حين كانت ديليا تسترجع باستمرار الكلمات التي قالتها إيفلين قبل قليل ، صرخ جمع من النبلاء الذين لم يكونوا يطيقون ديليا من قبل، بصوت يملؤه الذهول:
“يا إلهي، من كان يظن أن الدوقة ستفعل ذلك!”
“حتى و إن كانت تكره الآنسة، من كان ليتوقع أن تستخدم السم أمام الجميع؟”
… ماذا؟ ما سوء الفهم هذا الذي يحدث الآن؟
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "71"