“ربّما لاحظتَ بالفعل. من المحتمل جدًا أن يكون الشخص الذي حاول إيذاءكَ الليلة الماضية هو نفس الشخص الذي حاول قتلي”
ابتلعت ديليا ريقها.
لم يسبق لها أبدًا أن ناقشت مثل هذه الأمور مع جيريمي ، الذي كان دائمًا يوبّخها.
ضغطت ديليا على قلبها الذي كاد يقفز من صدرها، وواصلت حديثها السابق.
“في السابق ، تعرّضتُ لهجوم في القصر الإمبراطوري ، و أنتَ ، أخي جيريمي ، تعرّضتَ لاعتداء في القصر. الجاني ، على الأقل ، شخص مرتبط بالعائلة الإمبراطورية. ربّما شخص استأجره أحد الأمراء ، أو أحد فرسان الحراسة … أو ربّما الأمير نفسه”
كلّما تقدّمت ديليا في حديثها ، تغيّرت تعابير جيريمي لحظة بلحظة. تارة بدا غير مصدّق ، و تارة عبس و تجعّد جبينه ، حتّى بدأ العرق يتصبّب منه تلقائيًا.
لكن، بما أنّها لا تستطيع الاختباء وراء كاليوس إلى الأبد ، أخفت ديليا خوفها وواصلت الحديث.
“كنتُ أتوقّع أن يكون الجاني إمّا الأمير الأوّل إيدن أو الأمير الثالث لورين”
لم تقل ديليا شيئًا آخر. و في خضمّ الصمت الثقيل بينهما ، كان جيريمي أوّل من تحدّث.
“…إذن، لمَ استبعدتِ الأمير الثاني؟”
“هل تصدّقني؟”
بدت ديليا غير مصدّقة.
كانت تتوقّع أن يرفض جيريمي حديثها معتبرًا إيّاه هراء، لكن رؤيته يصغي إليها جعلت عقدة في صدرها تذوب.
“إذا كان كلامكِ صحيحًا، فالأمير هو المشتبه به الأكثر ترجيحًا. لكن الشخص الذي زارني عندما تعرّضتُ للهجوم كان الأمير الثاني. وفقًا لمنطقكِ ، قد يكون الأمير الثاني قد استأجر قاتلًا، أو ربّما كان أحد فرسان حراسته، أو حتّى الأمير نفسه”
“في الحقيقة … عندما تعرّضتُ للهجوم ، شممتُ رائحة معيّنة. لكن لم أشم أيّ رائحة من الأمير الثاني”
“إذن، هل تعتقدين أنّ الجاني الحقيقي هو أمير آخر يريد إلقاء اللوم على الأمير الثاني؟”
أضاء وجه ديليا مع استمرار الحديث. عندما كانت تفكّر بمفردها، لم تكن تستنتج هويّة الجاني بسهولة ، لكن الآن شعرت أنّ ملامحه بدأت تتّضح شيئًا فشيئًا.
“لكن لا يزال هناك شيء غريب.”
“ماذا؟ ما الغريب في ذلك؟”
“لنلخّص الأمر: أنتِ و زوجكِ و فصيل النبلاء كانوا أهدافًا للقتل من قِبل الأمير الأوّل أو الثالث. لكن ما السبب الذي يدفعهم لذلك؟”
أسكت سؤال جيريمي المباغت ديليا.
عندما فكّرت في الأمر، أدركت أنّها كانت منشغلة بالبحث عن الجاني دون التفكير في دوافعه.
غرقت ديليا في التفكير للحظة، فتنهّد جيريمي وتابع:
“هجومهم عليكِ يمكن فهمه إذا كان الهدف الأصلي هو فصيل النبلاء.”
أومأت ديليا برأسها موافقة على كلام جيريمي ، الذي كان يعبس. كانت هذه نقطة شكّت فيها هي أيضًا.
“لكن الجاني بارع بما يكفي لعدم ترك أيّ شهود أثناء القتل. وعندما فشل في مهاجمتكِ، طعن دوق هيلدبرانت مباشرة”
“آه…!”
“لم يهاجموا أيّ شخص آخر من فصيل الإمبراطور، فلمَ دوق هيلدبرانت فقط؟ أنتِ وزوجكِ والنبلاء الذين قُتلوا، لا توجد حلقة وصل بينكم”
كان هذا التساؤل يتوقّف دائمًا عند كاليوس ، و كأنّه القطعة الأكثر أهميّة في اللغز.
تنهّد جيريمي بعصبيّة لعدم تمكّنه من تحمّل الإحباط.
أخرج سيجارًا من جيبه، لكنّه، مدركًا أنّ ديليا حامل، وضعه جانبًا، وهو ما لاحظته ديليا.
ابتسمت ديليا بخفّة.
“حتّى لو تركنا هذا الجزء جانبًا، يبدو أنّ هناك سببًا كافيًا للتحقيق مع الأمير الثاني”
“ما زلتُ أعتقد أنّه ليس الجاني.”
“الأمير الثاني ليس دقيقًا بما يكفي لارتكاب مثل هذه الأفعال.”
لم يقلها صراحة ، لكن بدا أنّ هناك اتفاقًا ضمنيًا على أنّ الأمير الثاني ليس ذكيًا بما يكفي. و مع ذلك ، لا يمكن استبعاد احتمال أن يكون كلّ شيء تمثيلًا.
“ربّما يكون دور الأمير الثاني هو إثبات براءة الأمراء الآخرين.”
“لكن هذا قد يجعله هو المشتبه به بدلًا منهم.”
“ربّما كان هناك عرض مغرٍ للغاية، أو شيء يمكنه دعمه بثقة”
بدا كلام جيريمي منطقيًا إلى حدّ ما بالنسبة إلى ديليا. فكرة أن يكون الأمير الثاني يلعب دور إثبات براءة شخص آخر جعلت القشعريرة تسري في جسدها من أخمص قدميها.
“أسألكَ على سبيل الاحتياط، لم ترَ وجه الشخص الذي حاول إيذاءكَ، أليس كذلك؟”
“نعم، كان يرتدي رداءً أسود غريبًا”
“ها، كما توقّعت…”
بهذا، أصبحت ديليا متأكّدة. كانت تأمل عكس ذلك ، لكن الشخص الذي يستهدفها وفصيل النبلاء هو بالتأكيد نفس الشخص.
رغم اقترابها من الحقيقة، فإنّ فكرة سرقة الرسالة في الطريق وإمكانيّة تعاون الأمراء معًا جعلتها تشعر بإختناق.
“يجب أن نبقى بعيدين عن الأمراء قدر الإمكان”
مهما كان الحديث متّفقًا، طالما أنّ المشتبه بهم في محاولة قتلها مدرجون، لم يكن بإمكانها التعامل معهم كالمعتاد.
تذكّرت ديليا الأمير الأوّل، الذي كان الحديث معه سلسًا، و أبدت تعبيرًا مريرًا. شعرت بالأسى لأنّ الأمير الأوّل، الذي بدا وكأنّه سيكون ملكًا صالحًا، قد يكون قادرًا على ارتكاب مثل هذه الجرائم.
ظلّت ديليا تعبس لفترة، ثمّ رفعت رأسها فجأة.
صفعت خدّيها بكلّ قوّتها بكلتا يديها.
‘لا، يجب أن أبقى متيقّظة!’
لتحمي نفسها والطفل، كان عليها اعتبار جميع الأمراء أعداء.
عزمت ديليا على ذلك، ونهضت من مكانها بخدّين محمرّين.
“حسنًا، سأذهب الآن.”
“…هل ستعودين بهذا الوضع؟”
لمست ديليا خدّيها المنتفخين، وبدت محرجة. لكن، بما أنّ هناك من ينتظرها في القصر، لم يكن لديها وقت لمواصلة الحديث بهدوء.
ابتلعت ديليا ما تبقّى من شاي اليوسفي في الكوب بسرعة.
ثمّ رتّبت ملابسها، التي أصبحت فوضويّة بسبب عجلتها في القدوم.
طلبت ديليا من جيريمي الحذر مؤقتًا، وتوجّهت نحو الباب.
وعندما كانت على وشك تدوير المقبض، سمعته صوتًا غير متوقّع.
“…كوني حذرة أنتِ أيضًا”
تجمّدت ديليا للحظة. نظرت إلى الباب بذهول، ثمّ أومأت برأسها و عيناها تحمرّان.
كانت هذه المرّة الأولى، منذ تدهور علاقتهما، التي يعبّران فيها عن قلقهما لبعضهما.
غادرت ديليا غرفة الاستقبال بعدم تصديق.
بعد انتهاء حديثها مع جيريمي، صعدت ديليا إلى العربة فورًا.
كان تحسّن علاقتهما، ولو قليلًا، أمرًا رائعًا، لكن بما أنّها جاءت على عجل دون إخبار كاليوس، شعرت بالقلق الشديد.
في النهاية، طلبت ديليا من السائق التحرّك بأسرع ما يمكن، حتّى لو اهتزّت العربة. وافق السائق بسرور وبدأ بقيادة العربة بسرعة أكبر من قبل.
كانت السرعة تشبه ركوب الخيل ، و لو أنّها فقدت تركيزها للحظة، لشعرت وكأنّها ستقيء كلّ ما في معدتها.
ضربت ديليا الجدار الرقيق بقوّة، لكن السائق، الذي لم يسمع شيئًا بسبب الرياح العاتية، زاد من سرعة العربة.
في النهاية، بينما كانت ديليا مطأطئة رأسها، تغطي فمها بكلتا يديها، سمعته صوت السائق يعلن الوصول، وفُتح الباب المغلق بهدوء.
ما إن توقّفت العربة حتّى نزلت ديليا السلالم متعثّرة.
اندفعت إلى أقرب كومة عشب، وبكت وهي تتقيّأ مرارًا و تكرارًا.
لكن، بما أنّها لم تأكل سوى شاي اليوسفي، لم يخرج شيء تقريبًا. وهذا ما جعل ديليا تشعر بالجنون أكثر.
في النهاية ، توقّفت عن التقيؤ بعد أن كادت تصاب بالجفاف ، و مسحت وجهها الملطّخ بالدموع بكمّ فستانها بطريقة فوضويّة.
أومأت ديليا للسائق، الذي سألها إن كانت بخير، وابتسمت شاكرة إيّاه على سرعته كما طلبت.
انحنى السائق معتذرًا عن عدم مراعاته لسيدته الحامل، وطالبها بمعاقبته، لكن الإحراج كان من نصيب ديليا.
في الأحوال العادية، لكانت قد طمأنته بأنّها بخير، لكن الآن، حتّى الابتسام كان يستنزف طاقتها. ودّعته ديليا قائلة إنّهما سيلتقيان لاحقًا، وسارعت نحو باب المدخل.
عندما كانت على وشك فتح الباب، سمعت صوت كاليوس المألوف.
“هل استمتعتِ بجولتكِ؟”
“…عزيزي؟”
التفتت ديليا وهي تتصبّب عرقًا باردًا.
رأت كاليوس خلفها، يقف متشابك الذراعين بوجه متصلب.
حتّى كاليوس المعتاد، الذي فقد ذاكرته، كان صلب التعابير، لكن كاليوس أمامها الآن بدا وكأنّه على وشك ارتكاب جريمة قتل.
اقتربت ديليا من كاليوس و هي تتصبّب عرقًا باردًا.
عندئذٍ، أزاح كاليوس شعرها إلى جانب، وانحنى.
اقترب بأنفه من عنقها وبدأ يشمّ الرائحة بحذر.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "63"