ثمّ مسح يده على فستان ديليا و كأنّها ملوّثة بالقذارة.
أثر هذا التصرّف على هنري الذي كان حاضرًا، بل حتّى الطبيب الذي كان يقف على بُعد خطوة، فقد ارتعش كتفاه.
“يبدو أنّ خدم قصر هيلدبرانت يعاملونكِ جيّدًا مؤخرًا. هل تعتقدين أنّ هذا سيغيّر مكانتكِ عما كانت عليه؟ هل تظنّين أنّ حقيقة وفاة والدينا بسبب تصرّفاتكِ الخاطئة ستختفي؟”
“لستُ أحاول تغيير مكانتي. أريد فقط أن أكون عونًا ولو قليلًا لأخي الذي أصبح هدفًا لأحدهم”
رغم صراخ ديليا الحار، لم تصل كلماتها إلى جيريمي أبدًا.
تجاهلها وهي على وشك البكاء، واستدعى الطبيب.
ثمّ ، أثناء استبدال الضمادات التي تسرّب منها الدم، سأل ديليا مرّة أخرى: “تريدين مساعدتي؟ لا أفهم ذلك على الإطلاق. ألستِ تفعلين هذا من أجل زوجكِ؟ هل أمركِ أن تجعليني مدينًا له؟”
“لم يتحدّث عن هذا أبدًا! أريد فقط مساعدتك.”
“وما الذي ستكسبينه من مساعدتي؟”
“هذا …”
أغلقت ديليا فمها للحظة.
نظرت إلى الفراغ ، غارقة في أفكارها ، ثمّ نهضت من مكانها و قالت بصوت خافت: “… يمكنني إنقاذك”
مع كلمات ديليا ، اهتزّت عينا جيريمي اللتين كانتا خاليتين من الاهتمام للحظة.
نظر إلى ديليا التي تقف بتوتر ، و سأل بصوت لا يُفهم:
“لقد تجاهلتكِ طوال هذا الوقت. ومع ذلك، تقولين إنّكِ لن تكتفي بإنقاذي بل ستساعدينني؟”
“لأنّنا أخوان من دم واحد”
بدت على جيريمي علامات انسداد الكلام.
ظلّ ينظر إلى ديليا و هو يفتح فمه دون صوت ، ثمّ فرك وجهه بيده أخيرًا.
“لا يمكننا التحدّث معًا.”
“لا بأس إن لم تصدّقني. هذا لن يمنعني من مساعدتك.”
كلّما استمرت ديليا في الحديث، أصبح تعبير جيريمي أكثر غرابة. نظر إلى ديليا ، التي كانت حازمة بشكل غير معتاد اليوم، وضحك ضحكة ساخرة.
“أنتِ، هل كنتِ دائمًا بهذه الشخصيّة؟”
“لن تعرف أبدًا. لا تعلم كم تحمّلتُ و عشتُ في صمت كلّ هذه المدّة”
كانت كلمات ديليا صادقة تمامًا. ديليا ، التي واجهت اتّهامات من جيريمي و كثيرين غيره ، كانت دائمًا مشغولة بكبت مشاعرها.
‘أنا بخير، هذا ليس بشيء.’
وهكذا، عاشت حياة كقنبلة موقوتة، تتحمّل يومًا بعد يوم.
في تلك الفترة، ظهر كاليوس أمامها. لذلك ، لم تستسلم ديليا للحياة. بفضل وجود كاليوس كدعم قوي بجانبها، لم تنحرف إلى طريق خاطئ.
هذه المرّة، حتّى لو كان الهدف مختلفًا، أرادت ديليا إنقاذ جيريمي، الذي يشاركها الدم، فنظرت إليه بنظرة مليئة بالعزيمة، مختلفة عن المعتاد.
نظر جيريمي إلى ديليا بهدوء، ثمّ تنهّد.
ثمّ أمر هنري، الذي بدا حائرًا، بحزم:
“اصطحبها إلى غرفة الاستقبال”
اتّسعت عينا ديليا من المفاجأة. و عندما بدت غير مصدّقة ، نصحها جيريمي أن تتحرّك بسرعة قبل أن يغيّر رأيه.
نهضت ديليا من مكانها بسرعة و استدارت.
ثمّ تبعت هنري، الذي أشار لها أن تتبعه ، إلى غرفة الاستقبال و هي تشعر بخفقان قلبها.
لاحظت ديليا أنّ الخدم الذين رأوها أثناء سيرها بدوا متفاجئين، لكن للأسف، لم يوجد ولو خادم واحد قدّم لها تحيّة قصيرة.
شعرت ديليا بمرارة بسبب هذا ، فأطرقت رأسها وكتفاها منحنيتان كما اعتادت.
‘…لا، استيقظي.’
كان من الغريب أن تظنّ أنّ تغيّر أهل عائلة هيلدبرانت سيؤدّي إلى تغيّر أهل عائلة بليك.
تصرّفت ديليا وكأنّ شيئًا لم يكن، ورفعت ظهرها باستقامة أكثر من المعتاد. و عندما وصلت إلى غرفة الاستقبال ، تنهّدت ديليا بعمق ، مرهقة من أنظار الخدم.
استندت ديليا إلى الأريكة في وسط غرفة الاستقبال ، فسألها هنري إن كانت تفضّل القهوة أم شاي اليوسفي.
كانت ديليا عادةً تفضّل القهوة، لكن بما أنّ شرب القهوة أثناء الحمل قد يضرّ الطفل، اختارت الأخير.
طلب منها المساعد الانتظار قليلًا وغادر الغرفة.
شعرت ديليا ببعض الأسى وهي ترى المساعد يقوم بدور الخادمة، لكنّها فكّرت أنّ هذا يشبه جيريمي تمامًا.
بعد دقائق، عاد هنري وفي يده شاي يوسفي حلو.
ناولها الشاي بحذر، محذّرًا إيّاها من سخونته.
نفخت ديليا على شاي اليوسفي الساخن الذي يتصاعد منه البخار، ثمّ وضعته على فمها. مع الرشفة الأولى ، شعرت بحلاوة جعلتها تبتسم بهدوء.
كان طعمًا يعوّض حزنها السابق في لحظة.
في تلك اللحظة، فُتح الباب المغلق بصوت صرير، وظهر جيريمي. شعره الفضي الشفاف وعيناه البنفسجيتان كانا نسخة طبق الأصل من ديليا.
أدركت ديليا هذه الحقيقة مجدّدًا، فشعرت بالدهشة، وبرزت شفتاها وهي تفكّر أنّ وجهيهما متطابقان كالنسخة المطابقة.
“ما هذا؟ لمَ هذا التعبير؟”
“…لا، لا شيء. بالمناسبة، كيف حال جرحك؟”
كان جيريمي، الذي كان عاري الصدر قبل قليل، يرتدي قميصًا واسعًا عندما جاء إلى غرفة الاستقبال. نظرت ديليا إليه بعينين قلقتين وهو يعبس، يبدو أنّ الجرح لا يزال يؤلمه.
“على أيّ حال، أريد أن أسألكِ شيئًا”
“أنا؟”
أومأ جيريمي برأسه.
ثمّ نظر إلى بطن ديليا و سأل بصوت لا يُصدّق: “سمعتُ إشاعات فقط ، لكن هل صحيح أنّكِ حامل بطفل الدوق؟”
“آه، يبدو أنّني لم أخبرك.”
لمست ديليا بطنها و أومأت برأسها.
عندئذٍ ، اتّسعت عينا جيريمي و نهض من مكانه.
نظر إلى بطن ديليا أمامه وقال بصوت مليء بالفضول:
“هل الطفل ذكر أم أنثى؟”
“من الصعب التخمين بدقّة … لكن أظنّ أنّه ذكر”
بدت على جيريمي تعابير معقّدة عند سماع خبر الطفل. لم يبدُ كالمعتاد الذي يغضب دائمًا، فأمالت ديليا رأسها متعجّبة.
“ستكون خال هذا الطفل”
نظرت ديليا إلى جيريمي، الذي يبدي تعبيرًا غامضًا، وعزمت في نفسها. عندما يصبح بطنها بارزًا بشكل ملحوظ، ستجعله بالتأكيد يشعر بحركة الجنين.
بينما كانت ديليا غارقة في أفكار سعيدة ، دخل هنري قائلًا “أعتذر عن المقاطعة” ، حاملًا قهوة و شايًا يتصاعد منهما البخار.
فكّرت ديليا أنّ جيريمي قاسٍ وهو يشرب القهوة دون إضافة سكر.
في المقابل، عبس جيريمي وهو يرى ديليا تشرب شاي اليوسفي الحامض، متعجّبًا كيف تتحمّل طعمه.
“على أيّ حال، دعنا نكمل الحديث الذي بدأناه”
نفخت ديليا على شاي اليوسفي أمامها وابتلعته.
ثمّ همست إلى جيريمي بصوت خافت:
“سمعتُ من حديثكَ سابقًا أنّ ضيفًا لا يمكن رفضه زار القصر، أليس كذلك؟”
“…نعم، هذا صحيح.”
“من كان الشخص الذي زار القصر الليلة الماضية؟”
نظر جيريمي إلى انعكاسه في القهوة دون أن ينطق.
بدا متردّدًا وهو يحرّك شفتيه، ثمّ تنهّد وكشف الحقيقة:
“في الحقيقة، الأمير الثاني زارني”
“…ماذا؟”
اتّسعت عينا ديليا من المفاجأة بسبب الاسم غير المتوقّع.
لم تتخيّل أبدًا أنّ الأمير الثاني نفسه سيزور جيريمي.
كانت تعتقد أنّه خارج دائرة الشبهات ، لكنّها أدركت أنّها كانت ساذجة جدًا، فشعرت بصداع في جبهتها. شعرت و كأنّها أغبى شخص في العالم في تلك اللحظة.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "62"