لكنها تصنّعت الدهشة بحركة مبالغ فيها و قالت: “أحقًا لم تعلم بعد؟ هناك شائعات تدور في الأوساط الأرستقراطية مؤخرًا بأنها تلتقي بالأمير الثاني بإستمرار. لم تسمع بها؟”
هل يعقل أن ما كان في الرسائل المجهولة يشير إلى هذا؟
و إن كانت إيفلين تعرفه ، فلا شك أن الأمر قد شاع و انتشر.
شدّ كاليوس شفتَيه بجمود ، و أدرك خطورة الموقف.
“بصراحة ، لم أصدق الأمر في البداية. فزوجتك ، كما نعلم ، كانت دومًا مخلصة لك لدرجة مفرطة. لكن في حفلة الشاي الأخيرة في القصر ، بدا تصرفهما … غريبًا”
أكملت إيفلين و هي تستعيد ذكرياتها بإبتسامة جانبية: “تبادلوا نظرات خفية ، و كانت تعتني به بنفسها … تقدم له الحلويات بيدها”
كان يعلم أن ديليا حضرت حفلة الشاي تلك ، لكن لم يتصور أن هذا قد حدث.
و رغم أن مصدر الحديث هو إيفلين ، التي لا تخلو أقوالها من المبالغة ، فلا يمكن تجاهل الرسائل الغامضة وانتشار الشائعات بهذه السرعة.
كان يعلم في قرارة نفسه أنه يجب أن يثق بزوجته ،
لكن كل الأدلة كانت تشير إلى خيانتها ،
و لم يعد بوسعه أن يكتفي بالمراقبة.
تنهد و هو يتمتم بلعنة خافتة ، ثم استدار إلى الوراء و جلس على الأريكة مجددًا.
راقبته إيفلين بإبتسامة ماكرة و هي تغطي فمها بيدها.
***
في غرفة الاستقبال ، حيث لا يُسمع فيها صوت بشري ، جلست إيزابيلا وحدها تهزّ ساقها بقلق متواصل.
كانت تنتظر أحدهم منذ أكثر من ثلاثين دقيقة.
“آه، لما هذا التأخير؟”
كان من المفترض أن يلتقيا الساعة الثانية تمامًا.
لكن الطرف الآخر يتأخر دائمًا بلا استثناء ، مما أثار ضيق إيزابيلا.
ثم ، و في النهاية ، سُمع وقع خطوات من بعيد ، و انفتح الباب فجأة.
“آه ، أخيرًا أتيت!”
رجل غامض مغطى برداء أسود من رأسه حتى قدميه
دخل الغرفة و هو يتلفت حوله.
ثم تجاهل إيزابيلا تمامًا و جلس بارتخاء على الأريكة المقابلة.
رغم مظهره المريب ، لم تُبدِ إيزابيلا أي اعتراض.
بل حافظت على ابتسامتها المصطنعة ، ساعية لكسب وده.
“انتظر لحظة ، سأقوم بتحضير الشاي بنفسي”
وقفت من مكانها ، و أمسكت بإناء الشاي ، ثم سكبت بعناية في فنجانه الخالي.
رغم أن هذا العمل من اختصاص الخادمات ، إلا أن إيزابيلا أرادت أن تظهر اهتمامها بنفسها ، لتترك انطباعًا جيدًا في نفس هذا الزائر الغامض.
“تفضل ، اشربه ببطء قبل أن يبرد”
الرجل قرّب فمه بحذر إلى كوب الشاي الذي كان يتصاعد منه البخار الساخن.
و بإبتسامة فخر ، جلست إيزابيلا بهدوء في مكانها.
“كوننا معًا هكذا ، يُعيد إلى ذهني ما حدث مع الماركيز و زوجته في الجيل السابق”
عندما كانت إيزابيلا دوقة لعائلة هيلدبرانت ، بدأت عائلة بليك ، التي كانت تقود فصيل النبلاء ، تمارس ضغوطًا تدريجية على هيلدبرانت لتصرفاتها الفردية.
إيزابيلا ، التي امتلأت غضبًا ، أقدمت على شرب السم بنفسها ، مما أدى إلى تقليص نفوذ فصيل النبلاء بشكل مفاجئ.
و نتيجة لذلك ، حازت عائلة هيلدبرانت على تقدير العائلة الإمبراطورية ، مما مكنها من استعادة مجدها لبعض الوقت.
“بعيدًا عن ذلك، هل فكرتِ في الأمر؟”
“آه، تقصد دعم الإمبراطور الجديد؟”
أومأت إيزابيلا برأسها كما لو أن الأمر بديهي.
فبينما اقتصر تأثيرها في الماضي على كبح فصيل النبلاء، فإن تأثيرها هذه المرة في دعم تنصيب الإمبراطور الجديد قد يؤدي بالتأكيد إلى إحياء مجدها مجددًا.
و لهذا السبب ، ما إن تلقت العرض حتى قررت القضاء على ديليا المرتبطة بفصيل النبلاء. لكنها فشلت في تنفيذ خطتها ، بل و وصل الأمر إلى سقوط ابنها كاليوس من الشرفة …
كلما فكرت في كاليوس ، شعرت بألم في صدرها. أخرجت إيزابيلا منديلًا من جيبها و مسحت دموعها المتدفقة.
“هذه القضية، كما يمكن أن أكسب منها الكثير، قد أفقد فيها الكثير أيضًا. فهل أنتِ حقًا بخير مع ذلك؟”
“نعم ، بالطبع ، بلا شك”
لقد تخلصت منذ زمن من الدوق السابق ، الذي كان يعتبر أفعالها طائشة و خطيرة. لم يبقَ الآن سوى إزالة ديليا ، العقبة الأخيرة أمامها و كاليوس ، من أجل إعادة إحياء مجد العائلة بالكامل.
نظر الرجل، الذي كان يغطي وجهه بالرداء، إلى إيزابيلا المغمورة بالطموح، وحدّق بعينيه الضيقتين.
“إذن، أعتمد عليكِ”
نهض الرجل من مقعده قبل أن يبرد الشاي، وغادر غرفة الاستقبال بسرعة، وكأنه لم يعد هناك ما يُقال.
انحنت إيزابيلا له بأدب وهي تراقب ظهره المغادر، وقالت في نفسها إنها ستراه مجددًا قريبًا.
* * *
بعد ليلة طويلة مع كاليوس ، بقيت ديليا طريحة الفراش لأيام تعاني من ألم شديد.
كان الخدم يظنون أن الأمطار أضعفت جسدها ، لكن الواقع كان مختلفًا تمامًا، لذلك لم تستطع أن تجادلهم.
حتى البارحة كانت تتناول العصيدة في غرفة النوم ، لكنها اليوم تعافت فجأة بما يكفي لتذهب بنفسها إلى غرفة الطعام.
و مع غناء خفيف ، اتجهت ديليا إلى غرفة الطعام لأول مرة منذ مدة طويلة.
بدأت أطباق البطاطا اللذيذة ، ثم قُدمت لها أطباق مثل الديك الرومي المشوي و السمك المشوي ، ما جعل ديليا تشعر بالحرج.
فهي الوحيدة التي كانت تتناول الطعام في غرفة الطعام ، ومع ذلك بدا أن كمية الطعام تكفي لعشرات الأشخاص.
كان من الأفضل لو عانت على الأقل من غثيان الحمل.
لكن منذ تناولها العشاء مع كاليوس ، اختفى غثيانها تمامًا ، فلم يكن لديها أي عذر لتقدّمه.
في النهاية ، أمسكت ديليا بالشوكة و السكين و بدأت تتذوق الأطباق الموضوعة أمامها واحدًا تلو الآخر.
كان طباخ قصر الدوق يمتلك مهارة عظيمة لدرجة أن الصحف تحدثت عنه.
لكن ، و مهما كان الطعام لذيذًا ، فإن الاستمرار في الأكل يؤدي في النهاية إلى الشعور بالملل.
وعندما وضعت ديليا أدوات الطعام بعد أن شبعت، هرع كبير الطهاة نحوها بوجه متجهم ، و سألها إن كان هناك خطب ما في الطعام.
لوّحت ديليا بيديها مسرعة موضحة أنها فقط ممتلئة ولا شيء أكثر.
فردّ الشيف بأنه سيحضر لها الحلوى هذه المرة ، ثم دخل إلى الداخل.
كان كبير الطهاة ، الذي كان دائمًا باردًا ، قد أصبح أكثر ودًّا معها منذ أن عُرف بأمر حملها، بل وصار يتبادل الحديث معها.
وبينما كانت ديليا تشعر بشيء من الحرج لرؤيته مبتهجًا على غير العادة ، وقعت عيناها فجأة على صحيفة موضوعة في زاوية الطاولة.
في البداية، التقطت الجريدة لتسلية نفسها فقط ، لكن ما إن قرأت العنوان الرئيسي حتى اتسعت عيناها من الصدمة ، و نهضت من مقعدها بشكل مفاجئ و هي تمسك الجريدة بيدها.
“خبر عاجل! العثور على الكونت هارتمن جثة باردة في قصره!”
نظرت ديليا إلى الصفحة الأولى من الصحيفة و هي في حالة ذهول شبه تام.
و رغم أنها توقعت موت الكونت هارتمن في وقت سابق حين قرأت أخبارًا عنه ، إلا أن رؤيته يُعثر عليه جثة هامدة في قصره جعل أطرافها ترتجف.
تجاهلت ديليا الحلوى التي جلبها الطباخ ، المليئة بكريمة الشو ، و بدأت تقرأ محتوى الخبر بسرعة:
> “في ليلة البارحة ، عُثر على الكونت هارتمن جثة هامدة في قصره عند منتصف الليل.
بخلاف حالات الوفاة السابقة ، كانت جثته مشوهة بشكل لا يوصف من شدة البشاعة.
و قد عبّر أفراد عائلته عن حزنهم الشديد ، متسائلين كيف يمكن لشيء كهذا أن يحدث”
تابعت ديليا القراءة وهي تنسى حتى أن تتنفس ، إلى أن وصلت إلى السطر الأخير في المقال ، فعضّت شفتها بتعبير مليء بالقلق و التوتر.
> “مع تزايد حوادث القتل التي تستهدف أعضاء فصيل النبلاء ، تزداد المخاوف بشأن سلامة الماركيز بليك ، الذي يُتوقع أن يكون الهدف التالي.
و قد عبّر ممثلوه عن انزعاجهم من معاملته كضحية مؤكدة”
… إنه تحذير نموذجي من جيريمي بحق.
لكن في ظل مقتل أفراد من فصيل النبلاء ذوي الرتب الدنيا أولاً ، لم يكن بالإمكان اعتبار أن جيريمي – الهدف التالي – سيكون آمنًا تمامًا.
وضعت ديليا قطعة من الحلوى المملوءة بكريمة الشو في فمها، ثم قالت إنها ستتناول الباقي غدًا، وأسرعت بالمغادرة.
صعدت إلى الطابق الثاني شبه راكضة، تاركة وراءها نظرات الخدم المندهشة، ثم سحبت نفسًا عميقًا و أخرجت ظرفًا و ورقة من على مكتبها.
> [إلى أخي جيريمي ،
مر وقت طويل منذ أن أرسلت لك رسالة. قد لا تليق بنا التحيات التقليدية ، لكني أردت أن أطمئن عليك ، فقد كثر الحديث عنك مؤخرًا.
يبدو أن الأجواء متوترة بسبب أخبار تتعلق بعائلة بليك ، و أعلم أنك كـسيّد للعائلة ستتصرف بحكمة ، لكن لا أنكر أن خبر وفاة الكونت هارتمن أزعجني كثيرًا.
كنت أعتقد أن منزل الكونت مؤمَّن بشكل جيد ، لذا لم أستطع إخفاء صدمتي عند سماع ما حدث.
و إذا كانت المقالة صادقة ، فالجاني لا بد أن يكون قادرًا على التسلل إلى منزل بحجم و مكانة عائلة الكونت و ارتكاب جريمة فيه بسهولة.
لم يمضِ وقت طويل على محاولة الاعتداء على زوجي كاليوس … أشعر أن هذا العالم بات مكانًا مخيفًا.
هل تذكر ما قلته لي في زيارتك الأخيرة إلى قصر هيلدبرانت؟ لا زلت أذكر جيدًا كيف عبّرت عن قلقك عليّ و على العائلة.
كلماتك تلك ما زالت عالقة في ذهني.
أظن أنه سيكون من الجيد أن نلتقي قريبًا و نتبادل الحديث و نستعيد بعض الذكريات.
لا يمكننا اللقاء في القصر الإمبراطوري ، لذا أبحث عن مكان آخر مناسب.
لدي أمور مهمة علمت بها مؤخرًا ، و أرغب في إخبارك بها بنفسي.
سأنتظر ردك]
وضعت ديليا الرسالة الطويلة بعناية في الظرف ، و طبعت ختم العائلة عليه.
و بينما كانت تسحب الحبل المعلّق في السقف لاستدعاء أحد الخدم ، لم تتوقف عن الدعاء ألا يصيب جيريمي أي مكروه قبل أن تصله الرسالة.
ثم سلّمت الظرف الخادم العجوز الذي دخل الغرفة ، و أومأت برأسها تطلب منه إيصاله في أسرع وقت ممكن.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "60"