عند حلول الظلام خارج النافذة، كان قصر هيلديبرانت يعج بالضجيج.
فقدت ديليا وعيها أخيرًا بعد فترة من تدهور حالتها الصحية.
و عند سماع الخبر، راح الخدم يذرعون المكان بقلق شديد، غير قادرين على إخفاء اضطرابهم.
كانت السيدة ضعيفة البنية منذ البداية، وكان الجميع يخشى أن تسوء حالتها أكثر.
على النقيض، ظل كالياس باردًا بلا أدنى انفعال. لم ترتجف حتى حواجبه السميكة، وكأن سقوط ديليا لم يكن له أي تأثير عليه.
تصاعدت الهمسات بين الخدم، مؤكدين أن طلاق الاثنين بات أمرًا محسومًا لا جدال فيه.
تنهد جيفري وهو يراقب كالياس، الذي لم يُعِر الأمر اهتمامًا، منشغلًا فقط بمراجعة الوثائق أمامه.
رغم السنوات الطويلة التي أمضاها في خدمته ، بدا له هذا التصرف غريبًا تمامًا.
كان واضحًا أن العلاقة بينهما ستنهار تمامًا قبل أن تُوقَّع أوراق الطلاق رسميًا.
نظر جيفري إلى كالياس بتردد قبل أن يتحدث أخيرًا:
“سيدي، هل أنتَ بخير؟”
توقفت يد كالياس عن تقليب الصفحات، ورفع بصره نحو جيفري. كانت عيناه خاويتين، خاليتين من أي تعبير، لدرجة تبعث على القشعريرة.
“عمَّ تتحدث؟”
“لقد أغمي على السيدة، ألا يُقلِقُكَ ذلك؟”
لو كان في حالته المعتادة، لكان قد اندفع فورًا عند سماع أن ديليا مريضة. لكن بعد أن فقد ذكرياته، بدا غير مكترث تمامًا بما يحدث لها.
بل إن نظرته الباردة كانت توحي بأنه منزعج من مقاطعة عمله بمثل هذا الحديث. شعر جيفري بجفاف حلقه وابتلع ريقه بصعوبة.
“يا له من تدخُّل لا داعي له”
ارتسمت على شفتي كالياس ابتسامة ملتوية.
“و هل مرضها أمر ذو أهمية؟”
“لكن …!”
“من الأفضل أن تصمت قبل أن ينفد صبري. إلا إذا كنت ترغب في تحمُّل مسؤولية عدم منع زواجي من ديليا”
في النهاية، لزم جيفري الصمت. لكنه ظل يحدق في رئيسه بقلق، وهو يراه يسير في طريق لا يبدو صحيحًا.
بعد ذلك، واصل كالياس التركيز على الأوراق أمامه بصمت، حتى حلّ وقت انصراف الجميع. حينها، نهض من مكانه أخيرًا.
استقبل وجهه النسيم القادم من النافذة، فمرر يده على ملامحه بتعب.
“الجميع، دون استثناء، يتهافتون لحمايتها… كما لو كان الأمر بهذه الأهمية.”
بدا في عينيه توتر واضح، وهو يحدق عبر أصابعه التي مررها على وجهه.
“لا شيء يسير كما أريد.”
بالنسبة له، كانت ديليا مجرد امرأة ستصبح قريبًا زوجته السابقة، لا أكثر. لكنه لم يكن يتوقع أن خبر سقوطها سيؤثر على تركيزه بهذا الشكل.
بمجرد أن خطرت بباله، اجتاح رأسه ألم حاد، مما جعله يعض على أسنانه بقوة.
“كيف يمكن لتلك المرأة أن تؤثر علي بهذا الشكل…؟”
طوال حياته، كان كالياس يزيح من طريقه أي شخص يزعجه، بغض النظر عن هويته. لكن مع ديليا ، الأمر كان مختلفًا. لم يستطع محو صورتها من ذاكرته و هي تتوسله بإلحاح، ودموعها تلمع، طالبة منه إعادة النظر في الطلاق.
ظل صامتًا للحظة، قبل أن يبدأ بالمشي.
خرج من مكتبه وسار في الممر الفارغ، رافعًا رأسه نحو باب الغرفة التي كانت تخصه وحده ذات يوم، لكنها أصبحت الآن غرفة نوم الزوجين.
بصوت هادئ و جاف ، قال:
“هل يمكنني الدخول؟”
….
لم يكن هناك أي رد.
ارتفع حاجبه قليلًا، ثم مد يده ليفتح الباب و يدخل.
‘يا له من ظلام دامس’
كانت الغرفة غارقة في السواد، بالكاد يمكن رؤية أي شيء.
تحرك نحو الشرفة، وسحب الستارة برفق.
شششش …
تسلل ضوء القمر الخافت إلى الداخل، ليضيء المكان بشكل طفيف. عندها فقط ، بدأ كالياس يتفحص الغرفة بتمعن.
“ما هذا المشهد؟”
ظل صامتًا لوهلة، وقد فقد القدرة على الكلام.
على السرير، كان هناك شيء يتحرك، ملفوفًا بإحكام في الأغطية مثل شرنقة.
بمجرد أن أدرك أنها ديليا، تصلبت ملامحه.
اقترب من السرير و سحب الأغطية التي كانت تحيط بها.
ما إن كشفها، حتى ظهرت أمامه ديليا وهي تلهث بهدوء، مغلقة عينيها بإرهاق.
كانت بعيدة كل البعد عن صورة دوقة نبيلة.
وجهها شاحب للغاية، شفتيها جافتين، وجسدها غارق في العرق البارد، مما جعلها تبدو وكأنها تعاني من مرض خطير.
بهدوء، مد كالياس يده ليعيد جسدها إلى وضعية أكثر راحة. ثم التقط الغطاء الذي أُزيح عنها، وأعاده ليغطيها.
لكن الغريب، أن احمرار وجهها ازداد أكثر.
‘من المفترض أنها خضعت للفحص الطبي بالفعل … لكنها تبدو وكأنها تعرضت للإهمال أو الإساءة’
تنهد ببطء، ثم انحنى قليلًا، ومد يده ليلامس جبهتها.
ما إن شعر بالحرارة العالية التي تنبعث منها، حتى تراجع للحظة من الدهشة.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "6"