في البداية، لم تفهم ديليا سبب تسمية العرض بـ”كونتيسة الورد”، لكن في النصف الثاني من الأوبرا، بدأت تدرك المعنى.
فقد أصبحت البطلة “كونتيسة الورد” حين أهداها من تحب زهرة الورد التي لم تستطع حتى النظر إليها في الماضي بسبب ثمنها الباهظ.
بعد انتهاء عرض الأوبرا، انتقلت ديليا و كاليوس عبر عربة إلى مكان يمتد فيه نهر واسع.
ومن هناك توجها إلى مرسى القوارب، حيث استمتعا بمشاهدة القوارب المختلفة بأشكالها المميزة.
لم تكن ديليا تعرف الكثير عن القوارب، لكنها وافقت دون تردد عندما اختار كاليوس قاربًا معينًا.
أمسكت بيده وصعدت برفق إلى سطح القارب الذي يطفو فوق النهر.
وحينما همّت بوضع قدمها الأخرى، هبّت ريح قوية فإهتز القارب قليلاً.
تفاجأت ديليا وكادت أن تسقط للخلف، لكن يدًا كبيرة أمسكت بسرعة بخصرها النحيل.
“هل أنتِ بخير؟”
“آه … نعم، شكرًا لمساعدتك”
ربما من شدة الارتباك، أمسك كاليوس بكتفيها بقوة.
وعندما تأوّهت ديليا من شدة القبضة، عبس كاليوس وتنحّى خطوة للخلف وهو ينقر لسانه.
في الماضي، كان سيوبّخها بقسوة ويتهمها بعدم الانتباه،
لكن رؤيته صامتًا بعد أن أمسك بخصرها، جعلها تشعر ببعض الحيرة.
“ما رأيك في موعدنا اليوم؟”
“موعد؟!”
اتسعت عينا كاليوس في دهشة غير مصدقة ، ثم حدّق في ديليا بصمت قبل أن يأخذ نفسًا عميقًا ويقبض يده بإحكام.
“رافقتكِ اليوم لأن اليوم عيد ميلادك … لم أكن أظن أنكِ ستعتبرينه موعدًا”
تناولا الطعام معًا، شاهدا مجوهرات في محل فاخر، استمتعا بعرض أوبرا عن كونتيسة، ثم صعدا قاربًا لمشاهدة الغروب …
وكل هذا لا يُعد موعدًا؟ إذًا، ما الذي كانت تفعله طَوال اليوم؟
بدأت نار الإحباط تشتعل في قلبها بعد أن شعرت بخيبة أمل عميقة.
أرادت أن تسأله بصوت عالٍ إن كان يعبث بمشاعرها، وإن كان يدرك ما يفعله بها.
لكن في اللحظة التي قابلت فيها نظرات كاليوس الجادة أكثر من أي وقت مضى، لم تستطع إلا أن تضحك بسخرية وتنظر إلى الأسفل.
“ما فعلناه اليوم يُسمّى موعدًا ، في العادة”
لو كانت إيزابيلا هنا، لضحكت عليها وقالت إن كاليوس لا يحبها أبدًا.
ولو كانت إيفلين حاضرة، لكان رأيها مشابهًا بلا شك.
… كانت تشعر اليوم بأن نهايته مختلفة ، أجمل من المعتاد.
لكن حين رأت أن كاليوس لم يعتبره إلا واجبًا ، فقط لأنه زوجها وهي حامل ، أحست بالظلم يتصاعد في صدرها.
“لا تقل لي … هل فعلت كل هذا لمجرد أنني حامل ، فتظاهرت بالموافقة؟”
لم يجبها كالياس.
و صمته وحده كان كافيًا لتعرف الإجابة.
و بمجرّد أن أدركت ذلك ، تجعّدت ملامحها بالأسى.
كانت تظن أنهما تقاربا، لكن ما فعله لم يكن سوى مجاملة، بسبب كونه زوجها فقط …
وهذا وحده كان كافيًا ليحطم قلبها.
رفعت دح رأسها بوجهٍ خالٍ من الروح ، و هي تحدق في السماء المتوهجة بلون القرميد ، و بدأت دموعها تنهار بهدوء ، قبل أن يحلّ الظلام.
كان ينبغي لها أن تصرخ في وجه كاليوس ، أن تسأله بغضب كيف يمكنه أن يكون بهذه القسوة.
لكنها لم تستطع التوقف عن البكاء.
حاولت عبثًا أن تتحكم في دموعها المتدفقة بلا توقف، لكنها في النهاية خفضت رأسها بإستسلام.
كاليوس الذي كان يراقبها بصمت، تنهد واقترب منها، ثم مد يده ليمسح دموعها براحته.
“توقفي عن البكاء. ستنهكين وتسقطين بهذا الشكل”
“أنت فقط… تجدني مزعجة، أليس كذلك؟ كل ما تريده هو التخلص مني، أليس كذلك؟”
كانت ديليا متأكدة: لولا الطفل في رحمها، لكان قد طلب الطلاق مرة أخرى بلا تردد.
وأمام هذا الإحساس العميق بالخذلان، بدأت تبكي كطفلة صغيرة.
“ألم يذكّرك شيء مما فعلناه اليوم بأي شيء؟”
“…”
ضاقت عينا كاليوس وهو يحدق فيها ببرود، ثم مرّر يده في شعره بعشوائية.
“ما الذي تتوقعينه مني؟ هل تظنين أني سأكون … لطيفًا؟”
وما إن سمعت ما كانت تخشى سماعه ، حتى شعرت الدنيا تدور بها. و كأن قلبها سقط في قاعٍ مظلم.
و لأن كاليوس أدرك فورًا وقع كلماته، ارتسمت على وجهه ابتسامة ساخرة ، ثم شبك يديه أمامه و قال بنبرة جادة:
“للأسف ، هذا لن يحدث أبدًا. حتى لو عادت إليّ ذاكرتي ، فلن أعود لما كنت عليه سابقًا”
“و كيف يمكنك أن تكون واثقًا هكذا …؟”
“لأن–”
وما إن بدأ بالحديث، حتى سطعت أشعة الغروب الحمراء فوقهما بقوة.
قطبت ديليا حاجبيها ، فوقف كاليوس أمامها ليحجب عنها الضوء، وأجاب بصوت منخفض: “لأن هذا أفضل لي ، و لكِ ، و للعائلة”
وفي تلك اللحظة، انهار شيء في داخلها.
أدركت فجأة أن كل ما فعلته من أجله لم يكن سوى جهد ضائع، فضحكت ضحكة مكسورة، ثم بدأت تسأله بأسئلة متتالية لم تكن تشبهها أبدًا.
“هل… تحب الآنسة سيلشستر؟”
“ولِمَ وصل الحديث إلى هنا؟ إن لم أحبكِ، فهل يعني أنني أحب تلك المرأة؟”
قطب كاليوس حاجبيه، ثم فجأة اتسعت عيناه بدهشة.
وبنبرة حادة مشوبة بالاستنكار، صرخ في وجه ديليا:
“هل هذا بسبب عرض الأوبرا؟ لأن البطلة كانت محبوبة، وأنتِ لست كذلك؟”
“ماذا؟ ما الذي تقصده؟”
“لا تتظاهري. أعلم تمامًا أنك تحبينني. لذا ، أردتِ أن تنالي حبًا مزيفًا … حتى لو كان باستخدام الطفل في بطنك كذريعة”
صفع-!
صفعة عالية صدمت الهواء …
نهضت ديليا من مكانها و صفعت خَدّ كاليوس متجاهلةً حتى القبعة التي طارت في الهواء.
بدا واضحًا أن يد ديليا احمرت و تورمت من قوة الضربة ، ربما لأن بشرة كاليوس كانت أقسى من بشرة الناس العاديين.
“انتبه لكلامك!”
“…”
“هل تعتقد أني سهلة المنال لأنني دائمًا ما أتكلم بلطف؟ أم أنك تظن أنني بلا قيمة حتى أنك لا ترغب حتى في الحديث معي؟”
كانت يد ديليا التي صفعت بها كاليوس ترتجف.
لم يسبق لها أن ضربت أحدًا بهذه الطريقة من قبل ، فأغلقت عينيها و هي تمسك بيدها اليمنى ، و كأنها تعاني من ألم كبير يجعل من الصعب التصديق بأنها كانت البادئة بإستخدام العنف.
“أنت تجعلني أشك في نفسي. دائمًا ما تتجاهلني بكلامك ، وتسمح لامرأة أخرى بأن تتجول بحرية!”
“مهلًا —”
“اصمت! هذه المرة دوري أنا. الآن حان وقتك لتصمت وتنصت لي!”
تحملت ديليا كل شيء لعدة أشهر و هي على أمل أنه مهما فعل ، فسوف يعود إليها في النهاية.
لكنها الآن وقد تحطم كل شيء ، بدأت تتصرف و كأنها فقدت عقلها، تفعل أشياء لا تشبهها أبدًا.
“لا… هذه ليست أنا…”
ومع ذلك، لم تستطع إلا أن تكره كاليوس الذي استمر في تجاهلها.
شعرت بالحزن الشديد على كل الأوقات التي صبرت فيها من أجله، ولم تعد قادرة على حبس دموعها.
“أنت تكره حتى أن ترى وجهي، أليس كذلك؟”
“…”
“نعم، لا بد أنه كذلك. سواء بكيت أو صفعتك، فأنت دائمًا صامت، لا ترد بكلمة”
كما قالت، ظل كاليوس يراقبها بصمت دون أي ردة فعل مهما فعلت. و كان هذا ما أخافها أكثر من أن يغضب أو يصرخ.
“… كفى ، أريد أن أنزل”
و بينما كانت الشمس تغيب و الظلام يبدأ في السيطرة على السماء ، عضّت ديليا شفتيها.
لم تعد تحتمل أن تكون على نفس القارب معه.
أرادت فقط العودة إلى القصر بأسرع ما يمكن ورمي نفسها على سريرها الناعم.
تنهد كاليوس وجلس في مكانه ، ثم بدأ يجدف على جانبي القارب، ناصحًا ديليا مرة أخرى: “فكري جيدًا … هل ما تفعلينه صواب؟”
و حين كانت ديليا تنزل من القارب و هي تمسك بيد كاليوس ، عبست فجأة.
فقد ارتفع صوت من بعيد يقول:
“أوه، أليس هذا دوقنا المحترم؟”
التفتت ديليا إلى مصدر الصوت بوجه متجهم ، لترى إيرل سيلشستر ، ذو الشعر الأحمر المشابه لشعر إيفلين.
كاليوس ، الذي بدا متحفّظًا من الاقتراب الذي يقوم به الإيرل ، قال بصوت منخفض لم تسمعه إلا ديليا:
“يبدو أنه سيكون من الصعب التعامل معه. انتظريني عند برج الساعة في الساحة. سأعود خلال ساعة”
“حسنًا، سأنتظر.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "55"