جوهرة شفافة كدموع الشتاء لا تفقد بريقها مهما كانت زاوية النظر إليها.
كانت تلك الجوهرة هي نفسها خاتم الزواج الذي استخدمه الاثنان – كان ألماسًا.
“إنه ألماس، أليس كذلك؟”
“…نعم، كذلك هو.”
نظرت ديليا إلى يدها اليسرى دون أن تشعر.
في الماضي، كان الخاتم يُرتدى في بنصرها، أما الآن فقد اختفى تمامًا دون أن يترك أي أثر.
لقد أقسمت سابقًا أمام كاليوس:
إذا استطاعت أن تساعده في استرجاع ذاكرته المفقودة، فستُعيد خاتم الزواج.
أما إذا لم تتمكن في النهاية من استعادة تلك الذاكرة ، فستتخلى عن الخاتم وتمنحه الإذن بالطلاق.
إذا ما قُيّم الوضع ببرود، فإن فرص فوز ديليا كانت ضئيلة للغاية.
ومع ذلك، كانت راغبة في أن تهب كل ما لديها لتلك الفرصة الصغيرة.
لهذا، نظرت ديليا إلى الألماسة المتلألئة بعينين مليئتين بالرجاء.
“أعتقد أن مجيئي إلى المقاطعة اليوم كان قرارًا صائبًا.”
“…ولِمَ ذلك؟”
“حتى قبل لحظات، بدا وجودي بجانبك كالحلم. لكن عندما نظرت إلى هذا الألماس أمامي، صحوت فجأة إلى الواقع. في هذه الحالة، لن تتذكرني أبدًا، وسأفقد مكاني كسيدة عائلة هيلدبرانت.”
لم تخبر إيفلين بذلك، لكنها كانت تدرك أن الطلاق سيكون حتميًا إن لم يستعد كاليوس ذاكرته يومًا.
لذا، سألت ديليا بصوت مكسور لم يكن أكثر حزنًا من قبل:
“ما رأيك؟ هل تظن أننا سننفصل يومًا ما إذا استمر الوضع هكذا؟”
“في الحقيقة، أنا أعلم مسبقًا. أنك لا تملك الرغبة في استعادة ذاكرتك”
“و رغم ذلك ، لماذا تحاولين أن تعيدينها إليّ؟”
“…لأنني أحبك”
كانت تعبث بأصابعها حين رفعت رأسها ببطء.
ثم، وعينها تدمع، اعترفت لكاليوس بكل ما في قلبها:
“لأنني أحبك. ولهذا، أتمنى بشدة أن تستعيد ذاكرتك”
من يرى الموقف من الخارج قد يعتبرها غبية ، و قد يقول إن ما فعلته كافٍ بالفعل ، خاصة بعد أن ضحّى بنفسه و سقط من على الشرفة من أجلها.
لكن من لم يكن طرفًا في هذه القصة ، لم يكن ليفهم.
بالنسبة إلى ديليا ، كانت الحياة تعني كاليوس ، ونهايتها كانت كاليوس أيضًا.
حينما تخلّى عنها الجميع، كان هو الوحيد الذي مد لها يده بالدفء، وذلك الشعور، لم تستطع نسيانه أبدًا.
ولو فشلت فعلًا في استرجاع ذاكرة كاليوس ، وفقدت مكانها كسيدة لعائلة هيلدبرانت ، فستكون حياتها القادمة لا وجود لها من الأساس.
لهذا السبب، كان لا بدّ لديليا أن تعيد ذاكرة كاليوس.
فقط حينها، ستتمكن من النجاة، وسيتمكن الجنين الذي في بطنها من أن يولد ويتنفس الحياة.
“إذًا… هل نبدأ بالتحرك الآن؟”
“نبدأ بالتحرك؟ إلى أين؟”
“ستعرف إن اتبعتني. لطالما أردت الذهاب إلى هناك معك منذ زمن.”
استدارت ديليا عن محل المجوهرات وأمسكت بيد كاليوس بلطف.
ثم بدأت بالسير متظاهرة بعدم الاكتراث، متجهة إلى وجهة ما.
وبينما كان كاليوس ينظر إلى جهة أخرى، حولت ديليا نظرها نحوه خفية.
كانت يدها الصغيرة والنحيلة، على عكس يده الرجولية المتينة، تبدو وكأنها قد تنكسر بأقل ضغط ممكن.
ولا يمكنها حتى تخيل كم تبدو تافهة في عيني كاليوس ، الرجل العائد لتوه من ساحة المعركة.
في النهاية، احمر وجه ديليا خجلًا وأفلتت يده بهدوء.
مع ذلك … لن أندم.
سواءً كان ذلك بشأن المكان الذي ستصل إليه قريبًا، أو بشأن مشاعرها تجاه كاليوس.
ابتسمت ديليا بتظاهر بالتماسك و سرّعت خطاها.
وبعد بضع دقائق من السير عبر شارع مليء بصالونات التجميل، بدأ صوت غناء خافت يُسمع من بعيد، وظهر مبنى كبير أمامهما.
كان ذلك المبنى هو دار الأوبرا الأكبر في مقاطعة هيلدبرانت.
“هل هذا ما كنتِ ترغبين به؟”
“كنت أرغب بمشاهدة الأوبرا معك منذ وقت طويل. كان حلمًا صغيرًا راودني قبل الزواج، لكن لم نتمكن من تحقيقه بسبب ضيق الوقت”
العرض الذي يُقام حاليًا ويحقق نجاحًا باهرًا في دار الأوبرا كان بعنوان “كونتيسة الورد”.
وكان هذا العمل قد نال شهرة واسعة حتى قبل زواج كاليوس و ديليا ، ويُعاد تقديمه سنويًا ضمن جدول العروض.
بدت ديليا متأثرة للغاية لمجرد التفكير بأنها ستشاهد الأوبرا التي لطالما رغبت برؤيتها، إلى جانب أعز شخص لديها.
“انتظرني لحظة فقط.”
قالت ديليا ذلك لكاليوس قبل أن تتوجه بسرعة نحو شباك التذاكر.
ثم ابتسمت للموظف الذي بدا عليه الارتباك وطلبت منه تذكرتين لمقصورة الشخصيات الخاصة.
رد الموظف بأنه سيجهز الأمر بسرعة، ثم دخل إلى الداخل، وما لبث أن عاد ومعه تذكرتان للمقصورة الفاخرة.
في الأوقات العادية، كانت لترفض هذا وتقول إن المقاعد العادية تكفي ، لكنها لم تستطع قبول أقل من هذا و هي برفقة كاليوس ، فأومأت برضا.
عادت ديليا نحو كاليوس ، ووجنتاها متوردتان، ثم أخبرته بأن بإمكانهما الدخول الآن.
أخذت منشور العرض من شباك التذاكر وبدأت تقرأه بتمعن أثناء سيرها.
في الصفحة الأولى من المنشور، ظهرت صورة كونتيسة جميلة تمسك بيديها باقة ضخمة من الورود الحمراء و تبتسم بوجه مشرق.
تدور قصة العرض حول البطلة التي نشأت يتيمة منذ طفولتها ، و تقودها الأقدار إلى الدخول في علاقة تجارية – و من ثم رومانسية – مع الابن الأكبر لعائلة نبيلة، من خلال عطر قامت بصنعه بنفسها.
على عكس العروض الأخرى التي تعتمد على الإثارة، كان هذا العمل يتناول قصة البطلة التي كانت منبوذة من الجميع، لكنها تمكنت من كسب الحب بقوتها وإرادتها.
تأثرت ديليا كثيرًا لأنها ستتمكن من مشاهدة هذه التحفة الفنية بعينيها ، وقدمت التذكرتين لموظف التفتيش قبل أن تتبع الإرشادات إلى الداخل.
المقصورات هناك كانت مصممة كغرف مستقلة مفصولة بحواجز و مزودة بأبواب ، تشبه الصناديق المغلقة.
وكانت مخصصة للنبلاء وأصحاب المقامات الرفيعة فقط، لما توفره من خصوصية وفخامة.
تم تخصيص المقصورة في الطابق الثالث لديليا ، وهو طابق لا هو مرتفع جدًا ولا منخفض، لتقضي فيه وقتًا مريحًا، كما تمنى لها الموظف بلطف قبل أن يتركها وحدها مع كاليوس.
جلست ديليا على الأريكة الوثيرة وأطلقت تنهيدة هادئة.
منذ أن وصلت إلى المقاطعة، كانت تتنقل بإستمرار، حتى شعرت وكأن قدميها قد تورمتا من التعب.
وبينما كانت تدلّك ساقيها بتعب، وقف كاليوس مستندًا إلى حافة المقصورة، مكتّف الذراعين وعلى وجهه نظرة ساخرة.
“إذا كانت ساقاكِ تؤلمانكِ ، لِمَ لَم ترجعي من البداية؟ يبدو أنك عنيدة للغاية”
“عنـ- عنيدة؟…!”
على الرغم من أنها عاشت حياة لا يمكن وصفها بالقصيرة أو الطويلة، إلا أن هذه كانت المرة الأولى التي يوصفها فيها أحد بالعناد.
بينما كانت ديليا تتحرك فمها في ذهول دون أن تعرف ما تقول ، أخذ كاليوس الكتيب الذي كانت تحمله بيدها و تصفّحه سريعًا.
“لكن ، لم أكن أتوقع ذلك أبدًا. لم أتخيل أنك من محبي هذا النوع من العروض”
“لستُ بعيدة عن الأنشطة الثقافية كما تظن. أحيانًا، كنت أستمتع بمشاهدة العروض وأغرق في التأمل. كان ذلك أحد هواياتي.”
“حقًا؟ هذا صعب التصديق”
… و هل يعقل أن تبقى في القصر طوال 365 يومًا من السنة؟
مثلها مثل الآخرين الذين يبحثون عن شيء جديد في حياتهم الرتيبة، كانت ديليا تستمتع أحيانًا بأشياء مسلية و مثيرة للاهتمام.
بينما كانت تعبس بوجهها استياءً، بدأت الأضواء في السقف تُطفأ ببطء، ما يشير إلى انتهاء دخول الجمهور.
وبعد لحظات، أُضيئت الأنوار على خشبة المسرح، وظهرت بطلة العرض “كونتيسة الورد”، روزيت.
أسرعت ديليا بوضع نظارة الأوبرا التي حصلت عليها من الموظف قبل قليل، ووجهتها نحو المسرح.
ملخص عرض الأوبرا كان كالتالي:
رويزيت، البطلة، فتاة يتيمة تخلى عنها والداها في طفولتها.
عندما بلغت العشرين من عمرها، اضطرت إلى مغادرة دار الأيتام والاستقلال بنفسها.
وبينما كانت تبحث عن عمل، قرأت إعلانًا عن توظيف خادمة في قصر إحدى العائلات النبيلة.
نجحت روزيت في الالتحاق بالعمل هناك، لكن القصر الذي بدا رائعًا من الخارج كان، من الداخل، لا يختلف عن أرضٍ متجمدة.
والسبب كان بطل القصة، إدغار، الذي لم يخرج من غرفته منذ سنوات.
فقد إدغار عائلته في حادث مأساوي، ومنذ ذلك الحين، كان يرى أطيافهم كل ليلة و يعاني من روائح غريبة ومزعجة لا تفارقه.
ذات ليلة، رأت روزيت معاناته بعينيها، وبدأت تفكر إن كان بإمكانها فعل شيء لأجله.
عندها تذكرت هوايتها القديمة: صنع العطور.
كانت تعلم أن حالته النفسية سببها الصدمة والحزن لفقدان عائلته، فسألت زميلاتها عن الزهور المفضلة لأفراد أسرته الراحلة، وتوصلت إلى أنهم كانوا يحبون زهور الزنبق.
فأعدّت له عطرًا برائحة الزنبق المنعشة.
في أحد الأيام، لاحظ إدغار عبير الزنبق في غرفته ، و تدفقت إليه ذكريات عائلته، فلم يتمالك نفسه وذرف الدموع.
بعدها بدأ بالتحري عن صاحب العطر، ليكتشف أن روزيت هي من تركته له.
وهكذا، بدأ لقاؤهما الأول، ثم استمرت لقاءاتهما السرية تحت ذريعة إعداد عطر خاص له ، وتدريجيًا، تعرّفا على بعضهما البعض، وتشاركا آلامهما، ووقعا في حب عابر للطبقات الاجتماعية.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "54"