بعد حفل ميلاد إيزابيلا، كان كاليوس مشغولًا للغاية، لذا كانت ديليا تتفهم إلى حد ما أنه لم يتمكن من الاحتفال بعيد ميلادها.
لكن، هذا لا يعني أنها لم تشعر بالخذلان.
بوجه يملؤه الحزن، نهضت ديليا من مكانها وتوجهت نحو غرفة الملابس.
“سيدتي، إلى أين تذهبين فجأة؟”
“سأقوم بجولة قصيرة في المقاطعة. لن أتأخر، فلا تقلقي”
شعرت أنه إن بقيت وحيدة في الغرفة أكثر من ذلك، فستنهار.
بمساعدة سارا، ارتدت ديليا فستانًا أخضر غامق مائل إلى الأزرق، ثم توجهت إلى العربة التي كانت تنتظرها في الطابق الأرضي.
وبينما كانت تفكر في كاليوس، الذي لم تكن متأكدة إن كان في مكتبه أم لا، عضّت على شفتيها.
تمتمت بكلمات وكأنها تقول “سأعود قريبًا” ، ثم صعدت إلى العربة على عجل.
حماتها، وأخوها، وحتى زوجها كاليوس —جميعهم لم يهنئوها بعيد ميلادها.
شعرت أن من هم الأقرب إليها يتجاهلونها أكثر من أولئك البعيدين عنها ، مما جعل صدرها يضيق بشدة.
هل أنا شخص لا يستحق التقدير؟
منذ أن فقد كاليوس ذاكرته، لم تعد تشعر أنها تُعامل كإنسانة بحق.
امتلأت عيناها بالدموع فجأة، وبدأت تسيل دون إرادة منها، فبحثت في جيبها بسرعة لتجففها.
في الآونة الأخيرة، ومنذ أن أصبحت حاملًا، أصبحت مشاعرها غير مستقرة إلى حد الجنون.
وضعت ديليا رأسها على نافذة العربة، وشعرت وكأنها تسقط في هاوية بلا نهاية.
لا تدري كم مضى من الوقت، لكن صوت السائق يخبرها بالوصول أعادها إلى الواقع.
فتحت عينيها على عجل، ونزلت من العربة.
عندما غادرت القصر، كان الطقس جميلاً، لكن فجأة أصبح الجو قاتمًا وكأن المطر على وشك الهطول.
شعرت ديليا بالكآبة، وكأن السماء نفسها قد تخلت عنها، فأدارت ظهرها بخيبة أمل.
و حيث إن هطول المطر يجعل من الصعب تحريك العربة، قررت العودة إلى القصر، رغم خيبة أملها.
وبينما كانت تصعد مجددًا إلى العربة، سمعت صوتًا مألوفًا يناديها من مكان قريب.
“ديليا؟ ما الذي تفعلينه هنا؟”
“……!”
بمجرد أن سمعت الصوت، استدارت بسرعة.
كان شعره الأسود، الذي لا يشوبه لون، مصففًا بالكامل إلى الخلف، ويرتدي سترة رمادية وقميصًا أبيض.
بدا كاليوس حينها وكأنه مثال للكمال الذي تحلم به كل امرأة.
نزلت ديليا على عجل من العربة واقتربت منه، متألقة بوجه مفعم بالفرح، وقالت: “عزيزي، ألم تكن في القصر؟”
“كنت هناك حتى الفجر. ثم استدعيت على عجل إلى المقاطعة بسبب أمر طارئ”
“آه … هكذا إذًا”
ظنت ديليا أنه نسي عيد ميلادها، لكنها شعرت بنبض قلبها يتسارع عندما فكرت في أنه كان مشغولًا منذ الفجر ولم يجد فرصة للاهتمام بها.
بينما كانت السماء الصافية تشرق من جديد وكأنها ترحب بهذين الاثنين، ارتسمت ابتسامة مشرقة على وجه ديليا.
أمسكت بطرف قميص كاليوس و سألته بخفة:
“هل تود البقاء معي ، إن لم يكن لديك مانع؟”
“…أن أبقى معكِ؟”
عند سؤال ديليا ، تجمد تعبير وجه كاليوس وكأنه سمع شيئًا غريبًا.
راح يحدق في ديليا المتوترة بصمت، ثم تنهد بخفة.
بعدها، تحرك خطوة إلى الأمام قبلها بقليل ، ثم التفت برأسه قليلًا و قال: “ما الذي تفعلينه هناك؟ لماذا لا تتبعينني؟”
“…!”
كانت تظن أنه سيتجاهلها، لكن قوله “لماذا لا تتبعينني؟” جعل الابتسامة تزهر فجأة على وجهها.
ونسيت أنها دوقة، وانطلقت نحوه تركض بسعادة.
“بالمناسبة ، هل تناولتِ وجبة مناسبة؟”
“هم؟ تقصد الطعام؟”
… والآن بعد أن فكرت في الأمر، تذكرت أنها كانت تنتظر كاليوس منذ الفجر، ولم تأكل شيئًا تقريبًا.
كانت تنوي أن تكذب و تقول إنها تناولت إفطارًا شهيًا ، لكن قبل أن تفتح فمها، أطلق بطنها صوتًا واضحًا “قرررر”.
احمر وجه ديليا خجلًا وأخفضت رأسها، بينما اقترب منها كاليوس وهو يرفع حاجبيه بدهشة طفيفة.
“لا داعي للخجل. من الطبيعي أن تزداد شهيتك وأنتِ حامل.”
…لكن كاليوس لا يعرف ، أنها في العادة لا تستطيع أكل شيء بسبب الغثيان ، سوى الخوخ.
و مع ذلك ، لم ترد أن تُفسد هذه اللحظة الجميلة ، لذا أمسكت ببطنها كأنها شديدة الجوع ، وهزّت رأسها بحماس.
حين دخلت ديليا إلى المطعم وهي تمسك بيد كاليوس ، توقف الناس عن الأكل حالما لاحظوا من هما، وانحنوا بأدب بعد أن أدركوا مكانتهما.
بعد فترة وجيزة، خرج الطاهي من المطبخ وقدّم قائمة الطعام بيدين مرتجفتين.
عندما نظرت إلى الأطباق الرئيسية، كان أول ما ظهر هو طبق “بُويف بورغينيون” — يخنة لحم بقري مطهوة بالنبيذ مع خضراوات متنوعة، تُطهى ببطء حتى تصبح طرية للغاية.
بدا الطبق شهيًا للغاية.
يبدو أن كاليوس لاحظ أنها كانت تقرأ وصف هذا الطبق بإمعان ، فطلب من الطاهي أن يكون “بُويف بورغينيون” هو الطبق الرئيسي.
“و ماذا أيضًا؟ ما الذي ترغبين بأكله؟”
“آه، حسنًا …”
عند سؤاله، أسرعت ديليا بتقليب صفحات القائمة.
وسرعان ما وقعت عيناها على صورة لغراتان الجبن المخبوز مع الخبز في الفرن.
يبدو أن المطعم أضاف البطاطا المشوية والكريمة الناعمة لخلق طعم دسم شهي، وكان عطر الطبق يعبق في المكان ويفتح الشهية.
عندما رآها تتأمل الطبق بعينين متألقتين، أدرك كاليوس على الفور أن ديليا ترغب في تناول الغراتان، فطلبه لها دون تردد.
بعد ذلك، طلب طبق معكرونة بالمحار والمأكولات البحرية، و أخيرًا عصير جريب فروت طازج مصنوع من الجريب فروت الطازج المعصور.
مرّ بعض الوقت أثناء انتظارهما للطعام، ثم بدأت الأطباق التي طلباها تُوضع على الطاولة واحدًا تلو الآخر، مصحوبة بعبارة: “نعتذر على الانتظار الطويل”.
كانت ديليا تظن من الصور أن الأطباق صغيرة ، لكنها فوجئت بالكميات الكبيرة ، فلم تستطع إخفاء تعبير الدهشة عن وجهها.
“إذن، نتمنى لكما وجبة شهية”
“… شكرًا لك.”
أمسكت ديليا بالشوكة والسكين على الطاولة.
و بحذر ، بسبب الغثيان الذي يهاجمها أحيانًا، تذوقت أول قضمة من طبق “بُويف بورغينيون”. لكنها ما إن تذوقته حتى اتسعت عيناها بدهشة لم تصدقها.
يا إلهي ، كانت تظن أنها ستتقيأ على الفور … لكن لم يحدث شيء من ذلك!
بل على العكس، اللحم الذي يذوب في الفم دون مقاومة كان لذيذًا جدًا، مما جعلها تنظر بسرعة إلى بقية الأطباق بحماس.
ثم سكبت كمية من الغراتان الساخن و المغطى بطبقة غنية من الجبن في طبقها الصغير. نفخت عليه بهدوء حتى لا تحترق شفتاها، ثم تذوقته ببطء.
ظلت تمضغ الطعام بصمت لفترة، ثم بلعته أخيرًا، ووضعت أدوات الطعام على الطاولة وهي تنظر بدهشة لا تُصدق.
واصلت بعدها تذوق المعكرونة بالمأكولات البحرية وعصير الجريب فروت الطازج، وعندما وصلت إلى منتصف الأطباق، أدركت فجأة أنها أكلت الكثير.
أسرعت بمسح فمها ونظرت إلى كاليوس بتوتر.
“هل الطعام لم يعجبكَ؟”
فعلى عكس طبقها الذي امتلأ ببقايا الصلصة ، كان طبق كاليوس لا يزال نظيفًا كما كان في البداية.
لم يتذوق أي شيء حتى الآن ، فهل كانت وحدها من التهم الطعام بهذا الشكل و كأنها جائعة منذ أيام؟
ارتبكت ديليا وتجمدت في مكانها، لكن كاليوس أشار برأسه وقال إنه تناول الطعام قبل قليل، لذا لم يكن جائعًا.
مسحت ديليا شفتيها بمنديل، ووضعت أدوات الطعام برفق على الطاولة.
لكن كاليوس ألقى عليها نظرة بدا و كأنه يسألها: “ولماذا تتركين الطعام دون سبب؟ ما الخطأ؟”
لكنها لم تستطع مواصلة الأكل وحدها بينما هو لم يلمس طبقه، لذا تظاهرت بأنها ممتلئة تمامًا، وقالت إنها لا تستطيع تناول المزيد.
عندها قال كاليوس بنبرة خفيفة التوبيخ: “لو كنتِ ممتلئة، لِمَ أصررتِ على الاستمرار؟”
ثم نهض من مكانه، و ديليا أسرعت بالنهوض خلفه.
دفع ثمن الطعام للطاهي، الذي حاول رفض المبلغ بأدب، ثم غادر المطعم بسرعة.
خرج الاثنان معًا يمشيان ببطء في شارع يعجّ بصالونات التجميل والمحالّ، حتى تساعد ديليا في هضم ما أكلته.
كانت تتمنى أن تمسك بذراع كاليوس ، لكن بما أن هذه لم تكن مناسبة رسمية ، فإحتمالية أن يسمح لها بالتقرب منه كانت ضئيلة جدًا. لذا ، نظرت إلى يديها الفارغتين بحزن.
في تلك اللحظة، توقف كاليوس الذي كان يسير أمامها فجأة.
اقتربت ديليا منه بتعجب ، و نظرت إلى ما كان يحدّق فيه.
“… هذا …؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "53"