بدأت الخادمة بوضع كريم أساس يماثل لون بشرة ديليا على وجهها بشكل متساوٍ.
ثم وضعت قاعدة ظل جفون أغمق بدرجة بسيطة من لون البشرة فوق الجفون ، و أعقبتها بتوزيع ظل لامع خفيف في منتصف الجفن ليمنح لمسة متألقة.
و أخيرًا ، وضعت أحمر شفاه بلون مرجاني يتناسق مع لون شفتيها الطبيعي، دون أن يكون بعيدًا جدًا عن لونها الأصلي.
كانت ديليا تود لو تنهي التحضيرات عند هذا الحد ، لكن لا يزال الأهم – اختيار الفستان – قائمًا. و لهذا جلست تحدّق بشرود في الفساتين التي جلبتها الخادمات.
فمن غير اللائق ارتداء فستان أبيض في حفل عيد ميلاد حماتها ، إذ سيبدو و كأنها هي من تتصدر الحفل.
و في المقابل ، فإن الأسود سيوحي بالموت والحزن.
بعد أن فكرت مليًا في كل الخيارات ، اختارت ديليا في النهاية فستانًا بلون أزرق سماوي ، لا مبالغ فيه ولا باهت جدًا.
بدا من الوهلة الأولى وكأنه طراز قديم، لكن عند التمعن فيه، كان مزينًا بأطراف من الدانتيل الغني بدقة في مواضع متفرقة، مما منحه لمسة أنيقة وراقية.
خلعت ديليا قميص النوم و ارتدت الفستان الأنيق بعناية ، ثم اختارت “بونيت” – قبعة ناعمة تلتف حول شعرها – كإكسسوار يكمل إطلالتها.
وبعد أن أنهت الاستعداد لحضور حفلة إيزابيلا ، نظرت ديليا إلى انعكاسها في المرآة وابتسمت برضا.
وبعد فترة، سُمعت خطوات تقترب من بعيد، تبعها صوت طرق على باب غرفة تبديل الملابس.
كانت ديليا تجلس بينما سارا تمشط شعرها، لكنها وقفت وذهبت بنفسها لفتح الباب.
فكان واقفًا أمامها كبير الخدم العجوز، وابتسامة دافئة تعلو محياه. وما إن رأته، حتى علمت أن كاليوس قد أتم استعداداته، فارتسمت السعادة على وجه ديليا ووقفت بسرعة.
لوّحت بيدها نحو سارا وبقية الخادمات، ثم أسرعت تتبع كبير الخدم متوجهة إلى الطابق الأول.
وهناك، وعند زاوية الدرج، أبصرت رجلاً يستند إلى الحائط في انتظارها.
على غير عادته، ترك نصف شعره الأسود منسدلاً، بينما مرر النصف الآخر خلف أذنه، مرتديًا بدلة أنيقة مفصلة تناسب قامته.
كان كاليوس رجلاً ذا قامة فارعة و ملامح وسيمة تلفت الأنظار لدرجة أن من يراه قد يظنه عارض أزياء لم يتزوج بعد.
ورغم أنه زوجها الوحيد، إلا أن ديليا كلما رأت تلك الطلة الآسرة شعرت بأن أنفاسها تختنق وقلبها يكاد يخرج من بين ضلوعها.
وبينما تحاول تهدئة ضربات قلبها التي كادت تقفز من صدرها، تقدمت ديليا نحوه بهدوء.
“عزيزي، هل انتظرت طويلًا؟”
“أنتِ تعلمين جيدًا. لماذا استغرق الأمر كل هذا الوقت للاستعداد؟”
“آه، أنا آسفة. استيقظت مبكرًا واستعددت، لكن في النهاية تأخرت …”
استيقظت منذ الفجر، حين كان الجميع نائمين، وأكلت ثلاث قطع من الخوخ فقط وركّزت على التزيّن. و مع ذلك ، شعرت بالإحباط لأنها تلقت توبيخًا من كاليوس.
اقتربت ديليا من كاليوس ببطء، ووجهها قد أصبح شاحبًا قليلًا. وعندها، فجأة ومن دون سابق إنذار، أمسك كاليوس بيد ديليا بسرعة.
وعندما أظهرت ديليا ملامح الدهشة بسبب الموقف المفاجئ، أشار كاليوس بذقنه نحو الساعة المعلقة على الحائط.
نظرًا لأن الوقت قد تأخر، قال إنه سينتقل بأقصى سرعة، وأكد عليها أن تخبره إذا شعرت بالتعب، ثم شد على يدها الممسكة به مرة أخرى بقوة.
انتقلت ديليا إلى العربة ممسكة بيد كاليوس، لكن وجهها شحب على الفور.
كانت تعتقد أن صدمتها من العربات قد تلاشت إلى حد ما، لكنها لم تكن تتوقع أن تصاب بدوار الحركة بسبب الحمل.
بينما كانت ديليا تمسك فمها وتخفض رأسها، فتّش كاليوس في جيب سترته الداخلي وأخرج لها منديلًا. وعندما رمشت بعينيها مندهشة من لطفه، فتح كفّها ووضع المنديل فيها بنفسه.
في اللحظة التي كانت ديليا مترددة في استخدام المنديل، بدأ صوت السائق يُعلن عن وصولهم، وتوقفت العربة التي كانت تسير ببطء.
وبينما كانت ديليا تفكر في كيفية النزول و هي تنظر إلى كاليوس ينزل أولًا من العربة ، مدّ كاليّوس يده نحوها قائلًا:
“أمسكي بيدي وانزلي ببطء”
“آه…”
في السابق، كان قد غادر الحفل الإمبراطوري دونها، أما الآن، لم يكتفِ بانتظارها، بل مدّ يده لها أيضًا، مما جعل قلبها يغمره التأثر.
نظرت ديليا بهدوء إلى يده الخشنة المليئة بالندوب، ثم مدت يدها ببطء.
بعد أن نزلت بأمان من العربة ممسكة بيد كاليوس، شكَرته بابتسامة.
“شكرًا جزيلًا لمساعدتك لي.”
“… لا حاجة لأن تشكريني على شيء كهذا.”
وفي تلك اللحظة، وبينما كانت مشاعر الشكر تملأ الجو بين ديليا و كاليوس ، سُمعت أصوات خطوات الكعب العالي مصحوبة بصوت ينادي من بعيد على كاليوس.
لم تكن ديليا بحاجة لأن تدير رأسها لتعرف من القادمة ؛ لم يكن هناك من يركض لرؤية كاليوس من بعيد سوى والدته، إيزابيلا.
اقتربت إيزابيلا من كاليوس و انفجرت بإبتسامة مشرقة ، ثم عانقته وهي تُظهر ملامح التأثر.
وبعد أن تأكدت من مظهر ابنها، أومأت برأسها برضًا.
لكنها سرعان ما عبست، ثم أدارت رأسها نحو ديليا التي كانت واقفة تجمع يديها، ونظرت إليها ببرود.
“حسنًا، أتيتِ أنتِ أيضًا”
“… نعم، هل كنتِ بخير طوال هذه المدة؟”
“يا لسخافة الأمر. هل تظنين أنني كنت أعيش براحة؟”
ها هي تبدأ من جديد.
ما إن ألقت التحية حتى بدأت التوبيخات.
نظرت ديليا بصمت إلى الأرض. ثم اقتربت منها إيزابيلا بخطوة واحدة، وبدأت تنقر على بطنها الذي لم يظهر بعد بأطراف أصابعها الحادة.
“إذًا؟ هل الطفل ما زال ثابتًا في مكانه؟”
“… سيدتي …!”
“أوه ، هل تجرؤين على رفع صوتكِ في وجهي الآن؟ لو سمعنا أحد ، لظن أنني ارتكبت أمرًا فظيعًا! كل ما فعلته هو لمس بطن كنّتي ، فما الخطأ في ذلك؟”
…لا يمكن تصديق هذا.
أكانت تظن أن ما فعلته يقتصر على مجرد لمس الجنين داخل البطن؟ لقد شعرت بوضوح بأنها ضغطت بأطراف أصابعها!
تراجعت ديليا بسرعة مبتعدة عن إيزابيلا ، ثم أحاطت بطنها بكلتا يديها ، محاولة بكل قوتها حماية جنينها الذي لم يولد بعد. كان ذلك أحد الأمور التي يجب على الأم الحامل القيام بها دون تردد.
ومع ذلك، نقرت إيزابيلا لسانها بإزعاج، مشيرة إلى أن ديليا تبالغ في تصرفاتها.
“على كل حال، بنيّ، هل كانت الطريق إلى هنا مرهقة؟”
“أنا بخير ، لكن الطريق كان مليئًا بالحجارة. أخشى أن يحدث حادث كبير إن تُرك الوضع كما هو، لذا يجب الحذر”
“ألم أقل ذلك؟ يجب أن نُعيد تسوية الطريق المؤدي إلى قصر هيلدبرانت، أو ربما يجب أن أُقرب مكان إقامتي من بيت العائلة.”
عند سماع كلمات إيزابيلا، ارتسمت على وجه ديليا ملامح الحيرة والقلق.
منزل إيزابيلا، الواقع على بُعد مسافة بسيطة من قصر هيلدبرانت، كان مكانًا تحيطه رائحة الزهور، يُعد مناسبًا للعيش فيه بكل المقاييس.
لقد أصرت بنفسها بعد زواج ابنها على أن تعيش في ذلك المكان. و الآن فجأة؟ تريد الانتقال إلى مكان أقرب إلى بيت العائلة؟
و لأنه لم تكن هناك أي قطعة أرض مناسبة لبناء منزل بالقرب من قصر هيلدبرانت، فإن ما تعنيه إيزابيلا في الواقع هو أنها تنوي الانتقال إلى قصر هيلدبرانت نفسه.
‘لا، هذا مستحيل. هذا الشيء بالذات لا أطيقه’
فقط فكرة العيش مع إيزابيلا، التي تكرهها لدرجة القتل، داخل بيت العائلة، كانت كفيلة بجعل ديليا تشعر بالغثيان.
و عندما شحب وجه ديليا مرة أخرى ، كما حصل سابقًا في العربة ، وقف كاليوس أمام إيزابيلا و قال بصوت بارد:
“دعينا نؤجل الحديث عن ذلك. إلى متى تنوين إبقاءنا واقفين في الخارج؟”
“أجل، معك حق.”
ربما أعجبها أن كاليوس يتكلم لصالحها، ففتحت إيزابيلا مروحتها و ضحكت بصوت أعلى من المعتاد. ثم خطت خطواتها بتأنٍ وقالت لهم أن يتبعوها.
وبعد حوالي خمس دقائق من المشي خلفها، بدأت أصوات ضحك الناس تتناهى إليهم من بعيد ، و ظهرت امرأة ذات شعر أحمر تبتسم وسط الحشد.
“… الآنسة سلشستر؟”
كانت تلك المرأة إيفلين نفسها.
كانت ديليا تعلم أن إيزابيلا وإيفلين مقربتان، لكنها لم تتخيل إطلاقًا أن تتم دعوتها إلى حفل ميلاد عام يُشاهده الجميع.
لذا، عندما بدت ملامح المفاجأة على وجه ديليا ، نظرت إليها إيزابيلا و كأنها تقول: “ما الذي يُدهشك؟” ثم اقتربت من إيفلين.
إيفلين، التي بدت أكثر تألقًا من المعتاد وسط الحشود مثل وردة بين زهور الحقل، فتحت عينيها على وسعهما، وراحت تُدلّك كتفي إيزابيلا بخفة و هي تسألها أين كانت طوال الوقت.
وبينما كانت ديليا تراقب ذلك المشهد بشيء من الاستهجان، لاحظت إيفلين نظرتها، فرفعت رأسها ورأت ديليا و كاليوس.
ثم أشرقت عيناها واقتربت منهما بخطى خفيفة.
“جلالتك، لقد وصلت أخيرًا! كنا ننتظر قدومك بفارغ الصبر!”
“قمتِ بشيء غير ضروري دون إذن.”
“غير ضروري؟ قلبي كان ينبض بقوة من شدة الترقب طوال فترة الانتظار، وهذا هو الخطأ الوحيد الذي ارتكبته”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "50"