“هل ما قلتهُ للتو صحيحٌ؟”

“سيّدي الدوق، أرجوك، اهدأ من فضلك”

“هل أبدو لك الآن وكأنني قادر على عدم الذهول؟ ديليا تحمل طفلًا في أحشائها!”

كان يقف أمام كاليوس طبيبُ الأسرة مرتديًا رداءً أبيض ناصعًا.

أخرجَ الطبيب منديلاً من جيبه وبدأ يمسحُ بسرعةٍ العرق البارد الذي كان يتصبب منه كالمطر.

أدركت ديليا متأخرًا، بعد رؤية كلام كاليوس وتصرفاته، أن كاليوس، مثلها تمامًا، علم بخبر الحمل من خلال أفواه الآخرين.

بما أنّها تحمل طفلَه، كان من المفترض أن تواجه هذا الموقف عاجلًا أم آجلًا، لكن رؤيتَه بعبوسٍ جعلتها عاجزةً عَن فتحِ فمها بسهولة.

في النهاية، ظلّت ديليا مترددة، لا هذا ولا ذاك، مستندة بظهرها إلى زاوية الممر.

“لا أعرف إن كان ينبغي لي قولُ هذا، لكن نظرًا لضعف جسم السيدة مؤخرًا، يجب عليكم توخّي الحذر”

عند سماع نصيحة الطبيب الحذرة، ضاقتَ عينا كاليوس.

وبينما كان يشبكُ ذراعيهِ، ردّ على الطبيب بصوتٍ أكثر جدّية من قبل:

“هل هناكَ مشكلةٌ في جسد ديليا؟”

في تلك اللحظة، ظنّت ديليا أن أذنيها قد أخطأتا السمع.

توقّفت عن التنفّس للحظة و عبست.

مؤخرًا، كانت تعاني من المشي أثناء النوم كل ليلة، ومنذ زيارتها للقصر الإمبراطوري، شعرت بآلام بطن غامضة، ولم يكن جسدها في حالةٍ طبيعية.

ديليا، التي كانت تعرف هذا أكثر من أيّ شخص ، كرّرت كلمات كاليوس في ذهنِها عدّة مرّات وهي ترتجف.

‘هل … يعتقد أنني مُعاقة؟ أعرف أنه قد لا يقصد شيئًا سيئًا، لكن أفكاري كانت تميل إلى السلبية باستمرار.’

سواء كان يعرف ذلك أم لا، وضع كاليوس يده على جبينه و أضاف:

“هل هناك احتمال أن يكون الطفل هو المشكلةَ؟”

في تلك اللحظة، شعرت ديليا وكأنّ قلبها يهوي إلى الأرض.

‘إنهُ لا يريدُ الطفَل. ربما يتمنَى أن أجهضهُ. لقد بذلت جهدًا من أجلهِ، وحتى جمعتُ معلومات من القصر الإمبراطوري، لكنهُ لا يزالَ يعتبرني مجرّد قيد.’

ظلّت ديليا لفترة واقفة بوجه مصدوم وجريح، ثم نهضت ببطء.

دعمت جسدها المتعثّر بالكاد و تقدّمت خطوة، ثم اثنتين، نحو كاليوس.

شعر كاليوس بحركةٍ تقترب منه وأدار بصره.

عندما رأى ديليا تقترب بشحوب وجهها، هرع إليها بخطوة واحدة.

“…ديليا؟ لماذا أنتِ هنا؟”

“نمتُ حتى وقت متأخر اليوم، وكنتُ في طريقي بعد تناول الطعام. ثم رأيتكَ تتحدثُ في الممرِ.”

في الأيام العادية، كانت كلمات كاليوس ستُثبّط عزيمتها، لكن فكرة أن حياة جديدة تنمو في أحشائها منحتها شجاعةً غير معتادة.

عندئذ، عبس كاليوس كما لو أنه سمَع شيئًا غريبًا.

أمسك بكتفي ديليا المتوترتين ووبّخها بصوت منخفض:

“جسدكِ ليس على ما يرام، فلماذا تتجولين هكذا بلا مبالاةٍ؟”

لم تُجب ديليا على كلمات كاليوس.

فقط احتضنت بطنها المسطّح و تراجعت خطوة عنه.

بدا واضحًا للجميع أنّها تحاول حماية شيءٍ منه ، فرفع كاليوس حاجبًا واحدًا.

“من تصرفاتك، يبدو أنك تعرفين حالتك جيدًا.”

“…نعم، أعَرفها جيدًا.”

“إذن، لماذا أنتِ غافلةٌ هكذا؟ التجوال المستمر يجعلك مريضة.”

شعرت ديليا أنّ كل كلمة من كاليوس كانتَ تلومها.

ضربت يده التي كانت تمسك كتفيها بعنف ، ثم صرخت بصوتٍ مليء بالغضب نحو كاليوس المذهول:

“هل مرضي يزعجكَ لهذه الدرجة؟ أنت تعرف جيدًا أن تدهور جسدي سببه التوتر!”

“لا أفهم. لماذا تغضبَين فجأةً؟”

“منذ أن كدتُ أتعرض لأمر سيّء في القصر الإمبراطوري، لم يمرّ يوم دون معاناةٍ. ورغم ذلك، ظللتُ أبذل جهدًا معتبرةً إياكَ زوجي، لكن هل حملي يزعجكَ لهذهِ الدرجة؟ هل تتمنى أن يسقط الطفل؟”

“ما الذي …”

كانت أنفاسها تصل إلى حلقها، لكنها لم تستطع التوقف.

هذا الرجل القاسي أمامها، كلما جعلها تفقدُ الأمل، يمنحها بصيصًا منه، ثم يتفوه بكلماتٍ قاسيةٍ كهَذهِ.

شعرت بالغثيان الشديد حتى أصبحت أذناها تصمان، وتفجّر غضبها.

احمرّت عينا ديليا من الغضب وهي تصرخ بصوتٍ مليءٍ بالاستياء: “كل شيء كان عبثًا. لم يكن يجب أن أثق بكَ منذ البداية…”

ربما بسبب الحمل ، لم تتمكّن من التحكم بمشاعرها كالمعتاد.

بينما كانت ديليا تعضّ شفتيها بغضب، تدخّل الطبيب الذي كان يراقب الموقف بهدوء، متوسّلًا إياها أن تهدأ، محذرًا من أن الأمور قد تتفاقم.

لكن ديليا، التي لم تسمع كلمة من الطبيب، أذرفت الدموع ونظرت إلى كاليوس بنظرة حادّة.

أشعر بالظلم، بالظلم الذي يكاد يُجننني. 

‘كان يبدو أحيانًا وكأنه يثق بي، لكن رؤيته يتصرّف بحرية جعلت قلبي يتمزّق.’

بينما كانت تلهث وتواجه كاليوس، تعثّرت ديليا أخيرًا في مكانها.

أمسكت رأسها بيد مرتجفة وكرّرت كلماتٍ غامضة لنفسها:

“لا، ليس هذا …”

“…ديليا؟”

“أنا لست مُعاقةً. لا يوجد عيب في جسدي. ماذا فعلت خطأ حتى تستمرَ في قول هذا؟ هل ارتكبت جريمة، هل نظرت إلى غيركَ؟”

كانت عينا ديليا، وهي تعبّر عن ظلمها وحدها، نصف مفتوحتين.

صرخت بصوتٍ مليء بالألم و هي تنهار أخيرًا.

عند رؤية ديليا و كأنّها على وشك الاختفاء ، أمسكَ بها كاليوس بسرعة.

شعر بإرتفاع حرارتها كأنّها في جحيمٍ مشتعل، ففتح فمه مذهولًا.

“ديليا ، أنتِ!”

“يؤلمني، بطني يؤلمني كثيرًا …”

أمسك كاليوس بسرعة بجسد ديليا.

نادى اسمها مرّات عديدة، لكن لم يأتِ رد من ديليا لفترةٍ، كانتَ مذهولةً، ثم أمسكت بيد كاليوس بخفّة.

وبوجه يتصبّب عرقًا باردًا، وجّهت إلى كاليوس كلمات لوم:

“أنا لست مُعاقةً. وطفلي في بطني ليس معيبًا.”

“نعم، أنتِ على حق. لذا، أرجوكِ، استعدي وعيك.”

“أنا، آه، لا شيء…”

بينما كانت ديليا تحاول قول شيء لكاليوس ، اتّسعت عيناها فجأة، ثم سقطت على الأرض فجأة.

ظلّت ديليا تلهث بصعوبة لفترة، وشحبَ وجهها وهي تحتضن بطنها بصعوبةٍ.

وبعد قليل، بدأ الجزء السفلي من فستانها يتلوّث باللون الأحمر، وتكوَّنت بركة من الدم الأحمر حولها.

رأى كاليوس الدم الذي يحيط بديليا و أضاءت عيناه.

ثم نادى اسم ديليا بصوت مرتجفٍ وكأنهُ لا يصدّق.

لكنّها لم تستطع الرد.

كانت الحياة تتلاشى تدريجيًا من عينيها و هي تنظر إلى بركة الدم التي تتدفّق من تحتها.

عندما أدركَ كاليوس خطورة الموقف ، أمسك بذراع ديليا بسرعة.

و ساند جسدها الذي كان ينهار بشحوبٍ وجهه.

“ديليا ، استعيدي وعيك!”

“…”

كان الرد هو الصمتُ.

نظر كاليوس إلى ديليا ، التي أصبحت مغطاةً بالدم في لحظةٍ، وتجمّد تمامًا.

بينما كان عقله على وشك الانهيار وهي تبدو وكأنها ستموت في أي لحظة، أيقظه إلى الواقع صوت الطبيب المتلهف:

“سيدي، هذا أمر خطير! إذا استمرّ هكذا، لن يكون الطفل فقط في خطر، بل السيدةُ أيضًا!”

اختفى المظهر البارد المعتاد لكاليوس ، وبينما كان مصدومًا من احتمال فقدان ديليا ، استعاد وعيه متأخرًا.

حمل ديليا بحذر، ثم مسح جبيَنها المتعرّق.

في هذه الأثناء، اعتذر الطبيب للحظة و كشف عن كمّ فستان ديليا وبدأ يفحص نبضها بسرعة.

وبعد وقتٍ قصير، شحب وجهه وسحبَ يده.

بعد فحص أجزاء مختلفة من جسد ديليا المنهار ، قال لكاليوس بصوت مرتجف:

“من وجهة نظري … يبدو مشابهًا لأعراض التسمّم”

“سم؟ هل قلتَ سمًا؟”

“نعم، أعتقد أن شخصًا ما قد أعطاها السم عمدًا”

شحوب الوجه المفاجئ ، و تحول الشفتين إلى اللون الأرجواني ، و التنفس الساخن المستمر ، كانت جميعها مشابهة جدًا لأعراض التسمم.

خلع كاليوس معطفه و غطّى الجزءَ السَفلي من جسد ديليا.

ثم حمل ديليا التي فقدت وعيها وانتقل بها بسرعة إلى غرفة النوم في الطابق الثاني.

كانت الخادمات اللواتي كنّ ينظفن غرفة النوم في الطابق الثاني محتارات من ظهور سيدهن المفاجئ.

ثم عندما رأين ديليا في حضنه تنزف ، أسقطن أدوات التنظيف التي كنّ يحملنها.

“ابتعدن فورًا ، دعيني أدخل”

“نعم، نعم …!”

عند سماع صوت كاليوس الحادِ، تحرّكت الخادمات بسرعة.

وضع ديليا التي فقدت وعيها على السرير، وصرخَ بصوت عالٍ أن يحضروا ماءً نظيفًا ومناشف فورًا.

عندئذ ، خرجت الخادمات بسرعة من الغرفة بعد أن أجبن بـ “حسنًا”.

سمعت رئيسة الخادمات بالموقف متأخرًا وهرعت إلى غرفة نوم ديليا.

وأمرت الخادمات بتنظيف أجزاء جسد ديليا الملطّخة بالدم.

وبينما كانت رئيسة الخادمات تحاول فهَم ما يحدث ، سُمع صوت مخيف لم تسمعه من قبل يأتي من فوق رأسها:

“أحضروا الخادمة الخاصةَ بديليا”