“و أنتِ بالكاد قادرة على الاعتناء بجسدك ، فتريدين أن تعيدي ذاكرة أحدهم؟”
رغم كلماته الحادة ، كان كاليوس يربت بلطف على بطن ديليا.
كان تصرفًا ينم عن القلق بوضوح ، حتى أن وجه ديليا احمرّ في لحظتها.
كانت تحدق بشرود في تلك اليد الكبيرة التي غطت بطنها بالكامل ، تومئ برأسها دون وعي.
* * *
“إذن … ما حال الأعراض؟”
وقف الطبيب الذي كان يتحسس نبض ديليا قبل لحظات.
ثم نظر إليها و هي تغفو أثناء الفحص ، و ارتسم على وجهه تعبير معقّد.
“لا داعي للقلق المفرط. على ما يبدو ، السيدة تعاني من بعض آلام البطن نتيجة الضغوط النفسية التي تعرضت لها مؤخرًا …”
طمأن الطبيب كاليوس بأنها ستتعافى قريبًا ، غير أن ملامح كاليوس لم يظهر عليها الارتياح قط.
ظل يحدّق إلى الطبيب الذي يميل برأسه بإستغراب ، ثم اقترب ببطء من ديليا.
رغم مرضها ، ذهبت إلى القصر الإمبراطوري … امرأة ذات عزيمة مذهلة بطريقة ما.
رفع كاليوس خصلات شعر ديليا المبعثرة خلف أذنها.
تمتمت في نومها: “هممم…”
و بدت و كأنها تشعر بعدم الارتياح و هي تتقلب.
ثم، وبدون وعي ، أمسكت بيده التي كانت تزيح شعرها.
“همم … يا زوجي …”
“حقًا ، حتى في نومكِ تتكلمين”
ابتسم كاليوس ساخرًا و هو ينظر إلى ديليا التي أمسكت بيده ، ثم جلس على الكرسي الذي كان الطبيب يجلس عليه قبل قليل ، يتأمل وجهها النائم بهدوء.
لم يصدق أن امرأة نحيلة و صغيرة الحجم مثلها كانت تتحرك و تتصرف من أجله.
و بينما كان يراقب ديليا و هي تتنفس ببطء ، أمسك بيدها برفق كي لا يؤلمها.
ليس من اللائق أن تنهار دوقة هيلدبرانت بسبب الضغط النفسي.
فكّر كاليوس أنه لا بد من إرسال وجبة مقوية لها حين تستفيق، ثم شبك أصابعه ببطء مع أصابع يدها الرقيقة.
* * *
تشبب-! ، تشبب-!
كانت ديليا تغفو من شدة التعب ، لكن صوت الماء المتساقط و صوت التنفس الثقيل القريب أزعجا أذنيها ، فتجهم وجهها.
بسبب إرهاقها من رحلة العربة الطويلة ، وضعت ديليا يديها على أذنيها و أدارت رأسها ، لكن الضوضاء لم تهدأ.
و لم يمضِ وقت طويل حتى جلست منزعجة من مكانها.
من الذي يتجول حولي منذ لحظات …؟
فتحت ديليا عينيها على اتساعهما ، ثم رفعت جفنيها بتعب.
و عندها ، رأت أمامها مخلوقًا يمتلك قرنين حادّين على جانبي رأسه ، و عينين زرقاوين مشقوقتين بالطول ، مع زعانف متلألئة تغطي جسده الهائل.
كان تنينًا ضخمًا ، كأنما خرج من صفحات الأساطير.
وقفت ديليا في مكانها ، فاغرة فمها بدهشة كادت تتحول إلى صرخة.
لكنها في وسط الشلالات المتساقطة من كل مكان ، لم يكن بمقدورها فعل شيء.
فتماسكت بصعوبة عن الإغماء ، و بدأت تتراجع ببطء و حذر كي لا تثير انتباهه.
و في لحظة التوتر تلك ، كان من بادر بالكلام هو التنين الأزرق.
‘ما هذا؟ ألم أمت بالفعل؟’
‘…؟’
‘كنت أظن أنني زلتُ و اختفيت بسبب تلك المرأة ، لكن بما أنني أراكِ هكذا ، يبدو أن حياتي لا تزال متشبثة بك’
كلما واصل التنين كلامه ، ازدادت تعابير ديليا عبوسًا.
كانت تدرك أن هذا حلم ، لكنها لم تفهم كلمة مما يقوله المخلوق أمامها.
و يبدو أن التنين أيضًا ضاق بها ذرعًا ، إذ أطلق زفيرًا من أنفه و نهض من مكانه.
ثم أدار رأسه نحو السماء ، تمدد قليلًا ، و بعدها بدأ يتحرك في الهواء كأنه يسبح متجهًا نحو ديليا.
كان التنين يحدّق بإزدراء إلى جسد ديليا الصغير الذي لا يكاد يُقارن بحجمه الضخم ، ثم أطلق ضحكة ساخرة من أنفه.
و بعدها ، رفع جسد ديليا و وضعها على ظهره ، ثم بدأ يشق السماء طائرًا بسرعة هائلة.
فوجئت ديليا بالموقف المفاجئ و أطلقت صرخة ، فما كان من التنين إلا أن تمتم متذمرًا: “أي نوع من البشر بهذا الضجيج!”
لكنها ، و هي التي لم تفهم كلمة مما قال ، لم تحتمل الأمر طويلًا و أغمي عليها أثناء الطيران في السماء.
* * *
لا يُعلم كم من الوقت ظلّت ديليا تطير على ظهر التنين ، لكنها سرعان ما بدأت تستعيد وعيها إثر صوت طرق خفيف على الباب.
مع أنها كانت قبل لحظات تحلق في السماء مع التنين ، إلا أنها شعرت فجأة و كأنها عادت و اصطدمت بالأرض ، فتنهدت بعمق.
و بينما كانت تحاول استرجاع تفاصيل الحلم الغريب ، تكرر صوت الطرق مجددًا خلف الباب المغلق.
“… ادخل”
ردّت ديليا بصوت واهن ، مؤجلة الحلم العجيب في عقلها.
و فورًا ، عمّ الهدوء الرواق الصاخب ، و انفتح الباب بهدوء.
دخلت الخادمات اللواتي كنّ قد تولين تجميلها في السابق ، و وقفن في وضعية مهذبة. و حين رأين ديليا تستيقظ ، انحنين لها بتحية.
“سيدتي ، لقد استيقظتِ”
“… نعم ، استيقظت الآن فقط. لكن ، ما الذي جاء بكنّ إلى هنا؟”
حين عقدت ديليا حاجبيها في استغراب ، تقدمت الخادمات و اعتذرن لدخولهن الغرفة ، ثم أزحن الستائر عن النوافذ و بدأن يشرحن بصوت حرج.
“بصراحة … عندما كنتِ نائمة حتى وقت متأخر ، ظننا أن صحتكِ ليست على ما يرام”
“هاه؟ نمتُ حتى متى؟”
بدا الارتباك على وجه ديليا و هي تدير رأسها ، لترى أن عقارب الساعة تشير إلى الثالثة بعد الظهر.
اتسعت عيناها بدهشة.
“لقد مضى يوم كامل و أنتِ نائمة. انتظرنا طويلًا ، ثم بدأنا نشعر بالقلق فاضطررنا لطرق الباب”
ابتسمت الخادمات ، و قد بدا التعب جليًا على وجوههن النحيلة.
أحست ديليا بالأسف لأنها تسببت لهن بذلك ، لكنهن لوّحن بأيديهن ، مؤكدات أنهن كنّ منشغلات بأعمال أخرى على أي حال.
أومأت ديليا برأسها على مضض ، ثم نظرت إلى نفسها و قد كانت لا تزال ترتدي قميص نومها الخفيف ، فطلبت منهن أن يأتين لها بماء دافئ.
و بعد أن غسلت وجهها جيدًا بالماء الفاتر ، انتقلت من غرفة النوم إلى غرفة تبديل الملابس ، و خلعت قميص النوم لترتدي ثوبًا مناسبًا. ثم صففت شعرها الطويل إلى نصفين و ربطته ، و أسرعت بالنزول إلى غرفة الطعام.
“تأخرتُ كثيرًا … آسفة لجعلكم تنتظرون حتى هذا الوقت”
عندما وصلت ديليا ، أومأ كبير الطهاة بصمت ثم غادر غرفة الطعام.
تنهدت ديليا بهدوء و هي تتفقد المكان الذي أصبح هادئًا فجأة.
“سيدتي ، هل نحضر لكِ الكرسي؟”
“لا داعي ، يمكنني تدبير ذلك بنفسي”
لطالما اعتادت تناول الطعام وحيدة حين يكون كاليوس غائبًا ، لكنها اليوم ، أحست بصعوبة احتمال هذا الهدوء الجاثم.
حاولت التظاهر باللامبالاة ، و جلست على الكرسي المقابل للمكان المعتاد.
و بينما كانت ترتشف ماءً فاترًا حتى تُحضَر الأطباق ، بدأ شعور غريب يتسلل إليها.
فاستدارت نحو الخادمات و سألت متعجبة:
“لكن … أين رين؟ و لماذا أنتن فقط هنا؟”
“آه … في الحقيقة …”
عند سؤال ديليا ، ارتسمت على وجوه الخادمات نظرات حرج و كأنهن كن يتوقعن لحظة كهذه.
و بينما خيّم جو غريب على غرفة الطعام ، تقدمت إحدى الخادمات الواقفات في المنتصف بحذر و فتحت فمها.
“للأسف … تلك الفتاة لن تعود إلى هنا مجددًا”
“… ماذا؟ ماذا تقصدين بذلك؟”
“لقد ارتكبت خطيئة لا تُغتفر. مؤخرًا ، كان عدد من المجوهرات الثمينة يختفي من غرفة ملابس السيدة ، و عندما قمنا بالتحقق … اكتشفنا أنها كانت تسرق المجوهرات واحدًا تلو الآخر”
في لحظة ، أصبح ذهن ديليا فارغًا تمامًا.
إذن … كانت خادمتها الخاصة ، تلك التي اعتادت الاعتماد عليها بعد رحيل سارا ، تسرق المجوهرات من غرفة ملابسها!
اجتاحها شعور بالخيانة ، و ارتسمت على وجهها ملامح صدمة لا توصف.
و حين لم تستطع أن تقول شيئًا ، و بدت عاجزة عن الرد ، انحنت الخادمات أمامها معتذرات عن إبلاغها بالأمر متأخرًا.
“لا … لا بأس. أنا بخير”
لم يكن لأي من الخادمات أمامها ذنب في هذا.
كان من الصعب عليها أن تصدق أن رين ، التي كانت تتصرف بتفانٍ أمامها ، كانت تقوم من وراء ظهرها بمثل هذا العمل الدنيء.
و بينما كانت ديليا تمسك جبينها ، غير قادرة على لمس الطعام أمامها ، صاحت الخادمة التي في المنتصف فجأة و كأنها تذكرت أمرًا مهمًا.
“آه! بالمناسبة … لقد سمعنا أن خادمتكِ السابقة ، سارا ، ستعود قريبًا”
“يا إلهي … سارا ستعود؟”
بمجرد سماع هذا الخبر السعيد ، هدأت مشاعر ديليا الحزينة دفعة واحدة. فقد كانت سارا الخادمة الأقرب إلى قلبها ، و صديقتها الوحيدة.
احمرّت وجنتا ديليا و ارتسمت على شفتيها ابتسامة مشرقة.
أخذت تدندن بحماس و هي تمسك بأدوات الطعام الموضوعة على الطاولة. ثم ، و هي في مزاج حسن ، وضعت أول قطعة ستيك قريبة منها في فمها.
“… أووغ!”
لكن ما إن ابتلعت القضمة الأولى حتى وضعت يدها على فمها بسرعة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "45"