تلطخت ديليا بالتراب في لحظة ، و أخذت تردد اسم كاليوس الذي كان قد أرسل لها الزهور من قبل ، مرة تلو الأخرى.
و في اللحظة التي بدأ فيها جسدها يميل إلى الأمام ، منهزمًا أمام الألم ، بدأ نسيم بارد يعصف بها ، تتبعه رائحة الأعشاب الكثيفة التي ضربت أنفها بقوة.
كانت تلك رائحة مألوفة جدًا لديليا التي كانت تعتني بحديقة الليلك بنفسها ، لذلك تمسكت بوعيها المتضعضع قدر ما تستطيع.
و عندما رفعت رأسها بصعوبة ، رأت أمامها مشهدًا جميلاً لأزهار الليلك المتطايرة في الهواء.
و ما إن لمست بتعب إحدى تلك الزهور ، و عيناها تفتقران إلى التركيز ، حتى اختفى مشهد الليلك ، و ارتفع صوت قلق من حولها:
“هل أنتِ بخير؟”
“… من أنت؟”
لم تستطع رؤية وجهه بوضوح بسبب وقوفه في اتجاه الشمس. لكن ما بدا لها هو شاب يرتدي قبعة قش كبيرة و يحمل مقص تقليم في يد واحدة.
من الواضح أنه كان يرتدي زيّ البستانيين ، مما جعل ديليا تطلق ضحكة خافتة ، و قد شعرت بالارتياح لأنه ليس الأمير الثالث.
عندها ، قال الرجل بقلق أن تنتظر قليلًا ، ثم عاد بعد برهة و هو يحمل منشفة نظيفة و زجاجة ماء.
بلل المنشفة بالماء و بدأ يمسح بها وجه ديليا المغطى بالعرق.
ثم بللها مرة أخرى و وضعها برفق على عنقها.
و خلال مشاهدتها لهذه الأفعال ، همست ديليا بشفتيها الجافتين: “شكرًا لمساعدتك. يمكنني تدبر الأمر من الآن فصاعدًا”
“نعم؟ لكن …”
أجابها الرجل و هو يهز رأسه قلقًا ، و قد لاحظ أنها ما تزال تلهث رغم مسحه لعرقها. ثم قال إنه سيعتذر مؤقتًا ، و سرعان ما دعم جسد ديليا المنهك بحذر.
كان قد أنهى للتو عمله في الحديقة، فلا بد أنه متعب، ومع ذلك استمر في إظهار حسن نيته نحوها.
شعرت ديليا بالامتنان وكذلك بالحرج، فأخفضت رأسها بتحية خفيفة، محاوِلةً تثبيت بصرها الذي بدأ يتضح تدريجيًا.
“أنا آسفة، جسدي لا يستجيب لي كما ينبغي.”
“آه، لا بأس. من الطبيعي أن يساعد المرء سيدةً مغشيًا عليها”
“لكن … لدي سؤال. هل كل هذه الزهور من عملك؟”
“ليست كلها ، لكني أعتني بنصفها على الأقل. هل تحبين الليلك؟”
نظرت ديليا إلى زهرة ليلك كان قد وضعها الرجل على الأرض. و بمجرد أن رأت بتلاتها تتمايل في النسيم ، ارتسمت على شفتيها ابتسامة باهتة.
“نعم، إنها زهرتي المفضلة”
ارتجفت نبرتها قليلًا ، لكن الشاب أدرك صدق كلماتها، فظهرت على وجهه ابتسامة سعيدة.
“إذا لم تمانعي، تعالي لزيارة حديقة القصر. الليلك هنا يبقى متفتحًا لفترة طويلة”
“آه، هل هذا صحيح …؟”
عادةً ، كانت سترفض مثل هذا العرض بأدب ، لكنها لم تستطع النطق برفض صريح أمام تلك الأزهار التي تم الاعتناء بها بإتقان نادر.
في النهاية ، عندما أومأت ديليا برأسها و كأنها واقعة تحت سحرٍ ما ، دعمها الرجل مرة أخرى ، و بدا على وجهه علامات الرضا.
في تلك اللحظة ، التقطت ديليا رائحة غريبة تصدر من الرجل ، لم تكن قد لاحظتها من قبل.
لم تكن رائحة زهور ، ولا رائحة تراب …
وقفت ديليا وقد ارتسمت على وجهها علامات الحيرة، فتقدم الرجل إليها وعلى وجهه تعبير قلق، وسأل إن كانت تشعر بألم في مكان ما.
عندها فقط استعادت ديليا وعيها، ورفعت شفتيها بابتسامة خفيفة قائلة إنه لا شيء يدعو للقلق، وإنما أصابها دوار بسيط لا أكثر.
وبينما كانت تتكئ على ذراعه، بدأت ديليا تخطو خطواتها ببطء بإتجاه المكان الذي ينتظرها فيه فارس الحراسة.
كان قد مضى أكثر من ثلاثين دقيقة على انتهاء حفل الشاي، لكن ديليا لم تكن قد عادت بعد، ما جعل الفارس يتجهم بقلق و هو ينتظرها.
و ما إن رآها تقترب و هي تتلقى الدعم من رجل غريب ، حتى تغير لون وجهه وهبّ مسرعًا نحوها.
“سيدتي ، هل أصابكِ مكروه؟!”
“لا ، أنا بخير. لقد أصابتني آلام حادة في البطن لفترة قصيرة فقط”
لكن حتى لمن لا يملك نظرة فاحصة ، كانت حالة ديليا واضحة بأنها غير طبيعية ، و لهذا سارع الفارس بمساعدتها على ركوب عربة عائلة هيلدبرانت للعودة إلى القصر.
جلست ديليا في العربة، ثم نظرت إلى الرجل الذي لم تسأله بعد عن اسمه. فإبتسم لها مرة أخرى، ودعاها لزيارة الحديقة مجددًا.
رغم أن مظهره بدا أصغر من سنه الحقيقي ، إلا أن براءته جعلت ديليا تبتسم بدورها بلا وعي. ولوّحت له بيدها في وداع هادئ.
وما إن جلست في العربة ، حتى لم تجد حتى الوقت لتشعر بالخوف؛ فقد غلبها التعب و أغمضت عينيها على الفور.
قضت وقتًا طويلًا في العربة دون أن تستيقظ ، و لم تفتح عينيها إلا عندما وصلت إلى قصر هيلدبرانت.
نادت العربة أن قد وصلت ، فرفعت ديليا جذعها بتثاقل.
فركت عينيها و هي شبه غائبة عن الوعي ، ثم تثاءبت بهدوء و نهضت من مقعدها. و بينما كانت ترتب شعرها المنفوش و تصلح فستانها المجعد ، سُمِع طرق خفيف على باب العربة.
ظنت أن الطارق لا بد أن يكون فارس الحراسة ، فقالت بعبارة معتادة أن ينتظر لحظة ، ثم فتحت الباب.
عندما أصاب وجهها وهج الشمس القوي ، عقدت حاجبيها من شدة الضوء. و فجأة ، ظهر ظل أسود أمام عينيها ، حاجبًا أشعة الشمس الحارقة.
“كنتُ أشعر بالضيق أصلًا ، فشكرًا على هذه اللفتة”
قالت ديليا ذلك ، ممسكة بطرف فستانها بيد ، و مدّت الأخرى نحو من ظنته الفارس ليأخذ بيدها. لكن الوقت مضى، ولم يصدر أي رد فعل، ولا حتى محاولة لمساعدتها.
عندها فقط، ارتسم على وجه ديليا تعبير حذر وانزعاج طفيف.
في اللحظة التي شعرت فيها ديليا بشيء غريب و رفعت رأسها ، كان الجسد الذي كان يحجب عنها أشعة الشمس يقترب شيئًا فشيئًا ، ثم أمسك بخصرها فجأة و رفعها عاليًا.
“كيااااه-!”
في لحظة ، وجدت ديليا نفسها معلقة في الهواء، وامتلأ وجهها بالفزع و هي تصرخ.
نظرت إلى قدميها التي لم تكن تلمس الأرض ، ثم تمتمت بصوت مرتجف: “توقف عن المزاح … و أنزلني فورًا”
“…”
“ألا تسمعني أيها السيظ؟”
شعرت ببرودة مفاجئة تجتاح عمودها الفقري.
لم يكن فرسان عائلة هيلدبرانت من النوع الذي يمزح أو يتلاعب بأجساد أسيادهم.
و مع ذلك ، ها هو يتجاهل طلبها بالنزول بعدما رفعها بهذا الشكل.
و بينما كانت تتخبط للحظة في الهواء ، احمرّ وجه ديليا و صرخت بصوت غاضب: “ما الذي تفعله منذ قليل؟!”
“هذا ما يجب أن أسألكِ عنه”
كانت تظن أن الصوت سيكون صوت أحد الفرسان ، لكن حين سمعت صوتًا لم تتوقعه ، رفعت ديليا رأسها فجأة.
و هناك ، أمام ناظريها ، كان كاليوس ممسكًا بخصرها بيد واحدة ، و وجهه مليء بالحدة و الصرامة.
“يا … زوجي …؟”
بصراحة ، حتى لو امتلكت عشرة أفواه ، لما استطاعت أن تجد مبررًا.
كان كاليوس قد طلب منها صراحة أن تبقى بهدوء في القصر ، لكنها عصت كلامه و ذهبت إلى حفلة الشاي التي أقامها ولي العهد الثاني. و لهذا ، لم تستطع أن تقول شيئًا.
ظلّ كاليوس ينصت إلى كلام ديليا بصمت طوال الوقت ، ثم أطلق ضحكة ساخرة و هو يتحدث لأول مرة.
“ألم تقولي أنكِ متعبة؟ و مع ذلك تتجولين بخفة”
“هذا … لا عذر لي”
“هل استمتعتِ بالتصرف كما يحلو لكِ؟ كيف كانت حفلة الشاي في القصر الإمبراطوري؟”
لم تستطع أن تجادل في كلام كاليوس.
و بينما كان وجهها يزداد شحوبًا ، ظل هو ينظر إليها للحظة ، ثم أنزلها إلى الأرض و هو يعلن بصوت حاد:
“أنا لا أحب الكاذبين. لذا ، ستبقين في القصر لبعض الوقت”
كانت ديليا تتوقع أن يغضب بشدة ، لكن صوته كان أكثر هدوءًا مما توقعت ، فتنهدت براحة في سرها.
و أومأت برأسها متعهدة أن تأخذ كلامه بعين الاعتبار.
اعتقدت أن كل شيء قد انتهى عند هذا الحد … لكن حينها ، تقدم الفارس الذي كان يحرسها طوال الوقت قائلاً إن لديه أمرًا ليبلغه.
اقترب الفارس من”كاليوس و همس في أذنه بعد أن غطى فمه بيده.
و بينما كان كاليوس يصغي ، اتسعت عيناه تدريجيًا ، ثم ابتعد عنه الفارس مسرعًا قائلًا إنه سينسحب الآن.
أدار كاليوس رأسه نحو ديليا التي ارتبك وجهها ، ثم نظر إلى بطنها التي كانت تخفيها تحت فستانها ، و ارتعش حاجبه.
بعدها ، اقترب منها خطوة و سألها بصوت خافت:
“منذ متى و أنتِ تشعرين بتوعك؟”
“آه … هذا …”
يا لسوء الحظ … لقد تم إبلاغ كاليوس بأمر ألم البطن الذي أصابها في القصر الإمبراطوري.
نظرت ديليا إلى الفارس بنظرات خيانة ، متسائلة كيف فعل بها ذلك.
أما الفارس فحكّ خده وحرّك نظره وكأنه لم يكن بيده حيلة.
قال كاليوس بنبرة تهديد باردة: “قولي الحقيقة كاملة دون نقص. إن لم تفعلي ، فسأستجوب بنفسي من ساعدكِ”
“ستحقق مع من ساعدني …؟”
“نعم. لذا ، اخبريني الحقيقة. و إن لم تفعلي ، فلن أترك من التقيتِ بهم في القصر بسلام”
لم يكن هناك مفر أمام تهديد كاليوس الحاد.
و في النهاية ، بدأت ديليا تسرد كل ما حدث ؛ من شعورها بوخز في بطنها أثناء المشي في القصر ، ثم ألم الرأس الشديد و التعرق البارد الذي أصابها.
بينما كان كاليوس يصغي إلى وصف أعراضها بصمت ، كان وجهه يزداد عبوسًا.
و مع اقتراب نهاية الحديث ، بدأ وجهه يعكس نية قاتلة.
و في النهاية ، أمر بصوت ثقيل:
“أحضِر الطبيب فورًا.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "44"