رغم أن الأمير الثاني للإمبراطورية تحدث بهذا القدر من الصراحة ، فإن تجاهل كلماته في هذا الموقف كان سيؤدي حتمًا إلى انتشار الشائعات في أرجاء المجتمع الراقي خلال وقت قصير.
في النهاية ، تنهدت ديليا داخليًا و هي ترفع فنجان الشاي الموضوع أمامها إلى شفتيها.
إيفلين التي كانت تراقب ديليا و هي تشرب الشاي ، سرعان ما أغلقت عينيها برفق.
و كأنها أكملت خطتها ، استدارت دون أي تردد ، و كأنها لم تعد تملك ما تتمسك به.
ديليا ، و هي تراقب ظهرها الذي يبتعد ، لم تستطع التخلص من الشعور بعدم الارتياح.
تنهدت ديليا مرة أخرى في داخلها ، و أبعدت فنجان الشاي الذي كانت تمسك به. ثم ، وضعت يديها معًا و سألت دانييل بصوت خافت:
“… لكن ، لم أرَ الآخرين منذ مدة”
“همم؟ الآخرين؟”
“الأمير الأول و الأمير الثالث. في الفترة الأخيرة ، لم يظهر أحد منهم غير سموك ، و هذا ما أقلقني قليلًا”
لم يكن من الممكن الاستمرار في تبادل الأحاديث السطحية ، لذا طرحت ديليا السؤال الذي كانت تتوق لمعرفته بشكل غير مباشر.
عندها ، أجاب دانييل و كأن الأمر لا يستحق الاهتمام ، و هو يهز كتفيه ، و بدأ يشرح ما أرادت معرفته: “آه ، لقد أصبح كلاهما غريب الأطوار مؤخرًا. الأمير الأول أغلق على نفسه في مكتبه ، و الأمير الثالث يتنقل في أرجاء القصر و كأنه مطارد من أحدهم. يبدو و كأنه شخص يهرب من شيء ما ، بحق السماء!”
قطّب دانييل حاجبيه بوضوح ، مشيرًا إلى أنه لا يعجبه الوضع.
و حين رأى النبلاء صراحة حديثه عن إخوته بطريقة مهينة ، استنشقوا أنفاسهم بعمق ، و قد تجمد العرق البارد على جلودهم.
ففي وضع كهذا ، لو لم يكن أميرًا ، لكان عُوقب بالإعدام في الحال.
لكن ديليا كانت الوحيدة التي تصرفت بشكل مختلف.
فمنذ البداية ، كانت قد أتت لتجمع معلومات عن الأمراء الآخرين من الأمير الثاني ، لذا شعرت بالرضا لأنها حصلت على المعلومات دون عناء كبير.
قبل عدة أشهر ، عندما أُصيب كاليوس ، لم يكن الجاني مختبئًا في الشرفة ، بل دخل من خلال بابها.
و مع ذلك ، لم يره أحد.
و حتى لو كان القاتل قاتلًا محترفًا و مدربًا ، فإنه من المستحيل ألا يُلاحظ في الحفل.
لذلك ، كان الأكثر اشتباهًا في ارتكاب الجريمة هو المضيف ، أي العائلة الإمبراطورية.
لكن في تلك الليلة ، كان الإمبراطور و زوجته جالسين على العرش طوال الوقت ، و كان الأمير الثاني مشغولًا بالحديث مع النساء من حوله.
لذا ، لم يبقَ مشتبه بهم سوى الأمير الأول ، إيدن ، و الأمير الثالث ، لورين.
لكن ديليا لم تستطع أن تشك بعائلة ملكية مباشرة ، فآثرت الصمت.
غير أن ما قاله دانييل عن سلوك الأمراء مؤخرًا جعل عينيها تتسعان. إذ بدا و كأنها عثرت على خيط غير متوقع.
قبضت ديليا يدها بقوة. و عندما اقترب موعد انتهاء حفلة الشاي التي نظمها الأمير الثاني ، نهضت من مكانها دون أي تردد ، و انحنت برفق قائلة إنها تأمل بلقاء لاحق.
كانت ديليا تعبر الحديقة بخطى أخف من ذي قبل ، و هي تحاول تهدئة قلبها المرتجف على أمل العودة سريعًا إلى القصر.
* * *
“لقد سئمتُ حقًا من كل هذا”
بعد أن عادت إلى قصرها من حفلة الشاي التي أقامها الأمير الثاني ، تنهدت إيفلين.
في الحقيقة ، لم تكن قد حضرت حفلة الشاي من أجل الأمير الثاني أو بنات النبلاء ، بل من أجل ديليا.
كلما فكرت بتلك المرأة التي تواصل التدخل في أمورها ، اشتعل الغضب في صدرها. لكن هذه المرة ، كانت فرصة ذهبية لإزاحتها من طريقها دفعة واحدة.
تذكرت إيفلين وجه ديليا و هي تُجبر على شرب الشاي بتوجيه من الأمير الثاني ، فإرتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيها.
المرأة التي كانت حذرة منها دائمًا ، أصبحت اليوم مطيعة بسبب وجود أحد أفراد العائلة الإمبراطورية ، و هو ما بدا ساخرًا بعض الشيء.
“حقًا، لم تكن شيئًا يُذكر منذ البداية.”
بإستثناء كون زوجها هو كاليوس ، ربّ عائلة هيلدبرانت ، لم يكن لدى ديليا أي سند قوي. أما عائلتها ، آل ماركيز بليك؟
فلا داعي للخشية من خلفية امرأة تُعامَل بإزدراء من قبل شقيقها الأكبر.
صحيح أن وضعها الآن يتطلب بعض الجهد ، لكن إزاحتها من منصب زوجة دوق لم تعد سوى مسألة وقت.
تخيلت إيفلين نفسها إلى جانب كاليوس ، و هي تفتح باب غرفة الجلوس بهدوء.
“أوه ، لقد أتيتِ بالفعل؟”
مررت إيفلين يدها في شعرها الأحمر المتناثر ، و تقدمت نحو الطاولة في الوسط.
جلست على الأريكة الوثيرة ، و فتحت فمها و هي تنظر إلى الشخص الجالس أمامها: “لم نلتقِ منذ مدة ، أليس كذلك؟”
“… مرحبًا ، هل كنتِ بخير في هذه الأثناء؟”
جسد صغير مقارنة بغيرها ، و شعر مضفور يتدلّى إلى الأسفل. و عينان تتقلبان في قلق—كانت تلك هي الخادمة “رين” ، التابعة لديليا.
لم تكن ترتدي زيّ الخادمات المعتاد ، بل كانت ترتدي ملابس سوداء قاتمة ، بدت غريبة بعض الشيء على خادمة من قصر هيلدبرانت.
لكن إيفلين لم تهتم بذلك على الإطلاق ، و جلست و ذراعاها متشابكتان و هي تحدق بالخادمة الصغيرة أمامها.
“كل ما قلته سابقًا كان صحيحًا ، أليس كذلك؟”
“إن كنتِ تقصدين كلامكِ عن أن السيدة قضت ليلة مع الدوق ، فـ …”
عند سؤال رين ، أومأت إيفلين برأسها.
قبل فترة قصيرة ، أخبرت رين إيفلين بأن ديليا و كاليوس قد مارسا العلاقة.
في البداية ، صرخت إيفلين نافيةً الأمر، واصفةً إياه بالكذب.
لكنها قبلت الحقيقة بعد قليل ، و قررت ألا تترك ديليا بسلام.
بدأت بالتخطيط عبر كبير خدمها. و بعد عدة أيام ، كان بين يديها دواء إجهاض غير متوفر في الأسواق.
ثم بعثت برسالة إلى الأمير الثاني ، طالبةً منه تنظيم حفلة شاي في القصر قريبًا.
و عندما سألها عن سبب الطلب المفاجئ ، وعدته بأنها ستساعده على الاقتران بديليا لاحقًا إن لبّى هذا الطلب.
الأمير الثاني ، دانييل ، الذي كان يُبطن اهتمامًا بديليا منذ حادثة الشرفة ، لم يجد العرض سيئًا ، فوافق.
لكنه شدد على ألّا تنسى وعدها له.
“إذًا … هل نجحت الخطة؟”
“بالطبع ، هل تعتقدين أنني سأُفسد الأمر؟”
مع نبرة إيفلين الواثقة ، تنفست رين و ظهرت على وجهها علامات الراحة.
في الواقع ، كانت رين هي من أخبرت إيفلين أولًا ، قبل إيزابيلا. و لو فشلت الخطة ، لكانت إيزابيلا ستُصبّ عليها جام غضبها ، لذا شعرت براحة كبيرة.
“صحيح أن الدواء ليس فوري المفعول ، لكنني سمعت أن تأثيره مؤكد ، فلا تقلقي”
كانت إيفلين تظن أنها ستتزوج كاليوس قريبًا. لكن ديليا التي تظهر من حين لآخر كانت دائمًا تعيق طريقها.
و لأنها لا تعرف متى سيستعيد كاليوس ذاكرته ، قررت هذه المرة أن تزيح ديليا نهائيًا.
ضحكت مجددًا و هي تتذكر كيف كانت ديليا تشرب الشاي الذي قدمته لها بهدوء.
يا لهذه المرأة الغبية ، كيف تجرؤ على الوقوف في طريقي؟
وضعت يدها على الزجاجة الفارغة في جيبها ، و تنفست بعمق و هي تتخيل ديليا تنهار ، متقيئة الدم.
* * *
“هاه …”
سارت ديليا نحو المكان الذي كان ينتظرها فيه فارس الحراسة.
حسب ما قاله دانييل قبل قليل ، فإن الأمير الأول مغلق على نفسه في مكتبه ، بينما الأمير الثالث لا يبقى في مكان محدد.
و هذا يعني ، أنه إن كان الجاني هو الأمير الثالث ، فقد تتعرض ديليا للقتل في أي لحظة داخل القصر.
… من الأفضل أن أتجنب دخول القصر لفترة.
رغم تعقيد الوضع ، فإنها شعرت ببعض الارتياح لأنها حصلت على معلومتين ثمينتين و لم تخرج صفر اليدين.
كانت تشعر بالسعادة لأنها لن تؤذي كاليوس مجددًا ، و قررت أن تشاركه المعلومات التي جمعتها.
رغم أنها حضرت حفلة الشاي دون علم كاليوس ، فإنها لم تعد تشعر بالذنب كثيرًا بعد ما خرجت بمكاسب.
ابتسمت بشيء من الراحة ، لكن فجأة ، شلّها ألم حاد في أسفل بطنها و أجبرها على التوقف.
ظنت أولًا أن الأمر بسبب التوتر الذي تراكم حتى تحول إلى ألم في البطن.
لكن مع مرور الوقت ، بات الألم و كأن هناك من يقطع بطنها و ظهرها بسكين ، فسقطت ديليا دون أن تتمكن حتى من التنهد.
ضمت جسدها الساخن فجأة ، و عضّت شفتيها.
شعرت بأن فقدان وعيها داخل القصر لن يكون أمرًا جيدًا.
فحاولت النهوض رغم الألم الشديد الذي مزّق جسدها.
“عزيزي … كاليوس …”
في اللحظة التي خطرت فيها صورة كاليوس في ذهنها ، تلاشت الرؤية أمام عينيها و بدأت دموعها تنهمر دون وعي.
في النهاية ، توقفت ديليا عن المشي ، و أسندت جسدها إلى عمود في الحديقة. أنفاسها كانت متقطعة ، و بصرها شارد ، و في النهاية ، سقطت على الأرض جاثية من جديد.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "43"