كانت ديليا جالسة أمام المكتب ، تقضم أظافرها ، و حين سمعت صوت طرق خفيف على الباب ، بدا الارتياح على وجهها.
و مع كلمة “ادخل” ، أخرجت رسالة كانت محفوظة في الدرج.
“أعتذر لإزعاجك و أنت مشغول. أريدك أن ترسل هذه الرسالة إلى القصر الإمبراطوري”
“نعم؟ هذا يعني …”
“نعم ، أنا أنوي حضور حفلة الشاي في القصر الإمبراطوري”
كانت يدها التي تحمل الرسالة الموجهة للقصر الإمبراطوري ترتجف بين الحين و الآخر.
بصراحة ، لم يكن هناك سبب حقيقي يدفعها لحضور حفلة الشاي في القصر ، لكن فكرة أن يُصاب ذلك الشخص مجددًا بسببها بدأت تلحّ عليها بشدة.
ربما قد يساء فهمها مجددًا من قبل كاليوس بسبب هذه الخطوة ، لكن من أجل ذلك الشخص الذي أهدى لها زهرة الليلك ، شعرت أن حضور حفلة الشاي هذه المرة هو القرار الصحيح.
كانت تعتقد أن لديها خيارًا ، لكنها لم تستطع إخفاء قلقها من الشعور بأنها تنجرف في الوضع دون حول لها ولا قوة.
و بسبب ملامح ديليا القلقة ، شحب وجه الخادم العجوز.
كان من السهل تفهم شعور الخادم العجوز.
فهي ليست مجرد حفلة عادية ، بل حفلة شاي يستضيفها الأمير الثاني ، علاوة على أنها ليست في حالة صحية جيدة.
و مع ذلك ، لم تستطع ديليا التراجع.
إن كان هناك حتى احتمال ضئيل بأن يكون كاليوس متورطًا في هذه الحادثة ، فعليها أن تكشف الحقيقة مهما كان الثمن.
بصراحة ، شعرت أن ما حدث بينها و بينه كان صادمًا إلى درجة جعلتها تمرض.
بدأت تشك إن كانت تفعل الصواب بمحاولة استعادة ذكريات لا يريدها ذاك الشخص الذي كان يدفعها بعيدًا بإستمرار.
لكن، مجرد التفكير في أنه قد يكون في خطر كان صدمة لها.
و يبدو أن هذا وحده دليل على أنها لا تزال تحب كاليوس.
“لكن … يا سيدتي ، ليس من المؤكد أنك ستتعرضين للخطر. بالإضافة إلى أن هذه الدعوة من الأمير الثاني ، وقد تتعرضين للشك مرة أخرى …”
“… هذا أيضًا من أجلي. حتى إن لم يكن له علاقة بالأمر ، فإن شقيقي جيريمي قد يتعرض للخطر أيضًا”
“سيدتي!”
صُدم الخادم العجوز ، و كأن ما سمعه كان لا يُصدَّق. و كان ذلك رد فعل مفهوم تمامًا ، لكن لم يكن من المنطقي الاستمرار في البقاء في الظل إلى الأبد.
“الهجوم حينها حدث أيضًا على تلك الشرفة. لدي شعور أن الأمير الثاني … قد يكون على علم بشيء”
“لكن، صحتك ليست على ما يرام …”
“ألم تكن أنت من قال إننا إن وجدنا الجاني في حفلة القصر ، فقد يستعيد ذاكرته؟”
ارتفع صوت ديليا الحاد ، و اتسعت عينا الخادم العجوز و كأن كلماتها أصابته في الصميم. نزع النظارة الأحادية من عينه و ركع أمام ديليا.
“سيدتي ، لا أستحق العفو. لقد قدّمتُ مصالح صاحب السمو على سعادتكِ ، و دفعتُكِ إلى الجحيم. و أنا غافل عن ذلك حتى الآن ، و هذا دليل على جهلي”
“لا، فقط … لم أكن واثقة من قدرتي على إيصال مشاعري بالكلام وحده”
اختفى كبرياءها المعتاد، وظهر عليه الحزن العميق وهو يقول إنه سينسحب إلى أن تهدأ مشاعرها الغاضبة.
بدا عليه الذنب الشديد.
كانت ديليا تحدّق في الخادم العجوز وكأنّه على وشك مغادرة القصر في أية لحظة، ثم اقتربت منه ومدّت يدها لتناول النظارة الأحادية التي سقطت على الأرض، وقدّمتها له.
“لا تكن قاسيًا على نفسك … لست أحمّلك الذنب”
“و لكن …”
“إن كنت تشعر حقًا بالذنب ، فـعِدني بشيء واحد. في المستقبل ، إن جاء يوم أطلب فيه منكَ معروفًا ، فلتلبيه لي دون تردد”
تفاجأ الخادم العجوز بكلام ديليا ، ولم يستطع إخفاء دهشته.
أن تتغاضى عن كل ما حدث مقابل وعدٍ بتنفيذ أمنية في المستقبل؟ لقد كانت ديليا ، بالنسبة له ، منقذة حياته.
“نعم ، أفهم. أعدكِ ، سأفعل ذلك حتمًا”
“حسنًا ، أنا ممتنة لك جدًا”
لم تكن تعرف ما الذي سيحدث لاحقًا ، لكن منح نفسها نافذة صغيرة للتنفس كان كفيلاً بمنحها شيئًا من الطمأنينة.
ثم ساعدت ديليا الخادم العجوز ، الذي لا يزال راكعًا ، على الوقوف. و أطلقت تنهيدة صامتة و هي تفكر بالمستقبل الذي بدا محفوفًا بالمخاطر.
***
في صباح اليوم الذي يُقام فيه حفل الشاي الذي ينظمه الأمير الثاني ، شعرت ديليا بأن اليوم الذي كانت تتمنى ألا يأتي … قد جاء بالفعل.
أخذ العبوس يعلو وجهها منذ الصباح ، مما أثار قلق الخادمات اللواتي كن يجهزنها.
لكن لم يكن بوسعها أن تقول: “أنا ذاهبة للتحقيق بشأن من حاول قتلي” ، لذا اكتفت بهز كتفيها قائلة إن الأمر لا يستحق القلق.
تفاجأت الخادمات من نية ديليا حضور حفل الشاي الخاص بالأمير الثاني ، و لم يترددن في إطلاق تعليقات لاذعة من قبيل: “ألا يمكنك فقط البقاء بهدوء في قصر هيلدبرانت؟”
لكن الأمر المهم هنا هو أن ديليا لم تكن تذهب إلى الحفل برغبةٍ منها.
كانت تذهب بحثًا عن دليل قد يقود إلى الشخص الذي حاول إيذاءها من قبل ، و الذي قد يهدد كاليوس مرة أخرى.
لذلك، لم تُعِر ديليا اهتمامًا لكلمات الخادمات المليئة بالضيق.
“حسنًا ، لا خيار لنا على ما يبدو. إذن، هل تمانعين أن نضع لكِ مكياجًا خفيفًا لا يلفت الأنظار؟ ونجهز لكِ فستانًا بلون بنفسجي داكن؟”
“نعم، هذا يبدو مناسبًا”
كانت ديليا ترتدي عادةً فساتين زاهية تتناسق مع بشرتها البيضاء، لكنها قررت هذه المرة اختيار لون يُقلل من بروز ملامحها قدر الإمكان.
فقد انتهت حفلة القصر بالفعل ، و لم تعد هناك حاجة لإبراز جمالها ، لذا طلبت منهم أن يُزيّنوها بأي طريقة، وأغمضت عينيها.
بدأت الخادمات بالعمل بسرعة ، ثم أحضرن من غرفة الملابس فستانًا يغطي كامل جسدها، لا يحتوي على أي انكشاف ، و يخالف آخر صيحات الموضة، وألبسنها إياه.
و رغم ذلك ، بدا على الخادمات أنهن غير راضيات، فقطّبن وجوههن و جمعن شعر ديليا المنسدل لأعلى وربطنه بشكل دائري.
“يا إلهي ، النتيجة أفضل مما توقعت”
“صحيح، لا يبدو أنها ذاهبة إلى القصر الإمبراطوري أبدًا”
انعكس في المرآة مظهرٌ يوحي و كأنها متجهة إلى جنازة.
إطلالة تعلن بوضوح: “لا تقترب مني” ، مما جعل ديليا تبتسم بصمت.
عندما سألتها الخادمات إن كانت ترغب في ارتداء أي إكسسوارات إضافية، هزّت ديليا رأسها رافضة.
فقد بدا من المؤكد أن ارتداء حلي فاخرة مع هذا الفستان سيجعلها تبرز بشكل لافت.
نظرت ديليا إلى انعكاسها في المرآة ، و قد شعرت بالرضا عن مظهرها، ثم غادرت غرفة الملابس متجهة نحو الممر.
أتمنى فقط ألّا يحدث شيء هذه المرة …
تنهدت ديليا تنهيدة ثقيلة وهي تنزل إلى الطابق الأول.
بصراحة، فكرة عودتها إلى القصر الإمبراطوري بعد أن كادت تتعرض للاعتداء من قبل الأمير الثاني منذ أيام فقط ، كانت تخيفها حد القشعريرة.
صلّت بصمت، راجية ألّا يتكرر ما حدث سابقًا. ثم سارت بخطى سريعة بإتجاه العربة التي كان من المفترض أن ينتظرها عند المدخل.
عند وصولها ، وجدت عربة مزينة بشعار عائلة هيلدبرانت ، و فارسًا مسلحًا بسيف على خصره واقفًا بجوارها.
“سيدتي ، أرجو أن تحرصي على سلامتكِ”
“نعم، لا تقلق كثيرًا ، سأعود كما أنا تمامًا … و أيضًا ، قم بتحيته ، و قل له إنني سأعود بخير”
بعد أن علم كاليوس بأن ديليا تنوي حضور حفلة الشاي التي يستضيفها الأمير الثاني ، حاول منعها من الخروج ، قائلًا إنها تتجه نحو الخطر مجددًا. لكنها خرجت خلسة ، لذا لم يكن من الممكن أن يأتي ليودعها.
رغم ذلك ، لم تستطع منع نفسها من إلقاء نظرات خاطفة متكررة نحو الباب الرئيسي ، على أمل أن يظهر كاليوس في اللحظة الأخيرة.
لكنها صعدت إلى العربة وحدها في النهاية ، و أطلقت تنهيدة حزينة بينما كانت تنظر إلى قصر هيلدبرانت الذي بات يبتعد شيئًا فشيئًا.
عندما اقتربت العربة من القصر الإمبراطوري حيث يقيم الأمير الثاني ، لاح لها بستان أكبر من حديقة هيلدبرانت نفسها. و بينما كانت تحدّق من النافذة مذهولة بجمال المنظر ، توقفت العربة ، فخرجت ديليا منها بسرعة.
انبهرت بالحديقة التي بدت و كأنها مزروعة بأزهار الهياسنت البيضاء النقية وغيرها من الأزهار الجميلة، وراحت تعبر عن إعجابها المتكرر. كان عبير الزهور الحلو يملأ أنفها وكأنه خمر عذب يُسكر دون أن يُشرب.
و أثناء انشغال الفارس المرافق لها بتفقد الطريق ، كانت ديليا تجثو لتتأمل الأزهار عن قرب.
رغم أن الزهور بدت شبه ذابلة قليلًا بفعل اقتراب الصيف ، فإن الحديقة كانت من أفضل الحدائق التي رأتها في حياتها من حيث العناية والجمال.
ابتسمت ديليا لأول مرة منذ زمن، بإبتسامة صادقة، وهي تتأمل هذا المكان الذي بدا كجنة أرضية.
و فجأة ، سمعت صوت خطوات تقترب و صوت ضحكة غريبة مألوفة. و قبل أن ترفع رأسه ا، وقف صاحب الصوت أمامها و هو يبتسم ابتسامة هادئة.
“منذ ذلك الوقت ، هذه أول مرة نلتقي فيها ، أليس كذلك؟”
“أنتَ …”
“بدلاً من قول أنتَ ، أليس من الأفضل أن تناديني بـ السيد دانييل … أو صاحب السمو ، الأمير الثاني؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "41"