رغم أن العلاقة بينهما قد تمت بإتفاق متبادل ، إلا أن ديليا شعرت بالبؤس كلما التقت عيناها بنظرته الجافة الخالية من أي مشاعر. بدا لها و كأنها قد سلّمت نفسها له فقط مقابل لقب “زوجة الدوق”.
و ربما شعر كاليـوس بمشاعرها تلك من تعابير وجهها ، إذ ابتسم بسخرية و كأن الأمر لا يصدق ، ثم اقترب بجسده من جسدها أكثر.
انتقلت حرارة جسده الدافئة عبر ملابسهما ، لكنها شعرت بها و كأنها برودة غريبة.
حاولت ديليا كبح مشاعر الغضب و الحزن التي اندفعت داخلها ، فأغمضت عينيها بإحكام لتُهدئ نفسها.
عندما هدأت ديليا قليلاً ، فك كاليـوس زينة البدلة الرسمية التي كانت تخنق عنقه ، ثم أمسك وجه ديليا ببطء ، و كأنه يحاول لفت انتباهها بعيدًا عن تجاهلها المتعمد لما يحدث.
“استفيقي. تذكّري أنكِ معي الآن”
“أن … أتذكر أنني معك؟”
نظرت ديليا إليه بعينين مرتجفتين ، ثم أدارت وجهها بعيدًا.
لكن سرعان ما فُرضت عليها الحقيقة بأفعال كاليـوس:
ازدادت ملابسها التي كانت مفككة أصلاً اضطرابًا بسبب حركته ، و ارتجف جسدها في كل مرة تلامست فيها يده مع بشرتها التي لم يلمسها أحد من قبل.
قال كاليـوس بهدوء: “كما قلتِ، يبدو أن هذه هي المرة الأولى فعلًا”
ثم ضم خصرها إليه و ألصق جسده بجسدها أكثر.
لكن لماذا؟
رغم أنها تعيش لحظة العلاقة مع الرجل الذي تحبه — كاليـوس — كلما اقتربت منه جسديًا ، كلما اجتاحها شعور بالحزن.
نظرت ديليا إلى كاليـوس ، الذي كان غارقًا في “واجب الزوجة” ، و فكّرت: من الواضح أنه يرى الأمر كأداء لواجب أكثر من كونه لحظة حب.
لماذا وقعت في حب رجل كهذا؟ لماذا عليها أن تتذوق مرارة الذل بسببه؟ ما المميز في رجل سلّمها أوراق الطلاق بنفسه حتى تحبه إلى هذا الحد؟
نظرت إلى كاليـوس ، الذي كان يطبع قبلة على شفتيها، وابتسمت بسخرية حزينة.
لم تقل شيئًا … فقط ذرفت دموعًا صامتة.
كان كاليـوس يحدّق فيها بصمت ، قبل أن تظهر على وجهه تعابير غريبة.
أمسك بيديها ، و أغمض عينيه دون أن ينطق بكلمة.
كانت تلك اللحظة التي اهتز فيها حب ديليا له للمرة الأولى.
***
بعد أن انتهت علاقتها مع كاليـوس ، مدت ديليا يدها نحو الحبل المعلّق في السقف و سحبته برفق.
دخلت الخادمات إلى غرفة النوم على عجل ، و ما إن رأين آثار الاحمرار التي انتشرت في أنحاء متفرقة من جسد ديليا ، حتى شحب وجههنّ من الصدمة. تبادلن نظرات صامتة بينهن ، ثم أسرعن إلى مساعدتها على النهوض.
“سيدتي ، سنأخذكِ إلى غرفة تبديل الملابس”
“…حسنًا”
خطت ديليا خطواتها ببطء ، مستندة على من يدعمها. و برغم أنها كانت قد نزعت الكعب العالي ، إلا أن مشيتها المتعثرة بدت و كأنها لا تزال ترتدي الحذاء ، مما زاد من الإحساس بالحزن تجاهها.
ظل كاليـوس يراقب بصمت حتى دخلت ديليا غرفة الملابس ، ثم نهض فجأة من مكانه.
و عندما مر عبر الممر الهادئ متجهًا إلى مكتب العمل ، كان بإنتظاره هناك مستشاره المخلص جيفري.
و يبدو أن جيفري قد سمع عمّا حصل قبل قليل ، إذ نظر إلى كاليـوس بتعبير جاد لم يعهده عليه من قبل.
اقترب منه بخطى سريعة ، و سأله بصوت مرتجف:
“جلالتك ، ما الذي حدث بحق السماء؟”
“تتدخل في ما يجري بين الزوج و زوجته؟ يبدو أنك تفتقر للبديهة يا جيفري”
“و لكن ، من الصعب أن نعتبر ما جرى أمرًا طبيعيًا بين زوجين ، و حالة سيدتي تدل على ذلك بوضوح”
قطّب كاليـوس حاجبيه و هو يهمّ بفتح باب المكتب ، و كأن كلمات جيفري قد أثارت انزعاجه.
لكن جيفري ، الذي لاحظ تغير تعابير سيده ، وقف في طريقه مجددًا و ناشده: “أرجوك ، أخبرني بالحقيقة. إن استمر الأمر على هذا النحو … فقد تنهار سيدتي تمامًا”
“…”
في الحقيقة، لم يرغب كاليـوس في الحديث عمّا جرى في القصر الإمبراطوري.
فكرة أن زوجته كادت تتعرض لاعتداء من قِبل الأمير الثاني أثناء الحفل الذي حضروه بعد غياب طويل ، لم تفارقه. وكان يشعر بالشفقة والغضب من نفسه ، لأنه لم يحمها منذ البداية.
“يجب أن أمنعها من الخروج قدر الإمكان من الآن فصاعدًا”
“ماذا؟ تقصد أنك ستمنعها من الخروج؟”
ظلّت ملامح ديليا المجروحة — التي كان يفترض أنها تحبه — عالقة في ذهنه ، خاصة بعدما أصبحت العلاقة بينهما أكثر حميمية.
لكن ما أزعجه أكثر من كل شيء … هو أنه ، رغم كل ذلك ، لا يزال يشعر برغبة عارمة تجاه المرأة التي كانت تنتحب.
كلما ازداد اقترابه من ديليا ، كلما شعر بأنه لا يعود نفسه.
و هذا الإحساس كان يثير فيه الضيق و الغضب بلا حدود.
عقله يخبره أن الانفصال عنها هو الحل المنطقي … لكن قلبه كان يرفض الفكرة بشدة.
ببساطة ، كان الوضع من البداية إلى النهاية ، مزعجًا بكل تفاصيله.
دخل كاليـوس إلى مكتب العمل و فتح الباب ، ثم استرخى على الأريكة و أسند جسده إليها. أغمض عينيه ببطء بينما يستحضر في ذهنه صورة ديليا و هي تبكي أمامه.
أما ديليا ، التي عادت إلى غرفتها بمساعدة الخادمات ، فقد خلعت فستانها مباشرة بعد دخولها.
تفاجأت الخادمات من تصرفها المفاجئ ، لكن سرعان ما جمدن في أماكنهن حين رأين العلامات المنتشرة على جسدها.
للحظة بدت ملامحهن مصدومة و عاجزة عن الكلام.
ثم هرعن لإحضار منشفة كبيرة و لففن جسد ديليا بها برفق ، محاولات إخفاء الآثار التي خلفها كل ما جرى.
“سيدتي ، دعينا نأخذكِ إلى الحمّام”
“…حسنًا”
أومأت ديليا برأسها موافقة ، بصوت بالكاد خرج منها.
وعندها فقط أدركت الخادمات أن حتى هذه الحركة الصغيرة قد تطلبت منها كل طاقتها ، فلم يجرؤن على قول شيء.
زوجها الذي فقد ذاكرته ، يجبرها على الانفصال ، و امرأة جديدة تُدعى إيفلين تظهر في حياته ، ثم حفل القصر الإمبراطوري الذي كان من المفترض أن يكون مناسبة سعيدة ، انتهى بعودتها إلى القصر و بدء علاقة لم تكن تتوقعها بهذا الشكل.
ديليا بدت و كأنها قد تختفي من العالم بمجرد لمسة ، فباتت الخادمات يسرعن في كل حركة و هن يساعدنها.
“هاه …”
جلست ديليا في حوض الاستحمام وسط البخار المتصاعد ، و حدّقت في انعكاس صورتها في المرآة.
العلامات التي غطت جسدها ، من الرقبة إلى الأطراف ، كانت بشعة لأي عين تراها. و في لحظة انكسار ، وضعت كلتا يديها على وجهها و صرخت بصوت ممزوج بالبكاء.
راحت تخدش جسدها بأظافر حادة ، تمرّرها بعنف على بشرتها البيضاء ، تاركة خلفها عشرات الخطوط الرقيقة.
تجاهلت الدم الذي بدأ يظهر على أطراف أصابعها ، و كررت ذلك مرارًا.
رؤية ديليا و هي تؤذي نفسها بتلك الطريقة جعلت وجوه الخادمات تشحب من الرعب. ركضن نحوها و اعتذرن بانفعال ، ثم أمسكن بيديها بكل ما أوتين من قوة.
“أتركوني! أرجوكن!”
“سيدتي ، أرجوكِ ، اهدئي! لم تكوني هكذا من قبل!”
توقفت ديليا عن المقاومة عند سماع صوت الخادمة المتوسل.
أطلقت زفرة قوية بينما تنظر إلى الفراغ ، ثم بدأت ببطء تتفحص المكان من حولها.
نظرت إلى جسدها المغطى بتلك الخطوط الكثيرة ، و ارتسمت على وجهها ملامح يأس عميقة.
“آه …”
لا … لا.
هذه لم تكن هي.
هذه المرأة التي تراها أمامها في المرآة … ليست ديليا التي تعرفها.
لطالما كانت تنظر فقط إلى زوجها كاليوس دون تغيير.
لكن ، ماذا حدث لها في قاعة الحفل؟ و لماذا انتهى بها الأمر في علاقة مع كاليوس قبل قليل؟
كانت ديليا تحدق في الفراغ بشرود ، ثم نهضت مترنحة من مكانها. و ما إن مر وقت قصير ، حتى بدأت تدرك كل ما حدث لها ، و انفجرت بالبكاء بصوت عالٍ.
لقد كانت تتصرف دائمًا من أجل كاليوس ، و حتى هذه المرة، حضرت الحفل الإمبراطوري مجبرة فقط لتخمين من حاول إيذاءه. كل ما صمدت من أجله انهار في لحظة واحدة.
ديليا ، التي فقدت معنى الحياة في يوم واحد ، أصبح وجهها شاحبًا كالثلج ، و أخذت تتقيأ بشكل متكرر لا يتوقف.
“سيدتي!”
“هل تشعرين بتوعك؟ أرجوكِ ، افتحي عينيكِ …!”
آه … لقد وصل الأمر إلى هذا الحد بالفعل.
بسبب ما حدث ، سيحتقرها كاليوس أكثر ، و سيشير إليها خدم القصر بالأصابع بإعتبارها امرأة ملوثة.
و بينما كانت ديليا تغرق في أسوأ السيناريوهات ، تمايل جسدها ثم فقدت الوعي و سقطت أرضًا.
و عيناها كانتا لا تزالان تلمعان بالدموع التي لم تجد طريقها للسقوط.
“سيدتي! سيدتي!”
قبل بضع ساعات ، بعد أن أغمي عليها في الحمام و أُعطيت مهدئًا ، استيقظت ديليا ببطء عند سماع صوت يناديها.
لم تعرف كم من الوقت كانت نائمة ، لكن أشعة الشمس الدافئة كانت تتسلل إلى الغرفة المظلمة من خلال النافذة.
مدت ديليا يدها ببطء نحو الدفء خلف النافذة.
ثم ، لاحظت أثر وخز الإبرة على ظهر يدها ، واتسعت عيناها.
وبعد لحظات، استعادت بوضوح كل ما حدث معها، وأغلقت شفتيها بإحكام.
“سيدتي ، كيف تشعرين؟”
ظلت ديليا تحدق في الفراغ ، ثم استدارت نحو مصدر الصوت.
ظنت أن سارا قد عادت بسبب نبرة القلق في الصوت ، لكنها عندما أدارت رأسها ، رأت “رين” بملامحه الطفولية المرتبكة.
كانت ديليا لا تزال متعبة و لم تستطع إخفاء تعابير خيبة الأمل على وجهها.
شعرت “رين” بالحيرة و اقتربت منها بحذر شديد.
“سيدتي ، ما الذي حدث بالضبط؟”
“…”
“لقد ذهبتِ فقط إلى الحفل ، فلماذا عدتِ بهذا الشكل…؟”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "37"